هنا تعتمد آلية الحياة اليومية على العمال المهاجرين من آسيا وإفريقيا والدول العربية الأكثر فقراً.

هنا الملايين من "فتيان الشاي"، والخادمات، والأطباء، وعمال البناء، وعمال التوصيل، والطهاة، وأخصائيي الملابس، والحراس، ومصففي الشعر، وأصحاب الفنادق. 

لكنهم يتعرضون لأكبر محنة منذ ظهورهم في صحراوات جزيرة العرب قبل عقود.

في مايو/أيار 2020 خرج المذيع السعودي خالد العقيلي مقدم "برنامج تم" على شاشة قناة SBC ليطلب من شركات القطاع الخاص في السعودية أن تؤدي واجبها الوطني فوراً: تسريح موظفيها الأجانب لا السعوديين، لأن هيمنة الوافدين على قوة العمل بالمملكة تشكل "خطراً حقيقياً".

تلك هي المعضلة التي تواجه 35 مليون أجنبي يشكلون العمود الفقري لاقتصاد الخليج، بعد هبوط أسعار النفط، وإغلاق كورونا.

الوافدون لم ينتظروا تنفيذ نصائح المذيع الشهير، وسجّل مئات الآلاف، أكثرهم آسيويون، طلبات لإعادتهم إلى دولهم، حسبما تفيد الأرقام لدى السفارات والسلطات في المنطقة التي شهدت تفشي فيروس كورونا بين العمال الأجانب من أصحاب الدخل المنخفض الذين يعيشون في مساكن مكتظة.

تتعرض العمالة في منطقة الخليج لعمليات تصفية واسعة أقرب إلى "المذابح" الجماعية، وامتدت يد التسريح والخفض إلى العمالة المحلية نفسها والتي باتت مهددة كالوافدة في بعض دول الخليج.

موجة تسريح العمالة قد تكون الأعنف في تاريخها، ووهي تلقي بالملايين نحو مصير مجهول في ظل إغلاق كامل لجميع النشاطات الاقتصادية بالخليج.

وسيكون هذا الترحيل قاسياً، لاسيما وأن هؤلاء العمال لا يتمتعون بحقوق تقضي بدفع تعويضات تخفف عنهم عبء الأزمة. كما أن فرصهم بالهجرة إلى أمكنة أخرى أضحت شبه معدومة في زمن الوباء.

يأتي هذا في ظل تداول أنباء عن توقف بعض الشركات الخاصة عن دفع الرواتب.

وعن تزايد حدة الخلافات بين المواطنين والعمال الأجانب وما وصفته بتنامي خطابات الكراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وعن تصريحات متكررة من حكومات وشركات خليجية بأن أوضاعها الاقتصادية لم تعد تتحمل، توظيف المزيد من العمال الأجانب في وقت يرتفع فيه أعداد العاطلين عن العمل عن مواطنيها.

تصريحات بعضها يزف للرأي العام خبر "النزوح الجماعي" للأجانب على أنه  خبر سار، وأن الخليج سوف يتخلص من حمل زائد يفسد حياة الخليج وثقافته. بعض هذه الآراء سقطت في فخ العنصرية ورهاب الأغراب.

وبعضها يدافع عن زفاق مشوار النهضة الخليجي من كل الجنسيات، ويعتبرهم شركاء على "الحلوة والمُرّة". مارات بعد قليل"لا يجوز أن أعتمد على هؤلاء في وقت الرخاء، وفي وقت الشدة والبلاء ووقت الوباء والمرض أطالبهم بمغادرة بلدي"، كما قال كما قال فواز فرحان، القيادي بالحركة التقدمية الكويتية.

هذا التقرير يستعرض حكايات أبناء الخليج مع الوافدين من البداية في سنوات ظهور النفط، والتغيير الذي أحدثوه في جزيرة العرب، إلى الجدل المستمر بشأن آثارهم الإيجابية والسلبية على نهضة الخليج ومجتمعاته، وصولا إلى نهاية الحكاية: هذا النزوح الإجباري الكبير وتبعاته المحتملة عليهم.. وعلى أبناء دول الخليج.

بدأ التدفق الكبير للعمال الأجانب إلى الشرق الأوسط بعد طفرة أسعار النفط في عام 1973، مما أدى إلى زيادة هائلة في الثروة لدول الخليج العربية. 

ومع وصول العمال المهرة وغير المهرة من الدول العربية الأخرى، مصر واليمن وفلسطين والأردن ولبنان والسودان، ومن آسيا، غالباً من باكستان والهند.

مثلا، تضاعف عدد سكان المملكة العربية السعودية والكويت تقريباً بين 1975 و 1985، كما ورد في تقرير معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية، الصادر في 2003.

الإمارات نموذج آخر لخلل التركيبة السكانية. في الفترة من 2005-2010، تضاعف عدد سكان الدولة من 4.1 مليون إلى 8.3 مليون نسمة، وهي زيادة جادت بالكامل من خارج الحدود.

على أرض الإمارات الآن أكثر من 200 جنسية، تمثل أكثر من 150 قومية وتستعمل 100 لهجة. وأصبحت اللغة الإنجليزية اللغة اليومية لكثير من القطاعات. فكيف حدث ذلك؟

كان الانخفاض سيكون أكثر حدة لولا نمو العمالة في قطاع الخدمات، من الفنادق إلى الخدمات الشخصية، التي استوعبت أعداداً متزايدة من العمال، خاصة النساء من سريلانكا وبنغلاديش وإندونيسيا والفلبين. أصبحت هؤلاء النساء جزءاً مهماً من تأنيث الهجرة: تسافر المرأة بمفردها، بدلاً من كونهن تذييلات لأزواجهن، وتصبح في كثير من الحالات المعيلة الرئيسية لأسرتها، ويترك العديد منهن الأزواج والأطفال في المنزل.

وفي الوقت نفسه، تم تخفيض حجم المهاجرين المغتربين من دول عربية أخرى، لأسباب سياسية كما لأسباب اقتصادية. 

على سبيل المثال، اعتبرت الأنشطة السياسية لليمنيين والمصريين والفلسطينيين تهديداً محتملاً، وأيضاً أكثر تكلفة. 

من الناحية الاقتصادية، كانت هناك مزايا في توظيف عدد أكبر من الآسيويين بدلاً من العرب. 

كان الاسيويون محلاً للثقة يقبلون بالأجور الأقل، ولم يحتاجوا إلى نفس خدمات الدعم الاجتماعي مثل العرب، الذين كانوا أكثر عرضة للاستقرار وجلب عائلاتهم.

على الرغم من الأصول الطائفية والدينية واللغوية المشتركة، كان العرب من غير المواطنين يشكلون تهديداً، "خاصة أولئك الذين عاشوا في المنطقة منذ الستينيات أو ولدوا فيها، حيث قد يشعرون أنه يجب أن يكون لهم حصة في بلدهم.

أصبح المواطن الخليجي تقريبا في قبضة الوافدين طوال أيام  حياته.

منذ ولادته على يد ممرضة آسيوية في المستشفى، إلي التعامل مع المربية والسائق والخادم والطاهي وغيرهم.

منذ مطلع الثمانينيات، أخذت التركيبة السكانية في الخليج تتغير تدريجياً، لتزيد العمالة العربية والآسيوية، بل من جميع أقطار العالم. وعجزت السلطات والحكومات في الخليج عن وضع معايير وتشريعات لضبطها وتحقيق شكل من أشكال التوازن بين المواطنين والوافدين.

وظهرت مطالبات شعبية بأن تكون الأغلبية للمواطنين، بحيث لا تزيد العمالة الوافدة على 10% إلى 20%، حتى لا يعيش الإنسان المواطن غريباً وأجنبياً في وطنه.

مثلاً، في عام 2010، كشفت دراسة دكتوراه قدمها الباحث الياباني كوجي هورينوكي، في جامعة "كيوتو" اليابانية أن: "خلل التركيبة السكانية سيبقى من أبرز المشكلات التي تواجه المجتمع الإماراتي خلال العقود المقبلة"، مستبعداً الوصول إلى حلول ناجعة قبل 50 عاماً. الباحث كان قد رصد "غياباً واضحاً للعنصر المواطن في جميع الأماكن التي زارها". ورأى "كوجي" أنه لا بد من "الاعتماد بصورة أكبر على العمالة العربية، لتصل نسبتها إلى 50٪ على الأقل من عدد العمالة الوافدة، وذلك حفاظاً على الهوية العربية والإسلامية للدولة".

وهكذا اندلع الجدل بلا نهاية عن ميزات وجود ملايين الأجانب على التراب الخليجي، وعن سلبيات مشاركتهم في بناء المجتمعات الصاعدة.

الآثار السلبية لوجود الوافدين كثيرة، هنا أبرز الاتهامات.


إنهم يشكلون خطراً سياسياً

بعد الاتجاه إلى توطين الوافدين ومنحهم الحقوق النقابية والسياسية بالتساوي مع المواطنين، تحت ضغوط منظمة العمل الدولية وغيرها، ظهر الخوف من أن تتحول تلك العمالة "إلى قوى سياسية ضاغطة" في المستقبل.

بل إن كثيراً من المراقبين الخليجيين يحذرون الآن من "تهنيد" الخليج خلال العقود المقبلة، ومن أن شبه القارة الهندية باتت قادرة على أن تضغط على صناع القرار السياسي في عواصم مجلس التعاون. 

من جهة أخرى يتخوّف البعض من استخدام هذه العمالة من جانب دولها "لتهديد استقرار الدول الخليجية، من خلال أعمال العنف والتخريب، وتوجد سوابق بهذا الشأن في السعودية والكويت والإمارات"، كما يضيف كتاب "العمالة الأجنبية في الخليج العربي"، للباحث محمد صادق إسماعيل.


إنهم يزيدون نسبة الجريمة بالخليج

أدى التدفق السريع للعمالة الوافدة إلى مخاوف من تهميش شرائح منها تحت وطأة الفقر ونقص التعليم، ما قد يشكل بيئة صالحة لانتشار الظواهر السلبية والجريمة.

وبعضهم يسقط في ظروف معيشية غير لائقة، تدفعهم إلى الاحتجاج العنيف، وقد حدث مثلاً أن وقع بعض العمال الهنود ضحية تجار الإقامات في الكويت، واكتشفوا أن ظروف العمل والمرتبات التي تعاقدوا عليها قبل مغادرة بلادهم تختلف كثيراً عما وجدوه في الواقع.

وكثيراً ما تتحول مظاهرات العمال إلى العنف، كما حدث في إمارة عجمان 2006، عندما تحول الاحتجاج على تأخير صرف الرواتب إلى أعمال شغب وحرق.

وحسب كاتبة خليجية، فإن "هناك انتشاراً لجرائم لم تكن معروفة من قبل في المجتمع الخليجي، كجرائم التزييف، والتزوير، والرشوة، والنشل، والاختلاس، وتهريب المخدرات، والدعارة".


يثيرون هنا صراعات مستوردة

تعكس التركيبة السكانية المتنوعة تناقضات الطوائف والمذاهب التي ينحدر منها الوافدون، وقد ينعكس ذلك في شكل توترات علنية في بعض الأحيان.

على سبيل المثال عندما أحرق الهندوس مسجداً بمنطقة بابري المقدسة، رد مسلمون هنود في الإمارات بمظاهرات عنيفة، تدخلت الشرطة لفضها بالقوة. 


"يسرّبون" ثروات الخليج نحو الخارج

بلغ مجموع تحويلات العاملين الأجانب في الخليج إلى بلدانهم نحو 113 مليار دولار في 2019. 

وتشكل هذه الأموال 7% من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج في الفترة بين 1975-2004، وهي أكبر نسبة تحويلات من أي بلد في العالم.

ويرى مراقبون أن التحويلات تمثل نزيفاً مستمراً لموازنات تلك الدول، ولأرصدتها من العملات الأجنبية. وخروج تلك الأموال يعد فرصاً ضائعة للاستثمار، خاصة أنها تماثل ثلث الاستثمارات السنوية بدول المجلس.


يزيدون من نسبة البطالة بين المواطنين

يعتقد الكثيرون أن العمالة الوافدة سبب رئيسي لانتشار البطالة بين شباب دول الخليج، التي تدور حول متوسط 5.7% على مستوى دول المجلس مجتمعة.


يسببون الزحام والتلوث في شوارعنا

العمالة الوافدة هي التي تسبب الزحام وأزمات المرور داخل الشوارع الخليجية، وهي التي تلوث الشوارع، وهي التي تتكدس في المولات والمحال التجارية الكبرى بحثاً عن عرض أو سلعة رخيصة، وبالتالي إن الأسرة الخليجية باتت تواجه صعوبة في الوصول إلى البنوك ومراكز التسوق، بل وإلى مقارّ عملها. 

كما يلتهم الوافدون الجزء الأكبر من دعم الوقود والكهرباء والمياه، بل والجزء الأكبر من دعم رغيف الخبز، بحكم عددهم الكبير مقارنة بعدد السكان الأصليين.

وحسب الدراسة التي أعدتها الأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي، أن بين الآثار السلبية لوجود العمالة الوافدة زيادة الضغط على السلع والخدمات، إذ يحصل الوافد وعائلته على خدمات التعليم والصحة والمرافق العامة بمقابل رمزي، ما يؤدي إلى زيادة النفقات العامة.

 

ثم إنهم يهددون تقاليدنا وثقافتنا المحلية

كثيرون يتخوّفون ضياع ملامح الخليج الثقافية تحت وطأة الوجود "الأجنبي". 

وإذا كانت معظم دول العالم تحاول دفع الوافدين للانصهار بالمجتمع الجديد وتبني قيمه وأفكاره العامة، فإن هناك من يرى أن بلدان الخليج تتخذ مساراً معاكساً، بسيادة ثقافة الوافد أحياناً على الثقافة المحلية.

ويحذر كثيرون من تعرض هوية المنطقة للخطر، سواء من حيث التهديد المباشر للغة العربية، أو من حيث القيم الدينية والأخلاقية والطابع الثقافي المميز للمجتمعات الخليجية، حيث إن هذه العمالة تشكل كانتونات وتجمعات داخل دول المنطقة يمكن أن تشكل تهديداً للمنطقة في المستقبل، خاصة في الدول التي يشكل فيها الأجانب النسبة الأكبر من عدد السكان كما يقول أصحاب الحملة.

أصبحت اللغة العربية المنطوقة في الخليج مُطعّمة بمفردات هندية وإيرانية في كل جملة تقريباً، فيما أصبحت الإنجليزية لغة التواصل والتفاهم بين أفراد المجتمع الخليجي.

والسبب يبدأ في البيوت كما تشير الإحصائيات.

بين 6 و8% فقط من المربيات في الخليج يعرفن العربية.

وهناك 25% من الأطفال يقلدون لهجة وطريقة المربية في الحياة.

وأكثر من 40% من الأطفال يخلطون بين أكثر من لغة.


وعلاقتنا معهم تقوم على الشكوك

ينظر المواطن الخليجي غالباً إلى الوافد على أنه شخص يبيع جهده بالمنطقة، ومن ثم لا يعتقد المواطن بضرورة إقامة علاقة اجتماعية وإنسانية معه، كما أن هناك هذا التخوف من تأثير القيم الوافدة على أخلاقيات المجتمع المحلي. 

وبناء عليه، يضع المواطن حاجزاً مع الوافد، قد يتطور أحياناً إلى معاملته باستعلاء.

يعتقد المواطن أن العمالة الوافدة أتت لخدمته، وعلى الوافد أن يمتثل لاحتياجات العمل مهما كانت.

ووصلت الحملة العنصرية إلى ذروتها حينما راحت تشكك في ولاء هذه العمالة الوافدة، وأنها يمكن أن تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الخليجي عبر التعاون مع أعداء دول المنطقة. وهناك إعلامي سعودي وصف العمالة الوافدة في برنامج حواري شهير على قناة (إس.بي.سي) السعودية المملوكة للدولة بأنهم "ما يخجلون من أنفسهم ولا يعرفون معنى الوفاء للوطن".

لكنهم كانوا عنصراً أساسياً في نهضة الخليج

دول الخليج لن تستطيع الاستغناء تماماً عن العمالة الوافدة، ولسنوات طويلة، والأسباب عديدة. 

هذه العمالة تشكل نحو 90% من إجمالي عدد القوى العاملة في المنطقة.

هذه العمالة هي التي أدت الدور الأكبر في بناء اقتصادات دول الخليج والنهوض بها، ومن الصعب الاستغناء عنها في الأجل القريب وربما المتوسط.

العمالة الوافدة ساهمت في نهضة الخليج الاقتصادية والعمرانية.

وهناك قطاعات اقتصادية عدة تعتمد بالكامل تقريباً على أيدي العمالة الوافدة الماهرة مثل الصناعة والبناء والتشييد والبنية التحتية.

قطاعات مثل النقل والسفر والطيران والتجارة والخدمات والاستهلاك وأسواق التجزئة قد تهتزّ في حال مغادرة العمالة الوافدة دول الخليج.

تتعدد مكاسب دول الخليج من وجود الوافدين الذين يعملون غالباً في قطاعات تهجرها العمالة الوطنية كالبناء والتشييد، وقطاعات خدمية، مثل التمريض والنظافة والعناية الشخصية، الحلاقة والتجميل، وغيرها.

ويدير الوافدون عدداً من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بشكل لا يمكن تجاهل تأثيره في القطاع الصناعي والتجاري.

يديرون محال البيع بالتجزئة، التي تلعب دوراً كبيراً في النشاط الاقتصادي في العديد من المناطق.

وتتربح شركات الطيران الخليجية من حركة المسافرين مع دول مثل الهند وباكستان والفلبين وبنغلاديش وإندونيسيا ومصر، على مدار السنة، فضلاً عن حركة العمرة والحج الداخلية من الوافدين المقيمين بالمملكة.

تكفي الإشارة فقط إلى أكثر من 1100 رحلة جوية أسبوعياً بين دبي والهند في الاتجاهين، وأن "الاتحاد للطيران" الحكومية تنقل وحدها أكثر من 18 مليون مسافر بين الإمارات والهند، وفق بيانات رسمية.


وكورونا يكشف هذا "التمييز المنهجي" بحقهم

دون أن يقصد، سلّط فيروس كوفيد 19 الضوء على الطريقة غير المثالية التي يعيش فيها الوافدون. تحت رحمة الكفيل، يحصل العمال على القليل من الحماية، ويعملون لساعات طويلة مقابل أجر ضئيل، وغالباً تحت حرارة شديدة. يمكن لأصحاب العمل حجب الراتب أو تأخيره دون عقاب. 

وقالت هبة زيادين، باحثة خليجية في هيومن رايتس ووتش: "ما كشفته هذه الأزمة حقاً هو التمييز المنهجي في الخليج". "لقد أظهر مدى فظاعة المجتمع ككل."

في الكويت، حيث يكون الخطاب السياسي أكثر حرية منه في دول الخليج الأخرى، اندلعت مناقشات على وسائل التواصل الاجتماعي حول كيفية تقليل كمية العمالة الوافدة وزيادة جودتها.

يحث المعلقون والسياسيون الحكومة على إصلاح نظام سماسرة التأشيرات الذين ينقلون العمال إلى البلاد، مما يخلق اقتصاد ظل غير منظم. وانتقد السعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي رجال الأعمال بسبب اكتظاظ مساكن المهاجرين.

وقال المذيع الكويتي أحمد الفضلي إن "هؤلاء الناس يكادون يتضورون جوعاً بعد أن توقفت الحياة في الكويت. هل هذا خطؤهم؟ لا، إنه خطأ أولئك الذين أتوا بهم إلى هنا".

الرحيل الكبير للوافدين بدأ قبل كورونا بقليل.

يقول فخري الفقي، المستشار السابق في صندوق النقد الدولي، إن فكرة الرحيل بدأت منذ أعوام، بعد فرض رسوم على الوافدين وتقنين أوضاعهم، ورفع الدعم عن الوقود وفرض سلسلة من الضرائب أبرزها ضريبتا القيمة المضافة والانتقائية.

كما أن الصراعات الدائرة في المنطقة العربية كبدت موازنات الدول الخليجية مبالغ طائلة، وساهمت في تفاقم عجز الموازنة ما دفعها لإقرار برامج إصلاح اقتصادي لتعزيز الإيرادات والنمو غير النفطي. ويتوقع الفقي أن يدفع تباطؤ معدلات النمو لمزيد من الإجراءات، منها الاستغناء عن العمالة الأجنبية مقابل توظيف المواطنين، في محاولة للسيطرة على ارتفاع معدلات التضخم".

العمالة الوافدة ستكون مخيرة بين الواقع المعيشي الصعب في الوطن، وبين ارتفاع رسوم الإقامة في الخليج.

كان هذا في 2017.

وهكذا بدأ "الترحيل" قبل "الرحيل".

وبجانب التسريحات التي تتم في مختلف الأنشطة، تجرى عمليات تقليص واسعة للرواتب، وبحسب تقارير صحفية، فإن العمال الذين تُخفّض رواتبهم سيواجهون صعوبة في تغطية نفقاتهم في مناطق يرتفع فيها مستوى الإنفاق.

ويبقى الوضع غير مستقر بشكل خاص بالنسبة للعمال المهاجرين من ذوي الدخل المنخفض، الذين يمكن تركهم مُعدمين دون دعم من الحكومة.

وبدأ الحديث عن الآثار المحتملة للهجرة العكسية.. من الخليج هذه المرة.

بدأ الحديث عن استعادة التوازن في أسواق العمل بين الوافد والمواطن، ومنح العمالة المحلية المزيد من "الوظائف والثقة"، وعن تداعيات أخرى لهذا النزوح الكبير، هنا أبرزها:


وافدون يغادرون بالملايين 

دول مجلس التعاون قد تستغني مؤقتاً وتدريجياً عن عشرات الآلاف من الأيدي العاملة الوافدة على المدى القريب في حال تعمق الركود الاقتصادي العالمي وتباطؤ التعافي إلى نهاية 2022.

وتوقعت شركة جدوى للاستثمار، التي تتخذ من الرياض مقراً لها، مغادرة نحو 1.2 مليون عامل أجنبي عن سوق العمل في 2020، وهو ما يعادل 9% تقريباً من حجم التوظيف في السعودية، وفقاً لما ذكرته وكالة Bloomberg الأمريكية، الإثنين 15 يونيو/حزيران 2020. رغم ذلك يبقى معدل البطالة بين السعوديين عند مستوى 12%.


الأسواق تفقد زبونها المغترب

عمليات التسريح الجماعي للعمال تشكل خطراً كبيراً" في رأي كارين يونغ، الباحثة المتخصصة في معهد أميركان إنتربرايز. "الاقتصاد المحلي بأكمله في قطاع الخدمات يعتمد على استهلاك المغتربين، من إنفاق الأموال والذهاب إلى المطاعم وتجارة التجزئة".


فقدان المزيد من الوظائف

التوقف الجزئي لازدهار الأعمال والبناء وانخفاض حجم التجارة في دول مجلس التعاون الخليجي جراء جائحة فيروس كوفيد-19 يقود الى إلغاء نسبة كبيرة من المشاريع في القطاعين العام والخاص مع فقدان آلاف الوظائف يومياً.

ومع تراجع فرص العمل وإنجاز مشاريع جديدة في الخليج، توقعت دراسة لمجلس الخليج للدراسات والبحوث ومقره الكويت، موجة تسريحات محتملة لليد العاملة والموظفين، وزيادة مغادرة الوافدين مقابل تشجيع توطين الوظائف.


مراجعة لقواعد أسواق العمل

تجد دول الخليج نفسها أمام مراجعة شاملة وضرورية لمنظومة سوق العمل، وتحديد الوظائف الفنية والخدمية والكفاءات النادرة التي تستدعي استيراد اليد العاملة.

كما ستزيد الرقابة على مكاتب توريد الأيدي العاملة ما يقلل الأيدي العاملة الهامشية في الأسواق.


ترشيد العمالة المنزلية

من الوارد بنسبة كبيرة، أن تعيد الأسر في دول الخليج ترتيب أولوياتها وأن تستغني عن بعض العمالة بالمنازل، توفيراً للنفقات، في ظل الإجراءات التقشفية الرسمية، بسبب عدم وضوح البعد الزمني لانتهاء أزمة كورونا.


المزيد من "الروبوتات" لإنجاز العمل

دول الخليج مقبلة على الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي للاستفادة من دروس وباء كورونا.

قد تختفي وظائف وسيطة خاصة مثل بعض أعمال السكرتارية والخدمات الإدارية والتجارية البسيطة، ليقوم الروبوت بأدائها بديلاً عن الإنسان. 

كما تشهد الأعوام المقبلة زيادة في “رقمنة” الإدارة والمعاملات والتجارة الإلكترونية.

بعد ضربتي أسعار النفط وكورونا، هل تخفيض العمالة الوافدة جزء من الحل أم سيترتب عليه مشكلات أخرى؟

هناك وجهتا نظر تقودان الجدل الخليجي تجاه "ضيوفهم".

وجهة النظر الأولى: أعيدوا المقيمين من حيث جاؤوا فقد أخذوا ما يكفيهم.

هذا الطرح الحاد موجود بقوة، وتورط فيه إعلاميون وحتى مسؤولون وفنانون، وفق عدة تقارير في "بي بي سي"، و"دويتشه فيله" الألماني، ووكالة "روتيرز"، و"نيويورك تايمز"، ناقشت باستفاضة وجهتي النظر، منهم المذيع السعودي خالد العقيلي الذي اعتبر الاستغناء عن الوافدين من "الواجب الوطني"، لأن هيمنتهم على قوة العمل بالمملكة تشكل "خطراً حقيقياً".

وجهة النظر الثانية: تخفيض العمالة الوافدة يخلق أزمة.

الأزمة الجديدة هي انخفاض عدد السكان بشكل كبير ومفاجئ، ما يؤثر سلباً على كل شيء. رجح تقرير بريطاني أن يتراجع عدد السكان في بعض دول الخليج بنسبة 10%؛ وتوقعت صحيفة أن تتعرض 50% من مطاعم دبي للإغلاق بسبب الأزمة الراهنة.

من حق دول الخليج أن تفعل أي شيء يحافظ على أمنها القومي، حتى لو وصل إلى حد سنّ الحكومة الكويتية مشروع قانون ينص صراحة على طرد 2.8 مليون عامل وافد من البلاد يشكلون نحو 85% من إجمالي تلك العمالة. 

لكن ليس من حق دول الخليج شيطنة العمالة الوافدة وإلصاق كل نقيصة بها، والحديث عن العمالة في وسائل الإعلام بشكل غير لائق، وتصويرها بشكل مفاجئ على أنها وباء وفيروس يشبه وباء كورونا، وربما أخطر.

لا يبدو هناك من خيارات أمام وافدي الخليج في الوقت الحالي سوى العودة إلى الوطن الأم.

بالنسبة للعاملين من البلدان العربية يعني هذا الأمر العودة إلى مصر ولبنان والأردن وسوريا والدول المغاربية وبدء حياة جديدة هناك. 

يعودون مدعومين بالخبرات الجيدة والممتازة التي اكتسبوها خلال الإقامة في الخليج. 

ولا يبدو أمام دول الخليج سوى الاعتماد على سواعد أبنائها، مع محاولة دمج المهاجرين الماهرين والحفاظ عليهم؛ حيث يساهم هؤلاء العمال الأجانب في تعزيز الابتكار في البلدان المضيفة.

الوافدون ليسوا مجرد ترس في آلة. إنهم يلعبون دوراً مكملاً في إعادة تدوير رأس المال محلياً مما يساعد في دعم اقتصادات الخليج.

حتى خطط تنويع الاقتصاد الخليجي، وخلق صناعات ترفيهية وسياحية ودينية، تعتمد بشكل كبير على الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالوافدين المقيمين والزوار الأجانب.

هناك حاجة ماسة لمنع دخول العمالة الهامشية وغير الشرعية، لكن مع وضع خطط انتقائية للعمالة الماهرة، ضمن ما يعرف بـ"الهجرة المنتقاة".