الشعب يريد.. دولة

ليبيا بعد انتخاب السلطة المؤقتة في الفرصة الأخيرة لوقف الحرب الأهلية وتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي

ليست دولة عادية، بل حالة خاصة جداً.

ليبيا التي عاشت عقوداً تحت حكم القذافي بلا دستور ولا مؤسسات حاكمة.

ليبيا التي انعدمت فيها الحريات وحقوق الإنسان منذ بداية التاريخ، وأثناء الاحتلال، وبعد الاستقلال المزعوم.

أكثر من نصف قرن عاشت ليبيا بعيداً عن "بدعة" الانتخابات والديمقراطية، وآفة الأحزاب والتنوع السياسي.

وبعد الربيع العربي ورث الشعب الفوضى التي عمّت مؤسسات الدولة ونظامها الإداري والسياسي.

شهدت ليبيا انقساماً داخلياً وصل إلى حد وصفه بالحرب الأهلية، نتيجة الخلافات بين القبائل الليبية ومجموعة من التيارات السياسية والعسكرية.

وانشطرت "الجماهيرية العظمى" إلى دولتين وعشرات الميليشيات والكتائب.

وانتهى الصراع على ثروة النفط إلى حرب أهلية تلتهم النفط والناس.

لكن الحوار الذي تم برعاية أممية نجح في وضع خطوط عريضة للتصالح.

ومع بداية 2021 بدأ العد التنازلي لأول محاولة "جادة" لبناء دولة.

ومع نهاية العام ستكون هناك انتخابات، وحكومة، ودولة اسمها ليبيا.

هل هذا الحلم ممكن، أم تستمر كوابيس عصر القذافي وما بعده في القضاء على كل محاولات بناء رابع أكبر دولة في القارة السوداء.

ليست دولة عادية.. ربما لم تجرب ليبيا من قبل أن تكون دولة.

هي مرحلة انتقالية جديدة تدخلها سلطة تنفيذية مؤقتة وموحدة، يتعين عليها تشكيل حكومة، ثم التحضير للانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في نهاية العام، لإنهاء عقد من الفوضى.

وهي ليست مهمة واحدة، بل عنقود من التحديات والعقبات، ربما تحول دون الوصول إلى الأهداف المنشودة في المستقبل المنظور.

يستعرض هذا التقرير تشكيل السلطة المؤقتة التي ستحكم ليبيا حتى الانتخابات، وأبرز الملفات التي يتعين عليها البدء في معالجتها فوراً، وسيناريوهات الصيغة الجديدة لبناء دولة ليبيا، وربما لأول مرة في التاريخ الحديث.

صُنع في جنيف

المجلس الرئاسي المُنتخب يتعهد بإعادة الوحدة الوطنية للبلاد وإجراء الانتخابات في نهاية 2021 

في سويسرا، وفي الخامس من فبراير/شباط 2021، نجحت وساطة الأمم المتحدة في وضع الخطوة الأولى نحو ليبيا الموحدة مرة أخرى: اختيار مجلس رئاسي مؤقت وسلطة تنفيذية جديدة.

أسفرت انتخابات ملتقى الحوار الليبي، الذي يضم 75 عضواً يمثلون   المناطق والتيارات الليبية المختلفة، عن انتخاب قائمة محمد يونس المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، من طبرق في الشرق.

ومعه نائبان هما موسى الكوني من الغرب، وعبدالله اللافي من الجنوب.

كما ضمَّت هذه القائمة رجل الأعمال الليبي المعروف عبدالحميد الدبيبة، 62 عاماً رئيساً للحكومة.

سيطرت على التغطيات روح التفاؤل، وقال محللون وسياسيون إن السلطة التنفيذية الجديدة البعيدة عن التجاذبات ستعمل للحفاظ على التحالفات التي أنشأتها حكومة الوفاق مع تركيا وقطر، فيما قد يلعب المنفي والكوني دوراً في شرق ليبيا للتعامل مع نفوذ كل من عقيلة صالح وخليفة حفتر وحلفائهما الدوليين، خصوصاً مصر التي يرى مراقبون أنها كانت تعول على فوز عقيلة صالح بالمجلس الرئاسي الجديد.

فيديو 4 دقائق: التصويت لاختيار السلطة التنفيذية الجديدة

اختصاصات المجلس: قيادة الجيش والتمهيد للمصالحة 

بانتخاب القائمة الثالثة سيصبح محمد يونس المنفي، وهو سفير ليبيا السابق إلى اليونان، رئيساً لمجلس الرئاسة.

ووقع الاختيار على عبد الحميد دبيبة رئيساً للحكومة الانتقالية.

ويهدف المشروع السياسي محل التنفيذ لإنهاء الحرب الدامية التي تعيشها ليبيا منذ عام 2014؛ بين قوات الحكومة المعترف بها دولياً، وقوات شرق ليبيا التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

ومن المفترض أن تعمل الحكومة المنتخبة على فتح الطريق الساحلي والتجهيز للانتخابات المقررة نهاية العام الجاري، فضلاً عن إخراج القوات الأجنبية (المرتزقة)، والتمهيد لمصالحة سياسية في البلاد.

ومن أبرز اختصاصات المجلس الرئاسي مجتمعاً: 

- القيام بمھام القائد الأعلى للجيش الليبي.

- إعلان حالة الطوارئ وقرار الحرب والسلم بعد موافقة مجلس النواب.

- اعتماد ممثلي الدول والھيئات الأجنبية.

- تقديم المشورة للحكومة لدى تسمية وزيري الدفاع والخارجية.

- إطلاق مسار المصالحة الوطنية.

- تشكيل مفوضية وطنية عليا للمصالحة.

- تعيين أو إقالة رئيس جهاز المخابرات ورئيس وأعضاء مفوضية المصالحة وباقي رؤساء الأجهزة التابعة لرئاسة الدولة.

اختصاصات الحكومة: قيادة الجيش والتمهيد للمصالحة 

وهذه أبرز اختصاصات حكومة الوحدة الوطنية: 

- الوصول للانتخابات وفق مواعيدها المقررة.

- وضع وتنفيذ برنامج عمل الحكومة، مع الحفاظ على الأولويات.

- إعداد مشروع الميزانية العامة.

- إصدار القرارات الخاصة بهيكلة وإدارة الأجهزة والمؤسسات التنفيذية التابعة للحكومة.

الإعلام الإماراتي والسعودي لم يكن سعيداً بنتائج الانتخابات، وقالت صحيفة الشرق الأوسط إن الجناح الموالي لتركيا بات مسيطراً على الأوضاع. ونقلت انتقاد من وصفتهم ببعض الليبيين لطريقة اختيار السلطة الجديدة، باعتبارها "وسيلة لأصحاب القوة للتأثير على العملية بصفقات سرية".

لكن رسمياً، رحّبت كل من السعودية والإمارات بنتائج التصويت على تشكيل السلطة التنفيذية الليبية الجديدة.

هو أستاذ جامعي درس في فرنسا.

ترشح عن مدينة طبرق شرقي ليبيا في انتخابات المؤتمر الوطني العام في 2012.

كان عضواً في تكتل بالمؤتمر الوطني العام رفض شرعية البرلمان عقب انتخابه 2014، لكن علاقته تحسنت مع حكومة السراج لاحقاً.

اختاره السراج سفيراً لليبيا في أثينا، قبل أن تطرده اليونان أواخر 2020 على خلفية توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة.

عضو مجلس النواب عن مدينة الزاوية حتى الهجوم على طرابلس في 2019.

كان عضو لجنة الاقتصاد والتجارة والاستثمار بمجلس نواب طبرق.

جاء انتخاب رجل الأعمال عبد الحميد الدبيبة رئيساً للحكومة الانتقالية في ليبيا مفاجأة للكثيرين، ورأى فيه البعض دليلاً على قدرة رأس المال على تجاوز الخنادق والاختلافات السياسية.

ابن أسرة ثرية من مدينة مصراتة، وصفه البعض بأنه كان من المقربين من العقيد معمر القذافي. واستفادت عائلته كثيراً من فورة المشاريع الصناعية والاقتصادية بعد ارتفاع أسعار النفط إبان حكم القذافي.

ويتحدث البعض على أنه كانت له صلات مع القذافي، وأنه كان جزءاً من دائرته الأولى، حيث تولى منصباً بارزاً في ظل نظام معمر القذافي، إذ ترأس الشركة الليبية للاستثمار والتنمية، في المقابل فإن تقارير أخرى تصفه بأنه مقرب من تركيا وجماعة "الإخوان المسلمين".

يحظى الدبيبة بعلاقات دولية لا يستهان بها، ومن الصعب تصنيف الأيديولوجية الفكرية له، فقد كان يتجنب الاستقطاب والتصريحات في كل مجريات الأحداث التي عصفت بليبيا.

وعود أطلقها الدبيبة

قدم الدبيبة في كلمته أمام ملتقى الحوار الوطني وفي تصريحاته بعد انتخابه منهاجاً طموحاً لحكومته خلال الفترة الانتقالية، يتضمن عدة وعود تنتهي بتنظيم انتخابات عامة في البلاد بحلول نهاية العام الحالي:

إنجاز المصالحة الوطنية واشتراك الجميع في بناء ليبيا الجديدة من دون أي إقصاء.

إنشاء وزارة خاصة للمصالحة الوطنية.

إنهاء النزاع العسكري.

حصر السلاح في أيدي الدولة.

تقسيم البلاد إلى مناطق أمنية.

عمل الأجهزة الأمنية بمهنيّة بعيداً عن الاستقطاب السياسي.

حل مشكلة السيولة المالية.

حلّ مشكلة الانقطاع المتواصل للكهرباء خلال 6 أشهر.

العمل على إعادة المستثمرين الأجانب الذين هجروا ليبيا إثر تردي الوضع الأمني فيها.

خلق وظائف للشباب لا تكون بالضرورة في الجيش والشرطة.

تقليص الفوارق بين مرتبات الموظفين.

الولادة العسيرة للدولة الجديدة 

أكبر تحديات السلطة المُنتخبة هي توحيد الجيش الليبي والسيطرة على القطاع الأمني وثروات النفط

في أولويات السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا مهام صعبة وتحديات جسيمة.

العنوان الأكبر هو الالتزام بموعد الانتخابات.

لكن ميراث الحرب الأهلية والصراع القبلي والتدخلات الأجنبية تبدو مهام أكثر أهمية، وأكثر صعوبة.

والسلطة موجودة في موقع القرار بصورة مؤقتة، حتى الانتخابات المقرر لها نهاية 2021. أي أنها تمتلك عملياً 10 أشهر فقط لإضافة تغيير إيجابي وملموس للمشهد الليبي القاتم.

السطور التالية تستعرض أبرز التحديات العاجلة التي يتعين على السلطة الجديدة الشروع في التعامل معها على وجه السرعة.

أول التهديدات التي تحيط بعملية تسوية الأزمة الليبية توحيد المؤسسة العسكرية الليبية.

أول ما تصطدم به السلطة في هذا الملف سيكون تمسك اللواء خليفة حفتر بمشروعه "الشخصي" في بناء قوة عسكرية  بقيادته ومحاولات انقلاباته المتكررة.

هناك أيضاً تدني مؤسساتية القوات الداعمة لحكومة الوفاق الوطني.

ويزيد الأمر صعوبة مع تطبيق المحاصصة التي يتدافع عليها الفاعلون الدوليون والإقليميون للاستئثار بمصالح اقتصادية مهمة في قطاع الطاقة الليبي.

وفي مطلع سبتمبر/أيلول 2020، تلقى مجلس الأمن تقريرين عن انتهاك بعض الدول حظر الأسلحة المفروض على ليبيا. 

وتزايد بشكل خاص الدعم اللوجستي العسكري المباشر من روسيا لمجموعة فاغنر، وربما شركات عسكرية خاصة أخرى مقرها في الاتحاد الروسي، حتى يونيو/حزيران 2020.

منذ  عام 1979 هيمنت اللجان الثورية على الحياة السياسية، وتكوّنت من أتباع مخلصين لعقيدة القذافي. وقد قدَّر الدكتور محمد خلف الله في 2002 عدد عناصر اللجان الثورية بنحو 60 ألفاً. 

كانت هذه اللجان الثورية مسلحة تسليحاً جيداً، بصلاحيات قضائية لإنشاء محاكم ثورية، تطارد المعارضين وتحكم عليهم بالسجن والموت أحياناً.

ثم استولت قوى الثورة العسكرية على ترسانة أسلحة القذافي الضخمة. وكانت كمية السلاح الأكبر من نصيب مدن المنطقة الغربية، وخصوصاً مصراتة والزنتان. 

انتشار السلاح في ظل المظالم المتراكمة عبر عقود وغياب مؤسسات الأمن والقضاء أدى إلى إنتاج ظروف غير مستقرة في البلاد، وسرَّع من الصدام بين قوى الثورة والكتائب والشخصيات المنشقة عن النظام خصوصاً في شرق البلاد.

انهالت التوصيات الدولية على المجلس الانتقالي بضرورة جمع السلاح وتفكيك ميليشيات الثوار ودمجها تحت قيادة الجيش، إلا أن هذا كان مستحيلاً لعدة أسباب منها:

غياب ثقة الثوار بتمثيلهم السياسي.

التنافس القبلي والمناطقي على الريادة والمكاسب، الذي تحول لاحقاً لنزاعات مسلحة وفرت غطاء لنزاعات أخرى.

التخوف من عودة أزلام النظام السابق بثوب الثورة على رأس الأجهزة الأمنية والعسكرية.

تمسك الثوار بالمكاسب المادية والسياسية التي حققوها، حيث كانوا على يقين من ضياعها فور تسليمهم السلاح أو حل كتائبهم.

تمسك الثوار بمطالبهم بتصفية الجيش من الرتب العليا و"أزلام النظام"، أي الفلول.

منذ الاستقلال صارت القبائل جزءاً من النظام السياسي في عهد المملكة بعد نيل الاستقلال، فتم تقاسم السلطة والأدوار على أساس المحاصصة القبلية. 

حاول القذافي تهميش دور القبيلة بحكم انحداره من قبيلة القذاذفة الضعيفة، لكنه إزاء محاولات الانقلاب حرص على إعادة دور القبيلة بتقوية قبيلته وأبناء عمومته، وتحالفات مع قبائل مثل المقارحة والورفلة وأولاد سليمان، وتأجيج التناقضات والصراعات بين القبائل الأخرى.

وبعد سقوط نظام القذافي، وعند تحديد منتصف 2012 موعداً للانتخابات، بدأت عمليات الاستقطاب السياسي والمناطقي وآثارها تظهر بوضوح.

وجاء دور معظم القبائل بعد الثورة مماثلاً لما كان عليه قبلها، مع انتشار السلاح الذي عزَّزَ من قدرة القبيلة على مساومة السلطة على مغانم ومكاسب محددة. 

أصبح دور القبيلة الآن هو البحث عن الغنيمة ومنافسة القبائل عليها دون اعتبار للعواقب السياسية.

منذ عام 2014، تتقاسم النفوذ في ليبيا قوتان أساسيتان، إحداهما في العاصمة طرابلس غربي البلاد ممثلة في حكومة معترف بها دولياً، بينما تتمركز القوة الأخرى في بنغازي شرقي البلاد.

وتنخرط القوتان في اشتباكات مع فصائل عسكرية داخلية أخرى، بينما تسيطر جماعات مسلحة على مؤسسات رئيسية تابعة للدولة.

وتشهد ليبيا على أرض الواقع تدهوراً أمنياً خطيراً نتيجة التصعيد العسكري واستمرار المعارك بين أطراف النزاع الليبي.

ورغم توصل الأطراف الليبية إلى اتفاق برعاية دولية لوقف إطلاق النار بشكل دائم في أكتوبر/تشرين الأول 2020، فإن المعارك مستمرة حتى بعد انتخاب السلطة المؤقتة بداية فبراير/شباط 2021.

وتقضي أهم بنود الاتفاق برحيل القوات الأجنبية والمرتزقة في مهلة 90 يوماً، انتهت 23 يناير/كانون الثاني 2021، لكن لم يصدر أي إعلان عن رحيل أو تفكيك.

وكشفت مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة إلى ليبيا عن وجود 20 ألفاً من "القوات الأجنبية والمرتزقة" في ليبيا، معتبرة ذلك انتهاكاً "مروعاً" للسيادة الوطنية. كما أشارت إلى وجود 10 قواعد عسكرية في ليبيا، تشغلها بشكل جزئي أو كلي قوات أجنبية ومرتزقة.

بالإضافة إلى ذلك هناك المئات من الميليشيات السياسية والعقدية والقبلية عبر التراب الليبي، صنعتها سنوات الفوضى والاقتتال الداخلي وتغيير الولاءات.

إلى أين تأخذنا بوصلة التدخلات الخارجية؟

"الأصدقاء والحلفاء" يزحمون ساحات الحروب ويصادرون القرار الليبي

في خضم الفوضى التي غرقت فيها البلاد، ساندت قوى أجنبية المعسكرين المتنافسين؛ فساندت تركيا حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بينما ساندت كل من روسيا والإمارات ومصر قوات شرق ليبيا بقيادة القائد العسكري خليفة حفتر في الشرق.

أصبحت هذه القوى "موجودة" في القرار السياسي والعسكري.

وأنابت بعض الدول ميليشيات ومرتزقة وشركات أمنية.

وسهلت لحلفائها الحصول على السلاح والدعم التقني والغطاء السياسي.

لكن انتخاب السلطة المؤقتة الجديدة كان الإجماع الأول لكل الفرقاء في الأزمة الليبية.

الجميع أعربوا عن سعادتهم بالاتفاق.

وانضمت حكومات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا إلى الولايات المتحدة في الترحيب بالحكومة الانتقالية الليبية الجديدة، لكنها مع ذلك حذرت من أن الطريق "لا يزال طويلاً". 

وقالت وزارة الخارجية التركية إن لديها ثقة بأن المجتمع الدولي لن يسمح هذه المرة بإفشال الفرصة التاريخية في ليبيا.

رحبت دولة الإمارات بتشكيل السلطة التنفيذية الليبية الجديدة، معربة عن أملها في أن تحقق هذه الخطوة الأمن والاستقرار والتنمية.

رحب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالوصول إلى اتفاق حول سلطة موحدة في ليبيا، كانت هناك أصوات مصرية تتحدث عن مؤامرة "إخوانية تركية" في انتخابات السلطة التنفيذية الليبية، التي عُقدت في جنيف.

الموقف المصري يأتي انسجاماً مع الموقف الدولي، وخاصة الإدارة الأمريكية الجديدة، من أجل إنهاء حالة الصراع في ليبيا، كما يرى المحلل السياسي الليبي عبدالله الكبير في حديثه مع موقع الحرة. "بما أن الموقف الأمريكي والغربي بشكل عام مع هذا التوجه، ففي اعتقادي أن الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة مثل مصر والسعودية والإمارات لابد لها أن ترحب بصرف النظر عن أنها توافق هذا التوجه أم لا".

القوى الدولية تضغط على الأطراف المتنازعة في ليبيا لوقف الحرب . 

وعودة الصراع تعني تعزيز الوجودين الروسي والتركي العسكري في ليبيا، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة ولا فرنسا. 

ثم جاءت دعوة رئيس البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة بـ"الشروع فوراً في سحب القوات التركية والروسية من ليبيا.. بما فيها جميع العناصر المرتزقة والمندوبين العسكريين الأجانب"، والتي تُعدّ تحولاً ملحوظاً في سياسة الإدارة الجديدة مقارنة بسياسة الرئيس السابق دونالد ترامب.

توقفت المباحثات الليبية طوال الشهور التي سبقت الحكومة الوطنية الجديدة أمام عدة عقبات يجب التعامل معها، قبل الحديث عن نجاح المصالحة.

وما زالت هذه العقبات قائمة.

ورغم غياب الكثير من التفاصيل بشأن آليات التشاور واتخاذ القرار بعد تشكيل الحكومة المؤقتة، يبقى النجاح في حل المشكلات التالية هو المؤشر الأساسي لنجاح المعادلة الليبية أخيراً في صُنع دولة حديثة، طالما حلم بها الليبيون.  

اختيار الفريق الحكومي لن يكون مهمة يسيرة في سياق المحاصصات والترضيات السياسية والقبلية والجهوية، رغم إعلان الدبيبة أن خياره سيكون التعويل على التكنوقراط. 

وعاصفة الترحيب في عواصم العالم لا تخفي الصعوبات أمام إعادة ترتيب المشهدين السياسي والأمني. 

كما لم يتضح موقع حفتر وعقيلة صالح في الترتيبات الجديدة، حيث تحاشى جميع أعضاء الفريق الجديد التعليق على هذا الأمر رغم أهميته في تحديد مآلات الوضع الأمني والعسكري في البلاد.

يبدو برنامج الدبيبة أقرب إلى بيان انتخابي يتحايل على الأزمات المتشابكة والمتراكمة، وربما يتجاوز به السقف الزمني الممنوح لحكومته، والذي لا يزيد على تسعة أشهر، في حال مرت مرحلة التشكيل ومنح الثقة بسلاسة. 

وخلال هذه المدة الوجيزة تصبح المهمة الرئيسية للحكومة هي الإعداد للانتخابات، والحفاظ على الاستقرار وصولاً إليها. 

ولو نجحت السلطة التنفيذية المؤقتة في العبور بسفينة ليبيا تجاه الانتخابات والاستقرار السياسي، ربما تكون الفرصة قد حانت لميلاد أول دولة حديثة على التراب الليبي.

وربما تكون فرصة للاحتفال، حتى لو ظلت بقية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فوجود "الدولة" كفيل بالوصول إلى حلول ذات يوم، وإن غداً لناظره قريب.

فيديو عربي بوست: قراصنة الصحراء..تفاصيل استحواذ الإمارات على مليارات من ثروات القذافي السرية