كانت قد بدأت تتغير قبل سنوات، لكنه الفيروس يكتب لها تاريخا جديدا.

الشرق الأوسط الجديد سيحتفظ بمعظم جيناته التي تسبب التوتر وعدم الاستقرار.

لكنه سيصبح أكثر توترا، وأقل استقرارا بفعل عنقود الأزمات الذي تجره كورونا خلفها.

وفي كل أزمة هناك أخطار واضحة، وفرص جديدة.

جائحة الفيروس التاجي تفاقم حالة عدم الاستقرار المزمنة بالفعل في الشرق الأوسط، كما كتبت Le Monde في افتتاحيتها. 

والأزمة أيضا ما زالت في البداية.

عبر التاريخ، تغيرت البشرية بفعل الكوارث. والكارثة هي الحرب أو المجاعة أو الوباء. 

ومع بدء انتشار فيروس كورونا المستجد ببطء في الشرق الأوسط، تبدو عواقبه على الصعيد البشري والسياسي تكون مدمرة للوهلة الأولى.

حتى إذا غرقت المنطقة في فوضى أكبر بعد كورونا كما يتوقع البعض، لن يكون ذلك أسوأ كثيرا مما تعيشه اليوم، كما يرد آخرون بسخرية.

لا يحتمل الأمر توقعات دقيقة.

لكن بناء على ما تفعله أزمة كورونا بالعالم، فهناك القليل من الدلائل على أن حكام الشرق الأوسط يتعلمون مثل الباقين دروس الفيروس المدمر.

هذا التقرير يرصد أبرز الآثار التي سوف يصحو عليها الشرق الأوسط، بعد أن يعبر الأزمة، على صعيد الصراعات العسكرية والسياسة والاقتصاد.

تبدو منطقتنا مثل حريق لا يهدأ في قلب الكوكب الأزرق.

منذ قرون لم تهدأ الحروب هنا، ولم تهنأ الشعوب بالرخاء والأمان، رغم أن الطبيعة أهدتها كل مقومات الحياة السعيدة.

"عند انتهاء جائحة كوفيد - 19؛ سيُنظر إلى مؤسسات العديد من البلدان على أنها فشلت، لا يهم ما إذا كان هذا الحكم عادلاً بشكل موضوعي، فالحقيقة هي أن العالم لن يكون كما كان بعد كورونا".

هذه العبار التي أطلقها الدبلوماسي الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر، تنطبق علينا قبل الجميع.

يمكن أن تعيد جائحة كورونا المستجدّ إحياءَ الخصومات الجيوسياسية في أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط والأعداد الكبيرة من النازحين واللاجئين التي يسببها القتال، هي أكبر مشكلة في المنطقة التي تواجه الآن انتشار الوباء.

"الناس لا يدركون ما هو قادم: كيف تتفاعل أزمة فيروس كورونا في سوريا أو اليمن أو ليبيا التي مزقتها الحرب".

تحت هذا العنوان رسمت صحيفة Independent البريطانية صورة مخيفة عن التأثير السلبي لسنوات الحروب على جهود وقف انتشار فيروس كورونا، وما بعده. "دول الشرق الأوسط التي دمرتها الحروب بالفعل تعد نفسها لكارثة بسبب الوباء".

اللاجئون: سيكونون الضحية رقم واحد

والدول التي تواجه صراعات مسلحة هي التي ستدفع الثمن الأكبر بعد كورونا.

يمكن أن تزيد الجائحة من الخراب في المجتمعات التي أهملها المجتمع الدولي، وتفتقر الآن إلى الموارد لتفادي تداعيات الفيروس التي يحتمل أن تكون مدمّرة.

ومخيّمات اللاجئين هي الأكثر هشاشة.

حتّى قبل الجائحة الراهنة، كانت البلدان المضيفة مرهقة وعاجزة عن تلبية الحاجات الإنسانية الملحّة للمخيّمات.

سوريا: معارك الشمال تقترب وداعش يلملم فلوله

سوريا تنتظرها معارك صعبة في الشمال الشرقي والغربي، وسط احتمالات بتحول "حروب الوكلاء" إلى مواجهة مباشرة.

يمكن للوباء والتعبئة العالمية التي يفرضها أن يسرّعا رحيل القوات الأميركية من سوريا والعراق المجاور، ما قد يخلق فراغاً يمكن لتنظيم الدولة الإسلامية الذي تم القضاء عليه قبل عام، أن يستغلّه للعودة إلى شن الهجمات.

تحت وطأة كورونا، وانشغال حكومات الإقليم وأجهزتها الأمنية والعسكرية بمواجهة الفيروس، وتبدل أولويات عواصم القرار الدولي المنكوبة بالجائحة، يجد تنظيم داعش فرصته لالتقاط أنفاسه، وتجميع فلوله، وإعادة بناء عناصر قوته واقتداره، وقد بات قادرا على تنفيذ هجمات مؤلمة ومباغتة، وسط معلومات وتقارير تتحدث عن عودة التهديد من جديد. كما أن "فرصة كورونا" التي توفرت لـ"داعش" اليوم، تتوفر لتنظيمات إرهابية أخرى في سوريا وسيناء وليبيا ودول الساحل والصحراء وغيرها.

اليمن: كل الأطراف يرفضون "هدنة كورونا"

الأطراف المتنازعة في اليمن تبنت وقفاً شاملاً لإطلاق النار، لكنه لم يترسخ بعد.

وتعمل الأمم المتحدة الخاص على التوصل لاتفاقية وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد بما في ذلك كل الأعمال العدائية الجوية والبرية والبحرية ودعوة الطرفين لضمان التزام قواتهما على جبهات القتال.

وبدأت السعودية محادثات غير مباشرة مع الحوثيين في أواخر العام الماضي أدت إلى انحسار مؤقت في العمليات العسكرية لكن تصاعد العنف في الفترة الأخيرة هدد اتفاقات السلام الهشة في الموانئ اليمنية.

تغريدة وزير الدولة اليمني عبد الرب صالح السلامي: كورونا لا تفرق بين شرعية وانقلاب ولا بين جنوب وشمال ولا بين مسلح وأعزل

تغريدة وزير الدولة اليمني عبد الرب صالح السلامي: كورونا لا تفرق بين شرعية وانقلاب ولا بين جنوب وشمال ولا بين مسلح وأعزل

الصراع اليمني المركب، يضع كل فريق من أفرقائه المحليين في مواجهة مع الأفرقاء الآخرين: الحوثي في مواجهة "الشرعية"، والأخيرة في مواجهة "الانتقالي"، والأخير في مواجهة "الإصلاح"، إضافة إلى الاحتقان الطائفي، دوامة لا يبدو أن شروط الخروج منها قد نضجت.

ومن شأن تفشي فيروس كوفيد-19 في اليمن أن يفاقم الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، ويهدد بكارثة إنسانية.

ليبيا: مزيد من الانقسام والقتال

وباء كورونا المستجد (كوفيد -19)، الذي انتشر في أكثر من 162 دولة حول العالم، رفض دخول ليبيا!

يخشى الفيروس أن يُصاب هو نفسه بعدوى انقسام السلطة، أو أن يلقى حتفه جراء الصراع المزمن.

هكذا سخر الليبيون من تأخر ظهور الأزمة لديهم، بعد يأسهم من الوصول لنهاية الصراع الدامي الذي دخل عامه العاشر.

ليبيا، التي توجد فيها حكومتان ووزارتان للصحة،وقتال محتدم بين حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، والقوات التابعة للقائد العسكري السابق خليفة حفتر.

وكان وزير وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، قد قال إن المنافسة الجيوسياسية العالمية والصراعات السياسية لا معنى لها في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد.

لكن الأحداث تصاعدت بعد هجوم واسع لمليشيات حفتر على منطقة أبو قرين شرق طرابلس، والرد المباغت لقوات الوفاق ضمن عملية "عاصفة السلام" على الساحل الغربي لليبيا بعد يوم من صدها الهجوم، لتنهار خطوط حفتر مثل قطع الدومينو.

وقال الناطق باسم غرفة عمليات بركان الغضب في بيان، إن قوات الوفاق بسطت سيطرتها على 3 آلاف كلم مربع خلال ساعات قليلة، واستولت على ترسانة أسلحة وذخائر مصرية وإماراتية.

الانهيار السريع لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر كرّست صورته كقائد عسكري فاشل، وجعلته يتحول من المبادرة بالهجوم، إلى حالة انكفاء عسكري وهزائم متتالية، سيكون لها أثرها الميداني والسياسي.

الهزائم التي تحققت أخيرا أوجدت واقعا مختلفا من الناحية العسكرية، ويبقى استثمارها سياسيا رهينا بمدى حكمة حكومة الوفاق في طرابلس، فالصراع العسكري ليس غاية في ذاته، وإنما الهدف الأسمى استعادة وحدة ليبيا.

الخريطة العسكرية: تقليص النشاط القتالي

يبدو أن فيروس كورونا يصبح عاملاً استراتيجياً رئيسياً في التخطيط العسكري وتخطيط السياسات طويلة المدى في الشرق الأوسط. 

وقد يمثل فاتحة سلسلة من الاتفاقات المؤقتة أو حتى النهائية التي من شأنها أن تحل محل القتال المباشر، بسبب الحاجة لتقليص النشاط العسكري من جانب الجيوش النظامية والجماعات المسلحة على حدٍّ سواء.

ومع استمرار تفشي فيروس كورونا، يشغل السؤال الآن حول الكيفية التي يمكن أن تعمل بها القوات المقاتلة في بالشرق الأوسط، أذهان دول عدة، منها تركيا وروسيا وسوريا والسعودية وليبيا، وكلها لديها عمليات عسكرية نشطة في جبهاتٍ عدة. 

لا يحظى سوى قليل من الحكومات في الشرق الأوسط بالشرعية. ولقد أُحبطت تطلعات جيل الشباب في السنوات الأخيرة. وقد يكون "الربيع العربي" الذي تم الحديث عنه كثيراً قد أحدث القليل من التغيير الحقيقي، لكنّ المشكلات التي أنتجته لا زالت موجودة.

والتحديات التي يفرضها الوباء على الحوكمة ضخمة بالنسبة إلى كلٍّ من الأنظمة السياسية الراسخة، والديمقراطيات الليبرالية، والمجتمعات المزدهرة. 

سيكون لـ«كورونا» على الشرق الأوسط تأثير سياسي أبعد بكثير مما نتوقعه في أجزاء أخرى من العالم. 

فقد نجح الوباء في تفريغ شوارع المتظاهرين في الجزائر ولبنان والعراق، ورأينا جُيوش المنطقة تستعيد الساحات العامّة بحجة تنفيذ إجراءات «الحجر المنزلي». 

لن يبقى خيار المظاهرات الشعبية على الأرجح قائماً في الفترة المقبلة، وهي كانت الخطر الوحيد الذي هدّد الأنظمة السلطوية طيلة العقد المنصرم. 

وإذا انطلقت شرارة المظاهرات، قد تقف في مواجهة أجهزة أمنية شرسة، ومن غير المحتمل أن يُسفر تشديد الرقابة على المواطنين عن حوكمة أكثر فاعلية. 

المرحلة المقبلة قد تشهد انحساراً في العمل السياسي وتقوقع المنادين بالإصلاح السياسي، من منطلق أن الإجراءات الاستثنائية في مواجهة هذا الوباء قد فرضت منطقا يبرر تعليق الحقوق والحريات الشخصية في سبيل الصالح العام أياً كان.

نظم الحكم: الاستبداد يتقدم خطوات أخرى

والخوف يكمن في أن تستخدم الأنظمة الاستبداديّة الوباء لتعزيز السيطرة الاجتماعيّة من خلال الإجراءات التي يتمّ الترويج لها تحت ضغط الضرورة للسيطرة على الفيروس، لتتتبّع أيضاً حركة المتظاهرين والمعارضين.

كيف سيؤثّر هذا الوباء على الدول التي كانت سياساتها حتى الآن متوقّعة للغاية، حيث تحكَم أنظمة سلطوية مترسّخة، أو تعاني شعوب عربية من الاحتلال والانقسامات. 

ستتفاقم كل هذه المشاكل.

الحكم الرشيد: المزيد من الدول الفاشلة

قبل جائحة كورونا وبعدها، كانت ظاهرة "الدول الفاشلة" تتفشى في الإقليم، وليست "الصوملة" سوى تعبير متطرف قليلا، إلى جانب "العرقنة" و"السورنة" و"اللبننة" و"اليمننة"، وغيرها.

الأداء غير الكفوء لاحتواء جائحة كورونا، وحجم الأعباء والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليها، ستدفع بدول عربية أخرى، إلى الفشل.

أسهم انهيار الدولة الوطنية وعجزها عن القيام بوظائفها، في تفشي ظاهرة اللاعبين غير الرسميين في العراق واليمن ولبنان وفلسطين وليبيا وسوريا، واضطلاع بعضهم بأدوار تفوق أدوار حكومات بلدانهم، وتحولهم إلى أدوات في حروب الوكالة بين العواصم الإقليمية.

كذلك فإن إخفاق المزيد من دول المنطقة في التصدي للجائحة واحتواء تداعياتها، قد يفضي إلى "تعميم" الظاهرة وانتقالها إلى دول ومجتمعات أخرى.

أما الأنظمة السلطوية في الشرق الأوسط، فالأرجح أن يكون أداؤها أقل جودة، وستكون النتيجة سياسات خاطئة.

تعريف الدولة الوطنية: رعاية مصالح الشعوب ستكون هي الشرعية 

بعد انفجار الثورات العربية، ازدادت دولنا الوطنية هشاشة، وفي بعض الحالات انهارت مؤسساتها أو تفكّكت. 

الدولة العربية بحالتها الراهنة، أضعف من حيث قيامها بأدوارها الأساسية في سياسة شؤون الجماعة الوطنية وحفظ حياة المواطنين وصون حقوقهم، كما يقول الممثل الأسبق للأمم المتحدة في ليبيا طارق متري، الذي يستثني بلدانا أخضعت المجتمع بحجّة محاربة العنف، إرهابياً كان أم سياسيا أو اجتماعياً.

تمادت بعض السلطات في اعتمادها على العصبيات ما دون الوطنية، طائفية أو قبلية أو جهوية أو سواها مما تلده المصالح الفئوية. 

ووصلت بعض الأنظمة إلى حدّ التعامل مع المصالح العامة كأنها ملكٌ خاص، مستندة بذلك إلى نوع من التماهي بين المحكومين والحاكم، وهو مفروض على المجتمع بوسائل مختلفة.

لكن أزمة كورونا كشفت للشعوب أن مصالحها لم تكن الأولوية لدى معظم الحكام، بدليل أحوال الرعاية الصحية في بلادنا.

يتوقع متري بعد انحسار الأزمة الخطيرة الحاضرة، أن "نجد بلادنا مجددا أمام معضلة بناء الدولة الوطنية، بوصفها دولة تكتسب شرعيتها الفعلية لا من احتكار العنف فحسب بل من مسؤوليتها في رعاية مصالح الناس".

النفوذ الأجنبي: العرب بين أمريكا وروسيا والصين

رغم كل الشواهد برحيل الولايات المتحدة تدريجيا من الشرق الأوسط، إلا أن محللين يرجحون عدم خروجها كلياً، كقوة نفوذ وسيطرة وتحكم في مصائر الشعوب هنا.

وفي المقابل سنشهد انتشاراً روسياً أوسع في الشرق الأوسط، بعد أن نجح بوتين في أن يصبح الطرف الفاعل والمؤثر في المشرق، ويلجأ إليه من الجميع بمن فيهم أطرافٌ متنازعة، لكن يبدو أنه سيكتفي بما حققه، ولن ينجرّ إلى مخاطرات غير محسوبة.

أما الصين فهي حائرة بين العموميات السياسيَّة بعدم التدخل في شؤون دول المنطقة وتجنّب الانغماس في مشكلاتها السياسيَّة،وبين رغبتها في تأمين احتياجاتها للطاقة الشرق أوسطيَّة، وفتح أسواق لمنتجاتها واستثماراتها عربياً.

وغالبا ستفضل البقاء في موقع خزينة الاستثمار والتجارة والإقراض، وهو موقع، لو تعلمون، أشد أثرا من الجيوش.

التعاون الإقليمي: إعادة التفكير في مجلس التعاون الخليجي

أبرزت عاصفة كورونا أهمية العمل المشترك والتنسيق في مواجهة الخطر، وأثبتت ألا أحد قادر على العمل وحده.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد حذرت في بيان نشر على موقعها الرسمي من أن مكافحة جائحة كوفيد-19 في البلدان التي دمّرتها النزاعات ستكون شبه مستحيلة، ما لم تطلق الدول والمنظمات الإنسانية استجابة مُنسَّقة فورًا.

"لا يمكن أي دولة، ولا حتى الولايات المتحدة، التغلب على كورونا من خلال جهد وطني محض، يجب أن تتحد الجهود الحالية في رؤية وبرنامج مشتركين عالميَين، إذا لم نتمكن من القيام بالأمرين معاً، فسوف نواجه أسوأ ما في كل منهما"، بصوت هنري كيسنجر محذرا.

بعد أزمة كورونا، ستواجه دول مجلس التعاون الخليجي عدّة تحديات مهمّة، ربما كان على رأسها إعادة صياغة مجلس التعاون على أسس التعاون والتنسيق الوطيد، بعيدا عن الألاعيب الجيوسياسية التي تقوّض أهداف المجلس ومصالح أعضائه.

ربما تضطر دول مجلس التعاون الخليجي إلى تخطّي الخلاف الداخلي والعمل معاً لمواجهة التحديات الاقتصادية التي ستخلّفها الجائحة بالإضافة إلى والتراجع الناتج عنه في أسعار النفط، فليس لديها الكثير من الوقت لتضيّعه.

فلسطين: لا مصالحة.. بل مزيد من ضياع أراضي الضفة

كان التعاون بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين لافتاً حين ظهرت أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في الأراضي المحتلة في 5 آذار/مارس الماضي.

وفي خضم التطورات المُقلقة، لأزمة كورونا، كانت إسرائيل تتحرّك بسرعة البرق لتطبيق الإجراءات الهادفة إلى تعزيز سيطرتها على تلك الأجزاء من الضفة الغربية، في إطار ما يُسمى بخطة ترامب للسلام. 

يبدو أن الوباء يشكّل غطاء مناسباً لمصادرة أراضي الفلسطينيين وتشريدهم بالسرعة القصوى. 

وفيما يقذف الإغلاق الطوعي الفلسطيني بالأراضي الفلسطينية المحتلة إلى حافة الانهيار الاقتصادي، قد لا تبقى في أعقاب الوباء سلطة فلسطينية يمكن التعامل معها.

ولا فرص لتحقيق سلام دائم مع إسرائيل.

في المقابل، يبدو المشهد الفلسطيني في حالة تآكل استراتيجي، فلا "الصفقة" ولا "الجائحة" نجحت في إنهاء الانقسام الداخلي، ولا النظام السياسي الفلسطيني مقبل على خطوات من شأنها تجديد شرعيته وقدرته على مواجهة تحديات انهيار المشروع الوطني الفلسطيني.

كانت المنطقة تستعد لأعوام من الانتعاش والنمو.

ورشحت التوقعات تحسن أداء اقتصادات الشرق الأوسط في العام 2020 بعد فترة من النمو الهزيل، وبعد أن شهد العامان الأخيران عودة الاحتجاجات الشعبية في أرجاء المنطقة.

الشرق الأوسط يعيش صدمة اقتصادية من آثار الإغلاق الاقتصادي والانخفاض الشديد في سعر البترول بنسبة تجاوزت 50% خلال أشهر معدودة. 

والاقتصاد العالمي قد يشهد ركودا مصحوباً بضغوط مالية مماثلة لأزمة 2008، ركوداً سيئاً مصحوباً بنوع من الضغوط المالية المشابهة للأزمة المالية العالمية لعام 2008.

وسوف تطل بعد الأزمة الكبيرة أزمات فرعية لا تقل عنها قسوة: 

انكماشٌ سوقيٌّ يؤدي إلى تراجع معدلات التنمية.

انخفاض في الإيرادات المتاحة للحكومات والقطاع الخاص.

ارتفاع معدلات البطالة، خصوصاً في الدول التي تعتمد على اقتصادات توظيفية، مثل السياحة التي انكمشت بأكثر من 80%، أو الأسواق التجارية الجزئية.

نقص إيرادات الدول عموماً، وبما في ذلك البترولية، سوف يضع ضغوطاً إضافية في تسديد الديون الخارجية العربية خلال عام 2020 التي ستصل إلى 35 مليون دولار.

وقد تفاقم جائحة كورونا العجز في ميزانيات حكومات خليجية، وتعمل على "تسريع" الوصول إلى نهاية حقبة "الدولة الريعية".

الاقتصاد الخليجي: 

التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي بشأن تأثيرات كورونا يتوقع انكماشاً أسوأ مما تسببت فيه الأزمة المالية العالمية عام 2008، لكن التوقعات أكثر تشاؤماً فيما يخص اقتصاديات الدول العربية التي تعتمد على صادرات النفط.

من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد العالمي بحدَّة وبنسبة 3% في 2020، وهي نسبة أسوأ بكثير من تبعات أزمة عامي 2008 و2009.

التقديرات متفائلة إلى حد بعيد في نظر البعض، لأنها اعتمدت على افتراض أن الوباء سيختفي في النصف الثاني من العام، وهو أمر غير مؤكد.

أما الدول التي تعتمد موازناتها بقوة على صادرات النفط، فسوف تعاني ضغطاً إضافياً، نتيجة انهيار الأسعار.

يتوقع الصندوق أن تشهد المنطقة انكماشا بنسبة 2.8% هذا العام، مقابل 1.2% في العام السابق.

وتشهد السعودية حسب التوقعات انكماشا بنسبة 2.3% بدلا من نمو قدره 0.3% في 2019.

فيما يتعلق بالإمارات فقد توقَّع تقرير الصندوق انكماشاً بنحو 3.5%، ولديها سبب إضافي، هو تأجيل معرض إكسبو 2020 في دبي.

بالنسبة للكويت، فقد جاءت توقعات صندوق النقد أقل تشاؤماً، حيث من المتوقع أن يكون الانكماش الاقتصادي بنسبة 1.1% فقط، بفعل قدرة الإمارة الخليجية على تحمُّل تداعيات الجائحة بصورة أكبر من السعودية والإمارات، من ناحية الاحتياطات النقدية لديها، في حين توقَّع التقرير انكماش الاقتصاد القطري بنسبة 4.3%.

السعودية: تأجيل رؤية 2030 وعجز في الموازنة

ضغوط انخفاض سعر البترول سبقت ظهور الفيروس.

إلى جانب إغلاق الحدود، واضطراب معدلات الانتاج الرئيسية بسبب الوباء، انخفض سعر البترول بنحو 60% منذ بداية العام.

ويتوقع الخبراء أن يؤدي كل انخفاض قدره 10 دولارات للبرميل في أسعار النفط إلى زيادة العجز بموازنة السعودية واحتياجات التمويل لديها بمقدار 90 مليار ريال سعودي في عام 2020.

يعني هذا ضغوطا مالية على الحكومة تؤدي إلى تراكم المستحقات للقطاع الخاص وخفض الإنفاق على مشاريع الترفيه والتشييد والبنية التحتية.

في ظل هذه الظروف قد يتم تأجيل، وربما إلغاء، رؤية السعودية 2030، وهي الخطة الرامية إلى إنهاء اعتماد المملكة على النفط، كما يتوقع جوزيف باحوط الباحث في مؤسسة كارنيغي. 

ستسجّل السعودية عجزاً هائلاً في الموازنة في غضون 6 أشهر، وستحطّم أحلام ولي العهد محمد بن سلمان، وسيلي ذلك جملة من التعديلات والإصلاحات. وسيلجأ ولي العهد على الأرجح إلى إجراءات أكثر سلطوية للحفاظ على نفوذه. لكن عدم قدرته على توزيع العائدات الناتجة من الريع النفطي لاحتواء السخط سيسفر عن تزايد خطر حدوث اضطرابات، كما يتوقع الباحث.

سوق العمل: جيوش من العاطلين وإعادة النظر في العمالة الأجنبية

إغلاق أسواق العمل في الخليج، سيسفر صرف ملايين العمّال الآتين من مصر والسودان ودول المشرق عن مشاكل اجتماعية في هذه البلدان التي تواجه أساساً تحديات ضخمة.

البطالة ستكون نجمة الشاشة بعد كورونا.

شرائح اجتماعية كبيرة تعمل في قطاعات موسمية أو متقطعة، وتحصل على الكفاف، ستجد نفسها عاجزة عن تحمل الوضع الجديد، في ظل مدّخرات قليلة أو معدومة، وغياب إعانات البطالة ودعم الدولة.

اليد العاملة غير الماهرة في دول الخليج ستكون بين الضحايا.

ستشهد مجتمعات مجلس التعاون الخليجي التغير الأكبر من حيث تكوينها الديمغرافي واعتمادها على العمالة الأجنبية.

قد تكون هذه لحظة لإعادة معايرة الاعتماد على العمال الأجانب، ويمكن أيضا أن تكون لحظة تتراجع فيها مستويات المعيشة بشكل كبير؛ حيث تضعف قاعدة المستهلكين بسبب خروج المغتربين".

التسوق: الدخول إلى عصر الشراء من الإنترنت

التسوق الإليكتروني سلوك ليس رائجاً في أنحاء كثيرة من العالم في عصر ما قبل كورونا، وحتى في الأماكن التي ينتشر فيها استخدام الإنترنت بشكل واسع.

لكن من شأن العزل، والإغلاق، والحظر أن تتسبب في تغيير كبير في الوضع قريباً.

ويقول خبراء أبحاث السوق إنه "من السلوكيات المتوقع تغييرها هو التسوق عبر الإنترنت، وسيشمل ذلك الفئات العمرية التي تكون عادة أقل إقبالاً على هذه التجربة".

وبالفعل كشف مسح حديث أن 95% من المشاركين بالسعودية والإمارات، غيّروا عادات التسوق في ظل تطورات فيروس كورونا المستجد.

أكثر من ثلثي المشاركين، 68%، يرون أنهم ينفقون حاليًا على الإنترنت أكثر مما كانوا ينفقون سابقا.

وفي المسح الذي تم بين 5-9 أبريل/ نيسان 2020، قال 69% من المشاركين إنهم سيلتزمون بعادات التسوق الجديدة بعد انتهاء الأزمة.

وكانت أوساط التجارة الإلكترونية بمنطقة الشرق الأوسط تنتظر ازدهارا كبيرا بحلول عام 2022، يرتفع بحجم التسوق الإلكتروني إلى  28.5 مليار دولار، بعد أن سجل 8.5 مليار دولار عام 2017.

مصر: خطر خروج استثمارات المحافظ الأجنبية

تكبدت كل القطاعات الإقتصادية في مصر كثيرا بسبب كورونا المستجد.

تراجع سعر صرف الجنيه المصري قليلا، مع توقعات بأن يخسر أكثر مع استمرار تراجع الاستثمار الأجنبي والسياحة.

وشهدت الفنادق المصرية إلغاء حجوزات، والبعض منها استغنى عن كل العاملين وأغلق أبوابه.

تكبدت شركات الطيران سواء الرسمية خسائر بالملايين.

تراجعت تحويلات المصريين العاملين منذ بداية العام، وهي التي سجلت 26 مليار دولار بنهاية العام  الماضي.

إيرادات قناة السويس انخفضت نتيجة تراجع حركة التجارة العالمية.

وخسرت البورصة المصرية كثيرا قبل أن يعلن الرئيس السيسي دعمها بمبلغ 20 مليار جنيه.

وألغت مصر عددا من عطاءات بيع الغاز المسال بسبب تدني الأسعار، ما يهدد بفقدانها نصف العائد الذي حققته طوال عام 2019 والبالغ مليارا و236 مليون دولار.

وقفز الدين الخارجي لمصر بنسبة 18% على أساس سنوي بنهاية الربع الأول من العام المالي الحالي، كما ارتفع الدين المحلي بنسبة 8%، أي إلى نحو 270 مليار دولار بحسب بيانات البنك المركزي.

ويتوقع خبراء أن تكون خسائر مصر مضاعفة بسبب أزمة كورونا، لأن اقتصادها يعتمد بشكل أساسي على الخارج، عبر الاقتراض لسد فجوة السيولة الدولارية الكبيرة بالبلاد، أو الاستيراد لتلبية أكثر من 60 بالمئة من احتياجاتها الأساسية والضرورية.

أما أخطر الآثار الناجمة عن وباء كورونا المستجد، فهو احتمال خروج المزيد من استثمارات المحافظ الأجنبية، بسبب حاجة أصحابها من الدول ورجال الأعمال، إلى تغطية مواقفهم الصعبة بعد الوباء.

رغم كل هذا، جاءت توقعات صندوق النقد بالنسبة للاقتصاد المصري متفائلة.

توقع التقرير أن تكون مصر الدولةَ العربيةَ الوحيدةَ التي تحقق نمواً اقتصادياً خلال 2020، بنسبة 2%.

لكن الصندوق رفع توقعاته لمعدل التضخم في مصر خلال العام الجاري، إلى 9.9%، وفي عام 2021 توقَّع أن يستمر تقريباً على النسق ذاته ولكن بانخفاض طفيف إلى 9.7%.

المغرب العربي: الركود هو العامل المشترك

ستكون لبعض الإجراءات تداعياتٌ اقتصادية قاسية في منطقة المغرب العربي. مع استمرار القيود على السفر، فتعاني المغرب وتونس من انهيار السياحة. 

ومع هبوط أسعار النفط ستعاني الجزائر وليبيا. 

وستؤثّر الاضطرابات التي ستطال التجارة مع الصين سلباً في المغرب والجزائر وتونس، فيما ستضرّ الأسواق الأوروبية المتراجعة بالمغرب، الشريك التجاري الأكبر لأوروبا في منطقة البحر المتوسط.

منح الفيروس دولة الجزائر فترة استراحة من الاحتجاجات، لكنّه ما كشفه في الدول الثلاث عن أنظمة رعاية صحّية متواضعة وتفاوت اجتماعي، سيفضي في النهاية إلى بروز معارضة في أرجاء المغرب العربي.

وفي تونس تبدو التوقّعات الاقتصادية للبلاد غير واعدة، وعلى الأرجح أن تواجه ركوداً، ولا سيّما مع أثر الجائحة في قطاعها السياحي. 

وبالنسبة للمملكة المغربية، توقع تقرير صندوق النقد الدولي تراجع الناتج الداخلي الخام بنسبة 3.7، لكن التوقعات بالنسبة لآفاق الاقتصاد المغربي في 2021 جاءت إيجابية، حيث توقع الصندوق نمواً بنسبة 4.8%.

الأردن: اقتصاد "مغلق" يدخل في حالة تباطؤ

للتطورات العالمية الأخيرة في ضوء جائحة كورونا تأثير سلبي كبير على آفاق النمو في الأردن في الفترة المقبلة.

هذا ما يراه مقال على موقع البنك الدولي، الذي أضاف أن هذا التأثير سينتقل “إلى حد كبير من خلال التباطؤ في أسواق التصدير الرئيسية والأسواق الإقليمية، وانخفاض السفر الدولي والتدفقات الأجنبية، وتعطيل قطاع الخدمات، مع تنفيذ تدابير التباعد الاجتماعي بشكل صارم”. 

الخبير الاقتصادي الأردني زيان زوانة يرى أن الانعكاسات السلبية على الاقتصاد ستكون كبيرة وعميقة، في ظل اقتصاد مغلق. وتوقع إعادة النظر في الموازنة، وفي إعادة توجيه وتوزيع الأموال.

تراجع أسعار النفط يزيد الضغوط على الأردن، بتأثيره السلبي على البلدان الشريكة تجاريا، ما سينعكس على المساعدات وعلى العمالة الأردنية هناك.

إسرائيل: توقعات بانخفاض المساعدات الأمريكية

ربما كان على إسرائيل أن تستعد الآن لأسوأ سيناريو في أمريكا، قد يضعها في "أزمة عميقة".

إسرائيل، التي تتلقى 3.8 مليار دولار سنويًا كمساعدات عسكرية من الولايات المتحدة بموجب مذكرة تفاهم مدتها 10 سنوات موقعة مع إدارة أوباما، أن تستعد لتغيير موقف الولايات المتحدة المتحدة، بسبب التكلفة الهائلة لعبور أزمة كورونا المستجد، وبالتالي تعديل الأولويات.

وقال عيران ليرمان Eran Lerman نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلية إن "العواقب بالنسبة لإسرائيل قد تكون في الميزانية". "علينا أن نستعد، مما يعني أننا يجب أن نحتفظ بالمال في مكان آمن، لتوفير قدرة كبيرة لرعاية أنفسنا إذا لزم الأمر".

بعبارة أخرى، يقول ليرمان إنه يجب أن تكون إسرائيل مستعدة - للتعامل مع الفيروس التاجي والحفاظ على قدراتها الدفاعية عند المستوى الكافي - للاستفادة من احتياطيات العملة الأجنبية الضخمة التي جمعتها على مر السنين والتي بلغت في نهاية ديسمبر الرقم القياسي: 126 مليار دولار.

تغييرات مؤكدة ستطرأ المنطقة العربية بعد مرور "عاصفة كورونا".

ما يجعلها أقوى وأبعد أثرا، أنها خلاصة الأزمات المركبة التي مرت بها المنطقة، لا سيما في السنوات العشر الأخيرة.

أزمات ستواصل تفاقهما، وبشروط قد لا تكون مواتية تماما لمعظم اللاعبين من الداخل والخارج. 

"المزيد من الشيء ذاته"، هو السيناريو الأكثر ترجيحا للإقليم على المدى القريب، لكن بصورة أقسى، وأشد وطأة إذا فشلت منطقتنا في مواجهة التحدي.

الفشل في هذا التحدي الذي يفرضه كورونا المستجد قد يؤدي إلى إشعال العالم.

وفشل منطقة الشرق الأوسط في العبور من المحنة قد يكتب نهاية كثير من الأفكار، والآمال، والأنظمة السياسية.

والأمل في النجاح كبير.