قاتل متسلسل يغزو العالم بسرية

القصة الكاملة لظهور فِطر قاتل يتحدى الأدوية المعروفة ويُهدد حياة الملايين من سكان الأرض

بهدوء يتجوّل هذا القاتل في أنحاء العالم، متسللاً في سرية إلى البيوت والمكاتب من كل اتجاه.

هذه الجرثومة المتنكرة في صورة فطر خطير، ضربت ضحاياها في القارات الخمس، وحطت رحالها مؤخراً في الولايات المتحدة.

القاتل يعرف جيداً كيف ينتشر، كيف يختبئ: في الجدران، والسرير، والأبواب، والستائر، والهواتف، والحوض، والسبورة، والأعمدة، والمضخة، والمرتبة، وأعمدة السرير، وفتحات العلب، وأغطية النوافذ، والسقف، كل شيء في الغرفة يصبح حاملاً للفطر، كما قالها مدير مستشفى أمريكي.

وأيضاً.. في كل مكان لا يخطر على البال.

لكن العلماء بدأوا المطاردة البوليسية مع الجراثيم عبر العالم، من باكستان إلى إسبانيا، ومن جنوب إفريقيا إلى نيوجيرسي.

بدأت المطاردة؛ لأن القاتل الذي يتجوّل في سريّة مرشح للقضاء على 10 ملايين شخص سنوياً في غضون أعوام، لو ظل طليقاً ينتقل من قارة إلى أخرى، ومن غُرف المستشفيات إلى البيوت.

هذا التقرير يستعرض كلَّ ما يجب أن نعرفه عن فطر كانديدا أوريس Candida Auris، وأسباب انتشاره الواسع، وطرق الإصابة به، وأعراضه، وكيفية الوقاية من أخطاره.

في شهر مايو/أيار الماضي، دخل رجل مُسنّ إلى فرع مستشفى جبل سيناء Mount Sinai في بروكلين بنيويورك، لإجراء عملية جراحية في البطن. كشف اختبار دم أنه مصاب بجراثيم غامضة ومميتة اكتُشفَت حديثاً.

عزله الأطباء بسرعة في وحدة العناية المركزة.

توفي المريض بعد 90 يوماً من دخوله المستشفى، لكن الجرثومة لم تمُت.

أظهرت الفحوصات أنها كانت في كل مكان بغرفته، منتشرة بكثافة لدرجة أن المستشفى احتاج معدات تنظيف خاصة، واضطر إلى نزع أجزاء من ألواح السقف والأرضية، للتخلص منها.

وقال الدكتور سكوت لورين، مدير المستشفى، لصحيفة New York Times الأمريكية: «كانت البكتيريا في كل مكان، كل شيء في الغرفة كان به بكتيريا».

الجرثومة وهي فطر يسمى كانديدا أوريس Candida Auris، تهاجم الأشخاص الذين يعانون ضعف الجهاز المناعي، وتنتشر بهدوء في أنحاء العالم. على مدى السنوات الخمس الماضية، أصابت وحدةَ حديثي الولادة في فنزويلا، واجتاحت مستشفى في إسبانيا، وأجبرت مركزاً طبياً بريطانياً مرموقاً على إغلاق وحدة العناية المركزة لديه، وتأصلت جذورها في الهند وباكستان وجنوب إفريقيا. واعتبرتها المؤسسات الطبية في الولايات المتحدة ضمن قائمة الجراثيم التي تعتبر «تهديدات عاجلة».

كانديدا أوريس التي أصابت الرجل في مستشفى «ماونت سيناي»، هي واحدة من عشرات البكتيريا والفطريات الخطرة التي طورت مقاومتها بصورة مدهشة في السنوات الأخيرة.

«هذه الجرثومة كائن مجهول ومخيف لا يمكن التنبؤ به، تضخَّم وأصبح الآن في كل مكان»، كما نقل تقرير الصحيفة عن توم تشيلر، رئيس قسم الفطريات في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، الذي يقود جهود البحث العالمي لوقف انتشار المرض.

هكذا جاءت من الاستخدام الخاطئ للأدوية والمبيدات

تُعتبر كانديدا أوريس مستعصية للغاية أمام الأدوية الرئيسية المضادة للفطريات، وهي مثال لأكثر التهديدات الصحية في العالم: العدوى المقاوِمة للمضادات الحيوية.

التحذير من الاستخدام الزائد للمضادات الحيوية قديم، لكن الأطباء استمروا في وصفها لضحايا العدوى البكتيرية؛ لأنها الأسهل والأسرع أثراً.

ومع أن قادة الصحة العالمية طالبوا بمزيد من ضبط النفس في وصف الأدوية المضادة للميكروبات لمكافحة البكتيريا والفطريات -فقد انعقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2016 لإدارة الأزمة الناشئة- استمر الإفراط في استخدام هذه الأدوية في المستشفيات والعيادات والزراعة.

ببساطة، فإن الفطريات، مثل البكتيريا تماماً، تُطوّر دفاعاتها لمقاومة الأدوية الحديثة.

يقول العلماء إنه ما لم تُطوّر أدوية جديدة أكثر فاعلية، وما لم يُكبح الاستخدام غير الضروري للأدوية المضادة للميكروبات بشكل حاد، فسوف ينتشر الخطر إلى السكان الأفضل صحة.

المضادات الحيوية (أو مضادات البكتيريا) ومضادات الفطريات ضرورية لمكافحة الالتهابات لدى البشر، لكن المضادات الحيوية تُستخدم أيضاً على نطاق واسع للوقاية من الأمراض في حيوانات المزارع، وتُستخدم مضادات الفطريات كذلك في منع تعفن النباتات الزراعية.

وهكذا تُهدد الملايين بالموت في غضون سنوات

يصاب مليونا شخصٍ سنوياً بالعدوى المقاومة في الولايات المتحدة، يموت منهم 23 ألفاً، وفقاً للتقديرات الرسمية لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. استند هذا الرقم إلى إحصائيات من عام 2010، في حين تشير تقديرات حديثة توصل إليها باحثون في كلية الطب بجامعة واشنطن إلى أن عدد الوفيات سيبلغ 162 ألفاً. ويقدّر عدد الوفيات الناجمة عن العدوى المقاومة في جميع أنحاء العالم بنحو 700 ألف.

قدّرت دراسة موّلتها الحكومة البريطانية أنه إذا لم توضع سياسات لإبطاء ارتفاع مقاومة العقاقير، فمن الممكن أن يموت 10 ملايين شخص في أنحاء العالم بهذه الإصابات عام 2050، متجاوزين 8 ملايين من المتوقع أن يموتوا في ذلك العام من السرطان.

وفي حالات البكتيريا والفطريات الشبيهة، تُحجم المستشفيات والحكومات المحلية عن إعلان وجود ضحايا، خشية اعتبارها مراكز للعدوى. لا يُسمح حتى لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بنشر موقع أو اسم المستشفيات التي حدثت فيها العدوى. وقد رفضت السلطات المحلية في الولايات في العديد من الحالات مشاركة المعلومات علناً، بما يتجاوز الاعتراف بوجود حالات لديهم، وفقاً لتقرير صحيفة New York Times.

ويموت ما يقرب من نصف المرضى الذين أُصيبوا بعدوى كانديدا أوريس في غضون 90 يوماً، وفقاً لما ذكرته مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. ومع ذلك لم يستطِع الخبراء العالميون تحديد مِن أين أتى أصلاً.

جراثيم كانديدا أوريس تم زراعتها في المختبر / رويترز

جراثيم كانديدا أوريس تم زراعتها في المختبر / رويترز

جراثيم كانديدا أوريس تم زراعتها في المختبر / رويترز

تعقيم غرفة المريض في مستشفى ماونت سيناي

تعقيم غرفة المريض في مستشفى ماونت سيناي

تعقيم غرفة المريض في مستشفى ماونت سيناي

كانديدا أوريس / iStock

كانديدا أوريس / iStock

كانديدا أوريس / iStock

كانديدا أوريس في عدسة المجهر

كانديدا أوريس في عدسة المجهر

كانديدا أوريس في عدسة المجهر

الدكتورة جوانا رودس، خبيرة الأمراض المعدية

الدكتورة جوانا رودس، خبيرة الأمراض المعدية

الدكتورة جوانا رودس، خبيرة الأمراض المعدية

مستشفى رويال برومبتون

مستشفى رويال برومبتون

مستشفى رويال برومبتون

تنتشر الجراثيم (البكتيريا والفطريات الضارة) بسهولة طوال الوقت، محمولة على الأيادي والمعدات داخل المستشفيات، مسافرة في اللحوم والخضراوات المخصبة بالسماد من المزارع، منقولة عبر الحدود مع المسافرين وعلى الصادرات والواردات، وينقلها المرضى من دور الرعاية إلى المستشفيات والعكس.

لم تظهر السلالات البارزة الأخرى من فطريات كانديدا، وهي أحد أكثر الأسباب شيوعاً لعدوى مجرى الدم في المستشفيات، مقاومة كبيرة للأدوية، لكن أكثر من 90% من عدوى سلالة كانديدا أوريس تقاوم دواءً واحداً على الأقل، و30% مقاومة لاثنين أو أكثر من الأدوية، وفقاً لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها.

 هكذا تقاوم الجرثومة المبيدات والبخار والمطهرات

في أواخر عام 2015، تلقت الدكتورة جوانا رودس، خبيرة الأمراض المعدية في الكلية الإمبراطورية للعلوم والتكنولوجيا والطب، استغاثة مذعورة من مستشفى رويال برومبتون، وهي مركز طبي في لندن. كان كانديدا أوريس قد تجذر هناك منذ أشهر، ولم يتمكن المستشفى من التخلص منه.

تقول جوانا لصحيفة New York Times إنهم أخبروها بأنه «ليس لدينا أي فكرة عن مصدره. لم نسمع به قط. ينتشر انتشار النار في الهشيم». وافقت على مساعدة المستشفى في تحديد البصمة الوراثية للفطريات وتنظيفها من الغرف.

تضيف جوانا أنه تحت إشرافها استخدم العاملون في المستشفى جهازاً خاصاً لرش بيروكسيد الهيدروجين بالهواء المضغوط حول غرفة استخدمها مريض مصاب بكانديدا أوريس، وكانت النظرية هي أن البخار سوف ينظف كل زاوية وركن. لقد تركوا الجهاز يعمل لمدة أسبوع. ثم تركوا «طبقاً مستنبتاً» وسط الغرفة ووضعوا الجيل gel في قاعه، ليكون ملجأ لأي ميكروبات باقية على قيد الحياة.

كائن واحد فقط نما من جديد؛ كانديدا أوريس.

كان الفطر ينتشر، دون أن ينتشر الكلام عنه. أرسل المستشفى، وهو مركز متخصص للرئة والقلب يستقطب المرضى الأثرياء حول أوروبا ومن منطقة الشرق الأوسط، تنبيهاً الحكومة البريطانية وأبلغ المرضى المصابين، لكنه لم يصدر أي إعلان عام.

لهذا ترفض المستشفيات الإعلان عن العدوى

الذعر الصامت يتواصل في المستشفيات في أنحاء العالم. كانت المؤسسات الخاصة والحكومية، والدولة والسلطات المحلية يترددون في الإعلان عن تفشِّي العدوى المقاوِمة، بحجة أنه لا جدوى من تخويف المرضى المصابين أو المحتملين.

بحلول نهاية يونيو/حزيران عام 2016، ذكرت ورقة علمية أن هناك «انتشاراً مستمراً لـ50 حالة من حالات كانديدا أوريس» في رويال برومبتون Royal Brompton Hospital، اتخذ المستشفى خطوة استثنائية: أُغلقت وحدة العناية المركزة لمدة 11 يوماً، نقل مرضى العناية المركزة إلى طابق آخر، مرة أخرى بدون إعلان.

بعد أيام أقر المستشفى أخيراً للصحف بأنه يعاني مشكلة. حذر عنوان في صحيفة Daily Telegraph البريطانية من «إغلاق وحدة العناية المركزة بعد ظهور سلالات جديدة قاتلة في المملكة المتحدة».

ومع ذلك، ظلت المشكلة مجهولة على المستوى الدولي، وفي أثناء ذلك بدأ انتشار أكبر حتى بمدينة فالنسيا الإسبانية، في مستشفى جامعة i Politècnic La Fe الذي يضم 992 سريراً. هناك دون أن يعرف الجمهور أو المرضى الذين لم يتأثروا، استعمر المرض 372 شخصاً.

يعني هذا أن الجرثومة في جسدهم، لكنهم لم يصابوا بالمرض.

وتطور المرض لعدوى في الدم لدى 85 حالة.

وذكرت ورقة بحثية نُشرت في دورية Mycoses أن 41% من المرضى المصابين توفّوا في غضون 30 يوماً.

لكن بيان المستشفى لم يكن على مستوى الشفافية، إذ قال إنه ليس بالضرورة أنهم ضحايا كانديدا أوريس، «من الصعب للغاية معرفة ما إذا كان المرضى يموتون بسبب العوامل المُمرِضة أو أثناء وجودها؛ لأنهم مرضى يعانون من العديد من الأمراض الكامنة وفي حالة عامة خطيرة للغاية».

ذلك أنهم «قلقون بشأن صورة المستشفى لدى الجمهور».

تُغضب مسألة السرية المدافعين عن حقوق المرضى، الذين يقولون إن للناس الحق في معرفة ما إذا كان هناك انتشار لمرض؛ ليقرروا ما إذا كانوا سيذهبون إلى المستشفى، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمسألة غير طارئة، مثل الجراحات الاختيارية.

ويقول مسؤولو الصحة إن الكشف عن تفشِّي المرض يخيف المرضى من وضع لا يمكنهم فعل شيء حياله، خاصة عندما تكون المخاطر غير واضحة.

نبَّه المسؤولون في لندن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها عندما حدث التفشي في رويال برومبتون. وأدركت المراكز أنها بحاجة إلى إيصال الخبر إلى المستشفيات الأمريكية. فوجهت تحذيراً في 24 يونيو/حزيران 2016، للمستشفيات والمجموعات الطبية على مستوى البلاد، وأنشأت بريداً إلكترونياً بعنوان candidaauris@cdc.gov للاستفسارات الميدانية. توقعت الدكتورة سنيغدا فالابناني، وهي عضوة رئيسية في فريق الفطريات، أن تتلقى بلاغات محدودة «ربما رسالة كل شهر».

لكن ما حدث هو أن بريدها انفجر بالرسائل في غضون أسابيع.

هكذا ظهرت الجرثومة بأكثر من مكان في وقت واحد

المرة الأولى التي واجه فيها الأطباء كانديدا أوريس، كانت في أُذن امرأة في اليابان عام 2009 (أوريس تعني الأُذن باللاتينية). بدا غير ضار في ذلك الوقت، من سلالة الالتهابات الفطرية الشائعة التي يمكن علاجها بسهولة.

وأول حالة معروفة للإصابة في الولايات المتحدة تعود إلى امرأة وصلت إلى مستشفى بنيويورك في 6 مايو/أيار 2013، للحصول على الرعاية بسبب فشل في الجهاز التنفسي.

كانت من دولة الإمارات العربية المتحدة وتبلغ من العمر 61 عاماً، وتوفِّيت بعد أسبوع من إصابتها بالفطريات.

في ذلك الوقت لم يتوقف المستشفى أمام الأمر كثيراً، لكن بعد ثلاث سنوات، أرسل القضية إلى مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بعد قراءة تقرير الوكالة في يونيو/حزيران 2016.

ربما لم تكن هذه المرأة التي يظهر فيها أول مريض بكانديدا أوريس في أمريكا. لكنها حملت سلالة مختلفة عن سلالة جنوب آسيا الأكثر شيوعاً في أمريكا.

توفيت أيضاً امرأة أمريكية تبلغ من العمر 56 عاماً، سافرت إلى الهند في مارس/آذار 2017 لإجراء جراحة اختيارية في البطن، فأصيبت بكانديدا أوريس، ونُقلت جواً إلى مستشفى في كونيتيكت لم يحدده المسؤولون، ثم نُقلت لاحقاً إلى مستشفى تكساس، حيث توفِّيت.

انتشرت الجرثومة في مرافق الرعاية طويلة الأجل. في شيكاغو وُجد أن نتائج 50% من قاطني بعض دور رعاية المُسنين إيجابية، وفقاً لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. يمكن أن تنمو الفطريات على الوصلات الوريدية وأجهزة التنفس.

افترض مفتشو مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها أن كانديدا أوريس بدأت بآسيا ثم انتشرت في أنحاء العالم. لكن عندما قارنت المراكز الجينوم الكامل لِعينات أوريس من الهند وباكستان وفنزويلا وجنوب إفريقيا واليابان، وجدت أن أصلها لم يكن مكاناً واحداً، ولم تكن هناك سلالة أوريس واحدة.

هكذا ساعد الاستخدام الواسع للمبيدات في إطلاق الوحش

أظهر تسلسل الجينوم أن هناك أربع نسخ مميزة من الفطريات، مع وجود اختلافات عميقة لدرجة أنها تشير إلى أن هذه السلالات قد تباعدت منذ آلاف السنين، وتحولت إلى أنواع مقاوِمة من سلالات غير ضارة موجودة في البيئة في أربعة أماكن مختلفة في نفس الوقت.

وينقل تقرير New York Times عن الباحثين أن «طفرة قد حدثت في وقت واحد تقريباً، وعلى ما يبدو انتشرت، كما أنها مقاومة للعقاقير، وهو أمر مثير للجنون حقاً».

ويعتقد الباحثون أن الفطريات المقاومة للعقاقير، تتطور بتأثير الاستخدام المكثف لمبيدات الفطريات على المحاصيل الزراعية.

هناك حالة مريض يبلغ من العمر 63 عاماً في هولندا، توفِّي عام 2005 بفطر يُدعى الرشاشية Aspergillus، ثبت أنه مقاوِم لعلاج متقدم مضاد للفطريات يسمى إيتراكونازول. هذا الدواء هو نسخة شبيهة من المبيدات التي تستخدم مركب الآزول التي ترش على المحاصيل في أنحاء العالم، وتمثل أكثر من ثلث مبيعات مبيدات الفطريات.

وعلى سبيل المثال، ظهر الفطر في 12% من عينات التربة الهولندية، وكذلك في «مشاتل الزهور، والسماد العضوي، والأوراق، وبذور النبات، وعينات التربة من حدائق الشاي، وحقول الأرز، والمناطق المحيطة بالمستشفيات والعينات الهوائية للمستشفيات».

لقد خلق الآزول بيئة معادية لدرجة أن الفطريات تتطور؛ لتبقى سلالات مقاوِمة.

هذا يشابه المخاوف من أن البكتيريا المقاوِمة تنمو بسبب الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية في الماشية، من أجل الصحة وتعزيز النمو. كما يحدث مع المضادات الحيوية في حيوانات المزرعة، يستخدم الآزول على نطاق واسع في المحاصيل.

أصبحت الجرثومة «على كل شيء: البطاطس، والفاصوليا، والقمح، أي شيء يمكنك التفكير فيه، والطماطم والبصل»، كما تقول الدكتورة رودس، أخصائية الأمراض المُعدية التي عملت على حالة التفشِّي في لندن، «نحن نؤدي إلى هذا باستخدام مضادات الفطريات على المحاصيل».

يعتقد العلماء أن كانديدا أوريس ربما استفاد من الاستخدام المكثَّف لمبيدات الفطريات.

كانديدا أوريس موجود بالفعل منذ آلاف السنين، مخبأ في الفجوات في أنحاء العالم، وهو ليس عدوانياً بشكل خاص. لكن عندما بدأ الآزول في تدمير الفطريات الأكثر انتشاراً، جاءت فرصة كانديدا أوريس لاستغلال الثغرة، جرثومة قادرة على مقاومة مبيدات الفطريات بسهولة في عالم تتعرض فيه الفطريات الأقل قدرةً على المقاومة للهجوم.

برج خليفة

وهكذا يقلق الأطباء على سلامتهم عند التعامل مع المرضى

يؤدي الغموض المحيط بكانديدا أوريس إلى مناخ من الخوف، وأحياناً الإنكار.

العاملون الذين يقدمون الرعاية للمرضى المصابين بكانديدا أوريس قلِقون على سلامتهم. وصف الدكتور ماثيو مكارثي، الذي عالج العديد من مرضى كانديدا أوريس بمركز ويل كورنيل الطبي في نيويورك، شعوره بخوف غير عادي عند علاج رجل يبلغ من العمر 30 عاماً.

قال: «لقد وجدت نفسي لا أريد أن ألمس الرجل»، مضيفاً: «لم أكن أريد أن ينتقل إليَّ (المرض) من الرجل، وأنقله إلى شخص آخر». لقد أدى عمله وفحص المريض جيداً، لكنه قال: «كان هناك شعور غامر بالرعب من التقاط الفطر عن طريق الصدفة على جورب، أو ربطة عنق، أو ثوب».

في الربيع الماضي، ذهبت جاسمين كاتلر (29 عاماً)، لزيارة والدها (72 عاماً) في مستشفى بمدينة نيويورك، حيث أدخل إثر مضاعفات من جراحة أجريت له في الشهر السابق.

عندما وصلت إلى غرفته، اكتشفت أنه كان يجلس لمدة ساعة على الأقل على كرسيه، غارقاً في القذارة؛ لأن أحداً لم يأتِ عندما طلب المساعدة لاستخدام الحمام. وقالت جاسمين إنه أصبح من الواضح لها أن الموظفين كانوا يخشون لمسه؛ لأن اختباراً قد أظهر أنه يحمل كانديدا أوريس.

تقول: «رأيت الأطباء والممرضين ينظرون من نافذة غرفته، أبي ليس خنزيراً غينياً، لن تعاملوه كأنه وحش على ساحة عرض».

في النهاية خرج الرجل من المستشفى، وأخبروه بأنه لم يعد يحمل الفطريات. لكنه امتنع عن ذكر اسمه، قائلاً إنه يخشى أن يرتبط اسمه بالعدوى المخيفة.