تسلل القرن

هكذا قامت رياضة المحتل على سواعد عصابات الهاغاناه
القصة كما لم تروِها تل أبيب يوماً

مدفوعة بقلق وجودي وغضب أعمى، تستميت إسرائيل لترميم أشلاء "صفقة القرن" التي مزقها طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر 2023. يأمل الاحتلال الإسرائيلي أن يُحكم قبضته على اللحظة الراهنة، ثم يتسلل مرة أخرى إلى المنطقة، متسلحاً باتفاقيات تطبيع أبرمها، وأخرى يحاول إبرامها مع أنظمة المنطقة العربية. 

لعل قادة إسرائيل اليوم يستوحون محاولتهم هذه من تسلل القرن الـ20 الأكبر، الذي نفذه أجدادهم وآباؤهم من قادة عصابات الهاغاناه، الذين بنوا حصان طروادة رياضياً، تسللوا من خلاله إلى أرض فلسطين، ثم أعدوا جيشاً ليحاربوا الشعب الذي استضافهم، بعدما أحرقت أوروبا من أحرقت منهم، ثم لفظت البقية.

مخطط "تسلل القرن" قديم قدم الفكرة الصهيونية، بدأ قبل أن تنشأ إسرائيل، وكان بعيداً عن أذهان الفلسطينيين بُعد بلادهم عن بولندا!

من هنا نبدأ

تحفه من الشمال جبال خينكان الصغيرة، وبمحاذاة جنوبه نهر عظيم يسمى "آمور"، يمتد لأكثر من 500 كيلومتر، أما غربه فغابات كثيفة تتوافر على أخشاب ثمينة وحيوانات لها فراء يقتنيه السادة والنبلاء، تلك جغرافيا "إقليم بيروبيدجان" الذي كاد يكون إسرائيل التي نعرفها اليوم، لكن شاءت الأقدار غير ذلك. 

ففي القرن السابع الميلادي، استقرت قبائل الخزر الوثنية التي اعتنقت اليهودية بعد ذلك مناطق قريبة من "إقليم بيروبيدجان" الروسي. انهارت المملكة بعد 5 قرون، وساح وتاه سكانها في الأراضي المجاورة، حتى باتوا الرافد الرئيس ليهود روسيا وأوكرانيا وسائر أوروبا الشرقية التي نعرفها اليوم. وراحوا يقيمون في "الغيتوهات" وينعزلون عن المجتمعات للحفاظ على نقاء "شعب الله المختار"، كما تقول الأسطورة.

أحد خريجي "معازل الجيتو" تلك هو إسحاق ساديه، أبو منظمة "هبوعيل"، إحدى أعمدة الرياضة الإسرائيلية، وأحد آباء جيش الدفاع الإسرائيلي ومن قبل عصابات الهاغاناه. آمن ساديه ونشر ثقافة "اليهودي القوي" وهي ثقافة مضادة لحقيقة الإنسان اليهودي في أوروبا، الضعيف النحيل المهان والمعزول. وكان ساديه مصارعاً محترفاً، ومنظراً صهيونياً، وعسكرياً خبيراً. هاجر إلى فلسطين مطلع العام 1920، ليعيد أمجاداً لم تكن يوماً.

إسحاق ساديه وجه الرياضة الإسرائيلية المظلم، ورئيس أركان عصابة الهاغاناه (1945-1947) وقائد عسكري لولاه لتعثر قيام إسرائيل. 

قصة ساديه هي قصة إسرائيل.. وقصة الرياضة الإسرائيلية هي تسلل القرن الماضي!

من هنا نبدأ

تحفه من الشمال جبال خينكان الصغيرة، وبمحاذاة جنوبه نهر عظيم يسمى "آمور"، يمتد لأكثر من 500 كيلومتر، أما غربه فغابات كثيفة تتوافر على أخشاب ثمينة وحيوانات لها فراء يقتنيه السادة والنبلاء، تلك جغرافيا "إقليم بيروبيدجان" الذي كاد يكون إسرائيل التي نعرفها اليوم، لكن شاءت الأقدار غير ذلك. 

ففي القرن السابع الميلادي، استقرت قبائل الخزر الوثنية التي اعتنقت اليهودية بعد ذلك مناطق قريبة من "إقليم بيروبيدجان". انهارت المملكة بعد 5 قرون، وساح وتاه سكانها في الأراضي المجاورة، حتى باتوا الرافد الرئيس ليهود روسيا وأوكرانيا وسائر أوروبا الشرقية التي نعرفها اليوم. وراحوا يقيمون في "الغيتوهات" وينعزلون عن المجتمعات للحفاظ على نقاء "شعب الله المختار"، كما تقول الأسطورة.

أحد خريجي "معازل الجيتو" تلك هو إسحاق ساديه، أبو منظمة "هبوعيل"، إحدى أعمدة الرياضة الإسرائيلية، وأحد آباء جيش الدفاع الإسرائيلي ومن قبل عصابات الهاغاناه. آمن ساديه ونشر ثقافة "اليهودي القوي" وهي ثقافة مضادة لحقيقة الإنسان اليهودي في أوروبا، الضعيف النحيل المهان والمعزول. وكان ساديه مصارعاً محترفاً، ومنظراً صهيونياً، وعسكرياً خبيراً. هاجر إلى فلسطين مطلع العام 1920، ليعيد أمجاداً لم تكن يوماً.

إسحاق ساديه وجه الرياضة الإسرائيلية المظلم، ورئيس أركان عصابة الهاغاناه (1945-1947) وقائد عسكري لولاه لتعثر قيام إسرائيل. 

قصة ساديه هي قصة إسرائيل.. وقصة الرياضة الإسرائيلية هي تسلل القرن الماضي!

إسحاق ساديه.. بطل المصارعة 

في غضون سنوات قليلة من هجرته إلى فلسطين، قام ساديه بتأسيس اتحاد "هابوعيل" الرياضي، وخطّ سياسات الاتحاد والإرشادات العامة. سريعاً ضمّت المؤسسة عشرات الآلاف من الأعضاء، وقامت بتدريبهم وتنظيمهم وتشكيل وحدات ومقرات، كل ذلك تحت إشراف وتخطيط من ساديه. وبدون الأخير ما كانت منظمة "هابوعيل" لتقوم بالأدوار الضخمة التي قامت بها من أجل قيام إسرائيل كما سنوضح في السطور القادمة.

كان هدف ساديه من تأسيس "هابوعيل" هو المشاركة الجماعية وبناء شباب يهودي قوي بدنياً، يمتلك روح القتال، يهيمن ولا ينعزل، وهدف ساديه إلى توحيد الشباب وتنظيمهم وتأهيلهم بدنياً على حساب تخصيص الموارد لإنتاج أبطال فرديين.

لم يكن ساديه مجرد داعية للرياضة؛ بل كان رياضياً نشطاً بنفسه. خلال فترة إقامته في روسيا، شارك في مباريات المصارعة، حتى أصبح بطل سانت بطرسبرغ للمصارعة. 

في إسرائيل، ما زال تأثير ساديه في الرياضة ملموساً اليوم. يشارك الآلاف من الرياضيين والجنود في "سباق جبل طابور"، وهو حدث مكرس لأفكار ساديه. كما يتم دراسة سيرته الذاتية باعتباره بطلاً رياضياً وعسكرياً. إرث وفكر ساديه الرياضي عسكري الطابع، نبع من ضرورة إعادة بناء اليهودي الوافد إلى الأرض الفلسطينية ليكون شرساً، لكن في نفس الوقت مؤثر ومضحٍّ لتحقيق هدف قومي لا لتحقيق مجد شخصي. 

قبل المضي قدماً لا بد من انعطافة سريعة؛ لنطل على بعض ملامح من سيرة ساديه وحكايته. 

الرجل العجوز 

وُلد إسحاق ساديه عام 1890 في مدينة لوبلين البولندية لأسرة يهودية تعاني الفقر والعنصرية. خدم ساديه في جيش القيصر الروسي في مطلع الحرب العالمية الأولى، ثم تولى قيادة فرقة عسكرية في الجيش الأحمر بعد نجاح الثورة عام 1917. تم تكريمه بوسام من الجيش الروسي لشجاعته خلال الحرب العالمية الأولى. توقع قادة السوفييت العسكريون ترقي إسحاق في مراتب الجيش سريعاً، لكن إسحاق كان قد اعتنق الصهيونية وتغيرت خططه بعد مقتل صديقه جوزيف ترومبلدور. الأخير كان ضابطاً روسياً تأثر بالحركة الصهيونية، وفي بداية الحرب العالمية الأولى، استغل ترومبلدور موقف الحكومة الروسية الملكية المعادي للدولة العثمانية، فذهب إلى فلسطين بغاية تأسيس دولة يهودية على أرض فلسطين، إلا أن الجيش الملكي السوري، وقف في وجه ترومبلدور وقتله رفقة 8 من أتباعه. قبل تلك الحادثة، وخلال الفترة من 1917 إلى 1919، ساعد ساديه صديقه المقتول ترومبلدور في تأسيس حركة "الرائد"، وفي عام 1920 قام بالهجرة إلى أرض فلسطين، وحلمه تأسيس دولة يهودية.

في عام 1921، تم توظيف خبرات ساديه العسكرية، فأصبح قائداً لـ"الهاغاناه" (نواة جيش الدفاع الإسرائيلي) في القدس، وعندما انتفض العرب عام 1929 كان ساديه أحد أهم القادة العسكريين الإسرائيليين الذين استطاعوا إخماد الانتفاضة.

عندما بدأت الثورة العربية في عام 1936، أسس ساديه في القدس وحدة "نوديدت"، وهي قوة جوالة تعقبت العرب الثائرين وهاجمتهم في مدنهم وقراهم وارتكبت عديد المجازر. وفي صيف عام 1937، أسس قوات الهاغاناه الميدانية، لكن إنجازه الأكبر كان في مايو/آيار من عام 1941، عندما شارك في تأسيس سرايا "البالماخ"، التي نفذت الكثير من العمليات العسكرية والاستخباراتية مستعينة باليهود الشرقيين، والذين سيشكلون بعد ذلك وحدة "المستعربين" بالجيش الإسرائيلي.

يرحميئل كهنوفيتش، أحد الجنود الذين عملوا تحت إمرة ساديه في "البالماخ" يروي جزءاً من طبيعة الأوامر التي كان يتلقاها، فيقول: "أحياناً يجب علينا إطلاق النار على شخص أو شخصيْن، وهكذا كان البقيّة يفهمون رمز الرّسالة، ويهربون وحدهم، عليك أن تفهم؛ فجّرنا البيوت، فإن لم يكن للعربيّ بيت؛ فليس لديه مكان يعود إليه، فطالما وُجدت البيوت والقرى سيرغب دائماً بالعودة، المعادلة بسيطة جداً".

بعد قيادة "البالماخ" شغل ساديه منصب القائد العام للهاغاناه حتى عام 1945، ثم أصبح رئيساً لأركان الهاغاناه العامة وخلال "حرب 48" صدّ إسحاق هجوم الجيش السوري. وبعد إعلان قيام دولة إسرائيل، تم تفكيك الهاغاناه، وأسس ساديه اللواء المدرع الأول في جيش الدفاع الإسرائيلي.

أثناء فترة الانتداب البريطاني، وقع عداء بين الإنجليز وساديه فوضعوا جائزة مالية على رأسه أو من يدل عليه، فأطلق لحيته وتنكر، وبسبب اللحية وطريقة تحدثه البطيئة والهادئة أطلق عليه لقب "الرجل العجوز". 

لكن، وبعيداً عن ساحات القتال، كيف وظّف الرجل العجوز اتحاد هابوعيل لخدمة الأهداف السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وما هي الأدوار التي قام بها للمساعدة في قيام إسرائيل، وكيف تخفي إسرائيل خلف الوجه الرياضي للمؤسسة وجهاً دموياً ارتكب جريمة القرن الـ20 الأكبر؛ احتلال فلسطين؟ 

إسحاق ساديه.. بطل المصارعة 

في غضون سنوات قليلة من هجرته إلى فلسطين، قام ساديه بتأسيس اتحاد "هابوعيل" الرياضي، وخطّ سياسات الاتحاد والإرشادات العامة. سريعاً ضمّت المؤسسة عشرات الآلاف من الأعضاء، وقامت بتدريبهم وتنظيمهم وتشكيل وحدات ومقرات، كل ذلك تحت إشراف وتخطيط من ساديه. وبدون الأخير ما كانت منظمة "هابوعيل" لتقوم بالأدوار الضخمة التي قامت بها من أجل قيام إسرائيل كما سنوضح في السطور القادمة.

كان هدف ساديه من تأسيس "هابوعيل" هو المشاركة الجماعية وبناء شباب يهودي قوي بدنياً، يمتلك روح القتال، يهيمن ولا ينعزل، وهدف ساديه إلى توحيد الشباب وتنظيمهم وتأهيلهم بدنياً على حساب تخصيص الموارد لإنتاج أبطال فرديين.

لم يكن ساديه مجرد داعية للرياضة؛ بل كان رياضياً نشطاً بنفسه. خلال فترة إقامته في روسيا، شارك في مباريات المصارعة، حتى أصبح بطل سانت بطرسبرغ للمصارعة. 

في إسرائيل، ما زال تأثير ساديه في الرياضة ملموساً اليوم. يشارك الآلاف من الرياضيين والجنود في "سباق جبل طابور"، وهو حدث مكرس لأفكار ساديه. كما يتم دراسة سيرته الذاتية باعتباره بطلاً رياضياً وعسكرياً. إرث وفكر ساديه الرياضي عسكري الطابع، نبع من ضرورة إعادة بناء اليهودي الوافد إلى الأرض الفلسطينية ليكون شرساً، لكن في نفس الوقت مؤثر ومضحٍّ لتحقيق هدف قومي لا لتحقيق مجد شخصي. 

قبل المضي قدماً لا بد من انعطافة سريعة؛ لنطل على بعض ملامح من سيرة ساديه وحكايته. 

الرجل العجوز 

وُلد إسحاق ساديه عام 1890 في مدينة لوبلين البولندية لأسرة يهودية تعاني الفقر والعنصرية. خدم ساديه في جيش القيصر الروسي في مطلع الحرب العالمية الأولى، ثم تولى قيادة فرقة عسكرية في الجيش الأحمر بعد نجاح الثورة عام 1917. تم تكريمه بوسام من الجيش الروسي لشجاعته خلال الحرب العالمية الأولى. توقع قادة السوفييت العسكريون ترقي إسحاق في مراتب الجيش سريعاً، لكن إسحاق كان قد اعتنق الصهيونية وتغيرت خططه بعد مقتل صديقه جوزيف ترومبلدور. الأخير كان ضابطاً روسياً تأثر بالحركة الصهيونية، وفي بداية الحرب العالمية الأولى، استغل ترومبلدور موقف الحكومة الروسية الملكية المعادي للدولة العثمانية، فذهب إلى فلسطين بغاية تأسيس دولة يهودية على أرض فلسطين، إلا أن الجيش الملكي السوري، وقف في وجه ترومبلدور وقتله رفقة 8 من أتباعه. قبل تلك الحادثة، وخلال الفترة من 1917 إلى 1919، ساعد ساديه صديقه المقتول ترومبلدور في تأسيس حركة "الرائد"، وفي عام 1920 قام بالهجرة إلى أرض فلسطين، وحلمه تأسيس دولة يهودية.

في عام 1921، تم توظيف خبرات ساديه العسكرية، فأصبح قائداً لـ"الهاغاناه" (نواة جيش الدفاع الإسرائيلي) في القدس، وعندما انتفض العرب عام 1929 كان ساديه أحد أهم القادة العسكريين الإسرائيليين الذين استطاعوا إخماد الانتفاضة.

عندما بدأت الثورة العربية في عام 1936، أسس ساديه في القدس وحدة "نوديدت"، وهي قوة جوالة تعقبت العرب الثائرين وهاجمتهم في مدنهم وقراهم وارتكبت عديد المجازر. وفي صيف عام 1937، أسس قوات الهاغاناه الميدانية، لكن إنجازه الأكبر كان في مايو/آيار من عام 1941، عندما شارك في تأسيس سرايا "البالماخ"، التي نفذت الكثير من العمليات العسكرية والاستخباراتية مستعينة باليهود الشرقيين، والذين سيشكلون بعد ذلك وحدة "المستعربين" بالجيش الإسرائيلي.

يرحميئل كهنوفيتش، أحد الجنود الذين عملوا تحت إمرة ساديه في "البالماخ" يروي جزءاً من طبيعة الأوامر التي كان يتلقاها، فيقول: "أحياناً يجب علينا إطلاق النار على شخص أو شخصيْن، وهكذا كان البقيّة يفهمون رمز الرّسالة، ويهربون وحدهم، عليك أن تفهم؛ فجّرنا البيوت، فإن لم يكن للعربيّ بيت؛ فليس لديه مكان يعود إليه، فطالما وُجدت البيوت والقرى سيرغب دائماً بالعودة، المعادلة بسيطة جداً".

بعد قيادة "البالماخ" شغل ساديه منصب القائد العام للهاغاناه حتى عام 1945، ثم أصبح رئيساً لأركان الهاغاناه العامة وخلال "حرب 48" صدّ إسحاق هجوم الجيش السوري. وبعد إعلان قيام دولة إسرائيل، تم تفكيك الهاغاناه، وأسس ساديه اللواء المدرع الأول في جيش الدفاع الإسرائيلي.

أثناء فترة الانتداب البريطاني، وقع عداء بين الإنجليز وساديه فوضعوا جائزة مالية على رأسه أو من يدل عليه، فأطلق لحيته وتنكر، وبسبب اللحية وطريقة تحدثه البطيئة والهادئة أطلق عليه لقب "الرجل العجوز". 

لكن، وبعيداً عن ساحات القتال، كيف وظّف الرجل العجوز اتحاد هابوعيل لخدمة الأهداف السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وما هي الأدوار التي قام بها للمساعدة في قيام إسرائيل، وكيف تخفي إسرائيل خلف الوجه الرياضي للمؤسسة وجهاً دموياً ارتكب جريمة القرن الـ20 الأكبر؛ احتلال فلسطين؟ 

هبوعيل.. تنظيم العمال اليهود

إذا قادك الفضول للاطلاع على أندية كرة القدم الإسرائيلية، فستلاحظ وجود العديد من الأندية التي تحوي لفظة "هبوعيل"، 15 نادياً في الدرجات الكروية المختلفة. وعبر الرياضات المختلفة، يوجد أكثر من 30 نادياً تحمل الاسم ذاته.. فما القصة؟ 

تأسس اتحاد "هبوعيل" الرياضي اليهودي في عام 1926 بمبادرة من الاتحاد العمالي "هستدروت"، وكان هدفه تنظيم الطبقة العاملة اليهودية في فلسطين داخل منظمة واحدة. ففي عام 1926، لم يكن الوجود اليهودي في الأراضي الفلسطينية متبلوراً بعد. كان معظم يهود الطبقة العاملة محض مهاجرين مشتتين، فروا من الطغيان الأوروبي ووجدوا ملاذاً آمناً في فلسطين. وذلك على العكس من الطبقة السياسية الصهيونية التي حطت الرحال في فلسطين ووضعت نصب عينيها سرقة الأرض وطرد شعبها، مثل والد رئيس وزراء إسرائيل الحالي بنيامين نتنياهو، الذي هاجر لفلسطين أوائل عشرينيات القرن الماضي.

كان هدف اتحاد "هبوعيل" هو تنظيم العمال اليهود، وإحصاءهم وتحديد أماكن وجودهم ومقرات عملهم، ومن ثم تجنيدهم لخدمة الدولة الصهيونية التي ستقوم عام 1948. لذا لن تستغرب كثيراً إذا علمت أن لفظة "هبوعيل" العبرية تعني "العامل" في اللغة العربية. 

تتبنى "هبوعيل" أيديولوجيا ماركسية واشتراكية، تتجلى في تاريخها وأنشطتها. فقد تأسست الجمعية بهدف معلن، وهو "تعزيز الرياضة بين الطبقة العاملة"، وباستغلال الأيديولوجيا الماركسية أقامت علاقات دولية مع منظمات رياضية للعمال تنتمي إلى أحزاب اشتراكية. ومن خلال تلك العلاقات، تم تعزيز الفكرة الصهيونية، ونشر أيديولوجيتها باعتبار ألا تعارض بينها وبين الماركسية. وبالفعل، أصبح "هبوعيل" عضواً في الاتحاد الدولي للرياضة للعمال (SASI) في عام 1927، وبعد ذلك أصبح عضواً في الاتحاد الدولي للرياضة والجمباز للعمال (CSIT). 

وكان "هبوعيل" يتبع الاتحاد العمالي "الهستدروت"، الذي لعب دوراً حاسماً في تأسيس إسرائيل، إذ كان "الهستدروت" واحداً من الأطراف الموقّعة على إعلان تأسيس دولة إسرائيل.

بعد تأسيس إسرائيل، أصبح "هبوعيل" واحداً من أبرز الاتحادات الرياضية فيها، ويضم العديد من الأندية الرياضية التابعة لها في جميع أنحاء الأراضي المحتلة. من أشهر تلك الأندية؛ نادي "هبوعيل تل أبيب"، و"هبوعيل القدس"، و"هبوعيل حيفا".

تنشط أذرع "هبوعيل" في القدس المحتلة، حيث ينظم الاتحاد فعاليات لأكثر من 1500 طفل وشاب من جميع الأوساط في القدس ومحيطها. كما يقيم مشاريع وبرامج لما يسميه "التعايش بين الشباب العرب واليهود"، لكن نوايا وأهداف تلك البرامج تصب في صالح تذويب القضية الفلسطينية، وتحييد الشباب الفلسطيني عن الصراع الدائر قدر المستطاع.

هبوعيل أم هاغاناه؟

شارك "هبوعيل" اجتماعياً وعسكرياً في إقامة الدولة. كان أعضاء "هبوعيل" رواداً في مجال الأنشطة البحرية، فخططوا ونفذوا لعمليات هجرة غير شرعية واسعة النطاق إلى فلسطين، وساعدوا في تأسيس المستوطنات، وكان لها أعضاء بارزون في "عصابات الهاغاناه"، التي نفّذت مجازر بشعة بحق أصحاب الأرض، وكانت تسمى "منظمة الدفاع اليهودية" قبل تأسيس الدولة. أحد أشهر أعضاء المنظمتين كان إسحاق ساديه بشحمه ولحمه، الذي كان أحد أعضاء مجلس إدارة الهبوعيل، فخط السياسات العامة ووضع التوجيهات وأرسى شعار "هبوعيل": "ألفيم لا ألوفيم"، ويعني (آلاف، لا أبطال). والمغزى من هذا الشعار أن "هبوعيل" لا يهدف إلى إنتاج أبطال في الألعاب الفردية، بل في ضم أكبر قدر ممكن من الشباب إلى صفوفه لتجنيدهم، ومن ثم خدمة الأهداف الصهيونية.

هبوعيل.. تنظيم العمال اليهود

إذا قادك الفضول للاطلاع على أندية كرة القدم الإسرائيلية، فستلاحظ وجود العديد من الأندية التي تحوي لفظة "هبوعيل"، 15 نادياً في الدرجات الكروية المختلفة. وعبر الرياضات المختلفة، يوجد أكثر من 30 نادياً تحمل الاسم ذاته.. فما القصة؟ 

تأسس اتحاد "هبوعيل" الرياضي اليهودي في عام 1926 بمبادرة من الاتحاد العمالي "هستدروت"، وكان هدفه تنظيم الطبقة العاملة اليهودية في فلسطين داخل منظمة واحدة. ففي عام 1926، لم يكن الوجود اليهودي في الأراضي الفلسطينية متبلوراً بعد. كان معظم يهود الطبقة العاملة محض مهاجرين مشتتين، فروا من الطغيان الأوروبي ووجدوا ملاذاً آمناً في فلسطين. وذلك على العكس من الطبقة السياسية الصهيونية التي حطت الرحال في فلسطين ووضعت نصب عينيها سرقة الأرض وطرد شعبها، مثل والد رئيس وزراء إسرائيل الحالي بنيامين نتنياهو، الذي هاجر لفلسطين أوائل عشرينيات القرن الماضي.

كان هدف اتحاد "هبوعيل" هو تنظيم العمال اليهود، وإحصاءهم وتحديد أماكن وجودهم ومقرات عملهم، ومن ثم تجنيدهم لخدمة الدولة الصهيونية التي ستقوم عام 1948. لذا لن تستغرب كثيراً إذا علمت أن لفظة "هبوعيل" العبرية تعني "العامل" في اللغة العربية. 

تتبنى "هبوعيل" أيديولوجيا ماركسية واشتراكية، تتجلى في تاريخها وأنشطتها. فقد تأسست الجمعية بهدف معلن، وهو "تعزيز الرياضة بين الطبقة العاملة"، وباستغلال الأيديولوجيا الماركسية أقامت علاقات دولية مع منظمات رياضية للعمال تنتمي إلى أحزاب اشتراكية. ومن خلال تلك العلاقات، تم تعزيز الفكرة الصهيونية، ونشر أيديولوجيتها باعتبار ألا تعارض بينها وبين الماركسية. وبالفعل، أصبح "هبوعيل" عضواً في الاتحاد الدولي للرياضة للعمال (SASI) في عام 1927، وبعد ذلك أصبح عضواً في الاتحاد الدولي للرياضة والجمباز للعمال (CSIT). 

وكان "هبوعيل" يتبع الاتحاد العمالي "الهستدروت"، الذي لعب دوراً حاسماً في تأسيس إسرائيل، إذ كان "الهستدروت" واحداً من الأطراف الموقّعة على إعلان تأسيس دولة إسرائيل.

بعد تأسيس إسرائيل، أصبح "هبوعيل" واحداً من أبرز الاتحادات الرياضية فيها، ويضم العديد من الأندية الرياضية التابعة لها في جميع أنحاء الأراضي المحتلة. من أشهر تلك الأندية؛ نادي "هبوعيل تل أبيب"، و"هبوعيل القدس"، و"هبوعيل حيفا".

تنشط أذرع "هبوعيل" في القدس المحتلة، حيث ينظم الاتحاد فعاليات لأكثر من 1500 طفل وشاب من جميع الأوساط في القدس ومحيطها. كما يقيم مشاريع وبرامج لما يسميه "التعايش بين الشباب العرب واليهود"، لكن نوايا وأهداف تلك البرامج تصب في صالح تذويب القضية الفلسطينية، وتحييد الشباب الفلسطيني عن الصراع الدائر قدر المستطاع.

هبوعيل أم هاغاناه؟

شارك "هبوعيل" اجتماعياً وعسكرياً في إقامة الدولة. كان أعضاء "هبوعيل" رواداً في مجال الأنشطة البحرية، فخططوا ونفذوا لعمليات هجرة غير شرعية واسعة النطاق إلى فلسطين، وساعدوا في تأسيس المستوطنات، وكان لها أعضاء بارزون في "عصابات الهاغاناه"، التي نفّذت مجازر بشعة بحق أصحاب الأرض، وكانت تسمى "منظمة الدفاع اليهودية" قبل تأسيس الدولة. أحد أشهر أعضاء المنظمتين كان إسحاق ساديه بشحمه ولحمه، الذي كان أحد أعضاء مجلس إدارة الهبوعيل، فخط السياسات العامة ووضع التوجيهات وأرسى شعار "هبوعيل": "ألفيم لا ألوفيم"، ويعني (آلاف، لا أبطال). والمغزى من هذا الشعار أن "هبوعيل" لا يهدف إلى إنتاج أبطال في الألعاب الفردية، بل في ضم أكبر قدر ممكن من الشباب إلى صفوفه لتجنيدهم، ومن ثم خدمة الأهداف الصهيونية.

ليس هبوعيل فقط.. مكابي أيضاً! 

لعلك تابعت ما حدث عندما تعرّض موقع نادي "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي، الثلاثاء 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إلى الاختراق من قِبل مجموعة تُطلق على نفسها اسم "هكر الأردن"، وضعت على الصفحة الرئيسية للموقع صورة للمتحدث باسم كتائب "القسام"، أبو عبيدة، وذلك في وقت يواصل فيه الاحتلال حربه الدامية على قطاع غزة المحاصَر. لكن ما دلالة ورمزية كلمة "مكابي" ولماذا تنتشر في الأندية الإسرائيلية؟ 

أول من تصهين

42 عاماً قبل إعلان قيام دولة إسرائيل، تأسس نادي مكابي تل أبيب في عام 1906، تحت اسم "اتحاد هريشون لصهيون ويافو" – HaRishon Le Zion-Yafo، وهو أقدم نادي كرة القدم في إسرائيل وأكثرها تتويجاً. وفي القاموس العبري، تعني كلمة "هريشون لصهيون"، "أول من تصهين بيافا".

مع تأسيس مدينة تل أبيب في عام 1909، قام النادي بتغيير اسمه إلى "مكابي تل أبيب". وفي عام 1922، أصبح النادي أول نادي كرة قدم يهودي يشارك في المسابقات المحلية التي كان يقيمها العرب المسلمون. واعتمد الفريق نجمة داود شعاراً له دون معارضة من العرب منظمي البطولات. اسم النادي منسوب إلى "المكابيين"، الجيش اليهودي القديم، وقد وظّفته إسرائيل رمزاً لما سمّته "كفاح الشعب اليهودي لأكثر من 2000". 

مكابي.. منظمة يهودية عالمية

في المؤتمر الصهيوني الثاني عام 1898، دعا ماكس نورداو، كبير مساعدي تيودور هرتزل، لضرورة تطوير ما سمَّاه "اليهودية العضلية". كانت تلك الفكرة لبنة ضمن بناء "اليهودي الجديد"، وهو نقيض اليهودي مرتعد الفرائص المنكفئ على ذاته داخل الحي اليهودي في أوروبا.

كان جوهر اليهودي الجديد هو التدريب البدني من خلال الرياضة والجمباز والنوادي. في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بدأ عدد من الأندية الرياضية اليهودية في التطور، خاصة في أوروبا الوسطى. 

في المؤتمر الصهيوني الرابع في بازل، عام 1903، تم وضع أسس اتحاد نوادي الجمباز اليهودية، أساس منظمة مكابي. منذ البداية، ركزت الأندية على التنمية البدنية لخدمة ما سمّوه "الأمة اليهودية". مع مرور الوقت، تبلورت تلك الأندية في اتحاد مكابي، وأعلن رسمياً عن اتحاد مكابي العالمي في عام 1921، وكان مقره الرئيسي على مدى العقود التالية في عدد من المدن الأوروبية.

في وقت سابق، كانت فكرة "مكابي" تتطور كمنظمة رياضية بأبعاد استعمارية في أرض فلسطين. في عام 1912، تم تشكيل اتحاد مكابي الإسرائيلي وأصبح مكابي العنصر الرياضي المركزي للصهاينة هنالك.

وينشط حالياً في دوري الدرجة الأولى الإسرائيلي 5 فرق تحمل اسم المنظمة، هي: "مكابي تل أبيب"، "مكابي بيتاح تكفا"، "مكابي راينا"، "مكابي حيفا"، و"مكابي نتانيا". 

لكن مكابي، المنظمة الصهيونية، لها فروع في 6 قارات حول العالم، منتشرة في 74 دولة، ولها أكثر من 450 ألف عضو.

لعبت منظمة مكابي دوراً دعائياً في تسهيل الاستيلاء على فلسطين وترسيخ الاعتقاد الأوروبي الخاطئ فيما يخص مسألة إسرائيل ككل، والمتمثل في مقولة "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض". عبر منظمة مكابي، حاولت الصهيونية جاهدة تصوير أن الشعب الفلسطيني لم يكن سوى رعاة غنم أو بدو أجلاف لا صلة لهم بالحضارة والثقافة وخاصة الرياضة، وأن منظمة مكابي هي من جاءت لتنشر فكرة الرياضة بشكلها الحديث في الأرض العربية المسلوبة. وفي ذلك تشويه وتزييف للتاريخ، ومحاولة إيهام العالم بأن الشعب الفلسطيني لم يكن له أي نشاطات ثقافية ورياضية وفنية. 

فحسب المؤرخ عصام الخالدي، فإن جذور الحركة الرياضية بفلسطين تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، على يد البعثات الأجنبية التي أسست مدارس في العديد من المدن الفلسطينية، خاصة في مدينة القدس. يعدِّد الخالدي عدداً من تلك المدارس، فيحصي مدرسة المطران الإنجليزي صموئيل غوبات عام 1879 ومدرسة دي لاسال (الفرير) 1892، ومدرسة سانت جورج 1989، ومدرسة الفرندز في رام الله (للبنات) عام 1890 و(للأولاد) 1901، ومدرسة الساليزيان 1901 في بيت لحم.
وفي عام 1908 شكّلت كلية المعارف فريقاً لكرة القدم، كما شهد العام ذاته تأسيس أول فريق مدرسي لكرة القدم في مدرسة المطران سانت جورج في القدس.

ومع ذلك، استطاع الصهاينة الذين جاؤوا إلى فلسطين سرقة "اتحاد الكرة الفلسطيني" بعدما أسسوه عام 1928 وتقدموا بطلب الحصول على عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم وهو ما تم بالفعل عام 1929. وكان اليهود آنذاك (11%) فقط من سكان فلسطين. ورغم مناشدات الفلسطينيين العرب وإبلاغهم الاتحاد الدولي للعبة أن هذا الاتحاد لا يعبر عن السكان وأنه غير رسمي، لم يتحرك الفيفا وبقي الصهاينة يلعبون باسم فلسطين ولكن بلاعبين يهود ليسوّقوا فكرة يهودية فلسطين.

هذه الواقعة كانت مبتدأ انحياز الفيفا لإسرائيل، لم يعترف الاتحاد الدولي بمنتخب فلسطين إلا بعد أن وقعت اتفاقية أوسلو، وتحديداً عام 1998.

ذلك الانحياز مستمر حتى يومنا هذا، فلم يوقّع الفيفا أية عقوبة ولم يصدر أي بيان إدانة أو شجب ضد الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم الذي يقوم برعاية الأندية الواقعة في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية، وهي مناطق محتلة. ذات الاتحاد ضرب المنتخبات الروسية بالعقوبات عندما تم غزو أوكرانيا، ومنع إقامة أي مباراة على شبه جزيرة القرم عندما احتلتها روسيا عام 2014. 

ليس هذا فحسب، فإن الاتحاد الذي يرفع شعار "لا للعنصرية" يغض الطرف تماماً عن نادي "بيتار القدس" الإسرائيلي، أو "أكثر نادٍ عنصري في العالم" كما يحلو لمشجعيه وصفه.

ليس هبوعيل فقط.. مكابي أيضاً! 

لعلك تابعت ما حدث عندما تعرّض موقع نادي "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي، الثلاثاء 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إلى الاختراق من قِبل مجموعة تُطلق على نفسها اسم "هكر الأردن"، وضعت على الصفحة الرئيسية للموقع صورة للمتحدث باسم كتائب "القسام"، أبو عبيدة، وذلك في وقت يواصل فيه الاحتلال حربه الدامية على قطاع غزة المحاصَر. لكن ما دلالة ورمزية كلمة "مكابي" ولماذا تنتشر في الأندية الإسرائيلية؟ 

أول من تصهين

42 عاماً قبل إعلان قيام دولة إسرائيل، تأسس نادي مكابي تل أبيب في عام 1906، تحت اسم "اتحاد هريشون لصهيون ويافو" – HaRishon Le Zion-Yafo، وهو أقدم نادي كرة القدم في إسرائيل وأكثرها تتويجاً. وفي القاموس العبري، تعني كلمة "هريشون لصهيون"، "أول من تصهين بيافا".

مع تأسيس مدينة تل أبيب في عام 1909، قام النادي بتغيير اسمه إلى "مكابي تل أبيب". وفي عام 1922، أصبح النادي أول نادي كرة قدم يهودي يشارك في المسابقات المحلية التي كان يقيمها العرب المسلمون. واعتمد الفريق نجمة داود شعاراً له دون معارضة من العرب منظمي البطولات. اسم النادي منسوب إلى "المكابيين"، الجيش اليهودي القديم، وقد وظّفته إسرائيل رمزاً لما سمّته "كفاح الشعب اليهودي لأكثر من 2000". 

مكابي.. منظمة يهودية عالمية

في المؤتمر الصهيوني الثاني عام 1898، دعا ماكس نورداو، كبير مساعدي تيودور هرتزل، لضرورة تطوير ما سمَّاه "اليهودية العضلية". كانت تلك الفكرة لبنة ضمن بناء "اليهودي الجديد"، وهو نقيض اليهودي مرتعد الفرائص المنكفئ على ذاته داخل الحي اليهودي في أوروبا.

كان جوهر اليهودي الجديد هو التدريب البدني من خلال الرياضة والجمباز والنوادي. في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بدأ عدد من الأندية الرياضية اليهودية في التطور، خاصة في أوروبا الوسطى. 

في المؤتمر الصهيوني الرابع في بازل، عام 1903، تم وضع أسس اتحاد نوادي الجمباز اليهودية، أساس منظمة مكابي. منذ البداية، ركزت الأندية على التنمية البدنية لخدمة ما سمّوه "الأمة اليهودية". مع مرور الوقت، تبلورت تلك الأندية في اتحاد مكابي، وأعلن رسمياً عن اتحاد مكابي العالمي في عام 1921، وكان مقره الرئيسي على مدى العقود التالية في عدد من المدن الأوروبية.

في وقت سابق، كانت فكرة "مكابي" تتطور كمنظمة رياضية بأبعاد استعمارية في أرض فلسطين. في عام 1912، تم تشكيل اتحاد مكابي الإسرائيلي وأصبح مكابي العنصر الرياضي المركزي للصهاينة هنالك.

وينشط حالياً في دوري الدرجة الأولى الإسرائيلي 5 فرق تحمل اسم المنظمة، هي: "مكابي تل أبيب"، "مكابي بيتاح تكفا"، "مكابي راينا"، "مكابي حيفا"، و"مكابي نتانيا". 

لكن مكابي، المنظمة الصهيونية، لها فروع في 6 قارات حول العالم، منتشرة في 74 دولة، ولها أكثر من 450 ألف عضو.

لعبت منظمة مكابي دوراً دعائياً في تسهيل الاستيلاء على فلسطين وترسيخ الاعتقاد الأوروبي الخاطئ فيما يخص مسألة إسرائيل ككل، والمتمثل في مقولة "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض". عبر منظمة مكابي، حاولت الصهيونية جاهدة تصوير أن الشعب الفلسطيني لم يكن سوى رعاة غنم أو بدو أجلاف لا صلة لهم بالحضارة والثقافة وخاصة الرياضة، وأن منظمة مكابي هي من جاءت لتنشر فكرة الرياضة بشكلها الحديث في الأرض العربية المسلوبة. وفي ذلك تشويه وتزييف للتاريخ، ومحاولة إيهام العالم بأن الشعب الفلسطيني لم يكن له أي نشاطات ثقافية ورياضية وفنية. 

فحسب المؤرخ عصام الخالدي، فإن جذور الحركة الرياضية بفلسطين تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، على يد البعثات الأجنبية التي أسست مدارس في العديد من المدن الفلسطينية، خاصة في مدينة القدس. يعدِّد الخالدي عدداً من تلك المدارس، فيحصي مدرسة المطران الإنجليزي صموئيل غوبات عام 1879 ومدرسة دي لاسال (الفرير) 1892، ومدرسة سانت جورج 1989، ومدرسة الفرندز في رام الله (للبنات) عام 1890 و(للأولاد) 1901، ومدرسة الساليزيان 1901 في بيت لحم.
وفي عام 1908 شكّلت كلية المعارف فريقاً لكرة القدم، كما شهد العام ذاته تأسيس أول فريق مدرسي لكرة القدم في مدرسة المطران سانت جورج في القدس.

ومع ذلك، استطاع الصهاينة الذين جاؤوا إلى فلسطين سرقة "اتحاد الكرة الفلسطيني" بعدما أسسوه عام 1928 وتقدموا بطلب الحصول على عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم وهو ما تم بالفعل عام 1929. وكان اليهود آنذاك (11%) فقط من سكان فلسطين. ورغم مناشدات الفلسطينيين العرب وإبلاغهم الاتحاد الدولي للعبة أن هذا الاتحاد لا يعبر عن السكان وأنه غير رسمي، لم يتحرك الفيفا وبقي الصهاينة يلعبون باسم فلسطين ولكن بلاعبين يهود ليسوّقوا فكرة يهودية فلسطين.

هذه الواقعة كانت مبتدأ انحياز الفيفا لإسرائيل، لم يعترف الاتحاد الدولي بمنتخب فلسطين إلا بعد أن وقعت اتفاقية أوسلو، وتحديداً عام 1998.

ذلك الانحياز مستمر حتى يومنا هذا، فلم يوقّع الفيفا أية عقوبة ولم يصدر أي بيان إدانة أو شجب ضد الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم الذي يقوم برعاية الأندية الواقعة في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية، وهي مناطق محتلة. ذات الاتحاد ضرب المنتخبات الروسية بالعقوبات عندما تم غزو أوكرانيا، ومنع إقامة أي مباراة على شبه جزيرة القرم عندما احتلتها روسيا عام 2014. 

ليس هذا فحسب، فإن الاتحاد الذي يرفع شعار "لا للعنصرية" يغض الطرف تماماً عن نادي "بيتار القدس" الإسرائيلي، أو "أكثر نادٍ عنصري في العالم" كما يحلو لمشجعيه وصفه.

أكثر نادٍ عنصري في العالم

تأسس "بيتار القدس" عام 1936 خلال الانتداب البريطاني على فلسطين، على يد ديفيد هورن، أحد أعضاء منظمة "إيتسيل" الصهيونية، التي ارتكبت العديد من المجازر ضد العرب في فلسطين خلال تلك الفترة.

وأقيم ملعب النادي "تيدي" في القدس على أنقاض قرية "المالحة" الفلسطينية التي هجَّرت العصابات الصيهونية أهلَها عام 1948.

أما رابطة "لا فاميليا" أو "الأسرة"، وهي رابطة مشجعي نادي بيتار القدس، فتتكون من عناصر متطرّفة دائماً ما تردد في مباريات كرة القدم هتافات مثل "الموت للعرب"، و"محمد مات"، و"لتحترق القرية".

واشترك أعضاء النادي في محاولات عديدة لاقتحام المسجد الأقصى، وكذلك في اعتداءات على العرب ومنازلهم ومساجدهم في مدينة اللد، كما حرقوا وكسروا واجهات المحلات العربيّة في الأحياء المتخامة لمدينة يافا.

ودائماً ما يهين مشجعو الفريق الإسرائيلي اللاعبين العرب في الفرق المنافسة عبر توجيه شتائم وعبارات نابية للرسول الكريم.

ومن المواقف العنصرية الفجة لرابطة مشجعي الفريق، مطالبتهم إدارة النادي، في يونيو/حزيران 2019، بالعدول عن ضم اللاعب النيجيري المسيحي، محمد علي، بسبب اسمه، أو إجباره على تغيير الاسم، كشرط لقبول لعبه بالفريق. بيتار القدس هو الوحيد في الدوري الإسرائيلي الذي لم يوقّع له أي لاعب عربي في تاريخه.

هل نسي العالم كيف تم التعامل مع هذه النماذج؟ ماذا حدث مع جنوب أفريقيا؟

أكثر نادٍ عنصري في العالم

تأسس "بيتار القدس" عام 1936 خلال الانتداب البريطاني على فلسطين، على يد ديفيد هورن، أحد أعضاء منظمة "إيتسيل" الصهيونية، التي ارتكبت العديد من المجازر ضد العرب في فلسطين خلال تلك الفترة.

وأقيم ملعب النادي "تيدي" في القدس على أنقاض قرية "المالحة" الفلسطينية التي هجَّرت العصابات الصيهونية أهلَها عام 1948.

أما رابطة "لا فاميليا" أو "الأسرة"، وهي رابطة مشجعي نادي بيتار القدس، فتتكون من عناصر متطرّفة دائماً ما تردد في مباريات كرة القدم هتافات مثل "الموت للعرب"، و"محمد مات"، و"لتحترق القرية".

واشترك أعضاء النادي في محاولات عديدة لاقتحام المسجد الأقصى، وكذلك في اعتداءات على العرب ومنازلهم ومساجدهم في مدينة اللد، كما حرقوا وكسروا واجهات المحلات العربيّة في الأحياء المتخامة لمدينة يافا.

ودائماً ما يهين مشجعو الفريق الإسرائيلي اللاعبين العرب في الفرق المنافسة عبر توجيه شتائم وعبارات نابية للرسول الكريم.

ومن المواقف العنصرية الفجة لرابطة مشجعي الفريق، مطالبتهم إدارة النادي، في يونيو/حزيران 2019، بالعدول عن ضم اللاعب النيجيري المسيحي، محمد علي، بسبب اسمه، أو إجباره على تغيير الاسم، كشرط لقبول لعبه بالفريق. بيتار القدس هو الوحيد في الدوري الإسرائيلي الذي لم يوقّع له أي لاعب عربي في تاريخه.

هل نسي العالم كيف تم التعامل مع هذه النماذج؟ ماذا حدث مع جنوب أفريقيا؟

أين الفيفا؟ 

مختصر حال جنوب أفريقيا إبان حقبة الفصل العنصري هو أن البلاد قسمت إلى أحياء نظيفة وحافلات حديثة ومطاعم راقية ومدارس متطورة وشواطئ جميلة للبيض، ونسخ رديئة متهالكة مما سبق للسود. يحظر اختلاط الأعراق بالزواج أو العلاقات الجنسية، كما أن قرابة 90% من الأراضي كانت للبيض الذين جاؤوا من بريطانيا وهولندا.
وباقي الأراضي كانت "محميات عرقية"، أحياء للسود الذين كلما ثاروا ردت عليهم نيران السلطة بلا رحمة أو اكتراث، فهم سود أقل منّا نحن معشر البيض. 

مثلما حدث في مذبحة شاربفيل عام 1960، عندما تظاهر الآلاف من أصحاب الأرض للاحتجاج على القرار الذي أصدرته السلطات العنصرية بإجبار المواطنين السود على حمل جوازات مرور من أجل التنقل داخل البلاد والحصول على تصريح لدخول مناطق البيض. تجمع الرجال السود رفقة أطفالهم وزوجاتهم، ففتحت الشرطة النار عليهم وأردت 69 قتيلاً.

لفتت المذبحة ما تبقى من ضمير العالم آنذاك إلى حقيقة نظام الفصل العنصري، وبدأ يتم عزل جنوب أفريقيا دولياً.

خلال حقبة الفصل العنصري التي امتدت من عام 1948 حتى عام 1991، تعرضت جنوب أفريقيا لمجموعة متنوعة من العقوبات الدولية مثل الطرد من الأمم المتحدة وحظر بيع الأسلحة، والمقاطعة الاقتصادية، كما نظمت حملات شعبية وأنشطة ثقافية لإنهاء الفصل العنصري. على سبيل المثال، الاحتفال الموسيقي الضخم الذي أقيم في ملعب "ويمبلي" عام 1990 لإدانة الفصل العنصري وتكريم نيلسون مانديلا.

ووصل الأمر إلى حد الاستبعاد الرياضي من المنافسات الدولية، فاستبعدت من دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 1964. وبحلول أوائل سبعينيات القرن العشرين، تم استبعاد منتخبات جنوب أفريقيا الوطنية من معظم الرياضات الأولمبية، على الرغم من أن جنوب أفريقيا تنافست في الأحداث الفردية في بعض الألعاب الرياضية الاحترافية بشكل رئيسي خلال الثمانينيات.

كان "فيفا" واللجنة الأولمبية الدولية من بين المنظمات الرياضية الأولى التي اتخذت إجراءات ضد جنوب أفريقيا بسبب سياسة الفصل العنصري. عارضت اللجنة الأولمبية الدولية سياسة الفصل العنصري التي تميز ضد مواطني جنوب أفريقيا غير البيض، ومنعتهم من المنافسة في الألعاب الأولمبية. لم يتم رفع العزلة الدولية عن جنوب أفريقيا عن الرياضة إلا بعد إطلاق سراح نيلسون مانديلا من السجن في عام 1990.

أثر المقاطعة

كان للمقاطعة الرياضية لجنوب أفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري تأثير كبير على اقتصاد البلاد. كانت المقاطعة واحدة من العديد من المبادرات التي تهدف إلى الضغط على حكومة جنوب أفريقيا لتتخلى عن الفصل العنصري.

لقد كانت المقاطعة أحد أكثر أشكال الضغط الدولي وضوحاً وفاعلية على نظام الفصل العنصري. أدت المقاطعة إلى استبعاد جنوب أفريقيا من معظم الأحداث الرياضية والثقافية الدولية، ما أدى إلى خسارة عائدات السياحة وحقوق البث التلفزيوني. إن عزلة البلاد عن المجتمع الرياضي الدولي تعني أيضاً أن الرياضيين في جنوب أفريقيا لم يتمكنوا من المنافسة على أعلى مستوى، ما أثر على قدرتهم على جذب الرعاية والتأييد. وكان للمقاطعة أيضاً تأثير ثقافي، حيث منعت مواطني جنوب أفريقيا من المشاركة في الأحداث الرياضية الدولية والتفاعل مع الثقافات الأخرى. 

دولة فصل عنصري هنا!

بحسب عدة تقارير صادرة عن منظمات حقوقية دولية، بما فيها الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، فإن إسرائيل تمارس الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تشير التقارير إلى أن إسرائيل تفرض نظاماً من القمع والهيمنة ضد الفلسطينيين في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها، من أجل مصلحة اليهود الإسرائيليين، وهو ما يرقى إلى مستوى الفصل العنصري كما يحظره القانون الدولي. وتشير التقارير أيضاً إلى أن سياسات إسرائيل وممارساتها تجاه الفلسطينيين تشكل فصلاً عنصرياً، وأن الوضع، على الأقل في الضفة الغربية، يعادل فصلاً عنصرياً.

ويخلص التقرير إلى أن معاملة إسرائيل للفلسطينيين كفصل عنصري هي حقيقة قاسية، وأن نظام القمع الذي تمارسه حكومة إسرائيل ضد الفلسطينيين هو جريمة فصل عنصري.

ومن المهم الإشارة إلى أن استخدام مصطلح "الفصل العنصري" في هذا السياق هو تسمية قانونية لحالة من التمييز المؤسسي والتفوق العنصري، وليس مقارنة بجنوب أفريقيا في ظل الفصل العنصري.

وخلاصة القول أنه وفقاً لعدة تقارير لمنظمات حقوقية دولية، فإن إسرائيل تمارس الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما يعتبر جريمة فصل عنصري بموجب القانون الدولي.

ضحايا الفصل العنصري السابقون أنفسهم، يرون إسرائيل دولة فصل عنصري، إذ اعتمدت أعلى هيئة لصنع القرار في الكنيسة الأنجليكانية في جنوب أفريقيا قراراً بإعلان إسرائيل دولة فصل عنصري. كما أخذت الدولة الأفريقية مواقف دبلوماسية متتعدة ضد سياسات إسرائيل الإبادية. 

ليس الضحايا فقط، الجلاد أيضاً اعترف بالأمر، إذ اعتبر الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" تامير باردو، أن إسرائيل تفرض نظام الفصل العنصري في الضفة الغربية المحتلة. قال باردو في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، نصاً: "هناك دولة فصل عنصري هنا". 

ليس فصلاً عنصرياً فقط.. بل قتل وتصفية! 

بفعل العدوان الإسرائيلي الجاري على قطاع غزة، تتعالى صرخة عالية في مجال الرياضة. فالعدوان آخذ في حصد أرواح المدنيين العزّل، بما في ذلك أرواح الرياضيين، وما زال يخلّف دماراً لا مثيل له.

قلوب الرياضيين تنزف حتى الموت، وتحت وقعه تتلاشى ملاعب الأمل والأحلام رماداً، لا يرجف له جفن الفيفا والهيئات الرياضية الدولية.

بالنظر إلى واقع قطاع غزة المأساوي، تعد الرياضة في غزة شاهداً على إصرار وتحدي الشعب الفلسطيني، فعلى الرغم من الظروف القاسية والتحديات الكبيرة، استمر الرياضيون في السعي نحو تحقيق أهدافهم، سواء كانوا في الملاعب أو خارجها. تمثل أنديتهم ومنتخباتهم قلعةً صامدة تمثل الأمل والوحدة لشعب غزة.

بالرغم من ارتفاع عدد الشهداء في صفوف الرياضيين وتدمير المنشآت الرياضية، تظل روح الصمود والتفاؤل حاضرة في أوساط الرياضيين. ولسان حال الفلسطينيين: هؤلاء الأبطال الذين فقدناهم سيظلون حاضرين في ذاكرتنا، وتراثهم سيعيش دائماً.

وفي هذا الإطار، أعلنت اللجنة الأولمبية الفلسطينية -على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك- عن 10 شهداء من الرياضيين في غزة منذ العدوان الإسرائيلي. العديد من الرياضيين قد انقطعت أخبارهم وبات مصيرهم مجهولاً.  

لكن القصة المجسدة لمعاناة الرياضي الفلسطيني، وحقيقة حياته التي يحياها، بين الأمل في النجاح الرياضي، والفدائية للحفاظ على الأرض، يجسدها عمر أبو القطين. 

ترمسعيا، قرية هانئة وديعة، تقع على الطريق الواصل بين مدينتَي نابلس ورام الله، تحفّ قامتها الباسقة ظلال مرج العذارى، وتحيط  بجيدها كروم العنب وأشجار الزيتون.

لكنَّ أحوال القرية تبدَّلت يوم 21 يونيو 2023، عندما أغار عليها 300 مستوطن إسرائيلي، معظمهم من الشباب، خرجوا من الحافلات والمركبات، يحملون رشاشات وقنابل حارقة وهراوات وحجارة، يهتفون: "الموت للعرب"، وتحرسهم قوات الاحتلال الإسرائيلي.  

اقتحم المستوطنون القرية من شمالها، وعاثوا فيها فساداً، فروّعوا المواطنين وحبسوهم في منازلهم وأشعلوا النيران في كل ما طالته أيديهم، بعد أن ضربوا النساء والشيوخ والأطفال، ولم تجد أنَّات الضحايا ضمائر تنصت في أفئدة المعتدين. وما إن انتهوا من سلب وتدمير البيوت، حتى راحوا يحرقون السيارات والمحال ويقطعون الأشجار، وهم ينادون على بعضهم أن استمتعوا يا أبناء الرب بهذا النصر.

قبل تلك الحادثة بسنوات، عقد عمر أبو القطين، أحد أبناء القرية الأبرار، قرانه على قريبته هديل أبو القطين، التي تحمل الجنسية الأمريكية، وأنجب منها طفلين هما: عبد الله، وديمة. بذلك صار لعمر الحق في الانتقال للعيش في الولايات المتحدة والإقامة بها، لكنه فضّل البقاء في الوطن رغم سعار المستوطنين وصعوبة الأوضاع الاقتصادية. كان لعمر جرافة يعمل بها في أعمال البناء والزراعة وشق الطرق، كما كان لاعب كرة قدم في نادي "ترمسعيا" الرياضي. 

ألحَّت عليه والدته كثيراً أن يلحق بشقيقيه إلى بلاد العم سام، فالأرض المحتلة لم تعد آمنة، لكنه لم يفتأ يرفض العرض المغري ويرد على والدته: "لا أريد أمريكا، أنا بدّي الوطن". كانت وجهة نظره بسيطة لكنها ثاقبة؛ قيادتي لجرافتي وتعميري لأرضي أفضل عندي "من مصاري الدنيا كلها".

كلمات عمر أبو القطين تلك لم تكن مبالغات أو جعجعة وطنية، بل كانت دستوراً يصدقه بالقول والفعل. عندما علم عمر بهجوم المستوطنين على أهل قريته، غادر عمله وعاد إليها مسرعاً، وعندما وصل ترجّل من عربته، وراح يذود عن أهله وناسه ببسالة. قبل ذلك بقليل، هاتف والدته وأخبرها أنه في خضم الاشتباكات مع المعتدين المدججين بالأسلحة، فأوصته أن لا يكون في المقدمة حتى لا يصبح هدفاً سهلاً لقوات الاحتلال والمستوطنين، لكنه رد عليها: "ديري بالك على أولادي".

كانت تلك آخر كلمات الشهيد عمر أبو القطين؛ لأن جندياً إسرائيلياً سيجثو على ركبتيه ويطلق رصاصة ستخترق قلب عمر وتنهي حياته على الفور. عندما وصل النبأ للأم، وتجمع حولها الأهل والجيران، قالت لهم: "كانت الشهادة مرسومة على وجهه"، ثم طلبت من النسوة الحاضرات أن يزغردن ابتهاجاً باستشهاده. 

وعندما وصل الجثمان إلى المنزل، وضعت زوجته هديل قُبلة على جبينه وضمته الضمة الأخيرة، ثم عاهدته أن تربي أطفاله وترعاهم حتى آخر نفَس. ثم راحت تعتذر له بأنها صرخت وبكت وانتحبت عندما وصلها خبر وفاته.

انتهت رحلة عمر الأب والزوج ولاعب كرة القدم. أنهى الاحتلال أحلامه وتطلعاته، لم يأخذ العالم الرياضي موقفاً مما جرى، لم يُدِن الاتحاد الدولي الواقعة، ولم تقف الفرق دقيقة صمت حداداً على روحه، ولم تصدر حتى بيانات الإدانة الجوفاء التي اعتدنا عليها. لكن، ما ضير عمر أبو القطين إن أضاء الطريق الحالكة لأجيال قادمة!