لبنان ينتفض..
"بلدنا عم يخلق جديد"

الموجة الرابعة من الربيع اللبناني تقصف الشبكات الطائفية ومافيا الفساد وحكم المصارف والنخبة السياسية.. "كلُّن يعني كلُّن"

نحن البؤساء: أُنظر أسفل اللافتة.

نحن طلاب الجامعة اللبنانية: يسقط حكم المصرف.

سدّوا العجز من جيوبكم.

إفرضوا الضرائب على المصارف.

لن تسرقوا غضب الناس.

نحن خليطٍ طبقيّ حقيقيّ، امتزج بشكلٍ تلقائي وايجابي: 

شبابٌ فقراء سحقهم النظام يسيرون مع أفرادٍ من الطبقة الوسطى الدنيا، التي تنزلق بسرعةٍ الى الفقر.

تعلّموا في الجامعات ولكنهم لم يجدوا وظائف، والأزمة الماليّة زعزعت عندهم أيّ شعورٍ بالأمان والاستقرار والثقة بالمستقبل. 

شبابٌ من الأحياء الفقيرة التي تحيط بوسط بيروت، يصطدمون مع القوى الأمنيّة في الليل وينقضّون على رموز الدّولة والمباني الفاخرة. 

الحراك الذي بدأ في مساء ال17 من أكتوبر/ تشرين أول 2019 كان يمكن شم رائحته في الشارع قبلها بسنوات. لكن في الأسابيع الأخيرة  بدت مؤشرات الغضب أقوى من كل مزيلات الرائحة.

أزمة دولار العملة الأساسية المتداولة في لبنان.

أزمة وقود تنتج عنها حرائق غابات، اكتشف خلالها  اللبنانيون أن طائرات الحريق لم تعرف الصيانة لها من أكثر من 4 أعوام بسبب تكلفة لا تتجاوز 150 ألف دولار.

بوادر أزمات في القمح والدواء. 

ثم جاء قرار الضريبة على الواتس اب، وهو وسيلة الاتصال الرئيسية في لبنان لأن أسعار المكالمات العادية تعد من الأعلى في العالم.

وانفجر بركان الغضب ضد الجميع، كلّن يعني كلّن.

صعد المتظاهرون إلى الأبنية المهجورة في وسط البلد لرفع الأعلام والشعارات، ومنها دار الأوبرا. 

أصوات الغضب سجلت حضورها بمئات الآلاف في كل ساحات لبنان الأخضر.

نورهان نزلت من السان تريز : تسألون ليش نبدّل، لازم تسألونا ليش ما بدنا ننزل؟

أمل، 28 عاماً، من سكان بيروت: كنت أحاول الهجرة، هذه فرصة أخيرة لتحقيق مطالبنا.

حسين الشاب العشريني يعلق بسؤال: شو ناطرين من بلد رئيس حركة المحرومين فيه، ملياردير؟

عُلّقت أوراق مجهولة المصدر، على جدران الأبنية المحيطة بساحة رياض الصلح، تدعوا المتظاهرين إلى تصويب الهدف:

الحكام الهدف، وليس الجيش.

رفع الحراك مطالب كثيرة مثقلة بعناء السنوات كلها، لكن هناك شعارا واحدا ربما يلخص كل المطالب.

إنها اللافتة التي رفعها متظاهرون في ساحة الشهداء، ميدان التظاهر الرئيسي في بيروت: يسقط كل شيء.

من ينتصر: اللبنانيون في الشارع، أم ائتلاف السلطة الحاكمة المستمرة منذ عام 1992 والمستمدة من الحقبة السورية مضافاً إليها التيار الوطني الحر؟

سعد الحريري في امتحان صعب جديد، بعدما خذله ناخبوه في بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع الغربي في انتخابات 2018، يدعونه من تلك المناطق التي عدّها حصونه المذهبية الى التنحي للفور ومغادرة الحكم. 

وعندما تحدث السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله عن رفضه إسقاط رئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان، تجاوز ألوف اللبنانيين المحظور الذي تحدث عنه، وأصروا على تنحي السلطات كلها، رغم الأخطار التي يفصح عنها فراغ شامل كهذا.

هذا التقرير يستعرض المسار السياسي والاقتصادي الذي عاشه لبنان منذ اتفاق الطائف 1989، وانتهى بانتفاضة أكتوبر/  تشرين أول 2019.

سنوات الجمر: في البدء كان اتفاق "الطائف"

في الذكرى الثلاثين لإقرار النواب اللبنانيين اتفاق الطائف عام 1989، انتفض الشعب اللبناني مُطالبا بإسقاط الطبقة السياسية، وشركائها الجدد منذ عام 2008، المنبثقة من هذا الاتفاق.

توقيع "اتفاق الطائف" يمثل نهاية رسمية للحرب الأهلية اللبنانية الطاحنة التي اندلعت عام 1975 ودامت خمسة عشر عاماً، وتسببت في مقتل أكثر من 120 ألف شخص، وتشريد نحو مليون آخرين.

وبعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، المقرب من السعودية، في فبراير 2005، خرجت مظاهرات عارمة في لبنان عُرفت بثورة الأرز، طالبت برحيل الجيش السوري من لبنان فوراً. وضغطت فرنسا والولايات المتحدة على نظام الأسد الابن، فسحب جيشه خلال 24 ساعة، من الأراضي اللبنانية بالكامل، في 27 أبريل 2005، بعدما بقيت تقود نظاماً أمنياً 30 عاماً تقريباً.

انقسم اللبنانيون إلى فريقين: 

قوى 8 آذار، ويتزعمها "حزب الله" وتضم أيضاً "حركة أمل والتيار الوطني الحر وآخرين"، وهي موالية للنظام السوري وإيران، 

فريق 14 آذار، بزعامة رئيس تيار المستقبل ورئيس الوزراء الحالي سعد الحريري، ويضم "حزب الكتائب اللبنانية وحزب القوات وآخرين، وتدعمه السعودية والغرب.

ومنذ ذلك العام، توالت عمليات اغتيال سياسيين وصحفيين وأمنيين من فريق 14 آذار، مع اتهامات للنظام السوري وحزب الله بالضلوع فيها.

وفي 7 مايو 2008 ومع وجود السلطة اللبنانية وجيشها وقواها الأمنية وضمان "اتفاق الطائف" لفصل السلطات في البلاد، احتلت مليشيا حزب الله العاصمة بيروت ومناطق أخرى، وسيطرت على مراكز حزبية لتيار المستقبل، إلى أن تدخلت دول كبرى.

وفي 21 مايو من العام ذاته، عُقد "اتفاق الدوحة" بقطر لحل الأزمة التي استمرت 18 شهراً، وانتُخب على أثرها قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً توافقياً.

اتفاق الطائف لم يستطع بآلياته القاصرة، وبأطرافه الفاعلين إلغاء الطائفية السياسية، ذلك المحور الذي يقوم عليه دستور ونظام وهيكل الدولة التنظيمي، وتوزعت بشكل لا يراعي العدالة والإنصاف لسلطاتها ومواردها.

وفي هذه المرة تظاهر اللبنانيون لإسقاط النظام بكل رموزه، وإيقاف الماكينة الطائفية التي جاء بها "اتفاق الطائف" المرعيّ سعودياً، واعتماد إجراءات لمكافحة الفساد، وإعادة الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة.

ثم أصبح لبنان مقبلاً على احتمالات الإفلاس

في أبريل/ نيسان 2019، أطلق رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك المارديني صيحة تحذيرية: الانهيار الاقتصادي في لبنان حتميّ.

يشرح: الدولة تتخبّط خبط عشواء وترتكب أخطاء قاتلة ستطيح بالبلد عموماً، وبالطبقات الفقيرة أبرزها: 

زيادة الضرائب والرسوم: فشلت الحكومة في رفع إيراداتها في العام 2018 عبر زيادة العبء الضريبي، واليوم، تتّجه إلى تكرار الخطأ عينه، بما سيؤدّي إلى إفقار الجميع وإقفال المحال والمؤسسات وتسريح العمال وتخفيض إيرادات الدولة.

اللعب بالليرة: تشكّل خدمة الدين العام نحو 34% من الموازنة، من هنا اقتراح مفاوضة المصارف وإقناعها بتخفيض معدل الفوائد التي تتقاضاها من الدولة. ولكن تخفيض الفوائد سيؤدي حتماً إلى هروب الرساميل من لبنان والتفريط في سعر صرف العملة.

الخلط بين التوظيف في الدولة ومساعدة الفقير: يقدّرعدد موظفي الإدارات والمؤسسات الرسمية بموظفَين لكل وظيفة فعلية، ويكلف ذلك الدولة نحو 35% من النفقات العامة، وبات عددهم اليوم يشكل خطراً على مصير لبنان. أما التهرّب من المسؤولية والادّعاء بأنّ الفائض والفساد في التوظيف يهدفان إلى مساعدة الفقير، فهو مجرد ذرّ للرماد في العيون.

الامتناع عن خفض النفقات الاستثمارية: تشكّل النفقات الاستثمارية نحو 9% من موازنة الدولة، بينما الوضع المزري لميزانية الدولة لم يعد يسمح بهذا النوع من الإنفاق أصلاً. 

الإبقاء على النظام الحالي للضمان والتقاعد: وهو بمثابة قنبلة موقوتة. بدل أن تتكفل الدولة بدفع اشتراكات موظفيها ومساهماتهم في صناديق التعاضد والضمان، والتي هي على شفير الإفلاس، يجب العمل على إعطاء كلّ موظف خيار انتقاء صندوق معاشات التقاعد الذي يناسبه.

التلاعب بالحسابات: بدأت عملية التلاعب عندما تم إلغاء عجز الكهرباء في موازنة العام 2018 بشحطة قلم وتحويله قرضاً من الدولة إلى كهرباء لبنان، ما سمح بتخفيض وهمي لنفقات الدولة بنحو 10%. كان مثل هذا التلاعب بالأرقام القشة التي قصمت ظهر البعير في اليونان وأدت إلى الانهيار الكبير.

يكرر المارديني تحذيره الأول، لكن بعبارة أخرى: لبنان مقبل على ما هو أسوأ من اليونان.

ديون لبنان: "يسقط يسقط حكم المصرف".. والحيتان

«يا لبناني وينك وينك، رياض سلامة مهندس دينك».

«يا سلامة ويا جبان، يا خاضع للأمريكان».

«مصرف لبنان، ملك الحيتان».

«نحنا عرفنا شو اللي صار، هيدي الليرة عم تنهار».

هتافات ردّدها المعتصمون عكست توجهّاً نحو اعتماد خطاب مطلبي يرتبط مباشرة بأصل الأزمة الإقتصادية والمعيشية التي فجرّت انتفاضتهم.

ولماذا جاءت الشعارات بإلغاء حكم المصارف على رأس مطالب الحراك المدني؟ولماذا تضمنت الورقة الانقاذية لرئيس الحكومة سعد الحريري وضع ضرائب على المصارف؟

من بين الدول العربية كلها تتفرد لبنان بتربعها في صدارة قائمة الدين العالمي.

يقدر الدين العام اللبناني بـ 85 مليار دولار، أي ما يتجاوز 150% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل لبنان في المرتبة الثالثة عالميًا من حيث نسبة المديونية العامة إلى الناتج الإجمالي.

ووفقًا لمعهد كارنيجي، فإنه ابتداءً من العام 1996، باتت قيمة الثلثين من أي دين جديد تذهب فقط لسداد أقساط الفائدة المستحقة على الدين القائم.

ديون لبنان التي يحين أجل سدادها بنهاية العام المقبل تبلغ نحو 6.5 مليار دولار.

يتوزع الدين الحكومي اللبناني، الذي وصل في العام 2017 إلى 79.5 مليار دولار، على خمس جهات رئيسية، هي: 

  • مصرف لبنان
  • المصارف التجارية 
  • المؤسسات العامة
  • الدائنون الأجانب 
  • الدائنون الرسميون الأجانب

إلا أن المصارف التجارية المحلية تملك حصة الأسد من هذه الديون ذات العوائد المرتفعة جداً، من دون أن تتحمل أي مخاطرة

وترزح الأسر اللبنانية تحت ديون تفوق 21.5 مليار دولار،أي ما يعادل نصف الدخل المتاح لها للاستهلاك وأكثر من 40% من مجمل الناتج المحلي بحسب تحليل اقتصادي نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية.

وبحسب  إحصاءات مصرف لبنان لعام 2017، تضاعفت الديون الشخصية منذ عام 2010، وارتفع عدد المدينين من نحو 500 ألف  إلى مليون مدين، قرابة الـ 80% منهم لجأوا إلى الاستدانة لتمويل استهلاكهم وشراء مساكنهم وسياراتهم وتسديد أقساطهم.

نسبة الأسر اللبنانية ذات الإشباع المتدني بين  2004- 2015

نسبة الأسر اللبنانية ذات الإشباع المتدني بين  2004- 2015

وإذا كان ارتفاع عدد زبائن مؤسسة ما هو مؤشر على نجاحها، فإن المصارف اللبنانية سجّلت نجاحاً باهراً في هذا المجال، فقد رفعت أعداد المدينين من نحو 34 ألف زبون عام  1993 إلى مليون و27 ألف زبون في 2017 بزيادة تفوق 3000%.

وأمام ارتفاع قيمة القروض باتت 131 ألف أسرة لبنانية  تعيش تحت عبء هذه الرهون وخدمة قروضها السكنية لآجال طويلة تمتد إلى ما بين 20 و30 سنة. 

المعتصمون يصوّبون على قلب النظام

... وفي اليوم السادس للتحرّكات الشعبية، استحال الشارع الذي يفصل بين مبنى وزارة الداخلية ومدخل المصرف المركزي في بيروت، ساحة نضالٍ جديدة حملت شعارات لافتة تُصيب «قلب» النظام: إقالة رياض سلامة، مُقاضاة الفاسدين، استرداد الأموال العامة الناجمة من أرباح الهندسات المالية، رفع الضرائب على الأرباح، الحق في السكن، وغيرها من القضايا التي عبّرت عنها الهتافات التي صدحت أمام مبنى المصرف المحصّن، لأكثر من ست ساعات افترش خلالها المحتجوّن الأرض متهمّين حاكم «المركزي» بـ«تفليس لبنان».

المصارف تحكم: هكذا تتحكم عائلات كبيرة في اقتصاد البلد

85% من الدين العام اللبناني هو ملك للمصارف اللبنانية، سواء البنك المركزي أو البنوك التجارية، قد يبدو هذا خبرًا سارًا في البداية، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل.

والتفاصيل هنا أن معظم البنوك اللبنانية تابعة لسياسيين كبار وعائلات نافذة، إن كان عبر المالكين أو مجالس الإدارة.

الأمر الذي تتبعه الأستاذ والباحث الاقتصادي في الجامعة الأميركية ببيروت جاد شعبان.

المثال الأكثر شهرة ووضوحًا هو عائلة الحريري، المستمرة في حكم لبنان لأكثر من ربع قرن.

تملك العائلة بالكامل بنك البحر المتوسط Bank MED، ويمتلك البنك بدوره نسبة 27% من الدين اللبناني العام.

تصرف الحكومة 32% من ميزانيتها على تسديد فوائد الدين العام، وفي ظل أسعار فائدة مرتفعة، يعود ذلك بالربح الوفير على المصارف، بالأصح على العائلات التي تملك المصارف.

وبالعودة لعائلة الحريري، نجد أنها قد حققت أرباحًا تتجاوز 100 مليون دولار من استثماراتها المصرفية، خلال الفترة التي قضاها سعد الحريري في رئاسة الحكومة.

في لبنان يتمتع الـ 1% الأغنى من السكان بحوالي 58% من الثروة. بينما لا يملك النصف الأفقر من السكان سوى أقل من 1% من إجمالي الثروة، ويعاني 10% من اللبنانيين من الفقر المدقع وفقًا لأوكسفام.

مستوى اللا مساواة في لبنان هو من بين الأسوأ في العالم، والسياسات الضريبية التي تنتهجها الدولة أحد أهم الأسباب لذلك.

في 1993 تم تعيين رياض سلامة حاكمًا لمصرف لبنان، قام سلامة بمشاركة رئيس الحكومة آنذاك، رفيق الحريري، بإرساء أسس النظام الاقتصادي القائم في لبنان، إلى يومنا هذا، بما في ذلك التوسع في الاستدانة، وتثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار.

ووفقًا للباحثة ليديا أسود من مركز كارنيغي، فإن ثروة مليارديرات لبنان شكلت في المتوسط 20% من مجموع الدخل الوطني بين عامي 2005 و2016، بالمقارنة مع 2 في المئة في الصين، و5 في المئة في فرنسا، و10 في المئة في الولايات المتحدة.

ربما كانت ضريبة تصاعدية، وبسيطة الحساب، على الدخل، بجانب سندات حكومية صفرية الفائدة، لتحول دون هذا الربح الفاحش، لكنها على الأقل كانت ستنقذ فقراء لبنان من دفع ثمن دين، استفاد منه أغنياؤه.

الذين كسبوا الثروات يجب أن يدفعوا  اليوم.. وهم يرفضون

يلخص الصحفي المتخصص محمد زبيب، محرر ملحق "رأس المال" في جريدة "الأخبار"، مأزق الاقتصاد اللبناني وبدايات الأزمة الحالية.

اعتبارا من التسعينيات بعد نهاية الحرب والموجات التضخمية، حصل شيء جديد، هو أن الاقتصاد اللبناني صار خاضع كليا للتدفقات القادمة من الخارج.

دفعنا فوايد سخية للودائع، زدنا المديونيات، وصرنا نصدر بشرا بدلا من السلع والخدمات، ورفعنا أسعار العقارات لنحصل على استثمارات أجنبية.

كل هذا أدى لتراجع الإنتاج وارتفاع الاستيراد.

وصار الاستهلاك أعلى من الدخل.

وتراكمت ثروات شخصية هائلة.

وتراكمت أيضا مديونية كبيرة وعجوزات مالية ضخمة.

من 2011 انقلب ميزان المدفوعات لأول مرة منذ الاستقلال من فائض لعجز، واستمر هذا 9 سنوات متتالية.

نقص احتياطي العملة الصعبة.

وبدأ الناس يشعرون بهذا، وظهرت السوق السوداء للعملة الصعبة.

لأول مرة من سنوات تتراجع الودائع

ما تطرحه السلطة للخروج من الأزمة يزيد من أعراضها:

  • مزيد من القروض أي فوائد أكثر
  • تخفيض الأجور والإنفاق العام
  • رفع الضرائب على السلع والخدمات
  • خفض الاستهلاك لخفض الاستيراد وتخفيف الحاجة للدولار
  • بيع الأملاك العامة
  • تخفيض القدرة الشرائية

لكن لا شيء يقول أن هذا ما سيحدث، ما سيحدث أننا سنخسر كل شيء.

الحلول في "الاقتصاد السياسي"، يعني تغيير النموذج الاقتصادي الذي يطبقه لبنان. لا يمكن الاستمرار تحت جبال الديون. لا يمكن الاستمرار تحت عجوزات كبيرة مع الخارج.

الحلول المنصفة هي التي تجعل الذين كسبوا الثروات في السابق، يدفعون اليوم  لنخرج من الوضع الحالي، وهم يرفضون ذلك.

لقطات ما قبل الانتفاضة: هذا ما حدث في لبنان عام 2018

#لبنان_ينتفض: إنها الموجة الرابعة من الربيع اللبناني

ليست المرة الأولى في عصر الربيع العربي.

في 2011 نزل اللبنانيون للساحات تحت شعار إسقاط النظام الطائفي، الذي لم يتمكن من الصمود أمام ماكينة الأحزاب السياسية ذات البعد الطائفي. 

وفي 2014 كانت مظاهرات محدودة حاصرت البرلمان، وصفت أعضاءه بالـ "128 حرامي" بسبب تمديد المجلس لذاته. 

في 2015 كانت الحركة أكبر وهي حركة "طلعت ريحتكم" التي نزلت في مواجهة أزمة لجمع النفايات، حولت لبنان إلى مكب نفايات سدت خلاله شوارع رئيسية في بيروت. هذا الحراك لم يتوقف عند النفايات إنما امتد لمطالب اجتماعية أخرى وأعاد طرح فكرة المحاصصة الطائفية، كما انه امتد لفترة زمنية وظل له توابع وصلت للشهر الثالث من العام 2016 عندما تم قطع طريق مكب منطقة الناعمة.

لننتقل بعدها للموجة الجديدة في 2019 التي جاءت في ظل تردي واضح للوضع الاقتصادي بحسب الخبير الاقتصادي د. غازي وزني.

تراجعت الصادرات في السنوات الأخيرة تراجعاً كبيراً، مع حركة استثمارية شبه متوقفة. 

شهد قطاع التجارة تراجعٌا بنسبة 25% مما أدّى إلى إقفال العديد من المؤسسات التجارية وصرف الموظفين والعمال. 

قطاع سياحي لا يستطيع استرداد عفيته.

قطاع خاص عاجزٌ عن تحريك النموّ في ظلّ غياب أي دور للقطاع العام. 

العجز في ميزان المدفوعات سجل عجزاً قياسياً وصل إلى 4.8 مليار دولار.

أما القطاع المصرفي فسجّل نمواً بمعدل 3.4% فيما يفترض أن يصل إلى 5%.

وعلى الصعيد الاجتماعي، تسجل البطالة نسبة 25% من القوى العاملة و34% لدى فئة الشباب. 

كل هذا في ظل وضع معيشي رهيب يضطر فيه المواطن شراء الكهرباء والمياه، وسكن واتصالات من الاغلى بالعالم خاصة في بيروت، كل ذلك مع حد أدني للأجر يوازي حوالي 450 دولار.

في الوقت الذي استفاد فيه الأغنياء من هذا الوضع، نجد أن ما يحصل عليه 50% من مجموع السكان، أي الطبقة الدنيا اقتصاديا، يساوي ما يحصل عليه 0.1% من الشريحة الأكثر ثراء في المجتمع.

طرابلس التي كانت توصف بقندهار السُنّة في لبنان تهتف للنبطيّة عاصمة الشيعة ومجالس عاشوراء: "يا نبطيّة نحن معاكِ للموت"... مؤامرة السفارات وأشرار كوكب Vega ماشية عالخطّة تمام. #لبنان_ينتفض

تم النشر بواسطة ‏‎Khaled Sb‎‏ في الأربعاء، ٢٣ أكتوبر ٢٠١٩

الجولة الختامية: معركة أصحاب الثروة والسلطة ضد المحاسبة

هناك عنصران مهمّان في مثل هذه الأيّام الحسّاسة.

أوّلاً، لبنان ليس في ميدانٍ سياسيٍّ رحبٍ مفتوح، فيه مجالٌ للمناورات والتأجيل والحلول الوقتيّة. هناك قطارٌ يسير بسرعةٍ باتّجاه لبنان، اسمه الدّين العام والأزمة الماليّة، إن تجاهلتَه فهو لن يتجاهلك. 

من جهةٍ أخرى، فإنّ إعادة النّظر بمفهوم «الأزمة» من أصله، ومن يملك ماذا ومن سرق ومن يستحقّ ما جمع ومن يستأهل المصادرة، فهو خيارٌ في بلدٍ كلبنان - أو في أيّ بلدٍ - يفضي على الأرجح للحرب. 

النخبة في لبنان مكوّنة أساساً من عددٍ هائلٍ من الأفراد وصلوا الى مواقعهم بوسائل «غير أخلاقيّة»، واستخدموها لمراكمة الثروة والسلطة، وهم حين يشعرون بأنّ محاسبةً قد تأتي حقّاً، فسيعملون كلّ ما يمكن تخيّله لمنع ذلك.

ومهما كان الثمن.