إلهام الشرق للغرب

كيف أثرت حضارة الشرق على شكل أوروبا؟

بمجرد الخروج في نزهةٍ صغيرة في بعض المدن الرئيسيّة في أوروبا، سواء في البلقان، أم حتّى في بعض مدن إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وصقلية القديمة، ستصادف بناياتٍ تاريخية ومعالم حضرية تأخذ الأنظار، لكنّك ربما لا تعرف أنّها تحمل طابع العمارة الإسلامية القديمة.

حضارة الشرق المزدهرة

ديانا دارك / مؤرخة بريطانية وخبيرة في حضارات الشرق الأوسط

ديانا دارك / مؤرخة بريطانية وخبيرة في حضارات الشرق الأوسط

الحقيقة التي ينكرها الخطاب السائد في الغرب هي أنّ أوروبا تحمل الكثير من الملامح التي وجدت إلهامها الأول في الحضارات القديمة المزدهرة في الشرق (في المسيحية أولًا)، كما اقتبست المجتمعات الأوروبية بشكل كبير من التراث الثقافي العمراني للحضارة الإسلامية.

صحيحٌ أنّ بعض المؤرخين الأوروبيين ينكرون هذا التأثير المباشر، إلا أنّ المقارنة الدقيقة والعديد من الدراسات المتخصصة وجدت أنّه "لا يمكن ابتكار أو تطوير أنماط معمارية دون اقتباس تقنياتها بشكل أو بآخر من الحضارات الأخرى، خاصةً المزدهرة منها"، وفي هذه الحالة: حضارة الشرق.

التراث المعماري لأوروبا يدين بشكل كبير للشرق: العربي والإسلامي. المؤرخة البريطانية والخبيرة في حضارات الشرق الأوسط، ديانا دارك، لفتت في كتابها "السرقة من المسلمين.. كيف شكلت العمارة الإسلامية أوروبا"، إلى أنّ الانتقال الحضاري كان من الشرق إلى الغرب، وليس العكس.

وهذا سببه ازدهار الحضارة الإسلامية في وقتٍ كانت فيه أوروبا تعاني من أحلك عصورها المظلمة، وهو ما لا يعترف به العالم الغربي اليوم.

كنيسة نوتردام.. أبرز كنائس أوروبا بإلهامٍ شرقي مسيحي

كنيسة نوتردام هي أحد أبرز الأعمال الهندسية المعمارية في الحضارة الأوروبية، تشتهر الكنيسة بمعمارها على الطراز "القوطي" الأوروبي، لكنّ هذا الطراز "القوطي" الأوروبي هو نفسه متأثّر بشكل كبير ومباشر بصحاري سوريا الجبلية، وبالتحديد: قرية تقع غرب حلب.

تلفت دارك في كتابها إلى أنّ التصميم المعماري لكنيسة نوتردام، مثل جميع الكاتدرائيات القوطية في أوروبا تقريباً، متأثر بشكل مباشر بكنيسة قلب لوزة في سوريا، التي تعود إلى القرن الخامس الميلادي.

كنيسة قلب اللوزة

كنيسة قلب اللوزة

من خلال هذه الكنيسة في سوريا "عاد الصليبيون لأوروبا بمفهوم البرجين التوأمين المحيطين بنافذة الوردة (ما يُعرف بـRose Window) في القرن الثاني عشر".

كنيسة نوتردام

كنيسة نوتردام

وبحسب تقرير لإياس شاهين، أستاذ العمارة بجامعة دمشق، نشره موقع BBC بالعربية، فإنه بمجرد المقارنة، يمكن ملاحظة النقلة النوعية القائمة على عناصر ثابتة بين كنيسة قلب لوزة والكاتدرائية الفرنسية العملاقة نوتردام، فيما يتعلق بأسلوب تصميم الواجهات.

ولأنّ المسيحية، مثل الأديان السماوية الثلاث، ديانة مشرقية بامتياز، فقد حاولت المؤرخة البحث عن أصول هذا المعمار في الشرق وتتبّعت مراحل تطورها الأولى في أرض الشام.

وبطبيعة الحال، وجدت أنّ نشأة العمارة المسيحية المُبكِّرة وتطورها خلال القرون الأولى للديانة، اشتملت على عددٍ من الثقافات والأنماط المعمارية المتشابهة مع معمار الشرق الأوسط.

كنيسة نوتردام.. أبرز كنائس أوروبا بإلهامٍ شرقي مسيحي

كنيسة نوتردام هي أحد أبرز الأعمال الهندسية المعمارية في الحضارة الأوروبية، تشتهر الكنيسة بمعمارها على الطراز "القوطي" الأوروبي، لكنّ هذا الطراز "القوطي" الأوروبي هو نفسه متأثّر بشكل كبير ومباشر بصحاري سوريا الجبلية، وبالتحديد: قرية تقع غرب حلب.

تلفت دارك في كتابها إلى أنّ التصميم المعماري لكنيسة نوتردام، مثل جميع الكاتدرائيات القوطية في أوروبا تقريباً، متأثر بشكل مباشر بكنيسة قلب لوزة في سوريا، التي تعود إلى القرن الخامس الميلادي.

كنيسة قلب اللوزة

كنيسة قلب اللوزة

من خلال هذه الكنيسة في سوريا "عاد الصليبيون لأوروبا بمفهوم البرجين التوأمين المحيطين بنافذة الوردة (ما يُعرف بـRose Window) في القرن الثاني عشر".

كنيسة نوتردام

كنيسة نوتردام

وبحسب تقرير لإياس شاهين، أستاذ العمارة بجامعة دمشق، نشره موقع BBC بالعربية، فإنه بمجرد المقارنة، يمكن ملاحظة النقلة النوعية القائمة على عناصر ثابتة بين كنيسة قلب لوزة والكاتدرائية الفرنسية العملاقة نوتردام، فيما يتعلق بأسلوب تصميم الواجهات.

ولأنّ المسيحية، مثل الأديان السماوية الثلاث، ديانة مشرقية بامتياز، فقد حاولت المؤرخة البحث عن أصول هذا المعمار في الشرق وتتبّعت مراحل تطورها الأولى في أرض الشام.

وبطبيعة الحال، وجدت أنّ نشأة العمارة المسيحية المُبكِّرة وتطورها خلال القرون الأولى للديانة، اشتملت على عددٍ من الثقافات والأنماط المعمارية المتشابهة مع معمار الشرق الأوسط.

كنائس سوريا المنسية
وتطوير المعمار القوطي "الأوروبي"!

لم تكن كنيسة نوتردام إلا نتاج قرونٍ طويلة من التأثُّر الأوروبي بعمارة الشرق، فلا يخفى أثر أولى المباني المسيحية في العالم، وهي الكنيسة المنزلية، التي تقع في مدينة دير الزور بسوريا، على شكل الكنائس الأوروبية القائمة حتى اليوم.

كما اشتهر النمط المُربَّع في بناء الكنائس المسيحية بمدن الشام (ومنها كنيسة القديس سمعان العمودي، ودير الراهب بحيرا)، في أوروبا، إذ غيّرت العمارة الأوروبية الشكل المستطيل الذي كان متبعاً في تصاميم الأبنية الدينية في أوروبا القديمة.

تُعدُّ كنائس هذه المدن المنسية بسوريا، التي يعود أغلبها للقرنين الخامس والسادس الميلادي، أولى الكنائس في العالم، وكان تصميمها المعماري هو الأساس المعماري الذي طوّرت منه أوروبا أسلوب بناء كنائسها.

تقع كنيسة القديس جاورجيوس شمال شرق مدينة إزرع في درعا، وتعدُّ أول كنيسة تُبنى حسب الشكل المعماري المربع للقاعة الرئيسية للكنيسة، بعد أن كانت الكنائس تُبنى حسب الشكل المعماري المستطيل "البازيليك".

التصميم الذي تنفرد به كنيسة إزرع تم اقتباسه في الكثير من الكنائس حول العالم حتى أصبح نظام القباب فيها هو المُتَّبع والشائع في أغلب كنائس أوروبا. 

من هذه البداية اتجه التطور المعماري في الغرب، خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر تقريباً، عندما أصبحت العمارة "شكلاً رائداً من أشكال التعبير الفني في أواخر العصور الوسطى"، نحو الطراز القوطي الذي بات يُعرف بمعالمه البارزة في النوافذ المرتفعة والنوافذ بشكل الورود والأقواس المدببة والقباب وتقنيات تصنيع الزجاج الملون.

كما أن قباب كاتدرائيات إيطاليا القديمة، وخاصة كنيسة القديس مرقس في مدينة البندقية الإيطالية، المعروفة باسم كنيسة سان ماركو، مستوحاة من أمثلة في إسطنبول وكنائس أقدم وُجدت منذ عهد الإمبراطورية العثمانية، وفقاً لمجلة Architect للهندسة. 

لهذا، فقد اكتسبت الكنائس أهمية هندسية كبيرة، حيث أُدرجت في مراجع وكتب الهندسة المعمارية في معظم دول العالم باعتبارها تُجسِّد المرحلة الأولى من مراحل تطوير البناء الديني المهم، وكانت أبرز مَعلَم يمكن المقارنة من خلاله برحلة تطور أساليب البناء.

لهذا السبب تحديداً أدرج المعماري البريطاني السير بانيستر فليتشر، في كتابه تاريخ الهندسة المعمارية الصادر عام 1961، الذي يعد مرجعاً أساسياً لطلاب الهندسة في جميع أنحاء العالم، الكنائس باعتبارها أبرز معالم المعمار الهندسي.

كنائس سوريا المنسية
وتطوير المعمار القوطي "الأوروبي"!

لم تكن كنيسة نوتردام إلا نتاج قرونٍ طويلة من التأثُّر الأوروبي بعمارة الشرق، فلا يخفى أثر أولى المباني المسيحية في العالم، وهي الكنيسة المنزلية، التي تقع في مدينة دير الزور بسوريا، على شكل الكنائس الأوروبية القائمة حتى اليوم.

كما اشتهر النمط المُربَّع في بناء الكنائس المسيحية بمدن الشام (ومنها كنيسة القديس سمعان العمودي، ودير الراهب بحيرا)، في أوروبا، إذ غيّرت العمارة الأوروبية الشكل المستطيل الذي كان متبعاً في تصاميم الأبنية الدينية في أوروبا القديمة.

تُعدُّ كنائس هذه المدن المنسية بسوريا، التي يعود أغلبها للقرنين الخامس والسادس الميلادي، أولى الكنائس في العالم، وكان تصميمها المعماري هو الأساس المعماري الذي طوّرت منه أوروبا أسلوب بناء كنائسها.

تقع كنيسة القديس جاورجيوس شمال شرق مدينة إزرع في درعا، وتعدُّ أول كنيسة تُبنى حسب الشكل المعماري المربع للقاعة الرئيسية للكنيسة، بعد أن كانت الكنائس تُبنى حسب الشكل المعماري المستطيل "البازيليك".

التصميم الذي تنفرد به كنيسة إزرع تم اقتباسه في الكثير من الكنائس حول العالم حتى أصبح نظام القباب فيها هو المُتَّبع والشائع في أغلب كنائس أوروبا. 

من هذه البداية اتجه التطور المعماري في الغرب، خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر تقريباً، عندما أصبحت العمارة "شكلاً رائداً من أشكال التعبير الفني في أواخر العصور الوسطى"، نحو الطراز القوطي الذي بات يُعرف بمعالمه البارزة في النوافذ المرتفعة والنوافذ بشكل الورود والأقواس المدببة والقباب وتقنيات تصنيع الزجاج الملون.

كما أن قباب كاتدرائيات إيطاليا القديمة، وخاصة كنيسة القديس مرقس في مدينة البندقية الإيطالية، المعروفة باسم كنيسة سان ماركو، مستوحاة من أمثلة في إسطنبول وكنائس أقدم وُجدت منذ عهد الإمبراطورية العثمانية، وفقاً لمجلة Architect للهندسة. 

لهذا، فقد اكتسبت الكنائس أهمية هندسية كبيرة، حيث أُدرجت في مراجع وكتب الهندسة المعمارية في معظم دول العالم باعتبارها تُجسِّد المرحلة الأولى من مراحل تطوير البناء الديني المهم، وكانت أبرز مَعلَم يمكن المقارنة من خلاله برحلة تطور أساليب البناء.

لهذا السبب تحديداً أدرج المعماري البريطاني السير بانيستر فليتشر، في كتابه تاريخ الهندسة المعمارية الصادر عام 1961، الذي يعد مرجعاً أساسياً لطلاب الهندسة في جميع أنحاء العالم، الكنائس باعتبارها أبرز معالم المعمار الهندسي.

قبة الصخرة ومسجد قرطبة
في المعمار الأوروبي

أحد أبرز الرموز المعمارية في الكنائس الأوروبية مقتبسة تماماً من المعمار الإسلامي. فقد تأثّر المعمار الأوروبي ببعض الأنماط في تصميم القباب والأقواس والأعمدة والنوافذ للبنايات المهمة.

ونظرًا لانتشارها في الكاتدرائيات الكبرى في أوروبا، فمن السهل الاعتقاد أن الأقواس الحجرية المدببة والأقبية المرتفعة المضلعة، هي من أصل مسيحي.

لكنّ الحقيقة أنّ أصلهما من المعمار الإسلامي.

تعود "الأقواس الحجرية المدببة" إلى قبة الصخرة في القدس، والذي بني في القرن السابع الميلادي، في حين أنّ "الأقبية المرتفعة المضلعة" بدأ تطويرها لأول مرة في مسجد قرطبة، في القرن العاشر في الأندلس قبل سقوطها.

مسجد قرطبة

يمكن لزوار مسجد قرطبة الذي تحول إلى كنيسة بعد طرد المسلمين، أن يلاحظوا أقواسه ثلاثية الوريقات في تحفةٍ هندسية وهيكل زخرفي للمحراب تم تصميمه قبل اقتباسه واعتماده في الكنائس المسيحية الأوروبية بعشرات السنين.

فالمقصورة المقببة التي كانت جزءاً من المكان المخصّص للخليفة، صُممت لتوجيه الأنظار إلى القائد أو إمام صلاة المسلمين، قبل أن تصبح زاوية للصليب المسيحي مثلما جرت العادة في الأديرة والمعابد فيما بعد. 

على سبيل المثال كان "القوس المُدبَّب" أو القباب التي نعرفها اليوم بشكلها المعهود في المساجد والقاعات الكبرى، حلاً عملياً لمشكلة واجهت المهندسين عند تشييد قبة الصخرة في القدس. الذي لعب دوراً بارزاً في التأثير على أنماط المعمار الأوروبي.

فعندما تمّ بناء المسجد عام 691 على يد الخليفة عبد الملك بن مروان، كان التحدي آنذاك هو كيفية إنشاء رواق خارجي من الأقواس المستديرة المُفضِيَة إلى ممرٍّ داخليٍّ أصغر، مع الحفاظ على سقفٍ أفقيٍّ بينهما.

ومن أجل محاذاة الممرات، كان على البنّائين أن يمنحوا الممرات الداخلية أقواساً أكثر إحكاماً ومتانة، ما أجبرهم على تصميمها في شكل مدبب ومقوَّس، وهو ما كان سبباً في إنشاء نمط جديد لتصميم الأقواس.

ويمكن رؤية ذلك حيث تحيط بالقبة ممرّ من الأقواس الثلاثية، وهو نمط معماري استمر انتهاجه في بناء قمم كل كاتدرائية أوروبية تقريباً، وتم تبنيه بكثرة رمزاً للثالوث المقدس.

قبة الصخرة ومسجد قرطبة
في المعمار الأوروبي

أحد أبرز الرموز المعمارية في الكنائس الأوروبية مقتبسة تماماً من المعمار الإسلامي. فقد تأثّر المعمار الأوروبي ببعض الأنماط في تصميم القباب والأقواس والأعمدة والنوافذ للبنايات المهمة.

ونظرًا لانتشارها في الكاتدرائيات الكبرى في أوروبا، فمن السهل الاعتقاد أن الأقواس الحجرية المدببة والأقبية المرتفعة المضلعة، هي من أصل مسيحي.

لكنّ الحقيقة أنّ أصلهما من المعمار الإسلامي.

تعود "الأقواس الحجرية المدببة" إلى قبة الصخرة في القدس، والذي بني في القرن السابع الميلادي، في حين أنّ "الأقبية المرتفعة المضلعة" بدأ تطويرها لأول مرة في مسجد قرطبة، في القرن العاشر في الأندلس قبل سقوطها.

مسجد قرطبة

يمكن لزوار مسجد قرطبة الذي تحول إلى كنيسة بعد طرد المسلمين، أن يلاحظوا أقواسه ثلاثية الوريقات في تحفةٍ هندسية وهيكل زخرفي للمحراب تم تصميمه قبل اقتباسه واعتماده في الكنائس المسيحية الأوروبية بعشرات السنين.

فالمقصورة المقببة التي كانت جزءاً من المكان المخصّص للخليفة، صُممت لتوجيه الأنظار إلى القائد أو إمام صلاة المسلمين، قبل أن تصبح زاوية للصليب المسيحي مثلما جرت العادة في الأديرة والمعابد فيما بعد. 

على سبيل المثال كان "القوس المُدبَّب" أو القباب التي نعرفها اليوم بشكلها المعهود في المساجد والقاعات الكبرى، حلاً عملياً لمشكلة واجهت المهندسين عند تشييد قبة الصخرة في القدس. الذي لعب دوراً بارزاً في التأثير على أنماط المعمار الأوروبي.

فعندما تمّ بناء المسجد عام 691 على يد الخليفة عبد الملك بن مروان، كان التحدي آنذاك هو كيفية إنشاء رواق خارجي من الأقواس المستديرة المُفضِيَة إلى ممرٍّ داخليٍّ أصغر، مع الحفاظ على سقفٍ أفقيٍّ بينهما.

ومن أجل محاذاة الممرات، كان على البنّائين أن يمنحوا الممرات الداخلية أقواساً أكثر إحكاماً ومتانة، ما أجبرهم على تصميمها في شكل مدبب ومقوَّس، وهو ما كان سبباً في إنشاء نمط جديد لتصميم الأقواس.

ويمكن رؤية ذلك حيث تحيط بالقبة ممرّ من الأقواس الثلاثية، وهو نمط معماري استمر انتهاجه في بناء قمم كل كاتدرائية أوروبية تقريباً، وتم تبنيه بكثرة رمزاً للثالوث المقدس.

إلهامٌ غير منسوب الفضل لأصحابه!

بحسب تصريحات المؤرخة سابقة الذكر، ديانا دارك، لصحيفة Guardian البريطانية، فإنه من المدهش مقدار الأشياء التي يُعتقد أنها أوروبية أو مسيحية، وبالجهل وسوء الاستنباط والتأريخ تم إغفال أنها تعود لأشكالٍ إسلامية سابقة.

مشيرةً إلى أنَّ التأثير الهائل لقبة الصخرة بدأ تغافله بدايةً من فترة الحملات الصليبية (القرن 11 و12 ميلادي) حين ظن الصليبيون خطأً أن المبنى كان "معبد سليمان".

منذ ذلك الوقت، استخدم الغرب مراراً التصميم الدائريّ المُقبَّب لقبة الصخرة نموذجاً للكنائس، مثل كنيسة المعبد المستديرة في العاصمة البريطانية لندن.

حتى إنهم نسخوا النقوش العربية والكتابات المزخرفة بشكل نقلي كما هي، على الرغم من أن بعضها مثلاً كان يوبِّخ المسيحيين علانية لإيمانهم بالثالوث بدلاً من اعتقادهم بالإله الواحد. وفق ما ذكر كتاب "كيف شكلت العمارة الإسلامية أوروبا".

استمر اقتباس أنماط الخطّ الكوفية لتزيين الأعمال الحجرية للكاتدرائيات الفرنسية وأطراف المنسوجات، دون أن يدرك أحدٌ ما تعنيه هذه الكلمات.

أوَّل خريطة مطبوعة للقدس

وقد زاد الارتباك أكثر بعدما نُشرت أوَّل خريطة مطبوعة للقدس، في ماينز بألمانيا عام 1486. والتي أخطأت خطئين: فأولًا: وضعت تعريفاً خطأً لقبة الصخرة على أنه معبد سليمان، وثانياً: صوّرت المبنى بقبة تشبه "البصلة".

ولاحقاً أصبح الكتاب الذي يحتوي على الخريطة المغلوطة هندسياً من أكثر الكتب مبيعاً، وأعيد طبعه 13 مرة وتُرجِمَ إلى لغاتٍ عديدة، ما أثر على انتشار الكنائس ذات "القباب البصلية" في جميع أنحاء أوروبا في القرن السادس عشر.

ما يعني أنّ انتشار القباب البصلية في الكنائس جاء تأثراً بما تصوّروه "قبّة الصخرة"، بشكلٍ خطأ.

إلهامٌ غير منسوب الفضل لأصحابه!

بحسب تصريحات المؤرخة سابقة الذكر، ديانا دارك، لصحيفة Guardian البريطانية، فإنه من المدهش مقدار الأشياء التي يُعتقد أنها أوروبية أو مسيحية، وبالجهل وسوء الاستنباط والتأريخ تم إغفال أنها تعود لأشكالٍ إسلامية سابقة.

مشيرةً إلى أنَّ التأثير الهائل لقبة الصخرة بدأ تغافله بدايةً من فترة الحملات الصليبية (القرن 11 و12 ميلادي) حين ظن الصليبيون خطأً أن المبنى كان "معبد سليمان".

منذ ذلك الوقت، استخدم الغرب مراراً التصميم الدائريّ المُقبَّب لقبة الصخرة نموذجاً للكنائس، مثل كنيسة المعبد المستديرة في العاصمة البريطانية لندن.

حتى إنهم نسخوا النقوش العربية والكتابات المزخرفة بشكل نقلي كما هي، على الرغم من أن بعضها مثلاً كان يوبِّخ المسيحيين علانية لإيمانهم بالثالوث بدلاً من اعتقادهم بالإله الواحد. وفق ما ذكر كتاب "كيف شكلت العمارة الإسلامية أوروبا".

استمر اقتباس أنماط الخطّ الكوفية لتزيين الأعمال الحجرية للكاتدرائيات الفرنسية وأطراف المنسوجات، دون أن يدرك أحدٌ ما تعنيه هذه الكلمات.

أوَّل خريطة مطبوعة للقدس

وقد زاد الارتباك أكثر بعدما نُشرت أوَّل خريطة مطبوعة للقدس، في ماينز بألمانيا عام 1486. والتي أخطأت خطئين: فأولًا: وضعت تعريفاً خطأً لقبة الصخرة على أنه معبد سليمان، وثانياً: صوّرت المبنى بقبة تشبه "البصلة".

ولاحقاً أصبح الكتاب الذي يحتوي على الخريطة المغلوطة هندسياً من أكثر الكتب مبيعاً، وأعيد طبعه 13 مرة وتُرجِمَ إلى لغاتٍ عديدة، ما أثر على انتشار الكنائس ذات "القباب البصلية" في جميع أنحاء أوروبا في القرن السادس عشر.

ما يعني أنّ انتشار القباب البصلية في الكنائس جاء تأثراً بما تصوّروه "قبّة الصخرة"، بشكلٍ خطأ.

من القاهرة والشام إلى أوروبا..
تأثيرٌ معماريٌّ ممتدّ

انتشرت الأقواس الثلاثية من معمار قبة الصخرة إلى حواضر العالم الإسلامي، ومنها القاهرة. أصبحت تصاميم المساجد أكثر بروزاً في عهد الدولة العباسية، ومثال ذلك مسجد ابن طولون المبني عام 877م في القاهرة.

ووفقاً لمنصة Middle East Institution الأمريكية، المهتمة بشؤون الشرق الأوسط، فإنّ المساجد المصرية القديمة كانت مثار إعجاب التجار الوافدين من ميناء أمالفي الإيطالي، في حركات التجارة البحرية، حيث نقلوا اكتشافاتهم الجديدة وذوقهم المتأثر بالشرق لبناء كنائس هذا الإقليم الإيطالي الساحلي في القرن العاشر ميلادياً، وتجسَّد التأثير في بناء كاتدرائية أمالفي.

إذ تُعد واجهة كاتدرائية سانت أندرو في أمالفي من بين عدد من المباني، التي تم اعتبار أعمالها الحجرية المخططة بالأبيض والأسود وأقواسها المدببة، مستوحاة من كنائس سوريا ومساجد القاهرة القديمة.

وقد لَفَتَ هذا المبنى الغريب آنذاك أنظار بابا الكاثوليك والكنيسة الرومانية فيكتور الثالث، الذي زار أمالفي عام 1065، وقرَّر أن يأخذ تصميم النافذة المدببة لتطوير دير مونتي كاسينو جنوب شرق روما.

وتدريجياً، تمَّ نسخ تلك النوافذ في دير بينديكتين بمدينة كلوني الفرنسية، والتي كانت تُعد أكبر كنيسة في العالم القرن الحادي عشر. ومن هنا استلهم مستشار كل من الملك لويس السادس ولويس السابع، كيف تسمح النوافذ بدخول المزيد من الضوء، وطبَّق التصميم نفسه على كاتدرائية سانت دوني في باريس.

ونظراً لكون كنيسة سانت دوني أقدم مبنى قوطي، فقد تم الانتهاء من الكنيسة في عام 1144، وذهب مهندسها إلى العمل على كنيسة نوتردام، ومن هناك انتشر السمت المعماري الجديد كالنار في الهشيم، باعتبار نوتردام منارةً دينية وثقافية تسعى دور العبادة المسيحية في أرجاء أوروبا لاتباع نهج معمارها شكلاً ومضموناً.

ومن المفارقات أن الصليبيين العائدين من الشرق، أقاموا ممالكهم الجديدة في القرن الثاني عشر وبعده، مقلدين أساليب "أعدائهم العرب". وبعد قرون فقط أطلق مؤرخو الفن الإيطالي لقب "المعمار القوطي" على الأسلوب المعماري والهندسي الجديد، معتبرين أنها كانت "إلهاماً تمخضت عنه فنون عصر النهضة".

من القاهرة والشام إلى أوروبا..
تأثيرٌ معماريٌّ ممتدّ

انتشرت الأقواس الثلاثية من معمار قبة الصخرة إلى حواضر العالم الإسلامي، ومنها القاهرة. أصبحت تصاميم المساجد أكثر بروزاً في عهد الدولة العباسية، ومثال ذلك مسجد ابن طولون المبني عام 877م في القاهرة.

ووفقاً لمنصة Middle East Institution الأمريكية، المهتمة بشؤون الشرق الأوسط، فإنّ المساجد المصرية القديمة كانت مثار إعجاب التجار الوافدين من ميناء أمالفي الإيطالي، في حركات التجارة البحرية، حيث نقلوا اكتشافاتهم الجديدة وذوقهم المتأثر بالشرق لبناء كنائس هذا الإقليم الإيطالي الساحلي في القرن العاشر ميلادياً، وتجسَّد التأثير في بناء كاتدرائية أمالفي.

إذ تُعد واجهة كاتدرائية سانت أندرو في أمالفي من بين عدد من المباني، التي تم اعتبار أعمالها الحجرية المخططة بالأبيض والأسود وأقواسها المدببة، مستوحاة من كنائس سوريا ومساجد القاهرة القديمة.

وقد لَفَتَ هذا المبنى الغريب آنذاك أنظار بابا الكاثوليك والكنيسة الرومانية فيكتور الثالث، الذي زار أمالفي عام 1065، وقرَّر أن يأخذ تصميم النافذة المدببة لتطوير دير مونتي كاسينو جنوب شرق روما.

وتدريجياً، تمَّ نسخ تلك النوافذ في دير بينديكتين بمدينة كلوني الفرنسية، والتي كانت تُعد أكبر كنيسة في العالم القرن الحادي عشر. ومن هنا استلهم مستشار كل من الملك لويس السادس ولويس السابع، كيف تسمح النوافذ بدخول المزيد من الضوء، وطبَّق التصميم نفسه على كاتدرائية سانت دوني في باريس.

ونظراً لكون كنيسة سانت دوني أقدم مبنى قوطي، فقد تم الانتهاء من الكنيسة في عام 1144، وذهب مهندسها إلى العمل على كنيسة نوتردام، ومن هناك انتشر السمت المعماري الجديد كالنار في الهشيم، باعتبار نوتردام منارةً دينية وثقافية تسعى دور العبادة المسيحية في أرجاء أوروبا لاتباع نهج معمارها شكلاً ومضموناً.

ومن المفارقات أن الصليبيين العائدين من الشرق، أقاموا ممالكهم الجديدة في القرن الثاني عشر وبعده، مقلدين أساليب "أعدائهم العرب". وبعد قرون فقط أطلق مؤرخو الفن الإيطالي لقب "المعمار القوطي" على الأسلوب المعماري والهندسي الجديد، معتبرين أنها كانت "إلهاماً تمخضت عنه فنون عصر النهضة".

هل استوحت ساعة "بيغ بن" في لندن معمار المآذن الإسلامية؟

الساعة الطويلة التي تشتهر بها العاصمة البريطانية لندن، وتقف بشكلٍ مهيب في قلب وستمنستر، تُعدُّ المعلم السياحيّ الأهم في المملكة المتحدة، والتي يعتقد البعض أنّ تصميمها يعود بشكل كبير أيضاً للثقافة الإسلامية.

فساعة بيغ بن التي اكتمل بناؤها لأول مرة في عام 1856، يُعتقد أنها كانت مستوحاة من مآذن المساجد الإسلامية التي ظهرت من قبل ذلك بقرون طويلة.

فبحسب الكاتبة البريطانية والمتخصصة في التاريخ، نادية خان، هناك أوجه تشابه لا يمكن إنكارها بين معلم لندن الشهير ومئذنة الجامع الكبير في حلب، الذي بني عام 1090، ولكن دمرته الحرب بعد اندلاع الثورة السورية، وتحديداً عام 2013.

إذ بُنيت ساعة بيغ بن ومجلس النواب البريطاني على الطراز القوطي الذي أسلفنا كم تأثر بالهندسة الإسلامية بصورةٍ جذرية، وعند مقارنته بالمئذنة المُهدَّمة الآن، يتَّضح أنهما برجان مربعان بارتفاع من أربعة أقسام، وأن كليهما مزخرف بعناصر متشابهة، مثل الأقواس ثلاثية الوريقات والأعمدة المنقوشة.

ومع ذلك، يفّند آخرون هذه العلاقة بين الرمزين المعماريين، ولا يزال هناك حاجة لمزيد من الدراسات المتخصصة لتحديد كيف تأثر بناء الساعة اللندنية الشهيرة بالنمط الهندسي الإسلامي بشكل موثوق.

هل استوحت ساعة "بيغ بن" في لندن معمار المآذن الإسلامية؟

الساعة الطويلة التي تشتهر بها العاصمة البريطانية لندن، وتقف بشكلٍ مهيب في قلب وستمنستر، تُعدُّ المعلم السياحيّ الأهم في المملكة المتحدة، والتي يعتقد البعض أنّ تصميمها يعود بشكل كبير أيضاً للثقافة الإسلامية.

فساعة بيغ بن التي اكتمل بناؤها لأول مرة في عام 1856، يُعتقد أنها كانت مستوحاة من مآذن المساجد الإسلامية التي ظهرت من قبل ذلك بقرون طويلة.

فبحسب الكاتبة البريطانية والمتخصصة في التاريخ، نادية خان، هناك أوجه تشابه لا يمكن إنكارها بين معلم لندن الشهير ومئذنة الجامع الكبير في حلب، الذي بني عام 1090، ولكن دمرته الحرب بعد اندلاع الثورة السورية، وتحديداً عام 2013.

إذ بُنيت ساعة بيغ بن ومجلس النواب البريطاني على الطراز القوطي الذي أسلفنا كم تأثر بالهندسة الإسلامية بصورةٍ جذرية، وعند مقارنته بالمئذنة المُهدَّمة الآن، يتَّضح أنهما برجان مربعان بارتفاع من أربعة أقسام، وأن كليهما مزخرف بعناصر متشابهة، مثل الأقواس ثلاثية الوريقات والأعمدة المنقوشة.

ومع ذلك، يفّند آخرون هذه العلاقة بين الرمزين المعماريين، ولا يزال هناك حاجة لمزيد من الدراسات المتخصصة لتحديد كيف تأثر بناء الساعة اللندنية الشهيرة بالنمط الهندسي الإسلامي بشكل موثوق.

الإغفال المتعمَّد للتأثير الإسلامي
على المعمار الأوروبي

لطالما كان التأثير الإسلامي على التراث الثقافي الأوروبي موضوعاً شائكاً؛ إذ لعب التعصُّب المسيحي، وتفضيل الأكاديميين للمصادر الغربية، علاوةً على نزعات الإسلاموفوبيا المتصاعدة خلال العقدين الماضيين، دوراً بارزاً في التعتيم على هذا التأثير.

وبالعودة على أعمال المؤرخة المعمارية البريطانية ديبورا هوارد، يظهر تأثير معمار العالم الإسلامي على البندقية، والتي، إلى جانب المواقع الإيطالية مثل أمالفي وغيرها في المدن الأوروبية، كانت تُعد منابر لإيصال التأثير الإسلامي إلى أوروبا.

حيث يبدو معمار مدينة البندقية أقرب للمدن العربية منه للأوروبية، بدايةً من ممراتها المتعرجة الضيقة ومنازلها ذات الأفنية المفتوحة وشرفات الأسطح، وصولاً إلى الزخرفة الإسلامية لقصر دوجي (على غرار المسجد الأقصى في القدس)، وبرج الساعة فيه المطابق لشكل مآذن المساجد الإسلامية.

يعتبر قصر دوجي -الذي يعرف أيضاً باسم "بالازو دوكالي"- تجسيداً حرفياً للاقتباس الإسلامي.

فقد جلبت التجارة على طول طريق الحرير الخبرات الجديدة إلى البندقية من بلاد فارس. وأدى طريق الحرير إلى تحسين التجارة بين أوروبا والشرق. فقد جعل وجود البندقية مركزاً ضمن طريق الحرير أكثر تعرضاً للثقافة البصرية المتباينة، وقد ارتفعت التجارة مع بلاد فارس  مع أوروبا بشكل خاص في الفترة من 1320 إلى 1343، وهو الوقت نفسه الذي بدأ فيه بناء قصر دوجي

إذ يمثل وقت بناء هذا القصر نقطة فارقة في تاريخ البندقية، فقد تزامن هذا مع تطلعات المدينة لتأكيد استقلالها قوةً تجارية عظيمة أمام سلطة البابا. ويُعد دمج العديد من التأثيرات الشرق أوسطية في قصر دوجي تحدياً للبابوية ولتأكيد استقلال البندقية عن سلطته.

كل هذا التأثير كان ثمرة رحلات قام بها تجار البندقية إلى مصر وبلاد الشام وبلاد فارس والجزيرة العربية، ما عزَّز مستوى التأثير الذي امتد حتى إلى الموضة؛ فكانت النساء في البندقية يرتدين غطاءً للشعر في الأماكن العامة.

ولكن لسوء الحظ، لا تتم دائماً نسبة أو توثيق الأصول الإسلامية للمعمار الغربي القوطي. ويكاد لا يتجاوز الذكر مصطلحات مثل "مستشرق" أو "مغاربي" أو "شرقي الطابع" عند وصف النمط الهندسي المزخرف بشكل مستلهم من الأسلوب العربي، الذي لطالما تمت الإشارة له بشكل سلبي.

في كتاب "كيف شكلت العمارة الإسلامية أوروبا"، اقتباس لأحد أهم مهندسي المعمار في إنجلترا، السير كريستوفر رين، يقول فيه: "ما نسميه اليوم بالنمط القوطي، وهو الأسلوب المعماري الذي هيمن على بناء أهم معالم أوروبا التاريخية، يجب أن يُطلق عليه أسلوب السراسنة"، وهي تسمية كانت تستخدم في العصور الوسطى، للإشارة للعرب والمسلمين.

صحيح أنه اعتراف بالتأثير العربي، لكنّ المصطلح المستخدم نفسه يُقلِّل التقدير الحقيقي للعرب. فقد نشأت كلمة "Saracen" مصطلحاً ازدرائياً للمسلمين والعرب، الذين حارب الصليبيون ضدهم "حربهم المقدسة"، وهي اقتباس من الكلمة العربية "سرقة"، حيث كان يُنظر إلى المسلمين على أنهم "لصوص" ولا حق لهم في أراضيهم المقدسة.

من ناحية أخرى، هناك رأي آخر يقول إن المصطلح يأتي عبر الفرنسية القديمة لكلمة Sarrazin، والمشتقة من اليونانية Sarakenos، التي يعتقد علماء اللغة أنها مشتقة من كلمة "شرق" العربية أو صفة "شرقي".

في نهاية المطاف، فإن ما لا يمكن تغافله هو أنه عندما كانت الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي، سيطرت على الساحة العالمية وكانت قوتها وثروتها وتأثيرها بعيد المدى. نتيجة لذلك، كان هناك انبهار بالشرق، ونزعة قوية للتنافس التاريخي معه، والتأثُّر به، مثلما هو الحال مع الحضارات الكبرى والممتدة، التي كانت زاخرة بالتطور والازدهار، فكانت منارة لما حولها.

لذا يُعد اكتشاف هذه الزوايا التاريخية المهمة، ودراستها بإمعان، خطوة حيوية لإعادة ربط الشرق والمسلمين بالمشهد العالمي للتاريخ، وإحقاقاً لدورهم الجذري في قيادة وتطوير نهضة الحضارة الإنسانية الحديثة.

الإغفال المتعمَّد للتأثير الإسلامي
على المعمار الأوروبي

لطالما كان التأثير الإسلامي على التراث الثقافي الأوروبي موضوعاً شائكاً؛ إذ لعب التعصُّب المسيحي، وتفضيل الأكاديميين للمصادر الغربية، علاوةً على نزعات الإسلاموفوبيا المتصاعدة خلال العقدين الماضيين، دوراً بارزاً في التعتيم على هذا التأثير.

وبالعودة على أعمال المؤرخة المعمارية البريطانية ديبورا هوارد، يظهر تأثير معمار العالم الإسلامي على البندقية، والتي، إلى جانب المواقع الإيطالية مثل أمالفي وغيرها في المدن الأوروبية، كانت تُعد منابر لإيصال التأثير الإسلامي إلى أوروبا.

حيث يبدو معمار مدينة البندقية أقرب للمدن العربية منه للأوروبية، بدايةً من ممراتها المتعرجة الضيقة ومنازلها ذات الأفنية المفتوحة وشرفات الأسطح، وصولاً إلى الزخرفة الإسلامية لقصر دوجي (على غرار المسجد الأقصى في القدس)، وبرج الساعة فيه المطابق لشكل مآذن المساجد الإسلامية.

يعتبر قصر دوجي -الذي يعرف أيضاً باسم "بالازو دوكالي"- تجسيداً حرفياً للاقتباس الإسلامي.

فقد جلبت التجارة على طول طريق الحرير الخبرات الجديدة إلى البندقية من بلاد فارس. وأدى طريق الحرير إلى تحسين التجارة بين أوروبا والشرق. فقد جعل وجود البندقية مركزاً ضمن طريق الحرير أكثر تعرضاً للثقافة البصرية المتباينة، وقد ارتفعت التجارة مع بلاد فارس  مع أوروبا بشكل خاص في الفترة من 1320 إلى 1343، وهو الوقت نفسه الذي بدأ فيه بناء قصر دوجي

إذ يمثل وقت بناء هذا القصر نقطة فارقة في تاريخ البندقية، فقد تزامن هذا مع تطلعات المدينة لتأكيد استقلالها قوةً تجارية عظيمة أمام سلطة البابا. ويُعد دمج العديد من التأثيرات الشرق أوسطية في قصر دوجي تحدياً للبابوية ولتأكيد استقلال البندقية عن سلطته.

كل هذا التأثير كان ثمرة رحلات قام بها تجار البندقية إلى مصر وبلاد الشام وبلاد فارس والجزيرة العربية، ما عزَّز مستوى التأثير الذي امتد حتى إلى الموضة؛ فكانت النساء في البندقية يرتدين غطاءً للشعر في الأماكن العامة.

ولكن لسوء الحظ، لا تتم دائماً نسبة أو توثيق الأصول الإسلامية للمعمار الغربي القوطي. ويكاد لا يتجاوز الذكر مصطلحات مثل "مستشرق" أو "مغاربي" أو "شرقي الطابع" عند وصف النمط الهندسي المزخرف بشكل مستلهم من الأسلوب العربي، الذي لطالما تمت الإشارة له بشكل سلبي.

في كتاب "كيف شكلت العمارة الإسلامية أوروبا"، اقتباس لأحد أهم مهندسي المعمار في إنجلترا، السير كريستوفر رين، يقول فيه: "ما نسميه اليوم بالنمط القوطي، وهو الأسلوب المعماري الذي هيمن على بناء أهم معالم أوروبا التاريخية، يجب أن يُطلق عليه أسلوب السراسنة"، وهي تسمية كانت تستخدم في العصور الوسطى، للإشارة للعرب والمسلمين.

صحيح أنه اعتراف بالتأثير العربي، لكنّ المصطلح المستخدم نفسه يُقلِّل التقدير الحقيقي للعرب. فقد نشأت كلمة "Saracen" مصطلحاً ازدرائياً للمسلمين والعرب، الذين حارب الصليبيون ضدهم "حربهم المقدسة"، وهي اقتباس من الكلمة العربية "سرقة"، حيث كان يُنظر إلى المسلمين على أنهم "لصوص" ولا حق لهم في أراضيهم المقدسة.

من ناحية أخرى، هناك رأي آخر يقول إن المصطلح يأتي عبر الفرنسية القديمة لكلمة Sarrazin، والمشتقة من اليونانية Sarakenos، التي يعتقد علماء اللغة أنها مشتقة من كلمة "شرق" العربية أو صفة "شرقي".

في نهاية المطاف، فإن ما لا يمكن تغافله هو أنه عندما كانت الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي، سيطرت على الساحة العالمية وكانت قوتها وثروتها وتأثيرها بعيد المدى. نتيجة لذلك، كان هناك انبهار بالشرق، ونزعة قوية للتنافس التاريخي معه، والتأثُّر به، مثلما هو الحال مع الحضارات الكبرى والممتدة، التي كانت زاخرة بالتطور والازدهار، فكانت منارة لما حولها.

لذا يُعد اكتشاف هذه الزوايا التاريخية المهمة، ودراستها بإمعان، خطوة حيوية لإعادة ربط الشرق والمسلمين بالمشهد العالمي للتاريخ، وإحقاقاً لدورهم الجذري في قيادة وتطوير نهضة الحضارة الإنسانية الحديثة.