الآن.. تتشابك السحب الثقيلة السوداء في سماء ليبيا الشاسعة.

الآن تصحو حرائق قديمة من عمر "استقلال" المملكة عن الاستعمار الإيطالي، وحرائق جديدة اندلعت منذ تفكيك نظام القذافي قبل سنوات.

المواجهات المندلعة منذ بداية 2019 شهدت متغيرات ميدانية عديدة، تداولت فيها حكومة الوفاق وميليشيات خليفة حفتر السيطرة على مدن الساحل الغربي والمواقع القريبة من الحدود التونسية، فيما تركزت المواجهات بشكل أساسي في جنوب وجنوب شرق وجنوب غرب طرابلس.

وقد تأثرت العمليات العسكرية ونتائجها بالأدوار الدولية، حيث إن الفاعلين الدوليين أسهموا بشكل واضح في استمرار الصراع من خلال دعم طرفَيه، نتيجة تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية لهؤلاء الفاعلين.

وتسود تكهنات في بعض الأوساط الدولية عن ضرورة التعامل مع الصراع في ليبيا على أنه سيكون "صراعاً طويل الأمد"، في ظل التنافس الدولي المحموم على النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي في البلاد.

جولة جديدة يدخلها الخصوم بكل ما أوتوا من قوة ومن رباط الخيل، وأيضاً بكل ما يُنعم به حلفاء خارجيون، من المحيط إلى الخليج إلى القطب الشمالي.

على التراب الليبي أطراف كثيرة: فصائل وكتائب وميليشيات لا تحصرها الإحصائيات، ودول إقليمية وغربية تسعى للحصول على غنائم من مميزات موقع ليبيا.

وثروات ليبيا.

ومستقبل ليبيا الذي أصبح نهباً لكل الظنون والاحتمالات.

تسود تكهنات في بعض الأوساط الدولية عن ضرورة التعامل مع الصراع في ليبيا على أنه سيكون "صراعاً طويل الأمد"، في ظل التنافس الدولي المحموم على النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي في البلاد.

في هذا التقرير محاولات للإجابة، تبدأ من حكاية تاريخ الليبيين مع النفط.

كانت مملكة ليبيا تحت قيادة السنوسي تعيش ظروف الفقر والأمية والمرض حتى إن اللجنة الخاصة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي وصفت "مملكة الرمال" بأفقر بلد في العالم. 

كان سكان ليبيا نحو مليون وخمسة وسبعين ألفاً. 

ولم يكن أكثر من ربع السكان بقادرين على كتابة أسمائهم. 

لم يكن هناك اقتصاد بأي معنى بعدما دمر الاحتلال الإيطالي والفرنسي طرق تجارة القوافل، وسيطر الطليان على القطاع الزراعي والحرفي، فبلغ معدل دخل الفرد نحو خمسة وثلاثين دولاراً سنوياً. 

لم تتوفر بنيةٌ للمواصلات أو الاتصالات، بينما افتقدت البلاد لأي قطاع صناعي أو مصادر للطاقة.


القذافي يعرض على المواطنين نصيبهم من النفط

منذ استيلاء معمر القذافي على السلطة بانقلاب عسكري ضد الملك إدريس عام 1969، فقدت ليبيا فرصاً عديدة لنهضة شعبها وتقدمه. فالحكم الشخصي الذي اعتمد على عائلة القذافي ودائرة ضيقة من المقربين والأتباع، أدى إلى حرمان الجماهير العريضة من عوائد الثروة في بلادهم، بل واستخدام تلك الثروة في شراء الأنصار، وترويض المعارضة أو قمعها.

وفي إحدى خطبه بمناسبة عيد ثورة الفاتح عام 2006، انتقد الرئيس الراحل معمر القذافي النهج الاقتصادي لبلاده، في الاكتفاء بالنفط مصدراً للإيرادات.

وقال القذافي: "إن ليبيا البالغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة لا تنتج أي شيء وإنها لا تبيع الا النفط وتستهلك كل شيء" مديناً ما وصفه "بمجتمع استهلاكي ينتظره مستقبل بائس حين ينفد النفط في نهاية المطاف".

بعد ذلك، وفي خطاب ألقاه في بنغازي أمام مؤتمر الشعب العام (البرلمان) في 2008، فاجأ القذافي مواطنيه قائلاً: على الليبيين أن يستعدوا ليتسلم كل واحد منهم نصيبه من عائدات النفط، وباستثناء وزارات الخارجية والدفاع والداخلية والعدل، سيتم إلغاء باقي الوزارات.

وظلت هناك فجوة بالغة من مليارات الدولارات تظهر سنوياً بين عائدات النفط والغاز الليبي وبين الإنفاق الحكومي.

هذه الاستثمارات تموَّل مباشرة من عائدَي النفط والغاز. فهذا البلد النفطي وصل إيراده في عام 2009 إلى 35 مليار دولار عندما كان إنتاجه لا يزيد على 1.4 مليون برميل يومياً.

وبعد أسابيع من اندلاع ثورة 17 فبراير/شباط الليبية عام 2011، وقبل مقتل القذافي، بدأ الحديث عن أمواله الطائلة التي سرقها من ثروات الليبيين.

إنها معركة أخرى بدأها الزعيم الليبي وأبناؤه قبل انتفاضة شعبهم: معركة توزيع ثروة العائلة، التي قدَّرها بعض الخبراء بحوالي 100 مليار دولار أمريكي، وإخفائها في ملاذات آمنة في أنحاء مختلفة من العالم.

ديلي تلجراف، فبراير/شباط 2011


وتحت عنوان "أسرة القذافي تتطلَّع لإخفاء 3 مليارات جنيه إسترليني مع سمسار بورصة في حي ماي فير"، كتبت التايمز البريطانية عن جهود إخفاء ثروة القذافي "المسروقة" من عائدات النفط وجيوب الليبيين عبر السنين"، كما يرى التقرير.

ويقول التقرير إن القذافي قد أودع بشكل سري 5 مليارات دولار أمريكي لدى شركة متخصصة بإدارة الثروات، في حي ماي فير الفخم وسط لندن.

وتابعت وزارة الخزانة البريطانية وقتها جهود تعقُّب وتجميد أرصدة القذافي وأسرته في بريطانيا، والتي تُقدَّر بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى عقارات منها منزل فخم مكوَّن من ثماني غرف نوم، تعود ملكيته لابنه سيف الإسلام شمالي لندن، وتتجاوز قيمته 10 ملايين جنيه إسترليني (16 مليون دولار أمريكي).

الاستيلاء على أهم ثروات ليبيا لعقود طويلة أدى إلى تجريف البلاد من قوتها، ووضعها على حافة حرب أهلية، يتصارع فيها الأشقاء على الذهب الأسود، وهذا ما تشرحه السطور التالية.

لأول مرة تقف ليبيا أمام تحدي الحرب الأهلية الشاملة، بعد تحلل الدولة وأجهزتها وانتشار السلاح وسيطرة الميليشيات المسلحة على المشهد.

ومع ظهور الجنرال خليفة حفتر في المشهد في "عملية الكرامة" 2014، مع إخفاق الفرقاء في حل خلافاتهم داخل الحكومة والمؤتمر الوطني، تجدد استخدام الميليشيات المسلحة لحسم الخلاف على هوية السلطة والحكومة. وأدى اقتتالها على نطاق واسع في طرابلس وبنغازي، أغسطس/آب 2014، إلى تهجير 250 ألف ليبي، ومقتل المئات، وإخلاء سفارات أجنبية كثيرة، وتعطيل وحرق المطارات الدولية.

النفط هو المركز الجديد للصراع في ليبيا بعد هزيمة قوات حفتر في معركة طرابلس.

منذ يناير/كانون الثاني 2020 يغلق مُوالون لحفتر حقولاً وموانئ نفطية؛ بزعم أن الحكومة الليبية، المعترف بها دولياً، تستخدم أموال بيع النفط لدفع أجور لمقاتلين أجانب. وهو ما تنفيه الحكومة بشدة. 

وحددت ميليشيا حفتر 3 شروط لإنهاء "الإغلاق النفطي":

فتح حساب خاص بإحدى الدول تودع به عوائد النفط مع آلية واضحة للتوزيع العادل لهذه العوائد على كافة الشعب الليبي بكل مدن وأقاليم ليبيا وبضمانات دولية.

وضع آلية شفافة، وبضمانات دولية، لإنفاق عوائد النفط حتى لا تذهب هذه العوائد لتمويل ما وصفته ميليشيا حفتر بـ"الإرهاب والمرتزقة".

ضرورة مراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي بطرابلس، لمعرفة كيف وأين أنفقت عوائد النفط طيلة السنوات الماضية.

وكبّد الإغلاق النفطي ليبيا خسائر تُقدر بأكثر من 6.5 مليار دولار، منذ نهاية  2019.

ثم توعدت الولايات المتحدة، الأحد 12 يوليو/تموز 2020، "أولئك الذين يقوّضون الاقتصاد الليبي ويتشبثون بالتصعيد العسكري" بأنهم "سيواجهون العزلة وخطر العقوبات".

فكيف يتم توزيع إيرادات النفط الليبي؟ 

ولماذا يريد حفتر إيداع الأموال في بنوك دول أخرى؟


كيف يتم تقسيم أموال النفط؟

يسيطر حفتر على معظم حقول ومنشآت النفط في ليبيا، بما فيها حوض سرت الذي يمثل نحو ثلثي الإنتاج الليبي من النفط، فإن بيع النفط هو اختصاص أصيل للمؤسسة الوطنية للنفط، ومقرها طرابلس، بموجب عدد من التشريعات المحلية والقرارات الدولية: تتولى المؤسسة الوطنية للنفط تسويقه، ومن إيراداته يوزع البنك المركزي أجور موظفي الدولة، التي تشكل أكثر من نصف الإنفاق العام.

وتتم عمليات بيع النفط الليبي وفق ترتيبات تشرف عليها الأمم المتحدة.

وبلغت الإيرادات النفطية الليبية خلال عام 2019 نحو 22.5 مليار دولار.

رغم استمرار المعارك بين الحكومتين، فإن حكومة طرابلس لم تتوقف عن إرسال قسم من عائدات النفط إلى حكومة طبرق، التي تستخدمه بدورها لدفع رواتب أفراد الجيش الليبي الوطني، بقيادة حفتر، الذي كان يحاصر العاصمة طرابلس.

وبينما كان أفراد ميليشيا حفتر يتقاضون رواتبهم من حكومة الوفاق التي يحاربونها وحاصروها لأكثر من عام في طرابلس، فإنهم في المقابل، يقولون إن إيرادات النفط تُستخدم لدعم مجموعات مسلحة ذات نفوذ داخل طرابلس.

بعبارة أخرى، فإن حكومة طرابلس ظلت تمول الجيش الذي يحاصرها.

رغم ذلك، يعتمد الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في تمويل قواته إضافة إلى الأموال التي تأتيه من حكومة الوفاق، على مزيج من سندات غير رسمية وأموال نقدية مطبوعة في روسيا، وودائع من بنوك المنطقة الشرقية بليبيا، مراكماً بذلك ديوناً على الدولة الليبية تفوق 35 مليار دولار، خارج النظام المصرفي الرسمي بطرابلس.

الحرب الأهلية تدمر ثروات النفط

كلف إغلاق المنشآت النفطية ليبيا أكثر من 135 مليار دولار منذ عام 2014

إغلاق موانئ النفط عام 2013 تسبب وحده في خسائر بقيمة 100 مليار دولار، ونفاد الاحتياطيات من العملات الصعبة منذ عام 2013 إلى عام 2016

تسبب حفتر في خسائر بقيمة 920 مليون دولار بسبب إغلاقه موانئ وحقول النفط في شرق ليبيا عام 2018.

هناك 4 خزانات نفط فقط تعمل في منطقة رأس لانوف من أصل 13 خزاناً، كما تضررت خزانات النفط في البريقة وسط ليبيا بسبب المعارك في هذه المناطق

عصابات الذهب الأسود: مؤسسة سرقة النفط في بنغازي

بعد سيطرة "الجيش الوطني" التابع لحفتر على معظم الحقول والموانئ النفطية، اختزل الصراع بشكل كبير على النفط وعائداته بين طرابلس وبنغازي.

وأنشِئت مؤسسة موازية للمؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي، وبنك مركزي في البيضاء بطبرق، وفتح حساب بنكي في الخارج لإيداع الإيرادات النفطية.

وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، فقد تمكنت المؤسسة الموازية من التعاقد مع 18 شركة على الأقل منذ 2016 لبيع النفط تذهب عائداته إلى حساب في بنك الاتحاد بعمان باسم رئيس الخزانة في المصرف كما جاء في تقرير خبراء مجلس الأمن، والذي أشار إلى أن العقود كانت أقل من نظيرتها الصادرة من طرابلس بخمسة دولارات للبرميل الواحد.

ويعلق رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، مصطفى صنع الله: "نعم، هناك دعم خارجي لعمليات سرقة النفط، هذه الشركات ومن يقف خلفها أبلغنا عنها السلطات الخاصة في ليبيا وكذلك لجنة العقوبات الدولية، وهي شركات معروفة وبعضها مدعوم من دول تريد تأجيج الوضع في ليبيا".

أما عن الأموال التي يدرها النفط، فيقول صنع الله: "ليس لنا علاقة بإدارة الأموال والنفقات الحكومية، لكن ما أعرفه أنا وجميع الليبيين أن الرواتب خيالية، تذهب كل عائدات النفط للرواتب تقريباً".

ويظهر آخر تقرير لديوان المحاسبة مخالفات وفساداً في منح الرواتب في أغلب القطاعات.

كان النفط هو "المحرك" الأول لصراعات دامية تعيشها ليبيا، يتورط فيها جانبان رئيسيان، هما حكومة الوفاق وميليشيا حفتر، ومعهما وبجوارهما عشرات الفصائل والكتائب والمصالح المتشابكة، كما تشرح  السطور التالية.

ميليشيات حفتر

الجنرال الذي ساهم عام 1969 في الانقلاب العسكري على الملك محمد السنوسي، وأوصل القذافي للحكم، لقي هزيمة منكرة عندما كان يقود جيش بلاده في تشاد، وبعد وقوعه في الأسر انقلب على زعيمه، وعارضه من المنفى، من أمريكا.

سعى لتشكيل خلية عسكرية سرية بهدف تأسيس قوات تابعة له، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير مع حلول مطلع عام 2014، حين أعلن تجميد عمل الهيئة التشريعية في ليبيا المعروفة باسم "المؤتمر الوطني"، التي جرى انتخابها في يوليو/تموز 2012 خلفاً للمجلس الوطني الانتقالي الليبي.. ثم بدأ  مغامرته  المدعومة عربياً من الإمارات والسعودية ومصر، وأوروبياً من روسيا وإيطاليا وفرنسا.

حفتر كان يجهز للاستيلاء على طرابلس منذ سنوات، تمكن خلالها من تخريج دفعات كثيرة من الجنود كان يعدهم للمعركة التي خسرها.

تخرّجت في شرق ليبيا أكثر من 9 دفعات عسكرية، أقلها عدداً تضم 800 جندي، أي أن لديه عسكريين جدداً يبلغ عددهم أكثر من 7 آلاف و200 عنصر، بشكل تقديري.

حفتر لديه المتطوعون براتب شهري، وهم كُثر من كافة مناطق شرقي البلاد، فضلاً عن كتائبه الكبيرة في الشرق، وأهمها الصاعقة، التي التحقت بالمعارك في الغرب، والكتيبة 106، الأقوى والأشد، والتي يقودها نجله خالد، المتواجد في الغرب لقيادة كتيبته.

وبحسب تقديرات مراقبين وتقارير غربية، يقدر إجمالي عدد جيش حفتر بما يفوق الـ30 ألف عسكري، بالإضافة إلى أعداد غير محددة من المرتزقة الذين جاؤوا من روسيا والسودان وتشاد، وربما غيرها.

واستغل حفتر سيطرته على جنوب البلاد، في مارس/آذار الماضي، وأعاد معظم جنود الجيش في المنطقة للخدمة.

وتقول مصادر عسكرية ليبية إن تسليح حفتر جيد، خاصة بعد وصول الدعم الروسي له، حتى إن معظم الطائرات العسكرية غير الحربية التي أقلّت الجنود إلى جنوبي البلاد، خلال حملة حفتر العسكرية، يقودها طيارون روس.

نقطة الضعف لدى حفتر تهالك سلاحه الجوي، فهو يعمل بطائرات قديمة متهالكة ليس لها قدرة حتى على شن غارات جوية في الليل.

تنامت قوة حفتر نتيجة جهود بعض اللاعبين الدوليين، فأصبحت تضم تشكيلات وفصائل متنوعة ذات توجهات مختلفة، هي:


تشكيلات من جيش معمر القذافي

التحق بحفتر تشكيلات عسكرية كانت تتبع للجيش الليبي في عهد القذافي، وقوات الصحوات المكونة من لجان شعبية كانت تساند القذافي ضد المعارضة. وساهمت الصحوات في تفوق حفتر على "مجلس ثوار بنغازي" في شهر يوليو/تموز 2017 عندما أحكم سيطرته على المدينة.


مقاتلون قَبَليون

انحازت بعض القبائل لجانب حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني، وساهمت بمقاتلين في صفوفه.

وتأتي قبيلة "الفرجان" التي ينتمي لها حفتر في طليعة الداعمين، وتنتشر في مناطق سرت وترهونة وأجدابيا، بالإضافة إلى فروع من قبيلة القذاذفة التي ينتمي لها الرئيس السابق، في سرت والجفرة.

هناك أيضاً  قبائل العبيدات والحاسة، والبرغاثة، والبراعصة، والعواقير.

وفي غرب ليبيا تعتبر قبيلة "ورشفانة" أبرز مؤيدي حفتر، بالإضافة إلى قسم من قبيلة الزنتان.

وفي الجنوب تنحاز له قبيلة "المقارحة" المنتشرة في منطقة براك الشاطئ، وقبيلة "أولاد سليمان" المنتشرة في سبها.

ويتمتع حفتر بتأييد غالبية القبائل الموجودة في منطقة الهلال النفطي شمال البلاد، وأبرزهم "المغاربة" و"الزوية"، بالإضافة إلى قبيلة "الكفرة" في جنوب شرق البلاد.


كتائب سلفية

انخرطت كتائب ذات توجُّه "سلفي مدخلي" في الصراع إلى جانب "خليفة حفتر"، بعد فتوى أصدرها الشيخ السعودي "ربيع بن هادي المدخلي" في شهر نيسان/أبريل عام 2019 تطلب من أتباعه في ليبيا مساندة حفتر.

ولعبت كتيبتا النداء والتوحيد دوراً أساسياً في قتال مجلس ثوار بنغازي الذي كان يحاصر جيوب حفتر في منطقة الرجمة ببنغازي عام 2014.


مقاتلون من جنسيات أخرى

تضم قوات حفتر مقاتلين من خارج ليبيا، يأتون من ميليشيات غير حكومية وشركات أمنية، مثل قوات الدعم السريع السودانية (الجنجويد)، وجيش تحرير السودان بجناحيه في دارفور، وشركة "فاغنر" الروسية.

ويصل تعداد القوات السودانية المختلفة الداعمة لحفتر إلى 1400 مقاتل.



قوات حكومة الوفاق

حكومة الوفاق الوطني الليبية هي وليدة الاتفاق السياسي في الصخيرات المغربية في 2015، بإشراف الأمم المتحدة.

نص الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية ومجلس رئاسي يرأسه رئيس الحكومة التي سيتم تشكيلها، واعتبار "برلمان طبرق" الهيئة التشريعية للبلاد، بالإضافة إلى تأسيس مجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة إعادة الإعمار. غير أن برلمان طبرق برئاسة عقيلة صالح قرر تعيين فايز السراج رئيساً للحكومة والمجلس الرئاسي، ثم أعلن حفتر انتهاء العمل بالاتفاقية في نهاية 2017.

انحازت لحكومة الوفاق الوطني في هذا الصراع التشكيلات التي أطلقت عملية "فجر ليبيا" في يوليو/تموز 2014 رداً على عملية "الكرامة" التي أطلقها حفتر آنذاك.

من بين تشكيلات غرفة عمليات "فجر ليبيا" ما يُعرف بـ "الدروع" وهي قوات تتبع للجيش الليبي الذي جرى تشكيله بعد سقوط نظام القذافي.


هناك أيضاً كتائب ثوار مصراتة وثوار الزاوية.

وتقاتل قوات حماية طرابلس إلى جانب الوفاق، وهي قوات تأسست نهاية 2018 من فصائل كتيبة ثوار طرابلس، ولواء النواصي، وقوة الردع والتدخل المشتركة، وكتائب تاجوراء، والكتيبة 92 مشاة، والكتيبة 155 مشاة، وكتيبة يوسف البوني.

ويساند حكومة الوفاق الوطني القائد العسكري البارز أسامة الجويلي، الذي قاد المجلس العسكري في الزنتان في معارك ضد نظام القذافي، وتمكنت كتيبته من أسر سيف الإسلام القذافي عام 2011. ثم شغل منصب وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية، وترقى إلى رتبة لواء، وأصبح قائداً للمنطقة العسكرية الغربية.


خريطة: مناطق النفوذ والسيطرة في ليبيا أبريل/نيسان 2020

المصدر: مركز جسور للدراسات

المصدر: مركز جسور للدراسات

ازدادت وتيرة التدخلات الدولية في الصراع الليبي في الفترات الأخيرة، ويؤثر في أحداث ليبيا الجارية حالياً 9 دول على الأقل، تسعى للحفاظ على مصالحها في ليبيا:

تحالف السعودية – مصر- الإمارات

تنحاز الدول الثلاث لقوات حفتر بدعم عسكري ومالي بشكل مستمر.

تسعى الإمارات إلى تأمين السيطرة على كامل الموانئ الليبية، لما سيحدثه ذلك من تأثير على الدور الإماراتي في مشروع "الطريق والحزام" الصيني. 

وتريد مصر تأمين مصالحها في منطقة شرق المتوسط، وضمان وجود حكومة "صديقة" في طرابلس، التي تتماس معها بحدود على امتداد 1115 كيلومتراً. 

وتجد الرياض في المشير خليفة حفتر ضالتها، فهو رجل شرق ليبيا القوي الذي يقدم نفسه على أنه سد في وجه الإسلاميين الذين تتهمهم دول الخليج ببث الفوضى في العالم العربي خلال ثورات عام 2011.

أيضاً تحرص السعودية على استعادة قيادة العالم العربي عبر بسط النفوذ في ليبيا أسوة بما فعلته في مصر. وتعتبر فتوى "ربيع المدخلي" التي تحض أنصاره في ليبيا على القتال إلى جانب حفتر مؤشر على الدعم السعودي، على اعتبار أن "المدخلي" معروف بولائه للسلطات السعودية.

تتولى الإمارات والسعودية دفع مكافآت مالية لصالح فصائل سودانية تنحدر من إقليم دارفورتحارب مع حفتر، وتساعده مصر بشن غارات جوية، وإرسال السلاح  والمستشارين العسكريين.

والإمارات هي من دفعت مبكراً نحو أن يكون حفتر صاحب اليد العليا على السلطة بليبيا، وقدمت في مايو/أيار 2014 الأسلحة والمال لما عرف بـ«عملية الكرامة» في بنغازي، التي أطلقها حفتر بحجة مكافحة الإرهاب.

انتهكت أبو ظبي القرار الأممي بتجميد الأموال الليبية في العالم بعد ثورة 2011، وصرفت مبالغ من بنوكها لصالح العمليات العسكرية لقوات حفتر.

واخترقت أبوظبي قرار حظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا، وزودت قوات حفتر بالسلاح، وعززت قوته الجوية.

وفي بداية 2018، قال التقرير المؤقت لفريق خبراء الأمم المتحدة بشأن الملف الليبي، إن الجيش المصري قصف أهدافاً في الهلال النفطي بليبيا، من بينها درنة، مضيفاً أن جماعات مسلحة في ليبيا استفادت من الدعم الخارجي -ومنه الإماراتي والمصري- سواء أكان بالتدخل المباشر أم بتزويدها بالسلاح والعتاد.

تشكل الجارة الليبية عمقاً للأمن القومي المصري على نحو يجعل أي اضطرابات في ليبيا تنعكس بشكل مباشر على الأمن المصري. ويكرر المسؤولون المصريون أن شرق ليبيا أصبح بعد 2011 ملاذاً للعديد من الجماعات الإسلامية والجهادية التي قد تستهدف القاهرة.


الدعم التركي

تقوم الاستراتيجية التركية في ليبيا على فكرة دعم إنشاء حكومة مركزية، تستطيع من خلال العلاقة معها تأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية، ولذلك تعاطت أنقرة بإيجابية مع اتفاق "الصخيرات" وما تلاه من تشكيل حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي.

وقعت أنقرة اتفاقية أمنية وملاحية وعسكرية مع حكومة الوفاق الوطني، لتكون هذه الاتفاقية بمثابة غطاء شرعي للتحركات التركية العسكرية والسياسية الحالية في ليبيا.

تصاعد الدعم التركي لحكومة الوفاق منذ توقيع الاتفاقية المشتركة في نهاية آواخر عام 2019، واتخذ شكل إرسال مستشارين عسكريين، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار ومنظومات دفاع جوي، وقد أشرفت أنقرة على نقل الآلاف من المقاتلين السوريين المتحالفين مع أنقرة إلى محاور القتال حول العاصمة طرابلس، وهذا الدعم انعكس بشكل واضح مؤخراً على واقع الميدان.


فرنسا

تنفي فرنسا، التي تبنت مهمة وساطة بين أطراف الصراع في ليبيا، انحيازها إلى جانب أي من الأطراف، على الرغم من الشكوك المثارة بشأن علاقتها بحفتر. 

لكن المؤشرات على وجود وحدات عسكرية فرنسية مساندة لحفتر على الأرض تتوالى، وكان أبرزها فرار 13 خبيراً عسكرياً فرنسياً من قاعدة "الوطية" في شهر نيسان/أبريل عام 2019 بعد تعرضها لهجوم من قوات حكومة الوفاق.

وشنت فرنسا ضربات جوية لدعم قوات شرق ليبيا التي يقودها حفتر في فبراير/شباط 2019، واستهدفت قوات المعارضة التشادية التي تقاتل ضد هذه القوات في جنوب البلاد.

ترى فرنسا أن حفتر شخص قوي قادر على ضبط الأمن في ليبيا، بالإضافة إلى أنها ستتمكن من خلال علاقاتها الوطيدة معه من الحصول على امتيازات بما يخص استخراج النفط وعقود الاستثمار.


إيطاليا

تتعامل إيطاليا مع ليبيا على أنها منطقة نفوذ تاريخية، وتتحرك وفق مصالحها الخاصة، فهي ترى في شركة " توتال" الفرنسية العاملة في المجال النفطي تهديداً حقيقياً لشركة "إيني" الإيطالية التي تمتلك استثمارات في ليبيا منذ عام 1959.

رغم الاعتراف الإيطالي بشرعية "حكومة الوفاق" التي يرأسها "فايز السراج"، لم تقدم الدعم العسكري لها، سعياً للحفاظ على توازنها مع مختلف الأطراف وعدم التأثير سلباً على إمدادات النفط.

عملت إيطاليا على التنسيق مع تركيا في بداية 2019، لكنها رفضت الاتفاقية الموقعة بين أنقرة وحكومة الوفاق، خوفا من تطور الأوضاع في اتجاه حرب طويلة الأمد.


ألمانيا

تبحث ألمانيا عن تخفيض حدة الصراع في ليبيا، والتوصل إلى حل سياسي نهائي ينهي التدخلات الخارجية، واستضافت مؤتمراً في يونيو/حزيران 2019 لبحث الحل السياسي في ليبيا، لكنه لم يكن ذا أثر في خفض التصعيد.

وتمتلك ألمانيا استثمارات بقيمة 2 مليار دولار في قطاع النفط الليبي، وتقوم الشركات الألمانية بعمليات التنقيب وتكرير النفط في ليبيا منذ عام 1958.


روسيا

دخلت روسيا على خط التحالف مع اللواء حفتر لتأمين موطئ قدم جديد لها على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي يتيح لها المزيد من التأثير على سياسات دول الاتحاد الأوروبي.

سبق أن وجهت حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً، اتهامات لروسيا بتأجيج الصراع الدائر في البلاد، والسعي لتوسيع نفوذها الإفريقي وإعادة السلطة إلى فلول نظام معمر القذافي، «لقد تدخّل الروس لصبّ الوقود على النار، وتعزيز الأزمة بدلاً من إيجاد حل».

منذ 2016، تستقبل موسكو بانتظام زيارات لكل من حفتر والسراج.

تتعامل موسكو إذن مع كل الأطراف، ما يضفي غموضاً على موقفها الحقيقي. 

لكن روسيا "غير الرسمية" تحمل السلاح مع حفتر.

إنهم مجموعة من المرتزقة الروس، من شركة تُعرف باسم فاغنر Wagner Group، تمارس أنشطتها بتنسيق تام مع الحكومة الروسية، وتنوب عنها في عمليات تنفذها في الخارج، للتهرب من المسؤولية القانونية.

وقد اتسع نشاط هذه المجموعة التي تستخدم على نطاق واسع الجنود الروس السابقين ليشمل الكثير من بقاع العالم.

من بين أسوأ السيناريوهات المحتملة لليبيا تقسيمها إلى مناطق شرقية وغربية.

مؤشرات كثيرة تجعل ليبيا أمام احتمال جدّي للانقسام السياسي، أو لقيام دولة هشة تتعدّد فيها مراكز القوى السياسية والجغرافية، ففي ظل تواصل القتال دون وجود ضربة حاسمة لصالح أي من الأطراف. 

يمكن تصور أن ينفرط عقد الوحدة الليبية إلى دولتين أو ثلاث، بحيث يبقى النظام في إحداها. 

وستكون النتيجة هي المزيد من المعاناة والخسائر في الأرواح، حيث ستسعى القبائل من كلا الجانبين إلى الانتقام لنفسها من أعدائها، في تكرار نموذج العراق أو الصومال أو أفغانستان.

وجرى الحديث قبل أعوام عن تقسيم ليبيا إلى سبعة أقاليم على الأقل تشمل إضافة إلى الثلاثة المعروفة إقليم جبل نفوسة وإقليم مصراته والزاوية وورشفانة وإقليم غات وغدامس. 

حتى برقة لم تعد تشكّل إقليماً واحداً مثلما كان الأمر في السابق.

كما إن الحدود بين أقاليم البلاد لم يتم تحديدها بدقة في أي وقت مضى، وهي ستكون سبباً في صراع قد يكون خطيراً.

ليبيا لم تتوفر على الظروف السياسية التي تؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، تقلل من الدور السياسي للقبلية والجهوية.

مثلاً؛ عقب الاستقلال حظر النظام الملكي تأسيس الأحزاب وزوّر الانتخابات وحارب الصّحافة الحرّة، وهو ما ولّد نوعاً من الفراغ السياسي، اعتمد النظام الملكي فيه على القبلية والجهوية كروافع للعمل السياسي أو لتوزيع الثروة والنفوذ. 

هذا الوضع ازداد حدة خلال حكم القذافي الذي حرّم أي نوع من النشاط السياسي المستقل، واعتمد على القبلية في أمن النظام الذي مارس سياسات كافأت أو عاقبت القبائل والمناطق وفقاً لموقفها تجاهه.

يضاف إلى ذلك أن الجدل الآن يتسم بدرجة عالية من التوتر تهدد السّلام والأمن الاجتماعي في بلد عاش استقطاباً لا يهدأ، وفشلاً في بسط الأمن وبناء الجيش وإعادة الاعتبار للدولة وتحريك الاقتصاد.

والآن تتشكل ليبيا الجديدة من كل هذا الخليط الموروث، ومن مؤثرات الخارج القريبة والبعيدة.

نظرة إلى خريطة السيطرة وتبدلاتها الآن، يمكن القول إن الدعم التركي الذي ازدادت كثافته منذ مطلع 2020 ساهم بشكل كبير في تعديل موازين المعركة لصالح حكومة الوفاق الوطني الليبية.

هذا يعني توقع رد فعل من الأطراف الأخرى المساندة لقوات "حفتر".  

وبالتالي قد تتجه البلاد إلى موجة جديدة من الصراع تكون أكثر حدةً من الموجات السابقة، ويكون مسرحها الأساسي هو الساحل الشمالي الليبي ووسط البلاد والساحل الغربي أيضاً.

ومن غير المرجح أن تفلح الجهود الأممية على المدى القريب والمتوسط في وضع حد للنزاع الدائر في ليبيا، في ظل عدم تجاوب الأطراف الدولية المؤثرة والداعمة للفرقاء الليبيين، ونزوعها للخيار العسكري لتعظيم المكاسب قبل التوجه إلى طاولة المفاوضات.

إذن يبقى الانقسام الجغرافي للأراضي الليبية مرشحاً للاستمرار لفترة ليست قصيرة.

إذن تتكاثف المزيد من السحب السوداء في سماء ليبيا المتجهمة، المنذرة بأمطار  دامية.