مصر في مرمى التطبيع الخليجي
علاقات إسرائيل الرسمية والمباشرة مع الخليج تسلب القاهرة دورها الإقليمي وتهدد مستقبل السياحة في سيناء وإيرادات قناة السويس
الخسائر المصرية بدأت قبل التطبيع.
التحول الإسرائيلي الأمريكي شرقاً في اتجاه الخليج منذ السنوات الأخيرة للرئيس مبارك، كان يعني أن مصر فقدت عرش العروبة، ولم تعد مركزاً إقليمياً.
لكن الخسائر بعد التطبيع الخليجي ستكون مختلفة.
هذا التطبيع يحمل وعداً ببناء علاقات دافئة ونشطة بسرعة مع أكثر الدول ديناميكية في الخليج العربي، على عكس السلام "المُقيّد والبارد" مع مصر والأردن.
مشروعات لشبكات نقل، وتفعيل خط أنابيب لنقل النفط من إيلات إلى عسقلان على شاطئ المتوسط، بما قد يحرم القناة من نصف إيراداتها التي تحصل عليها من عبور ناقلات الخام.
كان من الممكن لمصر أن تعرقل هذه المشاريع، لولا تخلِّيها عن جزيرتَي تيران وصنافير للسعودية، وهما تتحكمان في مدخل خليج العقبة الذي ينتهي بمدينتي العقبة في الأردن وإيلات في إسرائيل.
الوصول إلى النقطة "الدافئة والنشطة" في علاقات الإمارات، والخليج عموماً، بإسرائيل يمر باتفاقيات اقتصادية وسياسية ضخمة، ويعني خسائر مصرية على أكثر من صعيد.
يعني خسارة الكثير من "الوزن" السياسي الإقليمي.
ويعني فقدان أوراق فلسطينية مهمة، قد تضع القضية كلها في مهب النسيان.
كما قد يعني مستقبلاً خسائرَ مالية في حال تراجع إيرادات القناة، أو ظهور مشروعات سياحية عملاقة باستثمارات خليجية إسرائيلية، تنافس جزيرة سيناء.
قبل الحديث عن آثار التطبيع الخليجي على مصر، نستعرض في السطور التالية ما يعنيه الاتفاق عربياً وفلسطينياً، في الملفات التي تتماس مع مصالح ودور مصر.
التطبيع مع "أصدقاء" الفلسطينيين
يقتل قضيتهم
لا يشرح نتنياهو استراتيجيته بشكل كامل في كتاباته أو خطاباته، إلا أنه عمل خلال العقد الماضي على صقلها بشأن القضية الفلسطينية لتتحول إلى صيغة سياسية واقعية بسيطة.
استراتيجية تتلخص في ما يلي: بما أنه يتعذّر حالياً تحقيق تسوية قائمة على "إنهاء النزاع وإنهاء المطالبات" مع الفلسطينيين وفق شروطه الخاصة، فعليه بالتالي انتزاع حق النقض الفلسطيني القائم منذ مدة طويلة على العلاقات الإسرائيلية مع بقية بلدان العالم، وخاصة الدول العربية.
أي استبعاد الدوائر المعروفة بتأييدها للحق الفلسطيني، حتى تصبح القضية في العراء
وفقاً لهذه العقيدة، كلما نجحت إسرائيل في إقامة نُظم صحية للتعاون مع قوى إقليمية ودولية رائدة، زاد الضغط على القادة الفلسطينيين لمراجعة سياساتهم الحالية.
نهاية المبادرة العربية
بالنسبة لإسرائيل، يعتبر التطبيع مع الإمارات انطلاقة عظيمة لأنها تبدد الإجماع على مبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية عام 2002، وتبنتها بالإجماع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
كانت المبادرة تمهّد لتطبيع كامل للعلاقات مع إسرائيل، ولكن بشرط إبرام اتفاقية سلام على أساس دولتين مع الفلسطينيين أولاً.
باقي العرب قادمون على درب التعاون الاقتصادي
إسرائيل تستهدف تحقيق استثمار خطوة المعاهدات العربية الإسرائيلية المقترحة، لطرح رؤية جاهزة ومعدة سلفاً من خلال دراسات للجدوى في ما يعرف بـ"السلام الاقتصادي"، وفي إطار مسارين: الأول يشمل الدول التي وقّعت معها معاهدات سلام، والدول التي تتجه إلى المُضي وفقاً للمسار نفسه، والثاني النطاقات الإقليمية الممتدة، التي تشمل دولاً مختارة في الدرجة الأولى، على أن يليها العراق وسوريا في درجة لاحقة، والمنطقة المغاربية والمغرب تحديداً بدرجة لاحقة.
الاحتفاء الإسرائيلي باتفاقات التطبيع الجديدة مع الدول الخليجية سيتبعه على الأرجح مساعٍ نشطة لإقامة شراكات اقتصادية ومالية وأمنية قوية مع هذه الدول -لاسيما مع أبوظبي- تفتح لها آفاقاً جديدة في المنطقة وتساعد تل أبيب على توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي والأمني في المنطقة.
وكل العرب على طرق إسرائيل السريعة للسلام
في إسرائيل تعكف وزارة المال والبنية الأساسية منذ البدء في مسار التطبيع الخليجي على وضع مخطط مالي وإنشائي متكامل لبناء شبكة الطريق السريع الإقليمي، بحيث تسمح بوصول بري آمِن وبسيط التكلفة للدول العربية على البحر المتوسط.
وأقرّت الحكومة الإسرائيلية رسمياً مشروعا يصل بين أوروبا والمنطقة، يمر بالحدود الأردنية وجنين شمالي الضفة، لإيجاد خط تجاري واستثماري من البحر المتوسط وصولاً إلى الداخل العربي، ورصدت 4,5 مليون دولار لوضع مخطط هندسي للمشروع.
عندما ينتهي المشروع، تصبح إسرائيل الجسر البري المباشر الذي يربط بين أوروبا ودول المنطقة.
يتعامل المشروع مع الممرات البحرية في البحر المتوسط أو المنطقة ليصبح ترجمةً لمشروعات السلام الإقليمي التي سبق أن طرحتها إسرائيل.
هناك عدة دول معنية بالمشروع، أهمها الولايات المتحدة ودول الخليج والأردن والسلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي، مما يعني أن المشروع ليس مقتصراً على دول محددة فقط في الإقليم.
أخيراً تعالج صفقة التطبيع مع الإمارات، ودول خليجية أخرى لاحقاً، معضلة فشل التطبيع الإسرائيلي في مصر والأردن.
تحاول إسرائيل الآن تجاوز عقبات الانفتاح على الأسواق العالمية نتيجة لجائحة كورونا، وتخطّي فشلها في استثمار السوقين المصري والأردني نظراً للرفض الشعبي الواسع للتطبيع.
هل يعني هذا أن صفقات التطبيع الجديدة لا تعرِّض المصالح الاقتصادية والسياسية المصرية للضرر؟
هذا ما تشرحه السطور التالية..
ما تخسره مصر بعد التطبيع الخليجي
الاتفاق بين إسرائيل والإمارات بالنسبة لمصر هو تقارب بين طرفين يرتبطان بعلاقات رسمية وتعاون معها، فهل يجب أن تقلق القاهرة؟
القلق الأول كان من السرعة الصاروخية التي يتم بها توقيع اتفاقات في مجالات متعددة، تستغرق المفاوضات بشأنها عادة وقتاً طويلاً في الظروف العادية.
خلال شهر تقريباً وقّعت أبرز البنوك الإماراتية اتفاقيات تعاون مع نظيراتها في إسرائيل.
الاتصالات بين البلدين تم فتحها في اليوم التالي مباشرة للإعلان.
واستعدت الفنادق الإماراتية لاستقبال الزائرين الإسرائيليين بوجبات حلال طبقاً للديانة اليهودية، وتم بالفعل افتتاح مطعم يقدم الوجبات اليهودية الحلال.
وانهمرت الأخبار عن مذكرات التفاهم بين البلدين المتشوقين للتطبيع، أهمها مذكرات تفاهم بين شركة موانئ دبي العالمية وجمارك دبي، مع شركة دوفارتاور الإسرائيلية.
اتفاقيات تؤكد أن الترتيب للتطبيع بين الجانبين والتعاون بينهما يرجع إلى نحو عقد من الزمان، وهو ما يشير إلى أن كل ما يعلن عنه الآن ليس خططاً مستقبلية وليدة اللحظة، بل خطوات مدروسة سلفاً، وخروج القصة للعلن يتزامن مع بداية تنفيذها على الأرض.
وسائل الإعلام المصرية الخاضعة تماماً لتوجيهات السلطة السياسية أبدت بعض القلق من الخطوة الإماراتية.
لم يحتفل الإعلام المصري كثيراً بالتطبيع، كما اعتاد مع وقائع إماراتية أخرى، مثل مقاطعة قطر.
فما الذي تخشاه مصر من اتفاقيات التطبيع الخليجي اقتصادياً وسياسياً؟
اقتصادياً: قناة السويس تستعد لضربة
"إيلات - عسقلان"
"الأطراف ستعزز وتطور التعاون في المشاريع بمجال الطاقة، بما في ذلك أنظمة النقل الإقليمية بهدف زيادة أمن الطاقة".
هذه العبارة وردت في اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، وترجمتها على أرض الواقع بإنشاء ممر بري لنقل النفط والغاز من دول الخليج إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، بعيداً عن مضيق هرمز وباب المندب، وبالتالي لا يمر من قناة السويس.
تل أبيب ستعرض على أبوظبي المشاركة في بناء ممر بري يربط بين إسرائيل ودول الخليج، ليكون حلقة وصل لنقل نفط وغاز الخليج إلى دول أوروبا وأمريكا الشمالية.
إسرائيل بصدد الطلب من الإمارات إقناع السعودية أن تسمح بمد أنبوب إيلات-عسقلان إلى مصفاة ينبع، براً أو بحراً، لنقل النفط...
تم النشر بواسطة نايل الشافعي في الخميس، ١٧ سبتمبر ٢٠٢٠