العالم يتعاطى

لكي ينسى!

العالم يسجل أرقاماً مثيرة للقلق في إنتاج واستهلاك المخدرات بعد كوارث كورونا وحرب أوكرانيا ويتوقع المزيد من انتشار "السموم" 

"الحرب العالمية على المخدرات" فاشلة بسبب أهواء السياسة والضعف الأمني بمناطق الصراع في غرب آسيا والشرق الأوسط

في تقرير المخدرات العالمي لعام 2022 الصادر عن الأمم المتحدة حقائق صادمة عن استهلاك العالم لهذه السموم في الأعوام الأخيرة.

  • زيادات قياسية في تصنيع الكوكايين.
  • توسع في المخدرات الاصطناعية.
  • أسواق جديدة في قارات العالم الخمس.
  • واستمرار الفجوات في توافر العلاجات الدوائية، خاصة بالنسبة للنساء.

وفقاً للتقرير، في عام 2020 تعاطى المخدرات حوالي 284 مليون شخص بين 15 و 64 عاماً في جميع أنحاء العالم، بزيادة قدرها 26% عن العقد السابق. 

هذه الأرقام تتحدث عن كوكب كان يئن من أوجاع جائحة كورونا، وتشتعل على أراضيه حروب قديمة وجديدة.

لماذا اختار البعض أن يقترب من المخدرات، إلى درجة تسجيل أرقام قياسية في حجم التجارة والتعاطي وفي حالة الوفاة بجرعات زائدة. 

ربما كانت الإجابة تبدأ بكلمة "الكوارث".

تقارير المنظمات الدولية ربطت بين الارتفاع المتسارع لاستهلاك المخدرات، وبين 3 عقبات ضخمة يعبرها العالم:

  • كوفيد 19 الذي أغلق العالم وقطع أوصال التجارة ووضع الإنسان أمام المجهول لشهور طويلة.
  • وحرب أوكرانيا التي أصابت أسواق الغذاء والطاقة بالجنون.
  • ثم عنقود الصراعات والحروب المزمنة في الشرق الأوسط وغرب آسيا. حروب لا تحسم صراعاً قط، ولا تضع أوزارها ذات يوم.

مناطق الصراع يمكن أن تشكل "مغناطيساً" لصانعي ومروّجي المخدرات، هكذا يقول التاريخ.

وهذا التأثير يمكن أن يكون أكبر عندما تكون منطقة الصراع بالقرب من الأسواق الاستهلاكية الكبيرة.

وبالفعل ارتفعت مؤشرات تعاطي المخدرات في العالم مع التهاب هذه الأزمات أكثر.

في هذا التقرير نرصد مؤشرات الارتفاع الدرامي في استهلاك المخدرات في الأعوام الأخيرة، وعلاقة كورونا وحروب أوكرانيا وصراعات الشرق الأوسط بهذه الظاهرة، كما نستعرض أسباب فشل العالم في حربه المزعومة على المخدرات.

المؤشرات العالمية على زيادة استهلاك المخدرات

في السنوات الأخيرة فقط بدأت تجارة المخدرات تشكل تهديداً أمنياً غير تقليدي للكثير من الدول.

ما يثير المخاوف "الأمنية" اتساع نشاط شبكات التهريب كل عام، والأخطر هو علاقة عصابات التهريب بمناطق الحروب المسلحة والدول الفاشلة، ثم ظهور مواد مصنعة أشد فتكاً، تقتل المزيد كل يوم من ضحايا الجرعات الزائدة.

التقرير الصادر في 27 يونيو/حزيران 2022، عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، حول تجارة المخدرات 2022، يربط بين الأزمات الدولية القائمة واتجاهات تجارة المخدرات؛ حيث يرجح أن تؤدي الحرب الأوكرانية إلى تصاعد تجارة المخدرات خلال العام الجاري، كما أن الصراعات التي يشهدها عدد من الدول قد تمثل عامل جذب لتصنيع المخدرات ومحفزاً نحو مزيد من الاتجار فيها.

ثمة مؤشرات تؤكد تصاعد تجارة المخدرات حول العالم وفق أحدث بيانات صادرة عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة:

زيادة كبيرة في إمدادات الكوكايين إلى أوروبا

وصل إنتاج الكوكايين النقي عالمياً إلى مستويات قياسية في عام 2020، فاقترب من 2000 طن، بزيادة قدرها 11% عن عام 2019، وموانئ كولومبيا والإكوادور والبرازيل هي نقاط الانطلاق المهمة صوب أوروبا.

زيادة أعداد المتعاطين

ارتفع أعداد من يتعاطى المخدرات في العالم عام 2020 إلى نحو 284 مليون شخص.

  • منهم أكثر من 6 ملايين يدمنون المخدرات الاصطناعية أو "المواد الأفيونية".
  • واستخدم ما يقرب من 34 مليون شخص مادة الأمفيتامين.
  • وتعاطى 20 مليوناً عقار النشوة.
  • ونحو 21 مليوناً تعاطوا الكوكايين.

زيادة أعداد "أصدقاء القنب"

يعد القنب الأكثر استخداماً في العالم، وقد زاد استخدامه في عام 2020 ليصل عدد مستخدميه إلى 209 ملايين مستخدم؛ وذلك بزيادة قدرها 23% عن العقد الماضي. 

نمو إنتاج الأفيون عالمياً

شهد إنتاج الأفيون في جميع أنحاء العالم، الذي يصنع منه الهيروين، ارتفاعاً بنسبة 7% في الفترة بين عامي 2020 و2021، ليقترب من 8 آلاف طن.

تنتج أفغانستان وميانمار والمكسيك نحو 95% من أفيون العالم.

ارتفاع حجم المضبوطات

زادت مضبوطات الكوكايين في عام 2020، إلى مستوى قياسي، نحو 1400 طن، وانتشر في مناطق جديدة خارج الأسواق الرئيسية لأمريكا الشمالية وأوروبا، ليشمل كلاً من إفريقيا وآسيا.

المخدرات تغزو عالم ما بعد كورونا

بين عامي 2010-2019، ارتفع عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات بنسبة 22%، جزء من ذلك يعود إلى زيادة عدد سكان العالم.

استخدم ما يقرب من 200 مليون شخص القنب في عام 2019، وهو ما يمثل 4% من سكان العالم.

زاد عدد متعاطي القنب بنحو 18% خلال العقد الماضي.

نحو 20 مليون شخص تعاطوا الكوكايين في عام 2019، أي ما يعادل 0.4% من سكان العالم.

توفي أكثر من 100 ألف شخص في الولايات المتحدة بجرعات زائدة من المخدرات، خلال عام واحد فقط، إبان تفشي جائحة فيروس كورونا.

مزيد من المخدرات..

العالم يريد نسيان هذه الكوارث

تستفيد شبكات تصنيع وتهريب المخدرات من الصراعات والحروب وعدم الاستقرار.

في أفغانستان التي احتلتها الولايات المتحدة لمدة 20 عاماً، وصلت زراعة الأفيون إلى مستويات غير مسبوقة خلال سنوات الحرب. 

وفي ميانمار، تزايد إنتاج المواد المخدرة؛ مثل الميثامفيتامين، منذ الانقلاب العسكري الذي أغرق البلاد في الفوضى عام 2021. 

كما ازدهر تصنيع الكبتاغون على خلفية الحرب في سوريا وما تلاها من دمار؛ حيث تتم مصادرة ملايين الحبوب بانتظام في البلاد، كما يقول تقرير لمجلة national interest الأمريكية.

وقد تكون أوكرانيا مثالاً آخر على ازدهار هذه التجارة المدمرة، حيث حذرت الأمم المتحدة مؤخراً من تصاعد إنتاج المخدرات والاتجار بها في البلاد بعد الغزو الروسي. 

السطور التالية ترصد العلاقة بين ازدهار تجارة المخدرات، وبين كارثة كورونا والحرب في أوكرانيا، ثم صراعات الشرق الأوسط.

كورونا ترمي الفقراء في أحضان المخدرات 

في بداية عام 2021 كان العالم يتنفس بصعوبة، بعد اندلاع العدوى بفيروس كوفيد 19.

حبس العالم أنفاسه، وحُبس معظم سكان الكوكب في بيوتهم، لمنع كارثة أكبر.

في هذا العالم المغلق المعزول، انتعشت المخدرات.

على سبيل المثال، سجّل إنتاج الكوكايين رقماً قياسياً عام 2020، وزات عمليات التهريب عن طريق البحر، مع وجود توسع خارج السوقين الرئيسيين بأمريكا الشمالية وأوروبا إلى إفريقيا وآسيا.

تأثير جائحة فيروس كورونا على إمدادات المخدرات غير المشروعة لم يتضح بعد بشكل كامل، إلا أن إجراءات العزل والقيود المفروضة على الحدود أدت بالفعل إلى نقص في المخدرات في الشارع.

وبالتالي أدى ذلك إلى تناقص درجة نقاء المخدرات وارتفاع أسعارها.

أيضاً تأثر الفقراء بارتفاع معدلات البطالة وتراجع فرص العمل؛ مما يجعلهم أكثر عُرضة لتعاطي المخدرات والاتجار فيها وزراعتها، كوسيلة لكسب المال حتى يتمكنوا من النجاة من الركود العالمي.

وأوضحت غادة والي، المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن "جائحة فيروس كورونا والانكماش الاقتصادي يهددان بمضاعفة مخاطر المخدرات بدرجة أكبر، عندما تقارب أنظمتنا الصحية والاجتماعية حافة الهاوية، وتكافح مجتمعاتنا من أجل التأقلم".

وبما أن الجائحة تدفع المتجرين إلى إيجاد طرق وأساليب جديدة، فمن المحتمل أن تزداد الأنشطة غير المشروعة عبر ما يسمى "الإنترنت المظلم" وتهريب المخدرات ضمن شحنات بواسطة البريد، وفقاً للتقرير.

في العام الثاني من زيارة الفيروس القاتل للأرض، ووفقاً لتقرير المخدرات العالمي 2021، سيطر نبات القنّب على أجزاء جديدة من العالم خلال العقدين الماضيين، في حين انخفضت نسبة اليافعين الذين اعتبروا المخدر ضاراً بنسبة تصل إلى 40%.

دفعت أزمة كوفيد-19 بأكثر من 100 مليون شخص إلى الفقر المدقع، وأدت إلى تفاقم البطالة وعدم المساواة إلى حد كبير؛ حيث فقد العالم 255 مليون وظيفة في عام 2020.

كما أن حالات الصحة النفسية آخذة في الارتفاع في جميع أنحاء العالم. هذه العوامل لديها القدرة على تحفيز زيادة اضطرابات تعاطي المخدرات.

علاوة على ذلك، لوحظت بالفعل تغيّرات في أنماط تعاطي المخدرات أثناء الجائحة، بما في ذلك الزيادات في استخدام القنّب والاستخدام غير الطبي لأدوية المهدئات.

ومن المحتمل أيضاً أن تكون الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية قد أدت إلى تسريع الطلب على هذه العقاقير.

فيديو 3 دقائق: في المكسيك وجد أقطاب المخدرات الفرصة سانحة للتسلل بعد ضربة الوباء للبلاد، وتمكنت بي بي سي من الوصول حصرياً لإحدى عصابات المخدرات التي تسعى لاستقطاب الفقراء في المكسيك

حرب أوكرانيا تلهم المهربين أساليب جديدة

بعد شهور قليلة من اندلاع حرب أوكرانيا، حذرت الأمم المتحدة من أن الحرب قد تسمح بازدهار الإنتاج غير المشروع للمخدرات، وهو تحذير يستند إلى تجارب سابقة في مناطق صراع أخرى.

لكن الازدهار وقع بالفعل.

مع الحرب الروسية الأوكرانية لجأ كبار المهربين إلى استخدام البحر الأسود طريقاً آخر بديلاً عن بعض الموانئ التي كان يتم الاعتماد عليها اعتماداً رئيسياً قبل الحرب. 

ووفق توقعات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن من المرجح أن يزداد الاتجار عبر الجزر اليونانية وجنوب البحر الأبيض المتوسط، بما يسمح بازدهار إنتاج وتجارة المخدرات في أوكرانيا. 

وأشارت الأمم المتحدة إلى أن عدد مختبرات صناعة مخدّر الأمفيتامين المفككة في أوكرانيا ارتفع من 17 عام 2019 إلى 79 عام 2020، وهو أعلى عدد من المختبرات المضبوطة والمبلغ عنها في أي بلد في عام 2020. وأضاف أن قدرة أوكرانيا على إنتاج مخدرات اصطناعية يمكن أن تنمو مع استمرار الحرب. 

الاتجار بالمخدرات عبر أوكرانيا كان يتوسع أصلاً قبل الغزو. 

يمر أحد طرق تهريب الهيروين الأفغاني إلى أوروبا عبر البلاد، ويمكن للمهربين الآن الاستفادة من الفوضى التي تسببت بها لزيادة تدفقات المخدرات. ومن المحتمل أيضاً أن يكون لديهم مخزون وافر من المواد الأفيونية من أفغانستان. 

اقتصادات المخدرات غير المشروعة يمكن أن تزدهر في حالات الصراع؛ لأن الحروب تضعف القبضة الأمنية على الإنتاج والتهريب. وتنفرد مناطق الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا بالدخول إلى عالم صناعة المخدرات الاصطناعية، والتي يمكن إنتاجها في أي مكان.

ويقول مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إن أطراف النزاع تستخدم المخدرات تاريخياً لتمويل الصراع والحصول على الدخل.

في السطور التالية زيارة إلى أفغانستان وسوريا، لنرصد العلاقة بين الحرب وتجارة المخدرات.

أفغانستان: تفاقم مشكلة المخدرات يفاقم التهديد الإقليمي

أبلغت أفغانستان عن زيادة بنسبة 37% في مساحة الأراضي المستخدمة في الزراعة غير المشروعة لخشخاش الأفيون خلال عام 2020 مقارنة بالعام السابق. 

إنه ثالث أعلى رقم يسجل على الإطلاق في تاريخ البلد، حيث شكل 85% من المجموع العالمي لإنتاج الأفيون في عام 2020. 

وتتبع هذه الزيادة اتجاهاً بتزايد المساحة العالمية المزروعة بخشخاش الأفيون على مدى العقدين الماضيين، ولا سيما بعد عام 2009.

وأصبحت أفغانستان في الوقت الراهن أيضاً مصدراً رئيسياً للميثامفيتامين في المنطقة. 

وازدادت المضبوطات داخل أفغانستان بسبعة أضعاف تقريباً في عام 2019 مقارنة بالعام السابق. 

وحدث ذلك حتى في الوقت الذي قضت فيه الغارات الجوية في المناطق الحدودية التي تسيطر عليها طالبان على عشرات مختبرات الميثامفيتامين في يوم واحد في عام 2019.

التوسع في صنع الميثامفيتامين يزيد من التعقيد في مشهد اقتصاد المخدرات غير المشروع في أفغانستان، ويزيد من الخطر الذي تتعرض له بلدان المنطقة وخارجها. 

وقد بدأت العواقب الصحية الناجمة عن الزيادة في صنع الميثامفيتامين في أفغانستان تؤتي ثمارها المرة. فالشباب يتعرضون حالياً لأكبر إمدادات المؤثرات الأفيونية في العالم، ويجدون أنفسهم في سوق متزايدة التنوع للمخدرات الاصطناعية. 

سوريا وكيل حصري لصناعة الكبتاغون

"بدأت الحكاية عندما كنت في الواحد والعشرين من عمري، دعاني أحد أصدقائي لتجربة هذه الحبة السحرية. حبة تجعلك تشعر بالسعادة والنشوة والقوة، فلا نوم يغلبك ولا جوع يشوش أفكارك".

هكذا وصف الشاب الأردني أحمد، وهو اسم مستعار، رحلته مع إدمان الكبتاغون لخمسة أعوام لموقع بي بي سي.

توقف أحمد عن تعاطي الكبتاغون بعد حادث غيّر حياته. "خرجت للتنزه بالسيارة مع صديقي الذي عرض عليّ تعاطي الكبتاغون لأول مرة، وكلانا كان واقعا تحت تأثير المخدر. تعرضنا لحادث سير مروع بقيت على أثره 3 أيام غائباً عن الوعي، لكن للأسف توفي صديقي".

المخدر الذي أدمنه أحمد، ومئات الآلاف مثله في المنطقة العربية هو حبوب مقلدة تشبه في تركيبها دواء ظهر في الستينيات.

الكبتاغون هو الاسم التجاري.
وفينيثيلين هو الاسم العلمي.

تركيبة المخدر تعمل على تنشيط الجهاز العصبي، وتتكون من مادة "أمفيتامين" معززة، لتحدث تأثيرات نفسية أقوى وأسرع بكثير من الأمفيتامين وحده، وهى تعطي شعوراً بالحيوية والنشاط والسعادة، إلى جانبها هناك مادة "الثيوفيلين" وهي تشبه في تأثيرها تأثير الكافيين إذ تعمل كمنشط للمخ.

في البداية تساعد هذه الحبوب على تحفيز الجهاز العصبي، مما يزيد اليقظة والتركيز والأداء الجسماني، ويحسن المزاج، والشعور بالطاقة وعدم الحاجة إلى تناول الطعام أو النوم، كما أنّها تقوّي الأداء الجنسي. لكن على المدى الطويل يؤدي إلى الإدمان والإصابة بالهلوسة، كما أن قلة النوم تسبب الصداع وعدم التركيز وقد تؤدي إلى الإصابة بانهيار عصبي وقد تتطور الحالة إلى الاكتئاب، وأحياناً قد يصل الأمر إلى التفكير بالانتحار.

هكذا اكتشف العلماء أن خطورة إدمان الكبتاغون تفوق فوائده السريرية، وتتحول النشوة الأولى على المدى إلى اكتئاب وميل للقتل أو ارتكاب الجرائم.

تزايد إنتاج الكبتاغون كمخدر في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة من الصراع في سوريا، مع اتهام جهات مقربة من الحكومة السورية بإنتاجه وتسويقه.

ورغم تزايد الجهود لضبط هذه الحبوب المخدرة إلا أن ما يهرّب منه للأسواق الخليجية ضخم للغاية وهو ما يؤكده حجم المضبوطات المعلن عنها. 

هذه الحبوب تهرّب برا إلى الأردن ولبنان، ومنها إلى موانئ بيروت البحرية والجوية، بينما تخرج النسبة الأكبر من سوريا نفسها عبر ميناء اللاذقية المطل على البحر المتوسط.

بعد ذلك، توزع شحنات الكبتاغون لعدّة دول، من بينها تركيا ولبنان والأردن واليونان وإيطاليا وفرنسا، وأماكن بعيدة مثل ألمانيا ورومانيا وماليزيا. ومعظم هذه البلدان ليست أسواقاً مهمة للعقار، لكنها مجرد محطات في طريقه نحو الخليج، خصوصاً السعودية.

ووصلت قيمة صادرات سوريا السوقية من الكبتاغون عام 2020 إلى ما لا يقل عن 3.46 مليار دولار.

وتحولت الأردن في السنوات الأخيرة من مجرد نقطة عبور لهذه الحبوب المخدرة، إلى مركز كبير لانتشارها، بحسب دائرة مكافحة المخدرات في عمّان.

المستقبل المشرق: الإنترنت المظلم يبحث عن زبائن

قبل أن ينتهي وجودها على الأرض بفضل التضييق الأمني، بدأت شبكات المخدرات تجرّب حيلة البيع الإلكتروني. 

لم تظهر أسواق المخدرات على الشبكة الخفية darknet إلا قبل عقد من الزمن تقريباً، ومع ذلك تبلغ قيمة الأسواق الرئيسية منها في الوقت الحالي ما لا يقل عن 315 مليون دولار من المبيعات السنوية. 

وعلى الرغم من أن هذا يمثل جزءاً ضئيلاً من إجمالي مبيعات المخدرات فإن الاتجاه تصاعدي.

ازدادت المبيعات السنوية بمقدار أربعة أضعاف في الفترة بين 2011 إلى منتصف 2017، والسنوات الأخيرة من منتصف 2017 إلى 2020.

وعلى الرغم من أن القنب يهيمن على مبيعات الشبكة الخفية، فإن التسويق على ما يسمى بالشبكة الظاهرة غالباً ما ينطوي على مؤثرات نفسانية جديدة ومواد مستخدمة في صنع المخدرات الاصطناعية.

عادة ما يعرض البائعون منتجاتهم على أنها "مواد كيميائية لأغراض البحوث" أو الإعلان عن "تركيبات خاصة بحسب الطلب" يمكن بها للعملاء أن يطلبوا مواد غير مدرجة في قائمة المنتجات المتاحة. 

الصورة: إعلان عن بيع مواد مخدرة على الشبكة الخفية

الصورة: إعلان عن بيع مواد مخدرة على الشبكة الخفية

حين نحتاج إلى أموال المخدرات
لا تحدثني عن القيم

لطالما كانت المصالحُ أهمَّ من القيمِ في قواميسِ الدولِ
فأشهرُ فضائحِ المخدراتِ في السياسةِ الأمريكية
كانتْ في عهدِ رونالد ريغان في الثمانينيات
وأطلقتِ الصحفُ الأمريكيةُ عليها "تحالفَ الظلام" 
وكشفتْ عن تورُّطِ إدارةِ ريغان آنذاك في تجارةِ المخدرات
لتمويلِ العملياتِ ضدَّ الحكومةِ الشيوعيةِ في نيكاراغوا
وتحقيقاتُ الكونغرسِ الأمريكي
كشفتْ أن السي آي إيه كانتْ متعاونةً في تجارةِ المخدراتِ
واستخدمتْ أرباحَهَا لتمويلِ متمردي الـ"كونترا" الموالينَ لواشنطن
نجحَ سلاحُ المخدراتِ في تحقيقِ أهدافِهِ السياسية
وزعزعةِ استقرارِ الدولِ اللاتينيةِ التي لا ترضى عنها واشنطن
ومنعِ فرصِ التنميةِ الحقيقيةِ فيها
إلى جانبِ ارتفاعِ معدلاتِ العنفِ وانتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ بها
في عالمِ المخدراتِ أيضاً هناك أسماكٌ كبيرةٌ وأسماكٌ صغيرةٌ
وهناك مديرٌ سابقٌ بإدارةِ مكافحةِ المخدراتِ الأمريكيةِ
هو دينيس دايل
علَّقَ مؤخراً على تاريخِ السي آي إيه في تهريبِ المخدراتِ قائلاً:

على مدى ثلاثينَ عاماً من عملي في مكافحةِ المخدراتِ
اتضح أن معظمَ الأسماكِ الكبيرةِ في تحقيقاتي
كانوا يعملون لدى السي آي إيه

الحرب العالمية على المخدرات فاشلة حتى إشعار آخر  

في عام 2011 أصدرت اللجنة العالمية لمكافحة المخدرات بياناً بعنوان يعبر عن خلاصة الأوضاع وقتها: الحرب العالمية على المخدرات فشلت.

اللجنة كانت تضم 19 عضواً على رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة وقتها كوفي أنان ورؤساء المكسيك وكولومبيا والبرازيل السابقون والسير ريتشارد برانسون ورئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي الأسبق بول فالكر.

"الحرب على المخدرات زادت من نشاط الجريمة المنظمة وكلفت دافعي الضرائب ملايين الدولارات إضافة إلى وفاة آلاف الضحايا".

وتضمن التقرير تقديرات الأمم المتحدة بزيادة استخدام الأفيون بمقدار 35% ما بين عامي 1998 و 2008 كما زاد استخدام مخدر الكوكايين بمعدل 27% والقنب بمعدل 8.5%.

وانتقد التقرير حكومات الدول الحالية التي تزعم أن سياسة مكافحة المخدرات فعالة.

أما الحل الذي اقترحته اللجنة فقد كان غريباً: إباحة المخدرات!

بدلاً من معاقبة متعاطي المخدرات الذين وصفهم التقرير بأنهم "لا يتسببون في أذى للآخرين"، يجب على الحكومات أن تشرع تعاطي المخدرات وأن تلجأ إلى نماذج قانونية من شأنها تقويض عصابات الجريمة المنظمة وتقديم الرعاية الصحية والعلاج لمدمني المخدرات.

وانتقدت اللجنة الولايات المتحدة بشكل خاص وطالبتها بالتخلي عن منهجها الحالي لمكافحة المخدرات والاعتماد على استراتيجيات جديدة أساسها الرعاية الصحية ومراعاة حقوق الإنسان.

وكان البيت الأبيض قد رفض تقرير اللجنة الدولية ووصفه بأنه "مضلل".

وقال المتحدث باسم مكتب سياسة مكافحة المخدرات في البيت الأبيض غيل كيرليكووسكي إن "المطالبة بإتاحة المخدرات حسبما يدعو التقرير سيجعل من الصعب علينا الحفاظ على مجتمعاتنا أكثر صحة وأمناً".

وبعد 11 عاماً اعترفت الأمم المتحدة: تقنين القنب خطأ.

في تقريره الذي صدر في يونيو 202/حزيران، قال مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إنه يبدو أن تشريع القنب في أجزاء من العالم أدى إلى زيادة استخدامه اليومي وآثاره الصحية ذات الصلة. 

تقنين القنب في أمريكا الشمالية زاد من التعاطي اليومي به، خاصة بين الشباب. 

تم الإبلاغ عن زيادة في الانتحار والاستشفاء وعدد الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية. 

النتيجة الإيجابية الوحيدة للتقنين كانت زيادة عائدات الضرائب وخفض معدلات الاعتقال لحيازة القنب بشكل عام.

إذن المخدرات باقية، وتتمدد.

بل من المرجح أن تشهد تجارتها تصاعداً كبيراً، نظراً إلى التحولات الجديدة في طرق تهريب المخدرات، التي فرضتها الحرب في أوكرانيا والأوضاع غير المستقرة في أفغانستان.

وفيما تُقدر السوق العالمية للمخدرات غير المشروعة بنحو 500 مليار دولار سنوياً، "فإن الفاتورة السنوية العالمية لحملة مكافحة المخدرات تتجاوز 100 مليار دولار"، وفق ما ورد في التقرير الجديد الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الذي يتخذ من جنيف مقراً له. 

كيف يكسب العالم حرباً لا يريد الإنفاق عليها؟

ولماذا يخسر زعماء وقادة مصدراً لدخل يدعم قراراتهم السياسية ويموّل حروبهم المقدسة؟

والعلاقة بين الكوارث والمخدرات حلقة مفرغة: تندلع الحروب فتنتعش تجارة المخدرات.

تنتعش تجارة المخدرات، فتجد الحروب ما يطيل أمدها، حتى لو أصبحت، مثل أغلب حروبنا، بلا بداية ولا نهاية.