أيها السادة: شرقكم الأوسط يتغيّر

شكل المنطقة بعد خفض واشنطن قواتها ودخول إيران وقوى أخرى لملء فراغات "عصر ما بعد أمريكا"

كلما تجددت الحرائق في الشرق الأوسط الكبير، التفت العالم نحو واشنطن، وتساءل: ترى ماذا يقول البيت الأبيض؟

لكن معركة "سيف القدس" التي خاضتها حركات المقاومة ضد دولة الاحتلال كشفت عن التغير الهادئ الذي يلف المنطقة، لأول مرة منذ عقود طويلة.

الولايات المتحدة التي قررت تقليص وجودها العسكري هنا بالتدريج، تحاول أن تقلص أيضاً "تورطها" في كل صغائر وكبائر الأمور في صراعات لا تنتهي.

في جولة "سيف القدس" التي احتدمت في أيار/مايو 2021، حاولت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، قدر المستطاع، أن تدلي بملاحظاتها دون الاقتراب من اللهب.

وبقدر ما مثّلت هذه الحرب اختباراً للسياسة الخارجية لإدارة بايدن في الشرق الأوسط، بقدر ما أبرزت التصميم الأمريكي على الاعتماد على الشركاء الإقليميين في الوصول إلى تهدئةٍ ووقفٍ لإطلاق النار، وهو ما نجحت مصر فيه.

عدّل بايدن اتجاه بوصلته بعض الشيء تحت ضغط تيار من حزبه وضغط الرأي العام.

لكنّ "الزهد" الأمريكي في النزاع الحالي كشف مجدداً عن جديةِ استراتيجية الانسحاب الأمريكي في الشرق الأوسط.

وعن أن الأولويات الأمريكية تقع في مكان آخر.

جولة الصراع الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أثارت الشكوك مجدداً حول تلك القدرة أو الرغبة حتى في ظل انكفاء أمريكي متزايد، ما يعني مزيداً من علامات التعجب والاستفهام حول مقولة "ملء الفراغ".

وحول مدى استفادة خصوم واشنطن الدوليين والإقليميين من انسحابها وضعف دوافعها في المبادرة.

وبعد أسابيع من معركة سيف القدس، شرعت الولايات المتحدة في خفض قواتها وقدراتها العسكرية في الشرق الأوسط، بعدما عملت على تعزيزها في الفترة ما بين 2019 و2020 على خلفية التوترات مع إيران.

هي لحظة تترقب فيها العواصم الخليجية وكذلك إسرائيل مثل هذا التراجع، وتحاول التكيّف مع استحقاقاته والتحسّب له.

لحظة تتحدث فيها الصحافة الأمريكية عن أن مستقبل الشرق الأوسط يتعلّق بتراجع القوّة الأمريكية.

واقتراب الصين وروسيا ودول إقليمية أخرى مثل تركيا.

وصعود الديناميات الداخلية في المنطقة، الإيجابية والسلبية، التي تملأ الفراغ.

هذا التقرير يستعرض أسباب أمريكا لتغيير سلم الأولويات تجاه الشرق الأوسط، واحتمالات تصاعد الخلاف والمنافسة مع الوافدين الجدد للمنطقة؛ إيران وتركيا وروسيا والصين. والسيناريوهات المحتملة لأزمات المنطقة في ظل الوجود الأمريكي.. أو من دونه.


كلما تجددت الحرائق في الشرق الأوسط الكبير، التفت العالم نحو واشنطن، وتساءل: ترى ماذا يقول البيت الأبيض؟

لكن معركة "سيف القدس" التي خاضتها حركات المقاومة ضد دولة الاحتلال كشفت عن التغير الهادئ الذي يلف المنطقة، لأول مرة منذ عقود طويلة.

الولايات المتحدة التي قررت تقليص وجودها العسكري هنا بالتدريج، تحاول أن تقلص أيضاً "تورطها" في كل صغائر وكبائر الأمور في صراعات لا تنتهي.

في جولة "سيف القدس" التي احتدمت في أيار/مايو 2021، حاولت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، قدر المستطاع، أن تدلي بملاحظاتها دون الاقتراب من اللهب.

وبقدر ما مثّلت هذه الحرب اختباراً للسياسة الخارجية لإدارة بايدن في الشرق الأوسط، بقدر ما أبرزت التصميم الأمريكي على الاعتماد على الشركاء الإقليميين في الوصول إلى تهدئةٍ ووقفٍ لإطلاق النار، وهو ما نجحت مصر فيه.

عدّل بايدن اتجاه بوصلته بعض الشيء تحت ضغط تيار من حزبه وضغط الرأي العام.

لكنّ "الزهد" الأمريكي في النزاع الحالي كشف مجدداً عن جديةِ استراتيجية الانسحاب الأمريكي في الشرق الأوسط.

وعن أن الأولويات الأمريكية تقع في مكان آخر.

جولة الصراع الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أثارت الشكوك مجدداً حول تلك القدرة أو الرغبة حتى في ظل انكفاء أمريكي متزايد، ما يعني مزيداً من علامات التعجب والاستفهام حول مقولة "ملء الفراغ".

وحول مدى استفادة خصوم واشنطن الدوليين والإقليميين من انسحابها وضعف دوافعها في المبادرة.

وبعد أسابيع من معركة سيف القدس، شرعت الولايات المتحدة في خفض قواتها وقدراتها العسكرية في الشرق الأوسط، بعدما عملت على تعزيزها في الفترة ما بين 2019 و2020 على خلفية التوترات مع إيران.

هي لحظة تترقب فيها العواصم الخليجية وكذلك إسرائيل مثل هذا التراجع، وتحاول التكيّف مع استحقاقاته والتحسّب له.

لحظة تتحدث فيها الصحافة الأمريكية عن أن مستقبل الشرق الأوسط يتعلّق بتراجع القوّة الأمريكية.

واقتراب الصين وروسيا ودول إقليمية أخرى مثل تركيا.

وصعود الديناميات الداخلية في المنطقة، الإيجابية والسلبية، التي تملأ الفراغ.

هذا التقرير يستعرض أسباب أمريكا لتغيير سلم الأولويات تجاه الشرق الأوسط، واحتمالات تصاعد الخلاف والمنافسة مع الوافدين الجدد للمنطقة؛ إيران وتركيا وروسيا والصين. والسيناريوهات المحتملة لأزمات المنطقة في ظل الوجود الأمريكي.. أو من دونه.


أمريكا تتفرغ لمطاردة "الوحوش"

تسعى واشنطن للتركيز في المحيط الهادي لردع الصين
والاحتفاظ بحق التدخل السريع ضد إيران وروسيا

الشرق الأوسط يعيش الآن في حالة من "ضبط أشكال" التحالفات.

نحن نشهد إعادة ضبط أنظمة التحالف المعروفة والقائمة.

والتحالفات غير الرسمية.

بالتزامن مع  قيام منافسين سابقين بإعادة تشكيل الشراكات لتحقيق مزايا اقتصادية جديدة، ومواجهة التهديدات الأمنية الناشئة.

هكذا تبدو الصورة المختصرة للشرق الأوسط الكبير، في نظر كارولين روز الباحثة السياسية بمركز "نيو لاينز" للاستراتيجيات والسياسات بواشنطن.

كل تحالفات المنطقة في نظر الباحثة قابلة للانهيار، بالنظر إلى "الانقسامات السياسية القائمة والتوترات الطائفية وانعدام الثقة بين حكومات الشرق الأوسط التي غذت هذه الخصومات".

لكن يبدو وكأن دول المنطقة اكتشفت بعد سنوات من التوتر والصراع أن بوسعها تفادي الصراع.

"نحن أمام تحول جديد في المنطقة، مفاده تحييد الأزمات التي يمكن تحييدها، كلما كان ذلك ممكناً، من أجل التفرغ للأزمات الأكثر تعقيداً. وحيث إن كافة الأطراف منهكة بفعل تحولات العقد الفائت فإنها ستكون مهتمة لإنجاح هذه المبادرات كلما كان ذلك ممكناً"، كما يقول الباحث السياسي أحمد الباز.

الشرق الأوسط يتحول من الاستقطابات الحادة والصراعات الدامية التي اعتادها منذ "خروج الاستعمار"، منتصف القرن الماضي.

وطوال ربع القرن التالي لأزمة السويس 1956، قادت الولايات المتحدة الجهود ضد تفوق العالم العربي، بدعم قوى إقليمية منافسة، أبرزها إيران وإسرائيل.

لكنَّ الدول العربية كانت تنزلق أعمق في مستنقع الشلل والفوضى منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.

تلاه الربيع العربي الفاشل الذي ترك ندوباً جديدة على الجسد المُنهك. 

كان العالم العربي هو القلب السياسي للشرق الأوسط. 

لكن الاستعمار عمّق الانقسامات العرقية والطائفية، وشكَّل الخصومات وخطوط الاشتباك التي ظلت قائمة.

وبعد الاستعمار نشطت أفكار القومية العربية التي اجتاحت المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية ووضعت العالم العربي في قلب استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

انقضت اللحظة العربية. 

وأصبحت القوى غير العربية هي التي تصعد الآن، والعرب هم الذين يشعرون بالتهديد.

إيران توسع نفوذها بالمنطقة فيما تقلص الولايات المتحدة وجودها. 

في العام الماضي، بعد أن تم تحديد مسؤولية إيران عن هجمات شُنت على ناقلات ومنشآت نفطية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، استشهدت أبوظبي بالتهديد الإيراني كسبب لإبرام اتفاق سلام تاريخي مع إسرائيل.

هكذا تنتهي معارك الحق العربي على مذبح المصلحة والبراغماتية، وهو أمر جائز في عرف السياسة والاقتصاد.


الصين أصبحت "المطلوب" الأمريكي رقم 1

أحد أبرز الوعود الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان الانسحاب من "الحروب غير النهائية" وهو ما لم يتمكن من الوفاء به لأسباب متنوعة.

والشرق الأوسط في قلب هذه "الحروب غير النهائية".

ثم جاء قرار البنتاغون بسحب بعض القوات والمعدات العسكرية من السعودية منتصف 2020، وكأن وراءه استراتيجية أكبر من مجرد عقاب الرياض على حرب أسعار النفط قبلها بأسابيع.

تبرر واشنطن وجود قواعدها العسكرية بالدفاع عن "الأصدقاء" ضد وحوش من نوع إيران وتنظيم الدولة والميليشيات غير الحكومية مثل حزب الله وجماعة الحوثيين.

لذلك تزامن القرار بالانسحاب الجزئي بتصريحات رسمية من البنتاغون، تؤكد احتفاظ أمريكا "بقدرات واستعدادات قوية في ميدان العمليات، تشمل أنظمة دفاع جوي فعالة، للتعامل مع أي حالة طارئة تتعلق بإيران وحسب الحاجة. كما أن الولايات المتحدة تمتلك القدرة على زيادة حجم هذه القوات في غضون مدة قصيرة".

ثم إن هناك وحشاً جديداً تطارده الولايات المتحدة بالمنطقة منذ سنوات، هو الصين.

يشير كثيرون في وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن كل عملية نشر للقوات في الشرق الأوسط تشكل انتقاصاً من قدرات عسكرية ثمة حاجةٍ إليها لردع الصين في منطقة المحيط الهادي. 

وقد توقع تقرير "استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية لعام 2018" وقوع هذا التوتر، إذ في حين عيّن التقريرُ الصين وروسيا على أنهما "الأولويات الرئيسية" للبنتاغون، فإنه شدد أيضاً على أن الجيش الأمريكي يتعين عليه "مواصلة جهوده الخاصة بالردع والتصدي لإيران".

ليست إيران والصين فقط.. الروس في الشرق الأوسط أيضاً يقلقون نوم الأمريكيين.

ارتفع منسوب التوتر العسكري بين الولايات المتحدة والصين إلى مستوى غير مسبوق منذ الخمسينيات، في حين أن التوتر مع روسيا وصل إلى مستوى لم نشهده منذ الثمانينيات. 

ولكن التركيز على “تنافس القوى العظمى” الجديد ليس في منطقة الشرق الأوسط، بل في أماكن أخرى مثل أوكرانيا ومضيق تايوان.

أدى هذا التحول في التركيز -إلى آسيا على وجه الخصوص- إلى تراجع الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط.

وأدت التدخلات الفاشلة في أفغانستان والعراق وليبيا والصومال وسوريا إلى النفور من المشاركة بشكل أكبر في شؤون الشرق الأوسط. 

ولكنّ هنالك أسباباً موضوعية أيضاً. 

إمدادات النفط من الخليج العربي لا تزال أساسية بالنسبة إلى الازدهار العالمي، ولكن الاقتصاد الأمريكي لم يعد يعتمد عليها بشكل رئيسي، فقد وضعت تقنيات التكسير الهيدروليكي الولايات المتحدة في موقع المنتج البديل الفعلي في أسواق النفط والغاز. والأمريكيون الآن لا يهتمون سوى بازدهار بلادهم. ونتيجة لذلك، لم يبقَ إلا قليلون في الخارج ممن يرون الولايات المتحدة كحارس جدير بالثقة لضمان استمرار إمدادات نفط الشرق الأوسط إلى العالم أو كضامن يعتمد عليه في الاستقرار السياسي للمنطقة.

كانت المهمة الرئيسية للوجود البحري الأمريكي في الخليج وبحر العرب هي حماية الوصول العالمي إلى مصادر إمدادات الطاقة في المنطقة. 

أما الآن فقد أصبحت المهمة استهداف إيران. 

وقد أدى فشل التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان في التغلب على المقاومة الإسلامية، والنتائج الكارثية للتدخل الأمريكي في العراق، إلى التقليل من قيمة الحماية العسكرية الأمريكية لدول المنطقة. 

وقرار إدارة بايدن الانسحاب من أفغانستان هو تأكيد على التراجع المستمر للدور الأمريكي.

وواشنطن لم تعد "الصدر الحنون" لأصدقائها من الحكام العرب.

يمثل أمام الجميع مصير رجل مصر القوي حسني مبارك.

وعجز الولايات المتحدة عن حماية حكام البحرين السُّنة من الأغلبية الشيعية.

وأمثلة أخرى قديمة وجديدة أقنعت الحكام الذين كانوا يعتبرون الولايات المتحدة الضامن الأكبر لوجودهم في السلطة بأنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد عليها.

ونتيجة لذلك شرعوا في إقامة علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية مع القوى العظمى الأخرى.

الصين

ودول أوروبا

والهند

وروسيا

وتركيا

وبينما تتراجع واشنطن من الشرق الأوسط فكرياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فإن دول المنطقة بدأت تتقدم ببطء نحو حل مشكلاتها بنفسها، بما في ذلك محاولة تسوية الخلافات التي مكنتها السياسة الأمريكية من تجاهلها لفترات طويلة. 

ومع تراجع الدعم الأمريكي، فهم يدركون أنه يجب عليهم المجازفة السياسية لحماية مصالحهم. وبدأوا يفعلون ذلك بشكل متزايد دون تنسيق مع الولايات المتحدة أو مع أية قوة عظمى أخرى خارج المنطقة.


بايدن يقود الرياح الأمريكية في اتجاه إيران

في جلسة بمجلس الشيوخ لإقراره وزيراً للخارجية مطلع 2021، لمّح أنتوني بلينكن إلى أن مواجهة إيران ستكون محورية في أجندة بايدن الخاصة بالشرق الأوسط.

وقال بايدن وفريقه إنهم سيستعيدون العلاقات التي قطعها ترامب مع الفلسطينيين باستئناف تقديم المساعدات لهم ورفض التصرفات الأحادية مثل بناء مستوطنات إسرائيلية على أراض محتلة.

ويرجح أن تبقى أيضاً الاتفاقيات الدبلوماسية الأربع التي توسط فيها ترامب بين إسرائيل ودول عربية، فهي تحظى في واشنطن بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي كما حققت اصطفافاً استراتيجياً لدول الشرق الأوسط في مواجهة إيران.

قد تسقط هذه الاتفاقيات على أرض الواقع بفعل عواصف على غرار "سيف القدس"، أو بتحالفات وصراعات خارج التراب الفلسطيني.. لكن واشنطن تحاول الإبقاء عليها.

التحدي الذي سيواجه بايدن في كيفية التراجع عن سياسة عهد ترامب والاستقطاب الذي أحدثه الرئيس الذي قال إنه "فعل الكثير لإسرائيل".

والتحدي الأكبر هو أن يفعل ذلك دون اتهامه بالانسحاب الكامل من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.


الشرق الأوسط يعيش الآن في حالة من "ضبط أشكال" التحالفات.

نحن نشهد إعادة ضبط أنظمة التحالف المعروفة والقائمة.

والتحالفات غير الرسمية.

بالتزامن مع  قيام منافسين سابقين بإعادة تشكيل الشراكات لتحقيق مزايا اقتصادية جديدة، ومواجهة التهديدات الأمنية الناشئة.

هكذا تبدو الصورة المختصرة للشرق الأوسط الكبير، في نظر كارولين روز الباحثة السياسية بمركز "نيو لاينز" للاستراتيجيات والسياسات بواشنطن.

كل تحالفات المنطقة في نظر الباحثة قابلة للانهيار، بالنظر إلى "الانقسامات السياسية القائمة والتوترات الطائفية وانعدام الثقة بين حكومات الشرق الأوسط التي غذت هذه الخصومات".

لكن يبدو وكأن دول المنطقة اكتشفت بعد سنوات من التوتر والصراع أن بوسعها تفادي الصراع.

"نحن أمام تحول جديد في المنطقة، مفاده تحييد الأزمات التي يمكن تحييدها، كلما كان ذلك ممكناً، من أجل التفرغ للأزمات الأكثر تعقيداً. وحيث إن كافة الأطراف منهكة بفعل تحولات العقد الفائت فإنها ستكون مهتمة لإنجاح هذه المبادرات كلما كان ذلك ممكناً"، كما يقول الباحث السياسي أحمد الباز.

الشرق الأوسط يتحول من الاستقطابات الحادة والصراعات الدامية التي اعتادها منذ "خروج الاستعمار"، منتصف القرن الماضي.

وطوال ربع القرن التالي لأزمة السويس 1956، قادت الولايات المتحدة الجهود ضد تفوق العالم العربي، بدعم قوى إقليمية منافسة، أبرزها إيران وإسرائيل.

لكنَّ الدول العربية كانت تنزلق أعمق في مستنقع الشلل والفوضى منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.

تلاه الربيع العربي الفاشل الذي ترك ندوباً جديدة على الجسد المُنهك. 

كان العالم العربي هو القلب السياسي للشرق الأوسط. 

لكن الاستعمار عمّق الانقسامات العرقية والطائفية، وشكَّل الخصومات وخطوط الاشتباك التي ظلت قائمة.

وبعد الاستعمار نشطت أفكار القومية العربية التي اجتاحت المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية ووضعت العالم العربي في قلب استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

انقضت اللحظة العربية. 

وأصبحت القوى غير العربية هي التي تصعد الآن، والعرب هم الذين يشعرون بالتهديد.

إيران توسع نفوذها بالمنطقة فيما تقلص الولايات المتحدة وجودها. 

في العام الماضي، بعد أن تم تحديد مسؤولية إيران عن هجمات شُنت على ناقلات ومنشآت نفطية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، استشهدت أبوظبي بالتهديد الإيراني كسبب لإبرام اتفاق سلام تاريخي مع إسرائيل.

هكذا تنتهي معارك الحق العربي على مذبح المصلحة والبراغماتية، وهو أمر جائز في عرف السياسة والاقتصاد.


الصين أصبحت "المطلوب" الأمريكي رقم 1

أحد أبرز الوعود الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان الانسحاب من "الحروب غير النهائية" وهو ما لم يتمكن من الوفاء به لأسباب متنوعة.

والشرق الأوسط في قلب هذه "الحروب غير النهائية".

ثم جاء قرار البنتاغون بسحب بعض القوات والمعدات العسكرية من السعودية منتصف 2020، وكأن وراءه استراتيجية أكبر من مجرد عقاب الرياض على حرب أسعار النفط قبلها بأسابيع.

تبرر واشنطن وجود قواعدها العسكرية بالدفاع عن "الأصدقاء" ضد وحوش من نوع إيران وتنظيم الدولة والميليشيات غير الحكومية مثل حزب الله وجماعة الحوثيين.

لذلك تزامن القرار بالانسحاب الجزئي بتصريحات رسمية من البنتاغون، تؤكد احتفاظ أمريكا "بقدرات واستعدادات قوية في ميدان العمليات، تشمل أنظمة دفاع جوي فعالة، للتعامل مع أي حالة طارئة تتعلق بإيران وحسب الحاجة. كما أن الولايات المتحدة تمتلك القدرة على زيادة حجم هذه القوات في غضون مدة قصيرة".

ثم إن هناك وحشاً جديداً تطارده الولايات المتحدة بالمنطقة منذ سنوات، هو الصين.

يشير كثيرون في وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن كل عملية نشر للقوات في الشرق الأوسط تشكل انتقاصاً من قدرات عسكرية ثمة حاجةٍ إليها لردع الصين في منطقة المحيط الهادي. 

وقد توقع تقرير "استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية لعام 2018" وقوع هذا التوتر، إذ في حين عيّن التقريرُ الصين وروسيا على أنهما "الأولويات الرئيسية" للبنتاغون، فإنه شدد أيضاً على أن الجيش الأمريكي يتعين عليه "مواصلة جهوده الخاصة بالردع والتصدي لإيران".

ليست إيران والصين فقط.. الروس في الشرق الأوسط أيضاً يقلقون نوم الأمريكيين.

ارتفع منسوب التوتر العسكري بين الولايات المتحدة والصين إلى مستوى غير مسبوق منذ الخمسينيات، في حين أن التوتر مع روسيا وصل إلى مستوى لم نشهده منذ الثمانينيات. 

ولكن التركيز على “تنافس القوى العظمى” الجديد ليس في منطقة الشرق الأوسط، بل في أماكن أخرى مثل أوكرانيا ومضيق تايوان.

أدى هذا التحول في التركيز -إلى آسيا على وجه الخصوص- إلى تراجع الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط.

وأدت التدخلات الفاشلة في أفغانستان والعراق وليبيا والصومال وسوريا إلى النفور من المشاركة بشكل أكبر في شؤون الشرق الأوسط. 

ولكنّ هنالك أسباباً موضوعية أيضاً. 

إمدادات النفط من الخليج العربي لا تزال أساسية بالنسبة إلى الازدهار العالمي، ولكن الاقتصاد الأمريكي لم يعد يعتمد عليها بشكل رئيسي، فقد وضعت تقنيات التكسير الهيدروليكي الولايات المتحدة في موقع المنتج البديل الفعلي في أسواق النفط والغاز. والأمريكيون الآن لا يهتمون سوى بازدهار بلادهم. ونتيجة لذلك، لم يبقَ إلا قليلون في الخارج ممن يرون الولايات المتحدة كحارس جدير بالثقة لضمان استمرار إمدادات نفط الشرق الأوسط إلى العالم أو كضامن يعتمد عليه في الاستقرار السياسي للمنطقة.

كانت المهمة الرئيسية للوجود البحري الأمريكي في الخليج وبحر العرب هي حماية الوصول العالمي إلى مصادر إمدادات الطاقة في المنطقة. 

أما الآن فقد أصبحت المهمة استهداف إيران. 

وقد أدى فشل التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان في التغلب على المقاومة الإسلامية، والنتائج الكارثية للتدخل الأمريكي في العراق، إلى التقليل من قيمة الحماية العسكرية الأمريكية لدول المنطقة. 

وقرار إدارة بايدن الانسحاب من أفغانستان هو تأكيد على التراجع المستمر للدور الأمريكي.

وواشنطن لم تعد "الصدر الحنون" لأصدقائها من الحكام العرب.

يمثل أمام الجميع مصير رجل مصر القوي حسني مبارك.

وعجز الولايات المتحدة عن حماية حكام البحرين السُّنة من الأغلبية الشيعية.

وأمثلة أخرى قديمة وجديدة أقنعت الحكام الذين كانوا يعتبرون الولايات المتحدة الضامن الأكبر لوجودهم في السلطة بأنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد عليها.

ونتيجة لذلك شرعوا في إقامة علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية مع القوى العظمى الأخرى.

الصين

ودول أوروبا

والهند

وروسيا

وتركيا

وبينما تتراجع واشنطن من الشرق الأوسط فكرياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فإن دول المنطقة بدأت تتقدم ببطء نحو حل مشكلاتها بنفسها، بما في ذلك محاولة تسوية الخلافات التي مكنتها السياسة الأمريكية من تجاهلها لفترات طويلة. 

ومع تراجع الدعم الأمريكي، فهم يدركون أنه يجب عليهم المجازفة السياسية لحماية مصالحهم. وبدأوا يفعلون ذلك بشكل متزايد دون تنسيق مع الولايات المتحدة أو مع أية قوة عظمى أخرى خارج المنطقة.


بايدن يقود الرياح الأمريكية في اتجاه إيران

في جلسة بمجلس الشيوخ لإقراره وزيراً للخارجية مطلع 2021، لمّح أنتوني بلينكن إلى أن مواجهة إيران ستكون محورية في أجندة بايدن الخاصة بالشرق الأوسط.

وقال بايدن وفريقه إنهم سيستعيدون العلاقات التي قطعها ترامب مع الفلسطينيين باستئناف تقديم المساعدات لهم ورفض التصرفات الأحادية مثل بناء مستوطنات إسرائيلية على أراض محتلة.

ويرجح أن تبقى أيضاً الاتفاقيات الدبلوماسية الأربع التي توسط فيها ترامب بين إسرائيل ودول عربية، فهي تحظى في واشنطن بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي كما حققت اصطفافاً استراتيجياً لدول الشرق الأوسط في مواجهة إيران.

قد تسقط هذه الاتفاقيات على أرض الواقع بفعل عواصف على غرار "سيف القدس"، أو بتحالفات وصراعات خارج التراب الفلسطيني.. لكن واشنطن تحاول الإبقاء عليها.

التحدي الذي سيواجه بايدن في كيفية التراجع عن سياسة عهد ترامب والاستقطاب الذي أحدثه الرئيس الذي قال إنه "فعل الكثير لإسرائيل".

والتحدي الأكبر هو أن يفعل ذلك دون اتهامه بالانسحاب الكامل من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.


https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2021/05/17/seven-results-war-gaza-israel-oped-tarek-osman

https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2021/05/17/seven-results-war-gaza-israel-oped-tarek-osman

ترحل أمريكا ويبقى تأثيرها؟ 

أوضاع المنطقة في حالة بقاء الأمريكيين أو رحيلهم في 4 سيناريوهات للمستقبل

في الصورة الأكبر، لا تتحدث الولايات المتحدة بوضوحٍ كافٍ عن التداعيات المحتملة التي قد يخلقها الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط الكبير. 

لدى اندلاع مواجهة "سيف القدس" في مايو/أيار 2021، أكّدت أطراف فرنسية أن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد الذي يمتلك روافع دبلوماسية قادرة على التأثير في طرفي الصراع.

لكن واشنطن تتمسك بـ"واقعية عدم الانجرار" مع الإعلان الدبلوماسي على لسان الرئيس بايدن وفريقه أن "الفلسطينيين يستحقون الحرية والسلام والازدهار مثل الإسرائيليين".

تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، كما بات معلوماً، يتعلق بحسابات داخلية، وجدل أمريكي مستمرّ منذ آخر ثلاث إدارات أمريكية على الأقل، وهو متعلّق أيضاً، وخاصة حالياً، بلعبة التنافس والصراع بين القوى العالمية، ويأتي، بالتالي، بدافع توجيه الأولويات والموارد صوب شرق آسيا، ومواجهة التحدي الصيني المتصاعد.

الجدل حول هذه المعاني مستمر منذ ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما ثم الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن جو بايدن يأتي في ظل تحديات داخلية أمريكية.

التعافي الاقتصادي.

مواجهة كورونا.

التصدي للانقسامات في الداخل الأمريكي.

تنامي الإجماع الأمريكي على مواجهة التحدي الصيني.

وعلى العودة للاتفاق النووي الإيراني.

وانتهاز الدينامية التي خلقتها اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية.

كل هذا يخلق مزيداً من الأسباب والحوافز لمسألة تراجع الحضور الأمريكي في المنطقة، "والخروج الفعلي من الحروب التي لا تنتهي"، وإعطاء مزيد من المساحة للديناميات الداخلية في المنطقة. 

يستند هذا في المحصلة إلى الوثوق بأن الولايات المتحدة ما تزال القوة الدولية الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط.

حتى في حالة غيابها، هي تمتلك القوة الكامنة والفعلية لاستخدام "الفيتو" على أي سياسة تضرّ بمصالحها الكبرى في المنطقة وبأمن إسرائيل.

وأن مِروحة حلفائها وشركائها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تضاهى مقارنة بما لدى غيرها من الخصوم الدوليين أو الإقليميين في هذا المجال.

السطور التالية تشرح سيناريوهات المستقبل القريب للشرق الأوسط في حالة رفع واشنطن يديها وقواعدها عنه.


هل تحمل أمريكا استقرار المنطقة وهي تغادر؟

في مارس/آذار 2021 نشر معهد الشرق الأوسط في واشنطن دراسة بحثية عن مسألة تطور الشرق الأوسط خلال العقد القادم حتى عام 2030، من إعداد ثلاثة باحثين من المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي.

لم تتناول الدراسة تنبؤات مستقبلية، بل عمدت إلى تحليل الواقع الفعلي بناءً على تأثيرات الاتجاهات الحالية للمنطقة على المستقبل.

ترصد الدراسة في بدايتها تحول العالم من الأحادية القطبية للولايات المتحدة، إلى ثنائي القطبية ليشمل الولايات المتحدة والصين.

أو إلى عالم متعدد الأقطاب يشمل الولايات المتحدة والصين وروسيا. 

وفي ظل تقليل الولايات المتحدة لوجودها العسكري بالمنطقة، والتوسع الصيني من خلال المشاريع التجارية بجميع أنحاء العالم، ومحاولات روسيا إعادة فرض نفسها طرفاً قوياً في المعادلة، تتصور الدراسة 4 احتمالات يعيشها الشرق الأوسط حتى نهاية العقد الحالي:

السيناريو الأول: شرق أوسط مستقر بوجود أمريكا

تستمر الدول النفطية بمساعدة الدول الأفقر وإعادة إعمار سوريا، إلى جانب التزام الإدارة الأمريكية بمعالجة قضايا المنطقة.

تقويض التواجد الروسي بالمنطقة من خلال إقناع بشار الأسد بالاستغناء عن القواعد الروسية والقوات الإيرانية، مقابل الاعتراف بسيطرته على المناطق الكردية السورية التي حصلت على الحكم الذاتي.

تعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية لمجلس التعاون الخليجي مع قطر، في مقابل قطع علاقاتها مع المعسكر الإسلامي بقيادة تركيا.

السيناريو الثاني: شرق أوسط غير مستقر 

يتنبأ هذا السيناريو بحدوث ضائقة اقتصادية بالمنطقة، تدفع الشرق الأوسط إلى اضطرابات عامة، وقمع عنيف لأصوات المعارضة خاصةً في الجزائر ومصر والعراق. 

بسبب كوفيد-19، وانخفاض عائدات النفط تتقلص المساعدات الخليجية للدولِ الأفقر بالمنطقة، وتتوقف المشروعات الجديدة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ويتآكل الترابط بين الإمارات والسعودية ومصر والبحرين.

ندرة مائية وأزمة غذاء بمصرِ ستطال آثارها الدول المجاورة، وربما تؤدي لازدياد نفوذ التيار الإسلامي الراديكالي وازدياد الجماعات الإرهابية.

لبنان يقترب من "حرب أهلية" تؤججها التدخلات الخارجية، وهو ما ينتج عنه تزايد النفوذ الشيعي الإيراني. 

تحسن وضع الحوثيين في اليمن إلى الدرجة التي تؤهلهم لتهديد دولِ الخليج بالمسيرات.

السيناريو الثالث: شرق أوسط مستقر بدون أمريكا

تنسحب الولايات المتحدة من العراق وسوريا وأفغانستان، كما تقلل من تواجدها في منطقة الخليج العربي، ما يؤدي إلى بعض الأحداث الكبرى.

أوضاع إيران الصعبة قد تمهد لثورة علمانية تطيح بالجمهورية الإسلامية، وتحتفظ بأحلام الهيمنة على المنطقة.

وتتحالف مصر مع المملكة السعودية لتكوين كتلة معادية للوجود الإيراني بالمنطقة.

زيادة الدعم الأمريكي لأنقرة باعتبارها قوة موازنة للنفوذ الروسي والإيراني في المنطقة.

تشن مصر حرباً ضد إثيوبيا وجنوب السودان، بالتحالف مع السودان وإريتريا، والمواجهة تنتهي بمصالحة صينية أوروبية.

السيناريو الرابع: شرق أوسط غير مستقر وغياب أمريكي

أزمة مالية عالمية تتأثر بها حتى دول الخليج الثرية، وفترة عصيبة من الاضطرابات قد تؤدي لاستقالة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وبداية فترة مضطربة سياسياً.

موجة من الاحتجاجات داخل إيران، كما تعصف بلبنان أزمات اقتصادية واجتماعية يليها استغلال إسرائيل للوضع المضطرب هذا عن طريق تدخل عسكري لتقويض القدرات العسكرية لـ"حزب الله"، والوقوف في وجه المشروع النووي الإيراني.

زعزعة حكم الملك عبدالله الثاني في الأردن، والانقلاب عليه من قِبل القوى الإسلامية.


في الصورة الأكبر، لا تتحدث الولايات المتحدة بوضوحٍ كافٍ عن التداعيات المحتملة التي قد يخلقها الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط الكبير. 

لدى اندلاع مواجهة "سيف القدس" في مايو/أيار 2021، أكّدت أطراف فرنسية أن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد الذي يمتلك روافع دبلوماسية قادرة على التأثير في طرفي الصراع.

لكن واشنطن تتمسك بـ"واقعية عدم الانجرار" مع الإعلان الدبلوماسي على لسان الرئيس بايدن وفريقه أن "الفلسطينيين يستحقون الحرية والسلام والازدهار مثل الإسرائيليين".

تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، كما بات معلوماً، يتعلق بحسابات داخلية، وجدل أمريكي مستمرّ منذ آخر ثلاث إدارات أمريكية على الأقل، وهو متعلّق أيضاً، وخاصة حالياً، بلعبة التنافس والصراع بين القوى العالمية، ويأتي، بالتالي، بدافع توجيه الأولويات والموارد صوب شرق آسيا، ومواجهة التحدي الصيني المتصاعد.

الجدل حول هذه المعاني مستمر منذ ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما ثم الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن جو بايدن يأتي في ظل تحديات داخلية أمريكية.

التعافي الاقتصادي.

مواجهة كورونا.

التصدي للانقسامات في الداخل الأمريكي.

تنامي الإجماع الأمريكي على مواجهة التحدي الصيني.

وعلى العودة للاتفاق النووي الإيراني.

وانتهاز الدينامية التي خلقتها اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية.

كل هذا يخلق مزيداً من الأسباب والحوافز لمسألة تراجع الحضور الأمريكي في المنطقة، "والخروج الفعلي من الحروب التي لا تنتهي"، وإعطاء مزيد من المساحة للديناميات الداخلية في المنطقة. 

يستند هذا في المحصلة إلى الوثوق بأن الولايات المتحدة ما تزال القوة الدولية الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط.

حتى في حالة غيابها، هي تمتلك القوة الكامنة والفعلية لاستخدام "الفيتو" على أي سياسة تضرّ بمصالحها الكبرى في المنطقة وبأمن إسرائيل.

وأن مِروحة حلفائها وشركائها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تضاهى مقارنة بما لدى غيرها من الخصوم الدوليين أو الإقليميين في هذا المجال.

السطور التالية تشرح سيناريوهات المستقبل القريب للشرق الأوسط في حالة رفع واشنطن يديها وقواعدها عنه.


هل تحمل أمريكا استقرار المنطقة وهي تغادر؟

في مارس/آذار 2021 نشر معهد الشرق الأوسط في واشنطن دراسة بحثية عن مسألة تطور الشرق الأوسط خلال العقد القادم حتى عام 2030، من إعداد ثلاثة باحثين من المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي.

لم تتناول الدراسة تنبؤات مستقبلية، بل عمدت إلى تحليل الواقع الفعلي بناءً على تأثيرات الاتجاهات الحالية للمنطقة على المستقبل.

ترصد الدراسة في بدايتها تحول العالم من الأحادية القطبية للولايات المتحدة، إلى ثنائي القطبية ليشمل الولايات المتحدة والصين.

أو إلى عالم متعدد الأقطاب يشمل الولايات المتحدة والصين وروسيا. 

وفي ظل تقليل الولايات المتحدة لوجودها العسكري بالمنطقة، والتوسع الصيني من خلال المشاريع التجارية بجميع أنحاء العالم، ومحاولات روسيا إعادة فرض نفسها طرفاً قوياً في المعادلة، تتصور الدراسة 4 احتمالات يعيشها الشرق الأوسط حتى نهاية العقد الحالي:

السيناريو الأول: شرق أوسط مستقر بوجود أمريكا

تستمر الدول النفطية بمساعدة الدول الأفقر وإعادة إعمار سوريا، إلى جانب التزام الإدارة الأمريكية بمعالجة قضايا المنطقة.

تقويض التواجد الروسي بالمنطقة من خلال إقناع بشار الأسد بالاستغناء عن القواعد الروسية والقوات الإيرانية، مقابل الاعتراف بسيطرته على المناطق الكردية السورية التي حصلت على الحكم الذاتي.

تعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية لمجلس التعاون الخليجي مع قطر، في مقابل قطع علاقاتها مع المعسكر الإسلامي بقيادة تركيا.

السيناريو الثاني: شرق أوسط غير مستقر 

يتنبأ هذا السيناريو بحدوث ضائقة اقتصادية بالمنطقة، تدفع الشرق الأوسط إلى اضطرابات عامة، وقمع عنيف لأصوات المعارضة خاصةً في الجزائر ومصر والعراق. 

بسبب كوفيد-19، وانخفاض عائدات النفط تتقلص المساعدات الخليجية للدولِ الأفقر بالمنطقة، وتتوقف المشروعات الجديدة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ويتآكل الترابط بين الإمارات والسعودية ومصر والبحرين.

ندرة مائية وأزمة غذاء بمصرِ ستطال آثارها الدول المجاورة، وربما تؤدي لازدياد نفوذ التيار الإسلامي الراديكالي وازدياد الجماعات الإرهابية.

لبنان يقترب من "حرب أهلية" تؤججها التدخلات الخارجية، وهو ما ينتج عنه تزايد النفوذ الشيعي الإيراني. 

تحسن وضع الحوثيين في اليمن إلى الدرجة التي تؤهلهم لتهديد دولِ الخليج بالمسيرات.

السيناريو الثالث: شرق أوسط مستقر بدون أمريكا

تنسحب الولايات المتحدة من العراق وسوريا وأفغانستان، كما تقلل من تواجدها في منطقة الخليج العربي، ما يؤدي إلى بعض الأحداث الكبرى.

أوضاع إيران الصعبة قد تمهد لثورة علمانية تطيح بالجمهورية الإسلامية، وتحتفظ بأحلام الهيمنة على المنطقة.

وتتحالف مصر مع المملكة السعودية لتكوين كتلة معادية للوجود الإيراني بالمنطقة.

زيادة الدعم الأمريكي لأنقرة باعتبارها قوة موازنة للنفوذ الروسي والإيراني في المنطقة.

تشن مصر حرباً ضد إثيوبيا وجنوب السودان، بالتحالف مع السودان وإريتريا، والمواجهة تنتهي بمصالحة صينية أوروبية.

السيناريو الرابع: شرق أوسط غير مستقر وغياب أمريكي

أزمة مالية عالمية تتأثر بها حتى دول الخليج الثرية، وفترة عصيبة من الاضطرابات قد تؤدي لاستقالة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وبداية فترة مضطربة سياسياً.

موجة من الاحتجاجات داخل إيران، كما تعصف بلبنان أزمات اقتصادية واجتماعية يليها استغلال إسرائيل للوضع المضطرب هذا عن طريق تدخل عسكري لتقويض القدرات العسكرية لـ"حزب الله"، والوقوف في وجه المشروع النووي الإيراني.

زعزعة حكم الملك عبدالله الثاني في الأردن، والانقلاب عليه من قِبل القوى الإسلامية.


من يملأ "فراغات" الشرق الأوسط؟ 

الصين تركّز على طريق الحرير وتتجنب السياسة
وروسيا مرتبطة باتفاقية مع الأسد تستمر لعدة عقود

أوروبا التي كانت ذات يوم موطن القوى الاستعمارية لم تعد لديها طموحات خارج حدودها. 

وتشير ظواهر مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى أن 

أوروبا، بعيداً عن التوحد لإظهار القوة، سوف تبقى مهمشة نظراً لانشغالها بتناقضاتها الداخلية، بدليل ظواهر مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

لكن القادمين من الخلف في مباراة الاستيلاء على مواطن النفوذ في الشرق الأوسط يأتون من خارج العالم الغربي.

وربما كانوا على طرف النقيض من سياساته وخططه للمستقبل.

تركيا تعمل على استعادة روابطها بالشرق الأوسط بعد أن مُزقت هذه الروابط منذ أكثر من قرن.

وروسيا استأنفت دورها الدبلوماسي المستقل والفريد في المنطقة.

والصين هي "الطريدة" التي لا تتوقف واشنطن عن حصارها وعقابها.

تزامن صعود الصين وانبعاث روسيا مع التدهور الاقتصادي والاجتماعي في الولايات المتحدة المشلولة سياسياً والمنهكة اقتصادياً؛ ولكنها أكثر حزماً من الناحية القومية. 

استجابت الولايات المتحدة للتراجع الواضح في قوتها وجاذبيتها بالإعلان عن تكريسها لما سمته "تنافس القوى العظمى"، والعمل على هذا الأساس من خلال تبني سياسات المواجهة مع كل من الصين وروسيا.

وإيران من قبل ومن بعد.

ومن الواضح أن المنطقة ستشهد في المرحلة المقبلة تنافُساً كبيراً، وستتأثَّر بهذا الصراع بشدَّة؛ بجانب تشابُك الحضور الأمريكي-الصيني، وشدَّة تنافُسيته، ناهيك عن كونه يمثل ساحةَ مواجهة خارج المجالات الحيوية لواشنطن وبكين، وحديقةً خلفية للصراع الدولي القادم.


الصينيون قادمون على طريق الحرير

يحتلُّ الشرق الأوسط مكانةً مهمَّة لدى الولايات المتحدة والصين.

وتمتلك الدولتان فيه نفوذاً كبيراً.

وفي شهر مارس/آذار 2021 وقعت الصين مع إيران الاتفاقية المسماة "اتفاقية  الشراكة الاستراتيجية".

ونظرت الولايات المتحدة بكثير من القلق إلى الاتفاقية.

الإدارة الأمريكية مشغولة بإغلاق الملفات الفرعيّة، ومنها الملف الإيراني، من أجل التفرّغ للملف الصيني، الذي تعتبره تهديداً للسيادة الأمريكية والغربية.

وها هي الصين تحقق اختراقات كبيرة على الصعيد الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وتصعّب المهمة الأمريكية.

ويسود الاعتقاد أن إدارة الرئيس الجديد جو بايدن تتعجل الاتفاق النووي مع إيران، توفيراً لطاقتها في مواجهة التهديدات الروسية والصينيّة والكورية الشمالية.

أي في الشرق الأوسط وخارجه.

لكن الشرق الأوسط "الصيني" على الأعتاب.

الاتفاق الاستراتيجي مع إيران سيؤدي إلى تعميق نفوذ الصين في الشرق الأوسط.

وفي مناطق النفوذ الإيراني على سواحل البحر المتوسط.

وفي سوريا والعراق.

وسوف يتم توسيع "مبادرة الحزام والطريق" لتشمل منطقة الخليج والعراق وسوريا، وتحويل دمشق إلى مركز تجاري رئيسي بين إيران وتركيا والعراق.

شراكة اقتصادية ضخمة مع المشرق العربي وإيران، من المؤكد أن واشنطن سوف ترى فيها تهديداً لمصالحها ونفوذها.

ومن المؤكد أيضاً أن ترتفع درجة حرارة التوتر بين بكين وواشنطن فوق تراب الشرق الأوسط بالذات.

والروس هنا منذ عقود.. وبعد عقود

أصيب الكثيرون بالصدمة عند التدخل العسكري الروسي في سوريا في أيلول/سبتمبر 2015 من أجل دعم الديكتاتور بشار الأسد.

لكنه كان النتيجة المنطقية لسنوات من الأهداف الأوسع نطاقاً لإدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لردع الغرب وإرباك سياساته. 

من الناحية العسكرية، ستبقى روسيا في سوريا لمدة لا تقل عن تسعة وأربعين عاماً، وفقاً لاتفاقية بين موسكو ودمشق. وفي هذا الوقت، تواصل روسيا اتخاذ خطوات عملية على الأرض للتنافس على النفوذ في سوريا، و"الدفع نحو تحقيق النتيجة المرجوة".

الآن تواصل واشنطن تقليل أولوية الشرق الأوسط لصالح منافسة القوى العظمى مع الصين وروسيا في مناطق أخرى. 

وفي المقابل، ترى موسكو في الشرق الأوسط ساحة رئيسية لهذه المنافسة. 

وإذا استمر هذا الاتجاه، فستواصل روسيا تقاربها العميق مع إيران ووكلائها وستكون لها في النهاية الكلمة الأخيرة بشأن مستقبل سوريا.

وقد يؤدي ذلك إلى تقوية العلاقات بين روسيا وإيران والأسد، وتحويل الشرق الأوسط على نحو يزيد من مواطن الضعف للغرب وحلفائه، في المنطقة وأوروبا على حد سواء، كما ترى آنا بورشيفسكايا، الباحثة السياسية في معهد واشنطن. 


أوروبا التي كانت ذات يوم موطن القوى الاستعمارية لم تعد لديها طموحات خارج حدودها. 

وتشير ظواهر مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى أن 

أوروبا، بعيداً عن التوحد لإظهار القوة، سوف تبقى مهمشة نظراً لانشغالها بتناقضاتها الداخلية، بدليل ظواهر مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

لكن القادمين من الخلف في مباراة الاستيلاء على مواطن النفوذ في الشرق الأوسط يأتون من خارج العالم الغربي.

وربما كانوا على طرف النقيض من سياساته وخططه للمستقبل.

تركيا تعمل على استعادة روابطها بالشرق الأوسط بعد أن مُزقت هذه الروابط منذ أكثر من قرن.

وروسيا استأنفت دورها الدبلوماسي المستقل والفريد في المنطقة.

والصين هي "الطريدة" التي لا تتوقف واشنطن عن حصارها وعقابها.

تزامن صعود الصين وانبعاث روسيا مع التدهور الاقتصادي والاجتماعي في الولايات المتحدة المشلولة سياسياً والمنهكة اقتصادياً؛ ولكنها أكثر حزماً من الناحية القومية. 

استجابت الولايات المتحدة للتراجع الواضح في قوتها وجاذبيتها بالإعلان عن تكريسها لما سمته "تنافس القوى العظمى"، والعمل على هذا الأساس من خلال تبني سياسات المواجهة مع كل من الصين وروسيا.

وإيران من قبل ومن بعد.

ومن الواضح أن المنطقة ستشهد في المرحلة المقبلة تنافُساً كبيراً، وستتأثَّر بهذا الصراع بشدَّة؛ بجانب تشابُك الحضور الأمريكي-الصيني، وشدَّة تنافُسيته، ناهيك عن كونه يمثل ساحةَ مواجهة خارج المجالات الحيوية لواشنطن وبكين، وحديقةً خلفية للصراع الدولي القادم.


الصينيون قادمون على طريق الحرير

يحتلُّ الشرق الأوسط مكانةً مهمَّة لدى الولايات المتحدة والصين.

وتمتلك الدولتان فيه نفوذاً كبيراً.

وفي شهر مارس/آذار 2021 وقعت الصين مع إيران الاتفاقية المسماة "اتفاقية  الشراكة الاستراتيجية".

ونظرت الولايات المتحدة بكثير من القلق إلى الاتفاقية.

الإدارة الأمريكية مشغولة بإغلاق الملفات الفرعيّة، ومنها الملف الإيراني، من أجل التفرّغ للملف الصيني، الذي تعتبره تهديداً للسيادة الأمريكية والغربية.

وها هي الصين تحقق اختراقات كبيرة على الصعيد الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وتصعّب المهمة الأمريكية.

ويسود الاعتقاد أن إدارة الرئيس الجديد جو بايدن تتعجل الاتفاق النووي مع إيران، توفيراً لطاقتها في مواجهة التهديدات الروسية والصينيّة والكورية الشمالية.

أي في الشرق الأوسط وخارجه.

لكن الشرق الأوسط "الصيني" على الأعتاب.

الاتفاق الاستراتيجي مع إيران سيؤدي إلى تعميق نفوذ الصين في الشرق الأوسط.

وفي مناطق النفوذ الإيراني على سواحل البحر المتوسط.

وفي سوريا والعراق.

وسوف يتم توسيع "مبادرة الحزام والطريق" لتشمل منطقة الخليج والعراق وسوريا، وتحويل دمشق إلى مركز تجاري رئيسي بين إيران وتركيا والعراق.

شراكة اقتصادية ضخمة مع المشرق العربي وإيران، من المؤكد أن واشنطن سوف ترى فيها تهديداً لمصالحها ونفوذها.

ومن المؤكد أيضاً أن ترتفع درجة حرارة التوتر بين بكين وواشنطن فوق تراب الشرق الأوسط بالذات.

والروس هنا منذ عقود.. وبعد عقود

أصيب الكثيرون بالصدمة عند التدخل العسكري الروسي في سوريا في أيلول/سبتمبر 2015 من أجل دعم الديكتاتور بشار الأسد.

لكنه كان النتيجة المنطقية لسنوات من الأهداف الأوسع نطاقاً لإدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لردع الغرب وإرباك سياساته. 

من الناحية العسكرية، ستبقى روسيا في سوريا لمدة لا تقل عن تسعة وأربعين عاماً، وفقاً لاتفاقية بين موسكو ودمشق. وفي هذا الوقت، تواصل روسيا اتخاذ خطوات عملية على الأرض للتنافس على النفوذ في سوريا، و"الدفع نحو تحقيق النتيجة المرجوة".

الآن تواصل واشنطن تقليل أولوية الشرق الأوسط لصالح منافسة القوى العظمى مع الصين وروسيا في مناطق أخرى. 

وفي المقابل، ترى موسكو في الشرق الأوسط ساحة رئيسية لهذه المنافسة. 

وإذا استمر هذا الاتجاه، فستواصل روسيا تقاربها العميق مع إيران ووكلائها وستكون لها في النهاية الكلمة الأخيرة بشأن مستقبل سوريا.

وقد يؤدي ذلك إلى تقوية العلاقات بين روسيا وإيران والأسد، وتحويل الشرق الأوسط على نحو يزيد من مواطن الضعف للغرب وحلفائه، في المنطقة وأوروبا على حد سواء، كما ترى آنا بورشيفسكايا، الباحثة السياسية في معهد واشنطن. 


إذن.. الشرق الأوسط الآن على حافة الهاوية

من الصعب أن تترك الولايات المتحدة فراغاً أمنياً تملؤه القُوى المنافسة لها بهذه السهولة.

الأرجح أنَّ مسألة "إعادة الانتشار" لبعض القوات لن تُخرج الشرق الأوسط بأيّ حال من اهتمامات الولايات المتحدة، ولن تسمح الولايات المتحدة بمعادلةٍ أمنيةٍ بديلة قد تطرحُها الصين وروسيا تكون حتماً في غير صالحها.

وهناك مؤشرات جديدة على الانقسام واحتدام المنافسة الإقليمية في المستقبل المنظور.

القوة الدافعة في الشرق الأوسط لم تعد الأيديولوجية أو الدين، وإنما السياسة الواقعية عتيقة الطراز. 

التنسيق بين الإمارات والسعودية وإسرائيل ضد إيران قد يثير قلق عُمان أو قطر، ويدفعهما للاعتماد على إيران وتركيا.

والاصطفاف العربي الإسرائيلي قد يعطي تركيا وإيران أسباباً للعمل المشترك.

والدعم العسكري التركي لأذربيجان قد يجعل إيران والسعودية والإمارات في اتفاق من حيث قلقها جميعاً من تداعيات مناورات تركيا الناجحة في القوقاز والعراق.

وفي المقابل، قد يستدعي كل ذلك تدخلاً من روسيا التي أثبتت مسبقاً أنها بارعة في استغلال انقسامات المنطقة لصالحها. 

وقد تحذو الصين حذوها أيضاً، وقد يكون اتفاقها الاستراتيجي مع إيران والاتفاق النووي مع السعودية مجرد بداية. 

باتت الآن المنافسات الثنائية والتحولات السياسية تتولد من داخل المنطقة نفسها. 

والدور الأمريكي يتراجع ليصبح جزءاً من التاريخ، جنباً إلى جنب مع الحقبة التي كانت فيها القوى العظمى قادرة على الإشراف على التفاعل بين العرب، والإيرانيين، والإسرائيليين، والأكراد، والأتراك. 

لم يعد الشرق الأوسط مجال نفوذ لأية جهة خارج حدوده، تنفرد بتقرير مصيره في هدوء.

وفي غياب "مضايقات المنافسين".


يقف الشرق الأوسط الآن على حافة الهاوية

هكذا تلخص مجلة Foreign Policy حال المنطقة، التي تقف أمام مفترق طرق: المزيد من الصراعات والحروب.. أو السلام.

يقول التقرير إن ذلك يتوقف كثيراً على سياسات إدارة بايدن تجاه المنطقة، فإذا أرادت إدارة بايدن تجنب التدخلات الأمريكية التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط، فعليها استثمار المزيد من الوقت والموارد الدبلوماسية في المنطقة الآن بشكل مناقض للحدس والتوقع. 

وإذا كانت واشنطن تريد أن تفعل القليل في الشرق الأوسط في المستقبل، فعليها أن تفعل المزيد أولاً لتحقيق حد أدنى من الاستقرار. 

ويجب أن تبدأ من خلال تبني منظور أوسع الآليات الإقليمية، ووضع هدف تقليل احتمال ظهور منافسات وخصومات إقليمية جديدة على رأس أولوياتها.

ألم يأنِ لشعوب الشرق الأوسط أن تسعى للفطام عن القوى الخارجية، التي تحتل، وتستغل الناس والموارد، وتملي شروطها، منذ فجر التاريخ وحتى معاهدات "إبراهام" للتطبيع مع دولة الاحتلال.