عودة الابن الضال.. نحو عرش ليبيا

سيف الإسلام القذافي يربك حسابات الجميع بعد الظهور المفاجئ والتلويح بخوض انتخابات الرئاسة.. هذه أهم تأثيرات وجوده على المشهد السياسي الليبي

وسط دخان القتال الداخلي ومشاهد الدمار، ينقشع الدخان تدريجياً عن صورة تقلب الموازين، وتغير كل التوازنات الحرجة في ليبيا.

صورة الفتى الذي كان يستعد لوراثة حكم ليبيا من والده، ثم اختفى في طوفان الربيع الليبي المتعسّر، سجيناً لعدة سنوات، ثم مختفياً بإرادته سنوات أخرى، حتى جاءت اللحظة.

جلس سيف الإسلام القذافي أخيراً أمام عدسة New York Times، وتحدث لميكروفونها، وألقى بحجر ضخم في مياه ليبيا المعقّدة أصلاً: قادم لأترشح رئيساً، ومنقذاً، ووريثاً يعود إليكم بمراجعات كثيرة على عصر والده المثير للجدل.

وانهمرت الأسئلة على الجميع.
خصوم اليوم على أرض ليبيا، الشرق في بني غازي، والغرب في طرابلس.
و"ضيوف" وأصدقاء الطرفين.
وكل القوى الإقليمية والدولية صاحبة المصلحة في ثروات ليبيا، وحروبها، وانقسامها الداخلي الطويل.

هل يمكن للرجل أن يجتاز كل العقبات "القانونية والإدارية" التي قد يضعها خصوم يقررون موعد الانتخابات، ومن يشارك فيها، ومن يقف خارجها محروماً.

لكن لا أحد يعرف ما يريده الشعب الليبي.

يتحدثون على لسانه في استطلاعات رأي غير موثقة، تزعم انحيازه لطرف على حساب آخر، أو تشرح أشواقه لعودة ابن الأسرة التي أضاعت ليبيا على مدى أربعة عقود.

انهمرت الأسئلة على الجميع، والإجابات تبدأ بعد أن يعرف الليبيون مدى جدية سيف في العودة إلى خشبة المسرح.

ومدى استعداد "القابضين على السلطة" في الشرق والغرب لتمرير طموحه السياسي الذي لم يهدأ ولم يتأثر بما شهده من أهوال.

من هو سيف الإسلام؟
كيف عاش السنوات الحاسمة في حكم القذافي الأب، وعهده الطويل المرير؟
وإلى أي مدى تغير في سنوات السجن والاختفاء الاختياري عن العيون وآلات التصوير؟

يستعرض هذا التقرير ملابسات العودة المفاجئة للوريث السابق لعرش "ملك ملوك إفريقيا"، وسيناريوهات المستقبل السياسي له، وسيرة حياته قبل الثورة، التي رسم فيها لنفسه صورة "المصلح" لما أفسده والده، وأهم ما يتغير في المشهد الليبي بعودته.

سياسي "من الباطن".. ووريث

منذ عام 2000، كانت الصحف تروج للقذافي باعتباره التلميذ المفضّل للغرب و"الوجه المقبول".

كان مفاوضاً بارعاً أثبت قدراته عندما نجح في تحرير المختطفين الغربيين على يد جماعة أبوسياف في الفلبين. نجاح وصفته صحيفة the guardian البريطانية وقتها بأنه "أول خبطة" جدية لسيف الإسلام. 

ثم قاد الصفقة التي انتهت بتخلي بلاده عن برامجها للتسلح مقابل العودة للأسرة الدولية؛ مقنعاً والده بدفع تعويضات وصلت إلى ثلاثة مليارات دولار لضحايا لوكيربي. 

وجمعت سيف الإسلام صداقات بشخصيات رسمية عدة كرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، ودعم حقل الأبحاث في جامعة لندن.

وتفاوض مع أهالي ضحايا مجزرة سجن أبوسليم، كما مع الجهاديين المعتقلين كعبدالحكيم بلحاج. 

كل ذلك تهاوى عندما رفض انشقاقه عن والده وشن هجومه على المحتجين؛ إذ واجهته حملة واسعة رأت أنه "مرّغ صورته في التراب" كشخصية إصلاحية.

وبعد اعتقاله وسجنه لمدة ستة أعوام، لم تغادر صورته الفضاء السياسي للبلاد.

خصومه السياسيون لم ينسوا أن احتمال عودته هو الخطر الأكبر عليهم، وقبل عامين، قيل إن أحد منافسيه دفع 30 مليون دولار لقتله في محاولة ليست الأولى لاغتياله، فيما اعتُبر دليلاً تقليدياً على مكانته السياسية التي لم تتراجع بوجوده خلف القضبان.


ينتقد النظام ويتفاوض باسمه مع العالم

عاش الأقرب إلى والده وأثّر في عدة قرارات، كان ينظر إليه من الداخل والخارج كوريث لأبيه وقادر على الإصلاح والتغيير في ليبيا، خاصة بعد أن عرف بدفاعه عن حقوق الإنسان وأصبح مساهماً في الأعمال الخيرية.

واقترح سيف الإسلام، في محاضرة ألقاها 2005 في المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية في لندن، تأسيس "الجمهورية الفيدرالية في الأراضي المقدسة" ليعيش فيها العرب واليهود جنباً إلى جنب.

وطوال الوقت كان يحاول تقديم الوجه النقيّ لعائلة القذافي، فهو الحقوقي والمهندس ورجل الغد.

وكانت الصحف الغربية تكتب عن ابن القذافي الذي يقود "تياراً إصلاحياً"، حيث دعا إلى دستور ثابت لليبيا، وإلى تحول سياسي وصفه من "ليبيا الثورة" إلى "ليبيا الدولة"، حيث وجه انتقادات حادة لنظام أبيه، وهو ما جعل المتتبعين يرون فيه الخليفة المنتظر لمعمر في الحكم.

منذ عام 2000 يلعب نجل الزعيم الليبي سيف الإسلام القذافي أدواراً هامة في الشأن العام الليبي الداخلي والخارجي دون أن يكون له منصب سياسي في الجهاز الرسمي الليبي.


يتقرّب من كبار رجال السياسة والمال في العالم

عندما اكتسب سيف الإسلام شهرة باعتباره رأس حربة التغيير في ليبيا، بدأ يدعو المفكرين المشهورين، للتحدث في طرابلس.
من بينهم فرانسيس فوكوياما وجوزيف ناي وبرنارد لويس.
وتلقى بدوره الدعوات للالتحاق بتجمعات الأثرياء والمتنفذين. 
تحدث في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في سويسرا.
والتقى الأمير أندرو.
ودُعي إلى حفلات في منزل نات روتشيلد Nat Rothschild الثري المعروف.

كان الابن الأكبر للقذافي بالنسبة للغرب هو الامتداد المنشود لحكم أبيه، والأمل في أين يتغير على يديه نظام القذافي، ليصبح ديمقراطياً.

بأي درجة ليس مهماً، المهم أن تدخل ليبيا أولى نسائم الديمقراطية، وكان سيف هو الوحيد القادر على ذلك، من داخل النظام.

من داخل بيت القذافي وخيمته الشهيرة.

لقد جاء ليجسد آمال الأجانب الذين اعتقدوا أن الشرق الأوسط يمكن أن يتحول تدريجياً بعيداً عن الديكتاتورية من خلال عملية إصلاح وليس ثورة

لكنه لم يستطع أبداً التغلب على التناقض المتأصل: كان لديه رخصة لتحدي النظام لأنه كان ابن والده، لكن إرثه منحه إحساساً مذهلاً بالتفوق والاستحقاق، أدى إلى إثارة الاستياء بين الليبيين.


ويهاجم ثورة 2010 فيفقد رصيده في الشرق والغرب

عندما اندلع أول احتجاجات الربيع العربي في تونس أواخر عام 2010، رحّب بها سيف الإسلام!

نعم، فقد كان يشعر بخيبة الأمل والإحباط إزاء بطء وتيرة التغيير في نظام أبيه. 

انسحب إلى منزله المترف في لندن متردداً بشأن العودة إلى ليبيا. 

وعندما عاد إلى طرابلس، عقب الاحتجاجات الأولى هناك في فبراير/شباط 2011، شرع وقتها في كتابة خطاب مصالحة تطرق فيه إلى مطالب المتظاهرين ووعد بإحداث تغييرات جذرية، حسبما أفاد أحد أصدقائه المقربين.

وفي 20 فبراير2011/شباط، أعلنت وسائل الإعلام الحكومية الليبية أن سيف الإسلام سيلقي خطاباً تلفزيونياً. 

ورأى بعض الليبيين أن هذا الخطاب سيكون لحظة انتصار للمعارضة. 

وأمعن آخرون في الأمل، فتوقّعوا أن يعلن سيف الإسلام تنحي أبيه إيذاناً ببدء عهد جديد من الإصلاحات الليبرالية.

لكن بدلاً من ذلك، أدار الليبيون أجهزة التلفاز ليروا سيف الإسلام جالساً في وضعية متهدّلة أمام طاولة، تطلّ من ورائه خريطة ضخمة للعالم باللونين الأخضر والأبيض، وتظهر قارة إفريقيا خلف رأسه كأنها خيط من الدخان. 

كان يرتدي بدلة وربطة عنق باللون الأسود. 

فيديو تقرير عن خطاب سيف الإسلام القذافي في 20 فبراير/شباط 2011.

سرعان ما أصبح هذا الخطاب الكارثي نقطة تحول في مسار الانتفاض.

تغيّر انطباع الليبيين عن سيف الإسلام إلى الأبد. 

وصف المعارضون الليبيون الخطاب بأنه سقوط الأقنعة، وأن هذا هو الوجه الحقيقي لسيف الإسلام. 

أما معارفه القدامى في الغرب، فقد نأوا بأنفسهم عنه أو افترضوا أنه ألقى هذا الخطاب تحت تهديد مسدس مصوّب إلى رأسه. 

ودفع آخرون، ممن تحصّلوا على أموال من مؤسساته، الثمن، من بينهم رئيس "كلية لندن للاقتصاد" الذي استقال من منصبه في شهر مارس/آذار من العام نفسه، بعد شبهات عن مساعدات مالية قدمها نجل القذافي مقابل الحصول على درجة علمية.

فيديو 50 ثانية: سيف الإسلام يؤكد أن الحرب مستمرة حتى "تحرير ليبيا" من الثوار

التلويح بالأصابع في خطابات سيف الإسلام وقت الثورة أغضب الليبيين. كانوا غاضبين للغاية، كما لو كانوا أطفالاً مشاغبين وكان مدير المدرسة الأعلى. 

وكان البديل الذي قدمه هو استمرار حكم والده الذي دام 42 عاماً، ثم تقديم نفسه كخليفة مفترض، وعرض الإصلاح بشروطه.

هكذا كتب سيف الإسلام السطر الأخير في مسيرته السياسية "التجريبية" قبل خروج نظام والده من التاريخ.

ذلك أن طباعه الشخصية كانت هي الفيصل في قراره السياسي، وهو ما تشرحه السطور التالية.

"زيف الأحلام" في ليالي ألف ليلة

سيف الإسلام مولود في طرابلس الغرب بعد نحو ثلاث سنوات من انقلاب والده على الملك السنوسي، وهو الابن الثاني للرئيس الليبي الراحل بعد ابنه البكر محمد من زوجته الأولى.

التحق بالمدارس العامة، مدرسة عمر بن الخطاب، ثم مدرسة محمد المقريف وكلتاهما تقع في نفس الحي الذي تقيم فيه أسرة معمر القذافي، ووجد سيف الإسلام نفسه مع عدد من التلاميذ من مختلف القبائل حتى إتمام مرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي.

كان طالباً ذا هوايات عادية، مثل القراءة والرسم والرياضة، وأخرى غير عادية مثل الصيد بالصقور وتربية النمور الأليفة.

بعدها انتقل لمدرسة "علي وريث" حتى أكمل مرحلة التعليم الثانوي.

درس الهندسة المعمارية بجامعة الفاتح، وفي 1994 بدأ يخطط لاستكمال الدراسات العليا في أوروبا.

رفضت كثير من الدول استقباله دارساً بسبب العلاقات المتوترة آنذاك بين والده والغرب، لكن النمسا قبلته في جامعة "أمادك" بفيينا، ونال منها درجة الماجستير في الاقتصاد الدولي عام 2000.

وبعد هدوء الأوضاع نسبياً بين ليبيا ودول الغرب توجه سيف الإسلام إلى بريطانيا ونال من كلية لندن للاقتصاد LSE، درجة الدكتوراه عام 2008 قبل أن يعود إلى ليبيا.

بعد عام من حصوله على الدكتوراه، عاد سيف الإسلام إلى لندن ليشتري منزلاً فاخراً في منطقة حي هامبستيد غاردن الراقية في شمال لندن في عام 2009.

والمنزل مكون من أربعة طوابق ويوجد به تسع غرف نوم وأربعة للاستقبال وحوض سباحة وقاعة سينما وجاكوزي.

بعد الثورة بعام كان المنزل مطروحاً للبيع على موقع إلكتروني عقاري محلي مقابل 12.5 مليون جنيه إسترليني، أي ما يزيد على 17 مليون دولار. 

في الوقت نفسه تداولت صحف غربية مزاعم بسرقته البحث الذي حصل به على الدكتوراه.

نقلت صحيفة independent البريطانية عن معارضين ليبيين أن سيف الإسلام جند الأكاديميين الليبيين لكتابة أطروحته المنتحلة، ومنهم أستاذ للاقتصاد تخرج في ألمانيا يدعى الدكتور منيسي.

رفضت السفارة الليبية في النمسا التعليق على هذه المعلومات، كما نقلت عن كلية لندن للاقتصاد قولها إنها لا تمتلك "أية أدلة" على الادعاءات الحالية.

وأجرت كلية لندن للاقتصاد تحقيقاً في مزاعم انتحاله للبحث الذي حصل به على الدرجة العلمية.


يُحيي "ليالي الأُنس" في فيينا وسان تروبيه

وكان الانغماس في الملذات أحد طباعه؛ فكان يقتني زوجاً من النمور البيضاء..

وتواترت الأنباء عن احتفالاته المترفة بأعياد ميلاده في سان تروبيه وموناكو، وعن رحلات الصيد التي يقوم بها في أوروبا ونيوزيلندا. 

كان يتصارع على السلطة مع أشقائه الخمسة، وتحديداً شقيقه المعتصم الذي كان قائداً عسكرياً. 

وكان يبدو، في بعض الأحيان، ضائعاً ومشتتاً بين الشرق والغرب لا يعرف كيف يفي بتوقعات أبيه.

واعتاد خصومه على تسميته "زيف الأحلام". 

هكذا يتحدث تقرير New York Times عن الرجل الذي شارك والده في وصم العائلة بالغرابة والمبالغة، والانغماس في الحياة بلا حدود.

وقبل شهور من انتفاضة 2011، عرض "الفنان التشكيلي" سيف الإسلام لوحاته في موسكو للحفاظ على دفء العلاقات مع روسيا.

معرضه الذي أقيم ليلة الثلاثاء في مدرسة الفنون بموسكو تحت عنوان “الصحراء ليست صامتة” ضم نحو 50 لوحة من أعماله، منها "نمر من ورق"، التي تصور نمره "فريدو" الذي مات. 

كان فخوراً بحديقة الوحوش والحيوانات البرية الملحقة بقصره في طرابلس.


يعيش في مزرعة الوحوش والغزلان.. ومخازن الصواريخ

بعد ساعات من تدمير قصره في طرابلس وهروبه من المدينة، دخلت الصحفية الأمريكية أبيجيل هاوسلوهنر Abigail Hauslohner إلى مزرعته لتسجل مشاهد الدمار، والرفاهية الفاحشة التي كان يعيشها الوريث المحتمل.

كانت المزرعة المحصّنة في ضواحي طرابلس موضوعاً لحكايات خيالية، تتحدث عن أسود ونمور وحيوانات استوائية تعيش هناك.

لكن الصحفية لم تجد أياً منها.

كتبت تقول إن أحداً لم يتوصل بشكل خاص إلى مكان وجود النمور أو الأسود أو الغزلان، أو أي من قائمة الحيوانات الطويلة التي يقول المتمردون إن سيف الإسلام القذافي كان يقتنيها في حديقته الخاصة. 

لكن الأقفاص موجودة.

حفر كبيرة عشبية لحبس الوحوش، ذات نتوءات صخرية لتسلقها، وجدرانها عالية جداً. لكن الأبواب كانت مفتوحة على مصراعيها.

كان هناك طائران من الطاووس يتجولان بأمان، مما يعني أن الوحوش الكبيرة قد غادرت قبل فترة طويلة.

ويبدو أن مزرعة سيف تحتوي على المزيد من الكنوز وإشارات الإفراط في الإنفاق.

القصر المستوحى من الطراز المغربي، والذي كان مجهزاً بطاهٍ مغربي، تحطم إلى أشلاء في غارة جوية لحلف شمال الأطلسي خلال الانتفاضة. 

فشل الصاروخ في قتل القذافي، وبدلاً من ذلك انهار قصر سيف على رجلين وطفل مجهولين، سكناه بعد أن عرفا بهروب أصحابه.

تحت المزرعة شبكة من الأنفاق والمخابئ، من النوع الذي كان كل عرين القذافي مجهزاً به تقريباً.

لكن الجزء الذي يبدو أنه استعصى حتى على الناتو هو الملاجئ.

الملاجئ مليئة بالآلاف من الأزياء العسكرية الجديدة، وأكياس النوم، والسترات الواقية من الرصاص، والأقنعة الواقية من الغازات - ما يكفي لتجهيز لواء. وقد مزقت الضربات الجوية بعض المخابئ.

لكن هناك أيضاً مخابئ مليئة بالذخيرة ومشابك بندقية كلاشينكوف، بها طلقات من جميع الأحجام، وناقلة جند مدرعة، ومولدات للقوات. وفي حفرة - في الهواء الطلق، لكنها ما زالت حية وجاهزة للاستخدام - توجد القنابل.

المئات تحمل علامة M120: نظام هاون إسرائيلي الصنع تستخدمه القوات المسلحة لجار ليبيا، مصر. 

هناك صناديق صواريخ شُحنت إلى طرابلس من بلدة رامنسكوف الواقعة جنوب شرقي موسكو. 

وهناك أنظمة قاذفات صواريخ ومتفجرات وصناديق فارغة معلمة للرصاص من العيار الثقيل.

بالطبع الشيء الوحيد المفقود من ترسانة الحرب هو صاحبه غريب الأطوار، الذي بادر بالهروب.


ويذهب في مغامراته العاطفية حتى إسرائيل

كان مغرماً بالنساء.

قبل سقوط حكم والده، تابعت وسائل الإعلام مغامرتين للوريث الشاب، مع ممثلتين مغمورتين، إحداهما تركية، والأخرى إسرائيلية.

الأولى هي عارضة الأزياء التركية إبرو شانغي Ebru Şancı.

تعرفت على سيف الإسلام عام 2005 في لندن: "أثناء علاقتي معه أقمت معه لمدة ثلاث سنوات في ليبيا وعشت في قصورهم، وفي تلك الفترة كان الناس فقراء ويعانون الجوع.. كانت العائلة مجنونة!". وقالت إنه كان يسافر لزيارتها في تركيا بعد الانفصال. "كان دائماً يحتفل بأعياد ميلاده هنا، ويحب أن يقضي أوقاتاً في مدينة بودروم، ودائماً كان برفقته رجال الأعمال الذين كانوا يحصلون على العقود للعمل في ليبيا، وفي المقابل كانوا يعرفونه على النساء".

لكن كان السبب الحقيقي للانفصال هو انشغاله بالمغامرة الإسرائيلية.

وقتها كتبت صحف في تركيا عن خيانة سيف الإسلام للعارضة شانغي مع عارضة إسرائيلية تدعى أورلي فاينرمان، وأشارت إلى خلاف بين الحبيبتين.

هي عارضة الأزياء الإسرائيلية أورلي فاينرمان Orly Weinerman.

ظهرت العلاقة بين فاينرمان مع القذافي لأول مرة في الصحف الأوروبية في عام 2006. 

في بداية ذلك العام ذكرت صحيفة ''معاريف'' الاسرائيلية أن علاقة غرامية تجمع ما بين ممثلة إسرائيلية تدعى أورلي فاينرمان وسيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي معمر القذافي.

ونقلت الصحيفة هذا الخبر عن أحد أقارب الممثلة الذي أضاف أن اللقاءات "المتكررة" بين سيف الإسلام واورلي تتم في إيطاليا.

وذكر أنه يتم نقل الممثلة سراً في سيارات مختلفة إلى أماكن اللقاءات.

وتشير ''معاريف'' إلى أن العلاقة بين الممثلة ونجل القذافي قد تؤدي إلى الزواج، مما يجعل أقرباء أورلي فاينرمان يخشون احتمال اعتناقها الإسلام. وتضيف الصحيفة أن للممثلة أيضاً صديقاً مقرباً جداً هو لاعب كرة سلة إسرائيلي.

فاينرمان لم تزر ليبيا قط لكنها قالت إنها التقت بأفراد آخرين من عائلة القذافي

ولم تتغير طبيعته في سنوات السجن الطويلة

حوالي 6 سنوات أمضاها سيف الإسلام خلف قضبان السجن، بعد أن عاش طوال حياته الابن المدلل لقائد ليبيا وصاحب النفوذ والسلطة، ليعود في 2017 إلى الواجهة من جديد بعد أن استعاد حريته بموجب قانون العفو التشريعي.

لكنه لم يكن سجيناً عادياً.

كان يتناول في وجبة الصباح التونة والعسل، والكثير من مشروبات الطاقة طوال اليوم، كما قال حارسه للإعلام.

طلب سيف الإسلام من حارسه كتباً دينية حول المذهب الحنبلي، كما وصلته كتب باللغة الإنجليزية من منظمات دولية.

وتم توقيف محامية سيف الإسلام القذافي، الأسترالية ميليندا تايلور صيف 2011، بعد اكتشاف كاميرا وجهاز تحديد مواقع بحوزتها، فضلاً عن توقيع سيف الإسلام على أوراق بيضاء.

تم أيضاً العثور على رسالة مخبأة بإحكام في ملابسها.

أما سرّ الإبقاء على سيف الإسلام القذافي في الزنتان، بدل ترحيله إلى طرابلس العاصمة، فهو "الخوف من تمكين نجل القذافي من الهروب أو قتله بدل محاكمته". 

قبيلة الزنتان لديها اتفاق قبلي قديم مع قبائل بني وليد التي ينتمي إليها سيف الإسلام القذافي، تمنع القتال بينهما أو أذية أفراد القبيلتين.

خسر سيف الإسلام كلّ شيء، وشاهد بعينيه مقتل عدد من أفراد عائلته، وقضى سنوات في سجن انفرادي. 

لا شكّ أنه ذاق مرارة المعاناة.

لكن إلى أي مدى تأثر، وتغيّر، وأصبح مؤهلاً لاستيعاب ما جرى، وما يمكن أن يحدث بعودته.

ظهور مفاجئ.. إلى أين يذهب؟

من غير الواضح بعد إن كان سيف الإسلام القذافي ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية في ليبيا المقرر عقدها نهاية عام 2021 ولكنه مقتنع بقدرته على تجاوز العوائق القانونية للترشح بسبب حكم غير نهائي صادر بحقه والعوائق السياسية والعسكرية على الأرض.

وانطلق أنصاره بحملات على شبكات التواصل الاجتماعي تحت شعار "رشحناك"، وشكلوا لذلك ما يسمى بـ”حراك رشحناك من أجل ليبيا”، منذ نهاية 2020.

بحكم الطبيعة الاجتماعية والقبلية هناك أنصار "مُنتَظرون" مثل قذاف الدم.

وما زالت مدن وقبائل تجاهر بدعمها له، على غرار قبائل القذاذفة والمقارحة والورفلة، المنتشرة في مدن سرت (وسط) وبني وليد، والشويرف (غرب)، وبراك الشاطئ، وسبها (جنوب).

ثم أحمد قذاف الدم المقيم في مصر، له الدعم المالي، ويحتفظ بثروة طائلة، ويقود أيضاً حزب النضال الوطني.

أما الكتائب الأمنية التي شكلها معمر القذافي لحماية نظامه، وإن تم تفكيكها بعد الثورة، إلا أن أطراف الصراع عادت واستعانت بقادتها وعناصرها وتم ضمهم لوحدات عسكرية، لكن أغلبهم يقاتلون الآن إلى جانب ميليشيات حفتر.

لديه حليف قوي هو روسيا التي تفضله على حفتر

تعتقد موسكو أن سيف الإسلام "سيفوز" بالانتخابات.

روسيا متواجدة عسكرياً في ليبيا عبر شركة "فاغنر"، وتقارير إخبارية تحدثت مؤخراً عن تواجد قوات روسية نظامية أيضاً.

وهذا الثقل العسكري الروسي وإن كان في الظاهر لصالح حفتر، إلا أن موسكو قد تختار القذافي في النهاية إذا خيرت بينه وبين حفتر.

ولا تخفي موسكو دعمها للقذافي الصغير.

وهناك تقارير تتحدث عن ممثلين جاءوا من روسيا للتواصل مع سيف الإسلام عقب خروجه من السجن.

والْتقى مندوب سيف الإسلام نائبَ وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، نهاية 2018، وسلَّمه خطاباً يطلب دعماً روسيّاً لطموحه السياسي.

واستقبل مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف، مفتاح الورفلي وعمر أبوشريدة، ممثليْن عن “حركة سيف الإسلام”، مطلع 2021.

وتحاول روسيا دخول ليبيا أيضاً من باب إعادة الإعمار، والفوز بحصة في الدولة الغنية بأكبر الموارد النفطية في إفريقيا.

يرى المحلل السياسي الليبي نزار كريكش، أن السلوك الروسي تجاه ليبيا محدد منذ الثورة، ذلك أن موسكو ليس لها موطئ قدم حقيقي في ليبيا، نتيجة اتفاق غربي تاريخي لمنع روسيا من دخول منطقة شمال إفريقيا.

اعتادت روسيا أن تتعامل مع الجميع في ليبيا، بمن فيهم نجل القذافي، وتحاول الحفاظ على الحد الأدنى من مصالحها الاقتصادية هناك.

ولا مؤشرات واضحة على انحياز موسكو للقذافي الابن حتى الآن.


وله خصم صعب هو حفتر الذي يصارع البقاء

عودة الرجل قد تُحدث شرخاً في صفوف ميليشيات حفتر، خاصة إذا قرر استعادة السلطة بالقوة بدعم روسي.

وأقل الضرر سيكون في حالة دخوله الانتخابات، ليصبح أبرز منافس لحفتر لحد الآن على الرئاسة.

تزداد مخاوف اللواء المتقاعد من عودة سيف الإسلام إذا علمنا أن أنصار القذافي يتولون مناصب حساسة في صفوف ميليشيات حفتر.

اللواء المبروك سحبان، قائد القوات البرية من قبيلة المقارحة.

الرائد عمر امراجع، قائد كتيبة طارق بن زياد من المقارحة.

اللواء عبدالسلام الحاسي، قائد القوات الخاصة.

وقبلهم محمد بن نائل قائد اللواء 12، الذي سيطر على قاعدة براك الشاطئ الجوية في 2016، وانضم إلى حفتر، وتوفي في ظروف غامضة.

بينما تم التخلص من مسعود الضاوي، أحد القادة الموالين للقذافي في منطقة ورشفانة المحاذية للعاصمة، على يد ميليشيات حفتر في 2019، إبان العدوان على طرابلس.

وغيرهم في كل صفوف ميليشيات حفتر.

ورغم أن حفتر وصف ذات مرة سيف الإسلام القذافي بـ”المسكين”، إلا أنه حاول قتله أكثر من مرة، بحسب أنصار القذافي، بل وبحسب شهادة إبراهيم المدني، قائد اللواء محمد المدني بالزنتان.



.. ويبقى أمام سيف الإسلام هذا القرار الصعب

عودة سيف الإسلام من الموت المحتمل، ومن داخل ليبيا، وإطلاقه تصريحات بهذه الثقة المفرطة من رجل ملاحق قضائياً، في الداخل والخارج، أثارت كل أنواع ردود الفعل.

ارتفعت معنويات أنصار النظام الليبي السابق بإطلالة سيف الإسلام القذافي، الذي يلقبه بعضهم بـ"مانديلا ليبيا". 

في حين ذهب متابعون إلى القول إن ظهور نجل القذافي من شأنه تفكيك المشهد السياسي، ومن ثم، إعادة طرحه كـ"خيار ثالث" بين المعسكر الشرقي بقيادة المشير خلفية حفتر القائد العام لـ"الجيش الوطني الليبي"، والمعسكر الغربي الذي قد يفرز شخصية مدنية، في وجود منافسين محتملين آخرين مثل فتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق، الذي اعتزم الترشح في الاستحقاقات المرتقبة.

المؤكد أن أغلب مَن في المشهد الآن يخشون ظهوره.

والمعركة الآن تدور حول أفضل السبل القانونية لمنعه من الترشح.

إذا تم منعه قد يستفيد من ذلك بتبني خطاب الاضطهاد للمزيد من الشعبية.

وإذا ما سُمح له بخوض الانتخابات، هناك شكوك في قدرته على حسمها لمصلحته في ظل تشظي المشهد العام، وانقسامات الشرق والغرب.

ليبيا تقف أمام مفترق طرق.

"كل يتحسس مسدسه" انتظاراً للحظة المرتقبة لإجراء الانتخابات، التي بدأ العد التنازلي لها، في حين ما زال المتحاربون متمترسين على جبهات الاقتتال في محور سرت-الجفرة.

كل طرف يحارب على التراب الليبي يسعى للدفاع عن "مكتسبات" ومصالح تحققت واستقرت طوال 10 سنوات.

بينما يبحث أنصار القذافي عن فرصة ثانية للحكم.

قد تؤدي عودة القذافي للمعترك السياسي، إلى تشكل تحالفات جديدة وغير متجانسة بين أعداء الأمس في إطار سياسة "عدو عدوي صديقي".

لكن منذ 2011 خسر أنصار القذافي معظم المعارك العسكرية التي خاضوها ضد كتائب الغرب الليبي أو حفتر، فهل سيتمكن سيف الإسلام من تجميع شتاتهم؟ 

أم تزداد البلاد انقساماً؟

أم يبتعد عن الانتهازية السياسية، وعن نهاويل وشطحات العائلة القذافية، ويتخذ قراراً بالابتعاد، والاختفاء من الجسد الليبي المثخن بالحروب والدماء؟

يحتاج قرار مثل هذا إلى الذكاء أولاً، ووضع مصلحة الوطن قبل الأحلام.. والشطحات.