من الخلافة إلى الشتات
...

10 أسباب تجعل "تنظيم الدولة الإسلامية" مصدرا للخطر حتى بعد هزيمته في معركة الجغرافيا

في مساء يوم الأحد 24 مارس 2019، وفي سفح الربوة التي تطل على أطلال أراضي ما يسمى بخلافة داعش، كانوا يهبطون في طابور طويل.

كان المطر الخفيف يضفي درامية سينمائية على المشهد الأخير لمقاتلي التنظيم، وهم في طريقهم إلى الشاحنات، بعد خروجهم من الأنفاق التي كانوا يختبئون بها.لا أحد يعرف عددهم، ولا كم بقي منهم في الأنفاق، كما قال المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية.

تناثرت زجاجات المشروبات الغازية وعلب المياه على الأرض التي دافع عنها الجهاديون بحدة.

في سماء ضبابية كانت ذخيرة داعش تحترق، مرسلة أعمدة من الدخان الأسود إلى السماء.

أكثر من 66 ألف شخص غادروا هذه المنطقة من شرق سوريا منذ أوائل شهر يناير بما في ذلك 5 آلاف مسلح و 24 ألفا من أفراد أسرهم.

الأكراد الذين أنشأوا إدارة شبه مستقلة في شمال شرق سوريا، يقومون بسجن أسرى داعش، بينما يتم احتجاز غير المقاتلين بمن فيهم النساء والأطفال في معسكرات النازحين.

بحوذة الأكراد الآن الآلاف من المقاتلين والأطفال والنساء من 54 دولة ولا نحسب السوريين والعراقيين".

فيديو: خروج مقاتلي داعش مع أسرهم من "باغوز" آخر معاقلهم في سوريا

لكن التنظيم ما زال قائماً

انهزمت دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم في العراق وسوريا عام 2014، لكن التنظيم نفسه ما زال قائماً. فقط تغير "شكل" المعارك، في السابق كان أنصار التنظيم المتشدد يواجهون جيوشاً، أما الآن فهم يشنون غارات كَرٍّ وفَرٍّ وهجمات انتحارية.

طُويت الصفحة الأخيرة من تنظيم الدولة الإسلامية بمشاركة عسكرية لأكثر من 70 دولة وآلاف المقاتلين، وطويت معه حقائق وأسرار كثيرة، فيما تعتقد الاستخبارات الأمريكية أن التنظيم ما زال لديه ما بين 15 ألفاً و20 ألفاً من المسلحين الذين ينشطون في جميع أنحاء سوريا والعراق.

ما الخطوة القادمة له في المنطقة بعد هروب معظم قادته وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي من معقله الأخير؟
هذا التقرير يستعرض رد فعل تنظيم داعش على هزيمته النهائية في ساحة الحروب، والأسباب التي جعلته ينجح في مشروعه للتمكين ذات يوم، والمخاطر التي مازالت تهدد العالم بعد زوال "دولة الخلافة".

يحدث الآن..
على خطى الزرقاوي وبن لادن

رسالة البغدادي الأخيرة كانت عنقودا من التهديدات والدعاية وتحدي الجميع

في بداية مايو/ أيار 2019، ظهر زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي لأول مرة منذ 5 سنوات في مقطع فيديو، بعث فيه رسالة إلى العالم مفادها أن التنظيم لا يزال موجوداً وقيادته حية وعازمة على تكثيف هجماتها حول العالم.

ورحّب البغدادي بالمنتسبين الجدد إلى "دولة الخلافة"، في مالي وبوركينا فاسو وسريلانكا، وأشار للمرة الأولى، إلى أن للتنظيم وجوداً في تركيا من خلال عرض ملفاً يحمل عنوان "ولاية تركيا".

الفيديو جاء بعنوان "في ضيافة أمير المؤمنين"، وتم إخراجه على طريقة أسامة بن لادن وقاموسه البصري واللغوي: البغدادي ظهر بلحية طويلة بيضاء محناة الأطراف، واضعا منديلا أسود على رأسه، يفترش الأرض إلى جانب الكلاشنيكوف، وحوله مقاتلون تم إخفاء وجوههم طوال مدة الفيديو، وهي 18 دقيقة.

استخدم صناع الفيديو لقب أمير المؤمنين وليس الخلافة، وربما كانت الإشارة إلى فقدان الرقعة الجغرافية التي كانت تقوم عليها "الدولة".

علق على معركة تنظيمه الأخيرة في الباغوز بأنها انتهت، وأن الله أمرنا بالجهاد ولم يأمرنا بالنصر".

وقال إن معركة الإسلام مع الصليب طويلة.

استعرض ما يراه مكاسب للتنظيم، ثم وضع شعار المرحلة المقبلة: الاستنزاف والمباغتة.

قالها بالهدوء نفسه، ليوحي بحالة استرخاء وثقة، ولا مبالاة بالهزيمة الحاسمة التي تعرض لها رجاله.

استراتيجية جديدة للتحدي اسمها "الاستنزاف والمباغتة".

وثبات على نفس الأفكار والأيديولوجية.

التزام تكتيكات حرب "النكاية" أو المناكفة، لكل الأنظمة التي لا يرضى عنها التنظيم، وفي عقر دورهم.

مُحاكاة أبو بكر البغدادي لـ "معلمه" الراحل أسامة بن لادن، تؤكد أن الرجل يريد أن ينطلق إلى مرحلة جديدة عنوانها العمليات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم، والعودة إلى نهج تنظيم القاعدة الذي تخلّى عنه، وأراد إقامة دولة الخلافة كنهجٍ بديل".

أراد أن يقول إن مرحلة "التمكين" انتهت بعد هزيمة ثقيلة في غرب العراق وشرق سوريا.

أراد أن يعلن البدء في مرحلة التّجميع والتجنيد، تمهيدا للعودة.

والاستنزاف.

والمباغتة.

يعرف البغدادي إذن أن الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا التنظيم ثم توسعه بعد ذلك ما زالت موجودة، والبيئات المحتقنة اجتماعيا وعرقيا وطائفيا ترصع خريطة المنطقة من ضفاف الأطلسي، إلى جبال أفغانستان.

وهذه بعض ملامح البيئة الحاضن، التي سمحت بميلاد تنظيم داعش، وتمكينه، وصولا إلى معركته الحالية من أجل مجرد البقاء.

حدث قبل 5 سنوات

داعش المولود في غبار هذه الحرائق الإقليمية

ظهر تنظيم داعش إلى الحياة من رحم الحرب، في عام 2001، عندما وقعت أحداث سبتمبر/أيلول.

ثم كان غزو العراق واحتلاله في عام 2003 هو ما حوَّل فرع تنظيم القاعدة في العراق، بقيادة أبو مصعب الزرقاوي إلى حركة عسكرية قوية.

وحين اندلعت الأزمة السورية في عام 2011، كان لدى التنظيم الموارد البشرية والأسلحة الكافية ليستغلها لصالحه. وكان القادة العراقيون في بغداد قد نبهوا بين عامي 2012 و2013 أنه ما لم تنته الحرب في سوريا سريعاً، فإنها ستُحفز عودة ظهور التمرد في العراق.

وجد التنظيم في بداياته كل الدعم من الظروف الإقليمية المحيطة، كما يذهب الباحث في علم الاجتماع السياسي، الدكتور عمار علي حسن، في كتابه "شبه دولة: القصة الكاملة لداعش".

استفاد داعش من اضطراب الأوضاع في العراق بعد الغزو الأميركي، وحل الجيش العراقي وحزب البعث، وظهور الخلاف الطائفي بين السنة والشيعة، والعرقي بين العرب والأكراد.

واستفاد من الاضطراب العميق الذي ترتب على تحول الأحداث في سوريا من انتفاضة شعبية إلى حرب أهلية.

يضيف المحلل: الذين عملوا على إسقاط نظام الأسد، ساعدوا كل الحركات والأطراف والجماعات والميليشيات التي تقاتل ضده، ومنها داعش.

وداعش هو الموجة الثانية من ظاهرة الأفغان العرب، الذين رفضت بلدانهم استقبالهم بعد القتال ضد الاتحاد السوفييتي المنهار، فساحوا في الأرض؛ حيث ذهب الكثيرون منهم إلى الصومال واليمن والسودان ودول آسيا الإسلامية.

النواة الأساسية لتنظيم داعش تكونت من مقاتلين هاجروا إلى العراق بعد سقوط طالبان، وكونوا تنظيمًا يزيد مقاتلوه على 12 ألف مسلّح، شكلوا بداية قوية لجيش دولة العراق الإسلامية التي مثلت دفعة قوية نحو إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.

يحدث في المستقبل

لهذه الأسباب يجب أن نخاف من اختفاء مقاتلي داعش عن العيون

الآن، يدخل تنظيم داعش مرحلةً جديدة من حياته.

خسر أراضيه، لكنَّه يمتلك خبرة عسكرية ومقاتلين متمرسين متبقين من خلافته المفقودة في العراق وسوريا.

واختفت الخلافة على المستوى الإقليمي إلا أن قدرة التنظيم على الإزعاج ما زالت كبيرة.

هذه بعض الحقائق التي يجب التعامل معها بكل جدية، لأن كلا منها تحمل إشارات لا لبس فيها، عن احتمالات عودة الخطر في أي وقت.

1 القيادات ما زالوا على قيد الحياة

اختفى أعضاء القيادة العليا للتنظيم ممن بقوا على قيد الحياة، ومن ضمنهم البغدادي، ويُعتقد أنَّهم مختبئون في مناطق صحراوية إمَّا في محافظة الأنبار بغرب العراق، أو البادية في وسط سوريا، حيث ما زال التنظيم موجوداً.

وهم يحثون أنصارهم على مواصلة قتال «قوات سوريا الديمقراطية»، قائلين إنَّ هزيمتهم في الباغوز -معقلهم الأخير- لن تُضعِف التنظيم، ومصوِّرين الهجوم على أنَّه مجرَّد نكسة في صراعٍ ملحمي. وقال أبو حسن المهاجر، المتحدث باسم التنظيم، في رسالةٍ صوتية صدرت بوقتٍ سابق من الأسبوع الجاري: «انتقِموا لدماء إخوتكم وأخواتكم… أعِدُّوا المتفجرات، وانشروا القناصة».

2 المهزومون هربوا بعقيدة الابتلاء والثأر

في معركة الباغوز، كان قادة التنظيم يأمرون آخر مجموعة من المقاتلين بالاستسلام؛ على أمل أن يعيشوا ليقاتلوا يوماً آخر في المستقبل. فهُم تصالحوا منذ فترةٍ طويلة مع فقدان مناطق خلافتهم، لكنَّهم يعتقدون أن مثل هذه الهزائم «ابتلاءاتٌ حتمية من الله، الذي سيمنحهم النصر في النهاية».

وهذا النوع من تطويع المواقف الصعبة لاستعادة الأنفاس والعودة لاحقا، يعني أن ولاء المقاتلين المهزومين يبقى للفكرة، وللهدف البعيد، "النصر"، حتى من شتات الهجرة القسرية.

3 استراتيجيته الجديدة هي الذئاب المنفردة

صحيحٌ أنَّ التنظيم خسر الخلافة المادية في العراق وسوريا على أيدي تحالفٍ دولي من قواتٍ عسكرية، لكنَّه استعرض قدرته المستمرة على إلهام هجماتٍ وحشية في جميع أنحاء العالم، بل حتى تدبيرها عبر اتصالاته بمتعاطفين متطوعين للتنفيذ.

ويرجح المتابعون أن تلجأ فلول داعش إلى أسلوب الذئاب المنفردة، في غياب قيادات التنظيم قسرا أو لدواعي الأمن. ويقول عمار على حسن إن "استراتيجية الذئاب المنفردة آلية تنتهجها المنظمات الإرهابية، لارتكاب اعتداءات دون أن تتورط فيها بشكل مباشر، وتفضي في غالب الأحيان إلى عمليات دموية، وقد يكون لها أثر تحفيزي ودعائي، يرمي بالأساس إلى تجنيد المزيد ممن يستهويهم الفكر الجهادي، وقد تؤثر بالفعل في سياسات بعض الدول حيال التعامل مع داعش".

4 أفكاره تعشش في سوريا

يوجد الآن عشرات الآلاف من الجهاديين يقبعون وقتاً أطول من اللازم بالسجون والمخيمات في جميع أنحاء شمال سوريا والعراق، من بينهم 3 آلاف أجنبي على الأقل، أصبح مصيرهم حقل ألغامٍ سياسياً لحكومات الدول الغربية.

ففي مخيماتٍ وأماكن مكتظة كهذه، شكَّل البغدادي ومجموعةٌ من المتطرفين الذين يتبنون أفكاراً مشابهة ذلك التنظيم، الذي تحوَّل لاحقاً إلى تنظيم داعش. لذا يخشى الكثيرون أن يعيد التاريخ نفسه.

وتعتقد قوات سوريا الديمقراطية أن الخلايا النائمة انتشرت في شرق سوريا، وتتوقع أن تتصاعد الهجمات على غرار حرب العصابات. كما أنها تحذر من الخطر الذي يمثله ألوف المتشددين الذين تحتجزهم أسرى.

وقال أغياد الخضر، وهو ناشط من دير الزور هرب من سوريا في عام 2015: «مع الأسف، ازدادت شعبية داعش بعد معركة الباغوز. فتنظيم داعش ليس في مكانٍ واحد أو آخر، بل موجود بكل مكان، مختبئ بيننا».  

5 يمتلك شبكة علاقات دولية

غرس التنظيم بذور شبكةٍ دولية، في ظل وصول عدد متابعي إنتاجه الإعلامي على قنواتٍ مشفرة إلى ملايين الأشخاص.

وقد ألهم كذلك جماعاتٍ مسلحة في مناطق مضطربة بجميع أنحاء العالم، لا سيما ليبيا وشبه جزيرة سيناء في مصر، ونيجيريا واليمن وأفغانستان والفلبين.

ولا تحتاج هذه التنظيمات الجديدة في دولٍ مثل الفلبين والكونغو وغيرها، إلى توجيه مباشر أو تواصل مباشر مع القيادة الداعشية للاتفاق على أهداف معينة.

6 يتفوق في استخدام الإنترنت

نجح تنظيم داعش في إظهار قوة إقناع أشد فتكاً من تنظيم القاعدة والجماعات السلفية الجهادية الأخرى، كما يقول مايكل سميث المحلل المتخصص بالإرهاب، لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

فمع إقامة دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم داعش في عام 2014، وصف التنظيم نفسه بأنَّه الأهم والأقوى سلطةً بين الجماعات الجهادية المتنافسة. وقد أدت إقامة الخلافة إلى إغراء الآلاف من الأجانب بالقتال في صفوف التنظيم والعمل في نظامه بالعراق وسوريا. ولكن بحلول عام 2016، ومع تعرُّض التنظيم لضغوطٍ عسكرية شديدة، طلبت قيادته من أتباعه البقاء في أوطانهم الأصلية وتنفيذ هجمات هناك.

واستطاع التنظيم نشر رسالته على شبكات التواصل الاجتماعي، وغرس الفكر المتطرف بعناصره وأسهم في تخطيط الهجمات، من خلال تطبيقات المراسلة المشفرة. وقد أسفر ذلك عن موجةٍ من الإرهاب ضربت بروكسل وباريس ولندن وسان برناردينو وتكساس وتونس وأورلاندو.

7 يطمح لامتلاك أسلحة دمار شامل

سعى داعش إلى امتلاك أسلحة دمار شامل، وبحث عن العلماء لإنجاز تلك المهمة الخطرة.

ونجح داعش من خلال مواقع التواصل الاجتماعي العالمية والتجنيد عبر الإنترنت، في إنشاء فريق من العلماء الذين يتفاعلون بشكل شخصي وعلى منتديات الإنترنت المظلم لدعم إنشاء ترسانة من أسلحة الدمار الشامل.

ورغم جدية التنظيم المتشدد في امتلاك هذا السلاح الفتَّاك أكثر حتى من تلك التنظيمات التي سبقته كالقاعدة في محاوله حيازة أسلحة بيولوجية وكيميائية إلا أنه غير معروف على وجه اليقين مدى نجاح داعش في ذلك.

وهناك الجيولوجي العراقي سليمان العفاري، الذي قال مؤخراً أنَّه أشرف على خط لإنتاج غاز الخردل تابع لداعش.

وبحسب تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية فإن لمقاتلي التنظيم قدرة على الوصول للأسلحة الثقيلة وتنفيذ تفجيرات واغتيالات في أنحاء البلاد، كما أن قيادتهم مازالت تحتفظ بقدرة ممتازة على القيادة والسيطرة.

8 انتشاره على الصعيد العالمي ما زال قوياً

ورغم مزاعم ترامب تحقيق النصر على التنظيم، كان مسؤولو الاستخبارات الأمريكية أكثر تحفُّظاً بشأن إعلان القضاء عليه، بحجة أنَّه ما زال قادراً على إلهام العنف.

إذ حذَّر تحليلٌ استراتيجي أمريكي متعلق بمكافحة الإرهاب، صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2018، من أنَّ "انتشار تنظيم داعش على الصعيد العالمي ما زال قوياً، في ظل وجود ثمانية أفرع رسمية وأكثر من 24 شبكة تنفذ عمليات إرهابية ومتمردة بانتظام في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط".

9 خلفه أطفال تعلموا مفهومه عن الجهاد

من الملفات الصعبة في إرث داعش، قضية "الآلاف" من الأطفال الذين تعرضوا لدعاية التنظيم العنيفة.

ويُعتقد أن أطفال الجهاديين يزيد عددهم عن 3500 نسمة من أكثر من 30 دولة في مخيمات النازحين داخلياً وفقًا لمنظمة أنقذوا الأطفال غير الحكومية. "إذا لم يتم إعادة تعليمهم وإعادة دمجهم في مجتمعهم الأصلي فإنهم يمثلون إرهابيين في المستقبل". لكن مسألة إعادة المقاتلين الجهاديين وحتى قضية الأطفال تقسم البلدان التي انضم مواطنوها إلى داعش في العراق أو سوريا.

إذا كانت فرنسا الدولة الغربية الأكثر تضرراً من الهجمات التي ترتكب باسم داعش أو بريطانيا العظمى التي تعرضت للهجمات أيضًا قد أشادت بنهاية "الخلافة" فإن موضوع الإعادة إلى الوطن يظل شديد الحساسية.

وفقًا لاستطلاع للرأي نُشر في أواخر فبراير فإن 89٪ من المستجيبين الفرنسيين "قلقون" من احتمال عودة الجهاديين البالغين.

10 .. وترك كنوزا في مغارات سرية بالجبال

قالت وسائل إعلام إمريكية إن التنظيم ربما يخفي جبلاً من الذهب يقدر بنحو 40 طناً، وملايين الدولارات التي خزّنها في دير الزور. وغسل التنظيم عشرات الملايين منها بالاستثمار في أعمال شرعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

نهب التنظيم هذه الثروات من البنك المركزي في الموصل، ومن الاقتصاد السوري الذي كان تحت سيطرة داعش، ومن بيع الآثار السورية والعراقية، مثل الآثار المهربة من تدمر التي بيعت إلى المهربين. وهناك احتمالات بأن تنظيم داعش يخفي الذهب والاحتياطيات المالية للمساعدة في تمويل أعمال التمرد في جميع أنحاء المنطقة بمجرد اختفاء الخلافة الإقليمية.

كانوا هنا قبل قليل

أبرز المناطق التي يمتلك فيها التنظيم شبكات قادرة على النشاط مجددا

بلدة الباغوز السورية بعد تحريرها من داعش

بلدة الباغوز السورية بعد تحريرها من داعش

العراق: محاولة العودة للحياة

بعد هزيمة التنظيم، لجأ أنصاره إلى أساليب حرب العصابات، أعادت الخلايا النائمة تنظيم صفوفها في ديالى وصلاح الدين والأنبار وكركوك ونينوى، حيث تشن من حين إلى آخر عمليات كالخطف والتفجيرات، ترمي إلى إضعاف حكومة بغداد.

وقالت وزارة الدفاع الأمريكية في يناير/كانون الثاني 2019، إن التنظيم يعيد تنظيم نفسه في العراق أسرع من سوريا. ويقدر محللون أن لديه نحو 2000 مقاتل نشط بالعراق الآن.

ومطلع مايو/ أيار الحالي، أعلنت بغداد عن إحباط مخطط لإعادة تشكيل خلايا لتنظيم داعش في العراق، وعن قتل عدد من الفارين من سوريا.

ويحمل انهيار داعش تداعياتٍ مخيفة لبلاد الرافدين، فالعرب السنة الذين تحرروا من تنظيم الدولة لن يتصالحوا مع الحكومة. والمليشيات الشيعية المدعومة من إيران تزيد من تعقيد الموقف، لا سيما في معقل المسلحين السنة وتنظيم القاعدة. وهناك تنظيمات تعتمد على ضباط الجيش العراقي السابق، وتشكل تحديا للنظام المقبل إذا شعرت بظلم للطائفة السنية، مثل جيش الطريقة النقشبندية ذات الميول البعثية، ومثل كتائب ثورة العشرين.

سوريا: الخلايا نائمة في الشرق

بعد انتكاسات عسكرية جسيمة، انزوى تنظيم الدولة الإسلامية ولجأ إلى شن التفجيرات الانتحارية ونصب الكمائن. ونفذ التنظيم هجمات في بلدات ومدن بشمال شرقي سوريا في الأشهر القليلة الماضية، استهدف بعضها القوات الأمريكية.

وحذرت قوات سوريا الديمقراطية من الخلايا النائمة التي انتشرت في شرق سوريا، وتهدد بتصعيد الهجمات على غرار حرب العصابات. كما أنها تحذر من الخطر الذي يمثله ألوف المتشددين الذين تحتجزهم أسرى.

ولا يزال مقاتلو التنظيم يسيطرون على أرض في صحراء نائية بوسط سوريا، حيث شنوا بعض الهجمات في الأيام القليلة الماضية.

مصر: تهديد يأتي من ناحيتين

لم تشهد مصر هجمات كبرى في العام الماضي، غير أن حوادث على نطاق أصغر تحدث من حين إلى آخر. كما أن الجيش يشن حملة على الجهاديين بشبه جزيرة سيناء في الأساس.

ويقول الجيش إن عدة مئات من المتشددين قُتلوا منذ أن بدأ عملية كبرى في فبراير/شباط 2018، لهزيمة المقاتلين الموالين لـ«الدولة الإسلامية» في سيناء. وقالت وزارة الداخلية إن ثلاثة مدنيين وأربعة من رجال الشرطة سقطوا قتلى وقال إتش.إيه. هليار الزميل الباحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة ومجلس الأطلسي في لندن لوكالة رويترز إن الدولة الإسلامية لا تزال تمثل تهديداً داخل مصر من خلال سبيلين:

في الأساس داخل شبه جزيرة سيناء، حيث بايع جزء من جماعة أنصار بيت المقدس تنظيم الدولة الإسلامية قبل بضع سنوات.

وتهديد آخر من خلال الخلايا المتفرقة في بقية البلاد والمؤلفة من مجندين أحدث، وربما من عائدين حاربوا في سوريا أو العراق.

السعودية: العائدون من سوريا

في نوفمبر/ تشرين ثاني 2014 أعلن زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي في تسجيل صوتي عن إمتداد دولة الخلافة إلى السعودية والأردن وبلدان أخرى.

وبعدها توالت عمليات التنظيم ضد المملكة، في تفجيرات استهدفت قوات الأمن والأقلية الشيعية. وقالت قوات الأمن السعودية إنها أحبطت هجوماً كان يدبره متشددون من التنظيم شمال الرياض، يوم 21 أبريل/نيسان 2019.

وقال قمران بخاري المدير بمركز السياسة العالمية في واشنطن، إن تنظيم «الدولة الإسلامية» موجود في المملكة، لكن قوات الأمن وجهاز المخابرات «يسيطران على الأمور». وأضاف: «الخلاصة من وجهة نظر الدولة الإسلامية، أن السعودية هي الجائزة الكبرى»، بسبب الثروة النفطية التي تملكها ومكانتها البارزة في العالم الإسلامي.

وقال مايكل ستيفنز الزميل الباحث في دراسات الشرق الأوسط بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، إن قوات الأمن السعودية تتابع بضع مئات، من بينهم بعض من كانوا في سوريا، لكن لا توجد أدلة على أنهم أصبحوا جاهزين لتنفيذ عمليات.

ليبيا: داعش يستفيد من عملية حفتر

في سبتمبر/ أيلول 2014، وصل وفد من تنظيم الدولة الإسلامية إلى ليبيا، وتلقى مبايعة فصائل المقاتلين الموالين لمجلس شورى شباب الإسلام.

بعد مراسم المبايعة، طافت أكثر من 60 شاحنة محملة بالمقاتلين خلال المدينة في موكب إستعراضي للقوة.

بعد أيام أصدرّ البغدادي تسجيلا صوتيا أعلن فيها قبوله البيعة، وعن إقامة ثلاثة ولايات في ليبيا، برقة في الشرق، فزان بالجنوب، وطرابلس في الغرب.

وأعلن التنظيم بعد ذلك عن عشرات العمليات والمذابح والتفجيرات الانتحارية، التي استهدفت سفارات أجنبية ومنشآت نفطية وفنادق، وجاليات غير مسلمة مثل الأقباط المصريين.

وعاد تنظيم داعش لعناوين الأخبار مع عملية اللواء خليفة حفتر الأخيرة ضد طرابلس، في أكثر من هجمة شنها مقاتلو التنظيم على جيش حفتر.

ويحذر كثير من المحللين من النتائج المدمرة لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعم الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر في هجومه على العاصمة طرابلس، وأبرزها تقوية تنظيم الدولة في ليبيا.

حفتر يستعدي المصراتيين الذين قضوا على داعش في 2016.

وترامب، بتبنِّيه حفتر، يضاعف الضرر من خلال استعداء المصراتيين، الذين كان لهم دورٌ فعَّال في الحملة الأمريكية عام 2016 ضد داعش بليبيا.

أوروبا والغرب: خلايا التماسيح تهدد

أعلن داعش مسؤوليته عن 18 على الأقل استهدفت بلدانا أوروبية، بدأت بإطلاق نار على كنيس يهودي في بلجيكا عام 2014، وسقط فيها مئات القتلى والجرحى.

وبعد أيام من هزيمته في الباغوز، هدد تنظيم داعش أوروبا بخلايا التماسيح، في نبأ ينقل عن الاستخبارات البريطانية توصلها إلى مخططات للتنظيم، لتنفيذ هجمات في بريطانيا وأوروبا عبر ما يعرف باسم "خلايا التماسيح"، حسب صحيفة The Sunday Times.

وتقول المخابرات البريطانية إن هذه الخلايا بها عناصر نائمة، تتبع داعش وتنفذ أوامره.

وأكدت الصحيفة أن مسؤولي الشرطة البريطانية دعوا العاملين في المساجد والكنائس ببريطانيا للحصول على تدريبات تتعلق بمكافحة الأعمال الإرهابية، تحسبا لأي هجمات قد تقع.

وفي مارس أذار الماضي قال منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب إن "لدينا في أوروبا إرث لدولة الخلافة"، وأضاف أن تهديدها يتمثل بالمقاتلين الأجانب، الذين ما زالوا موجودين في مناطقنا، ومن قبل أولئك الذين أطلق سراحهم من السجون".

نيجيريا: مليشيات ولاية غرب أفريقيا

نفذت جماعة بوكو حرام النيجيرية هجمات في شمال شرقي البلاد منذ 2009؛ سعياً لإقامة دولة خلافة إسلامية. وقد قتلت هذه الجماعة 30 ألف شخص، وتسببت في نزوح مليونين عن ديارهم.

ومن الصعب التوصل إلى أرقام دقيقة، لكن المحللين يقدرون عدد مقاتلي ولاية غرب إفريقيا بما بين خمسة آلاف و18 ألفاً. ويحصل التنظيم على الأموال من خلال فرض الضرائب على التجار والمهربين والصيادين في بحيرة تشاد. كما عرض التنظيم حوافز ومغريات مثل البذور والسماد على سكان المنطقة.

أفغانستان: هنا ولاية خراسان

ظهر تنظيم الدولة الإسلامية- ولاية خراسان، في أواخر عام 2014، بإقليم ننكرهار الشرقي، حيث يوجد معقله. وأعلن التنظيم تشكيل الولاية في بداية 2015.

وقد بايعت قيادة هذا التنظيم أبو بكر البغدادي خليفةً للمسلمين، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت لولاية خراسان روابط مباشرة بالتنظيم الرئيسي فيما يخص العمليات.

وأعلنت ولاية خراسان مسؤوليتها عن هجمات على أهداف مدنية في مدن من بينها كابول، وحاربت قوات حركة طالبان الأفغانية للسيطرة على عدد من المقاطعات الريفية. ويقول قادة عسكريون أمريكيون إن عدد مقاتلي ولاية خراسان يقل عن ألفين.

جمهورية الكونغو: ينتصرون في حروب إعلامية

أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤولية «ولاية إفريقيا الوسطى» بدولة «الخلافة» عن أول هجماته في الكونغو في أبريل/نيسان 2019. وقال رئيس الكونغو فيلكس تشيسكيدي، إن هزيمة «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق تعني أن التنظيم قد يتجه إلى إفريقيا ويستغل الفقر والفوضى، في محاولة لإقامة دولة الخلافة.

وقال المتحدث باسم القيادة الأمريكية في إفريقيا، إن القوات الديمقراطية المتحالفة، وهي جماعة محلية متشددة تجمعها روابط قوية بتنظيم الدولة الإسلامية الذي بايعته في 2017.

فيما يرى محللون أن تنظيم الدولة الإسلامية يخسر معارك في معاقله المعتادة، وهو ما يدفعه لشن حرب إعلامية. لكن أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية ليست أرضاً مواتية من الناحية الاجتماعية للتطرف الإسلامي».

سريلانكا: تفجيرات عيد القيامة

أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن تفجيرات الأحد الدامي، التي وقعت في كنائس وفنادق في أبريل/نيسان 2019، ونشر مقطعاً مصوراً لثمانية رجال يعلنون مبايعتهم للبغدادي.

ويقول التنظيم إن الرجال الذين ظهروا في التسجيل المصور، الذي نشرته يوم الثلاثاء وكالة أنباء «أعماق» التابعة له، نفذوا التفجيرات الانتحارية. ومن هؤلاء الثمانية محمد زهران، الداعية الذي يتحدث لغة التاميل والمعروف بآرائه المتشددة، هو العقل المدبر للتفجيرات.

وقالت السفيرة الأمريكية لدى سريلانكا إن حجم الهجمات وتعقيدها يشيران إلى تورط جماعة خارجية مثل تنظيم «الدولة الإسلامية».

إندونيسيا: "المتأثرون" بأفكار تنظيم الدولة

في نوفمبر/ تشرين ثاني 2015 ظهر فيديو منسوب إلى جماعة مجاهدين تيمور بالشرق الاندونيسي، أكبر وأقوى مجموعة إرهابية في البلد، وفيه هددوا بالهجوم على القصر الرئاسي ورفع علم تنظيم الدولة الإسلامية على سطحه.

في مايو 2018، أقدمت أسرة  كاملة على تنفيذ عدة هجمات انتحارية استهدفت ثلاث كنائس في مدينة إندونيسية بشكل متزامن ومنسق. وربطت التحليلات بين الحوادث التي راح ضحيتها أكثر من 30 شخصاً، وبين جماعة "أنصار الدولة" التي تعتبر واجهة لنشاط تنظيم الدولة في إندونيسيا.

واعتبر متخصصون أن المهاجمين ربما كانوا متأثرين بفكر تنظيم الدولة، لكنهم غير مرتبطين عضويا بالتنظيم، ولم يتلقوا أمرا مباشرا منه لتنفيذ الهجوم.

إندونيسيا هي كبرى دول العالم من حيث عدد السكان المسلمين، وقالت السلطات إنها تعتقد أن آلاف الإندونيسيين يستلهمون فكر «الدولة الإسلامية». ومن المعتقد أن نحو 500 إندونيسي توجهوا إلى سوريا للانضمام إلى التنظيم.

الفلبين: الهاربون إلى الغابات والجبال

يرفرف علم داعش في جزر بجنوبي الفلبين فوق ما يعتبره التنظيم ولاية شرق آسيا التابعة لدولته، في مؤشر على انتشار داعش في الفلبين رغم تقليل حكومة البلاد من خطورة الوضع. وقد بايعت عدة أفرع منشقة عن الجماعات المسلحة العديدة في جنوب الفلبين تنظيم «الدولة الإسلامية»، رغم أنه لا يُعرف عن أي منها أنها فرع التنظيم في جنوب شرقي آسيا.

وتخشى الفلبين أن يجد المتطرفون الفارون من العراق وسوريا ملاذاً في الغابات والقرى النائية بإقليم مينداناو المسلم، حيث تسود حالة من الفوضى منذ زمن، وتكثر المنافسات بين العائلات، وتوجد حركة انفصالية وتمرد إسلامي.

ويشعر خبراء أمنيون بالقلق من أن يجد التنظيم، من خلال تقديم المال أو نشر الأفكار المتشددة، أرضاً خصبة للتجنيد بين الشباب المحروم من الحقوق في إقليم مينداناو المسلم.

أخيرا… هل يختفي داعش من الوجود؟

عندما تخسر الجماعات الذكية أرضاً، فإنها تنتقل إلى استراتيجية وتكتيكات حرب العصابات، بما في ذلك الاغتيالات المستهدفة، والكمائن والغارات والتفجيرات. وبهذه الطريقة ترهق العدو.
هكذا تنقل صحيفة The New York Times عن سيث جونز، المستشار الأقدم بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومؤلف دراسة أصدرها المركز مؤخراً لتقييم القوة العسكرية لداعش.في الوقت نفسه تستمر الفوضى التي استدعت التنظيم من العدم، وتهدد باستمرار أفكاره لتجنيد المزيد من الغاضبين.
يقول الكاتب الصحفي البريطاني المخضرم باتريك كوكبورن، في صحيفة Independent البريطانية: إن "أفضل طريقة لإضعاف تنظيم داعش إلى الحدِّ الذي يعجز معه عن تخطيط أو تنفيذ مذابح جماعية، هي وضع حدٍّ للحروب التي استمرت على مدار الأربعين عاماً الماضية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي أنتجت تنظيم القاعدة ونسخته الأكثر شهرة وخطورة، داعش.