هل حان وقت الفراق؟

الخليج وأمريكا في مفترق الطريق

هل حان وقت الفراق؟

الخليج وأمريكا في مفترق الطريق

عربي بوست

حرب أوكرانيا تكشف عن خلافات قديمة بين واشنطن والحلفاء في الرياض وأبوظبي

تضارب مصالح يخرج إلى العلن في ملفات روسيا وإيران والصين واليمن وإنتاج النفط

فهل تتزايد احتمالات "الخروج من العلاقة الخاصة" والبحث عن حلفاء جدد؟

كان الجميع يبتسمون في هذه القمة النادرة التي استضافتها إسرائيل في مارس/آذار 2022.

خمسة وزراء خارجية من المنطقة، إسرائيل ومصر والبحرين والإمارات والمغرب، ووزير الخارجية الأمريكي في وسط الصورة.. يبتسم أيضاً.

لكن كان هناك أيضاً حقيقة مزعجة لواشنطن، أنه بعد سنوات من الجهود الأمريكية من أجل صياغة إجماع إقليمي ضد الخصوم المشتركين، فإن الإجماع الموجود الآن لا يشمل الولايات المتحدة. 

بل بدا أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن "استغل هذه القمة للتستر على الخلاف مع السعودية بشأن الاتفاق النووي مع إيران، من خلال تقديم صورة للتضامن الإقليمي.. لكن المنطقة لم تنخدع"، كما قال كاتب مقرب من القيادة السعودية.

هم في واشنطن يسألون عما إذا كان شركاؤهم في الشرق الأوسط هم شركاء بالفعل. 

وهنا يسألون عما إذا كانت الصداقة مع الأمريكان مفيدة، ومضمونة، وتستحق التكاليف المالية والسياسية الباهظة.

من السهل إلقاء اللوم على مسؤولين هنا أو هناك، لكن عملية التفكك هذه استمرت في الواقع لفترة طويلة بما يكفي لتمتد لفترات ثلاثة رؤساء أمريكيين، أي نحو 13 عاماً وأكثر، حسب تقدير مجلة Foreign Policy الأمريكية.

تصاعدت التوترات على الأقل منذ الانتفاضات العربية عام 2011، عندما اعتقد ملوك دول الخليج العربية أن واشنطن تتخلى عنهم، وتتحالف مع القوى الإسلامية التي سعت إلى الإطاحة بهم. 

بعد أربع سنوات على اندلاع الربيع، تعزز هذا الشعور بالإهمال عندما وقّعت إدارة أوباما على اتفاق نووي مع إيران "لا يراعي مصالحهم الأمنية" من وجهة نظرهم. 

وأصبحت العلاقات التاريخية "سجالاً" بين أصدقاء قدامى، يحاول كل منهم أن يرد الصاع اثنين لخصمه، وهو يبحث عن مصالحه.

وكان رفض السعودية والإمارات زيادة إنتاج النفط للمستوى الذي تريده أمريكا موقفاً كاشفاً عن مدى التغير الذي شهدته علاقات البلدين مع واشنطن من "التبعية" إلى الندية.

هذا الرفض الصريح طرح نقاشات كبيرة حول ما إذا كان التحالف السعودي الأمريكي المستمر منذ 77 عاماً يستحق الحفاظ عليه، فيما رأى تحليل آخر لمجلة Foreign Affairs أن الرفض السعودي لا يجب أن يكون مفاجئاً لأحد، بعد الكثير من المقدمات في الأعوام الأخيرة. 

عادة ما يكون المسؤولون في أبوظبي والرياض غامضين في كثير من الأحيان. لكن في الأسابيع الأخيرة كانوا صريحين بشكل غير معهود مع الدبلوماسيين الزائرين حول طبيعة مظالمهم، وإلى أي مدى هم مستعدون للتعامل معها. قال أحد الدبلوماسيين الغربيين لصحيفة الغارديان إن نظيراً سعودياً قال: هذه هي نهاية الطريق مع بايدن، وربما مع الولايات المتحدة أيضاً.

فهل هي بالفعل نهاية الطريق؟

هذا التقرير يضع كل هذه التغيرات موضع التساؤل، ويستعرض التاريخ القريب للعلاقات الخليجية الأمريكية، ومقدمات الخلاف ثم توابعه العلنية، مع التركيز على السعودية والإمارات، بعد صدور إشارات متكررة منهما على تفاوت في المواقف من قضايا بعينها، مثل أوكرانيا وإيران وإنتاج النفط. كما يتطرق التقرير إلى قوة الصين كبديل محتمل للشراكة بدلاً من الولايات المتحدة.

السعودية وأمريكا.. زواج السبعين عاماً

خلافات بدأت في عهد أوباما وتعمقت في ولاية بايدن إلى حدود القطيعة بسبب خاشقجي واليمن والنفط

العلاقات العربية الأمريكية ذات جذور تاريخية ثابتة، ظهرت وترعرعت على مر السنين والعقود الطويلة، واستمدت قوتها من تبادل المصالح وتوزيع المهام.

تأسست العلاقات الأمريكية-السعودية  قبل 77 عاماً باتفاق الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في العام 1945، على أساس "النفط مقابل حماية النظام".

تطورت العلاقة مع زيارة الملك سعود إلى واشنطن 1957، ورسم دور المملكة "السياسي الإقليمي" الذي لم يتراجع إلّا في أواخر عهد الرئيس أوباما وخلفه ترامب.

وحين اشتد أوار الحرب الباردة بين الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي، كانت بعض فصولها تحتدم بصورة أكثر درامية على الأراضي العربية.

كانت القوتان تجمعان العملاء الإقليميين في جميع أنحاء الأرض.  واختارت مصر المعسكر الشرقي حتى وفاة عبد الناصر، ثم انتقلت إلى الجانب الأمريكي مع نادٍ يضم السعودية والأردن وإسرائيل ودول الخليج العربي الوليدة، التي كانت تبحث عن الحماية بعد أن تخلى البريطانيون عن مواقعهم هناك عام 1971.

ثم انتعشت علاقة واشنطن مع الإمارات العربية المتحدة خلال التسعينيات بعدما اتخذ وجود الولايات المتحدة في الخليج مظهراً دائماً بعد حرب الكويت.

في العقود التالية أصبحت الولايات المتحدة أكثر انخراطاً بشكل مباشر في الشرق الأوسط.

وتطورت هذه العلاقات بشكل وثيق مع الحرب العالمية على الإرهاب، حتى بدأ التغير الكبير وسط الولاية الأولى للرئيس باراك أوباما.

كانت تلك الدول تشكل جوهر مجموعة من الدول الصديقة للولايات المتحدة التي سهلت على واشنطن متابعة أهدافها في المنطقة تحت عدة عناوين:

  • حماية التدفق الحر للنفط. 
  • ضمان الأمن الإسرائيلي. 
  • مكافحة الإرهاب. 
  • منع انتشار أسلحة الدمار الشامل.
  • بالإضافة إلى سلسلة من المغامرات السياسية والعسكرية مثل غزو العراق.

أخطاء أمريكية لن تغفرها الرياض بسهولة 

كانت المشاكل في علاقات الولايات المتحدة مع السعوديين تتطور، وتتجمع مثل سحاب داكن يتجمع ببطء.

مجموعة من العوامل الإقليمية والعالمية والسياسية ساهمت في صنع إنذارات العواصف منذ الشهور الأخيرة في 2021.

بدا علناً منذ هذا الوقت أن السعوديين والإماراتيين لم يعد لديهم أي ثقة في التصريحات الأمريكية بأن واشنطن ملتزمة بأمنهم. 

عندما هاجم الإيرانيون منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص بالمملكة العربية السعودية في سبتمبر/أيلول 2019، اختار الرئيس الأمريكي ترامب عدم الرد على الهجمات، رغم مساهمة بلاده في "توثيق" التورط الإيراني في الهجوم.

امتنع ترامب عن تطبيق معاهدة الدفاع المشترك، ونفى أنه وعد الرياض بحمايتها، وقال بلغة فظة:
يجب عليها أن تدفع مقابل الحماية. 

فيديو 20 ثانية، ترامب أمام تجمع انتخابي في مسيسبي: "نحن نحمي السعودية. ستقولون إنهم أغنياء. وأنا أحب الملك، الملك سلمان. لكني قلت (أيها الملك، نحن نحميك. ربما لا تتمكن من البقاء لأسبوعين بدوننا. عليك أن تدفع لجيشك)".

وبرغم هذا الكلام الخشن فقد أقامت إدارة ترامب علاقة وثيقة مع السعودية التي تعتبرها حصناً في مواجهة طموح إيران بالمنطقة، وكانت الرياض المحطة الأولى في أولى رحلاته الدولية بعد توليه الرئاسة.

لكن مثل هذا التصريح سرّع وتيرة تراجع العلاقات بين البلدين.

ومع إسراع إدارة بايدن صوب اتفاق نووي جديد مع إيران، تخشى دول الخليج أن تكافئ واشنطن طهران بمليارات الدولارات التي يمكن استخدامها "لزيادة زعزعة الاستقرار في المنطقة".

هناك أيضاً إصرار واشنطن على عدم تصنيف الحوثيين اليمنيين كمجموعة إرهابية.

والتفكير في إزالة التصنيف الإرهابي من الحرس الثوري الإسلامي، وهو المؤشر الأكثر دلالة على أن الالتزام الأمريكي بأمن الخليج أصبح ضرباً من الأوهام.


واشنطن نقلت السعودية من حليف مقرّب إلى خصم بلا عداوة 

في مارس/آذار 2022، "حاول الرئيس جو بايدن على مضض استعادة علاقات أوثق مع الأمير محمد بن سلمان، الملك المنتظر للمملكة العربية السعودية".

هكذا وصفت وكالة بلومبيرغ Bloomberg "الموقف اللين" للإدارة الأمريكية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أجبر بايدن على إعادة التفكير في نهج المواجهة للحد من أسعار النفط المرتفعة.

الموقف الأمريكي الجديد جاء بعد شهور من محاولات بعض كبار المسؤولين في الإدارة لإقناع الرئيس بأن تجاهل الزعيم السعودي الفعلي يَعُوق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية. 

أعطت الحاجة إلى عزل موسكو دفعة جديدة لتلك الدفعة. 

وصف أحد المسؤولين العدوان الروسي بأنه حدث يغير الطريقة التي تنظر بها الولايات المتحدة إلى الرياض.

السعودية هي القوة الاقتصادية الأكبر في الشرق الأوسط، ولسنوات كانت ثقلاً سياسياً ثقيلاً في شؤون المنطقة وقوة مهيمنة في أوبك +، التحالف القوي بين كارتل مصدري النفط وروسيا. 

كما أنها واحدة من أكبر مشتري الأسلحة الأمريكية.

هذا التحول هو في جزء منه اعتراف بأن بايدن وضع نفسه في زاوية خلال حملته الرئاسية من خلال وصف المملكة العربية السعودية بأنها "منبوذة"، وهو انعكاس لاشمئزازه من مقتل الناقد جمال خاشقجي في 2018 ورغبته في التراجع عن علاقات سلفه المريحة.

إدارة بايدن في مأزق: يجب أن تحافظ على شراكة عمرها عقود تضمن نفوذ الولايات المتحدة في أكبر منطقة مصدرة للطاقة في العالم. 

وفي الوقت نفسه تريد أيضاً محاسبة الأمير محمد، 36 عاماً، على سجله المثير للجدل في حقوق الإنسان. 

وكشف الرئيس الجديد عن خطابات محتقنة تجاه الرياض التي تمتعت بعلاقة استثنائية مع سابقه مع رفع ميليشيا الحوثي من قائمة الإرهاب ووقف الدعم العسكري للتحالف العربي في اليمن، وتجميد مبيعات الأسلحة إلى السعودية مؤقتاً.

في سجل العلاقة التاريخية احتلت تلك الأحداث موقع الصور الأيقونية لقيام القوات الأمريكية بتحرير الكويت عام 1991، واجتماع روزفلت مع الملك عبد العزيز عام 1945. 

أصبح القرار السعودي يتعامل مع "أمريكا جديدة" لا تكترث كثيراً لهموم وأولويات الرياض، بل تعكف على حساباتها ومصالحها الخاصة.

وكان على المملكة أن ترد عملياً، كما تشرح السطور التالية.


اتهام أمريكا بفسخ "زواج استمرّ 70 عاماً مع السعودية"

عندما قرر محمد اليحيى، رئيس التحرير السابق في موقع العربية السعودية، أن ينتقد الولايات المتحدة، اختار منصة إسرائيلية هي Jerusalem Post.

"بصفتي سعودياً التحق بالجامعة في الولايات المتحدة، ويحب أمريكا ويريد رؤيتها قوية، فإنني منزعج بشكل متزايد".

هكذا بدأ مقاله الذي جاء بعنوان
"أمريكا تفكك أعمدة إمبراطوريتها"
في نهاية مارس/آذار 2022.

أضاف: يجب أن تركز على كلمة واحدة: "الطلاق"، عندما تفاوض الرئيس باراك أوباما على الاتفاق النووي مع إيران، فهمنا نحن السعوديين أنه يسعى لفسخ زواج دام 70 عاماً.

واشنطن تسعى الآن لتأسيس نظام "تصبح فيه إيران، بدعم من روسيا والصين، المقاول الفرعي الجديد لأميركا، بينما حلفاء أمريكا السابقون - دول الخليج وإسرائيل - تم تخفيضهم إلى الدرجة الثانية". 

وبدلاً من الصداقة، تبدو أميركا أكثر ميلاً لاستخدام أصدقائها القدامى كدروع بشرية لإيران، في وقت سابق من هذا الشهر، عندما شنت إيران هجوماً صاروخياً باليستياً بالقرب من القنصلية الأميركية في أربيل في العراق، زعمت أنها استهدفت منشأة إسرائيلية. ثم أكد مسؤول كبير في إدارة بايدن الادعاء الإيراني. بينما نفى مسؤولون آخرون ذلك لاحقاً، فقد وقع الضرر. 

"يصبح السؤال هو: لماذا يجب على حلفاء أمريكا الإقليميين مساعدة واشنطن على احتواء روسيا في أوروبا بينما تعمل واشنطن على تقوية روسيا وإيران في الشرق الأوسط؟

تفترض أمريكا أن أن الحلفاء الإقليميين القدامى ليس لديهم خيار سوى تناول ما يقدم لنا على الإفطار، وتناوله مرة أخرى على الغداء. 

هذا الافتراض متعجرف وخاطئ. 

في المقابل تبدو السياسة الصينية بسيطة ومباشرة: نحن نشتري النفط منك، وأنت تختار المعدات العسكرية التي تريدها من الكتالوج الخاص بنا.

في المقابل، ساعدنا على استقرار أسواق الطاقة العالمية.

بعبارة أخرى، يقدّم الصينيون ما يبدو نسخة عصرية من الصفقة الأمريكية - السعودية التي عملت على استقرار الشرق الأوسط لمدة 70 عاماً".

من مصلحة أمريكا أن تنجح السعودية

السعودية تشعر أن فريق إدارة بايدن لم يقدم سوى القليل مقابل ما قدمته المملكة لأمريكا، وتعبر عن صدمتها من عدم اهتمام واشنطن بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تشهدها.

لكن لن تذهب واشنطن للإضرار بعلاقاتها مع هذا الحليف المهم. عدم التعاون مع الرياض يعني السماح بانهيار المنطقة.

يعني تصاعد الإرهاب والهجرة الجماعية عبر المتوسط نحو الغرب. كما أن توتر العلاقات مع المملكة يعني زيادة تقلب أسعار النفط؛ مما سيضر بالاقتصاد الأمريكي والعالمي.

يجب أن تبحث إدارة بايدن عن طرق للشراكة مع السعوديين وغيرهم في المشاريع التي تساعد على تحريك الشرق الأوسط في اتجاه يعزز المصالح المشتركة.

للولايات المتحدة مصلحة في مستقبل السعودية، والسعوديون لديهم حوافز كبيرة للعمل مع الأمريكيين.

الباحث جون ألترمان Jon B. Alterman

مسؤول برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي CSIS

والسعودية ترد بتغيير مجمل سياساتها الإقليمية 

قرر الأمير محمد بن سلمان أن يواصل مخاطرته بخسارة حسن النوايا الأمريكية بأولوياته السياسية الخاصة.

هو يثق أنّ الثروات والاحتياطيات النفطية لبلاده ستردع أي ردود فعلٍ أمريكية أو غربية رسمية. 

وبأن الرياض سوف تتكيف وتبحث عن مصادر أخرى للأسلحة، والاستثمارات، والتكنولوجيا، متى تجاهلتها واشنطن أو تقاعست الشركات الأمريكية عن تقديم الاستثمارات.

وهو يعرف أنّ العصيان العلني لدعوات الولايات المتحدة والغرب بزيادة الإنتاج يلقى استحساناً جيداً في أرض الوطن، حيث تسلط الضوء على مكانة السعودية كطرفٍ كبير في الاقتصاد العالمي.

وهكذا تغيرت لهجة الخطاب والسياسة الخارجية السعودية بشكلٍ كبير منذ نهاية فترة إدارة ترامب.

أطلقت السعودية في 2021 عملية المصالحة مع قطر في قمة العُلا.

وأعادت التقارب مع عمان والكويت.

كما نأت بمواقفها عن الإمارات العربية المتحدة.

وعزّزت الرياض تفاعلها مع العراق.

واستعادت العلاقات الدافئة مع حلفاء تقليديين مثل مصر، والأردن، والمغرب، وباكستان. 

واستأنف ولي العهد مشروعاً دام لسنوات من أجل تحقيق تفاعلٍ أكبر مع الصين وروسيا.

وتبنّى نهجاً أكثر مرونة وعملية في التعامل مع إيران. 

حتى فيما يتعلّق بلبنان، وافق بن سلمان مؤخراً على مساندته اقتصادياً بالتعاون مع فرنسا، وليس مع أمريكا.

حتى الإعلام السعودي الرسمي دخل على الخط، منتقداً الرئيس الأمريكي وساخراً منه.

فيديو دقيقة: قناة mbc السعودية تسخر من الرئيس الأمريكي ونائبته

وتعليق من الإعلامي المصري حافظ الميرازي على تويتر: صرخة يأس سعودية هستيرية ضد إدارة بايدن التي ترفض الاعتراف بشرعية ولي العهد

الإمارات وأمريكا.. أكبر أزمة
منذ 50 عاماً

خلافات واضحة بشأن الملف النووي الإيراني والشراكة مع الصين والموقف من الحرب في أوكرانيا

في بداية مارس/آذار 2022 استضاف مؤتمر للدفاع والتكنولوجيا والأمن في أبوظبي سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، ليشرح المرحلة الراهنة التي تمر بها العلاقات بين البلدين.

اختار العتيبة تعبير "اختبار القدرة على تحمل الإجهاد" عنواناً لهذه المرحلة الدقيقة من العلاقات بين أبوظبي وواشنطن. "علاقتنا مع الولايات المتحدة مثل أي علاقة أخرى. في أيام تكون علاقة صحية، وفي أيام تكون محل تساؤل. اليوم، نمرّ بمرحلة اختبار جهد، لكنني واثق من أننا سنخرج منها وسنكون في موقع أفضل".

"هناك شرخ في الثقة في الولايات المتحدة ينمو كل يوم". تلخيص تنقله Financial Times عن أستاذ السياسة الإماراتي عبد الخالق عبد الله، الذي يرى أن "التوجه هو كثير من الصين، قليل من الولايات المتحدة على كل الجبهات، ليس فقط اقتصادياً، بل سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً في الأعوام المقبلة، وليس هناك ما يمكن ﻷمريكا فعله بهذا الشأن".

الإمارات واحدة من أقرب شركاء واشنطن في الشرق الأوسط، إذ تستثمر بغزارة في الأصول الأمريكية، وتشتري أسلحة أمريكية بعشرات المليارات من الدولارات، وتدعم القوة العظمى في عملياتها العسكرية من الصومال إلى أفغانستان، وحتى المعركة ضد مسلحي القاعدة في اليمن، كما كتبت صحيفة Financial Times

لكن ما يحدث الآن سحابة غير مسبوقة من "الشكوك" المتبادلة، وانعدام التنسيق في ملفات كبيرة، والمؤشرات كثيرة. 

  • رفضت الإمارات مع السعودية طلبات إدارة بايدن بضخ المزيد من النفط مع ارتفاع الأسعار العالمية مع غزو روسيا لأوكرانيا. 
  • وامتنعت الحكومة الإماراتية عن التصويت على قرار يدين الغزو الروسي في مجلس الأمن.
  • ولم تدعم العقوبات على روسيا، شريكتهما في أوبك +. 

في منتصف مارس/آذار 2022 استضاف الإماراتيون الرئيس السوري بشار الأسد في دبي، وكان ولي العهد محمد بن زايد في استقبال شخص مسؤول عن جرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع، لكنها زيارة عكست بوضوح شرخاً متنامياً مع الولايات المتحدة.

ثم بدأ التدفق غير العادي للثروة الروسية إلى دبي بعد العقوبات الغربية ليفاقم الأمور. 

يأتي كل هذا في وقت لم تعد فيه أمريكا القوة العظمى الوحيدة في العالم، الأمر الذي دفع الإمارات والدول الأخرى إلى تنويع الشركاء، وجاءت الصين في مقدمة التحالفات المحتملة للإمارات.

وتعميق الإمارات لعلاقاتها ببكين يضيف مزيداً من التوتر على التحالف مع واشنطن، ويقلقها بشأن التداعيات الأمنية المحتملة لاستخدام شركائها التكنولوجيا الصينية، مثل شبكات هواوي للجيل الخامس.

تنقل فايننشال تايمز عن دبلوماسي أمريكي أن عامل الصين بات "نقطة لاذعة حقيقية" في العلاقات مع الإمارات، وأنها إحدى المسائل التي تجعل العلاقات الحالية مع أبوظبي ودول الخليج الأخرى عسيرة. "هناك مسعى لجعلهم يختارون على نحو أحادي، والإماراتيون يقولون بنفس الجدية: لا تجبرونا على الاختيار".


من فرع الشركة الأمريكية بالصين إلى الإمارات

يشكو المسؤولون في الإمارات من تعقيد الإجراءات السياسية الأمريكية تجاه التصدير للحلفاء، مقابل كل هذه السهولة على الجانب الصيني.

عندما رفضت الولايات المتحدة بيع مسيّرات مُسلحة إلى دول الخليج، ذهبت الرياض وأبوظبي لشراء الأسلحة من الصين. 

وبعد ثلاث سنوات، ومع ضرب فيروس كورونا للمنطقة، تحولت الإمارات إلى الصين مع بحثها العالمي عن موارد لمواجهة الجائحة.

وعلى النقيض عندما تواصل خلدون بن مبارك، أحد أهم مساعدي بن زايد الحاكم مع شركة هني ويل لتوريد معدات الوقاية الشخصية، عجزت الشركة عن التوريد بسبب الحظر الأمريكي على تصدير معدات الوقاية الشخصية، وتم توفير الصفقة من فرع الشركة بالصين.

الإمارات والصين في حالة "شراكة استراتيجية شاملة"، مع التركيز على الروابط الاقتصادية ونقل التكنولوجيا والطاقة. 

غير أنه كانت هناك أيضاً جوانب سياسية وعسكرية للاتفاقيات، تضمنت الرغبة في "تعزيز التعاون العملي بين الجيشين" في "قوات وأسلحة متنوعة وتدريبات مشتركة وتدريب الأفراد، والنطاقات الأخرى".

وأصبحت الإمارات بين الدول التي يُعتقد أن بكين "تفضلها كثيراً" كمواقع لمنشآت لوجستية عسكرية. 


هذه الصعوبات لا تعني "قطع كل الجسور"

ليس لدى أبوظبي أي نية لقطع الجسور مع واشنطن، والمتوقع أن تواجه الإمارات بعض المشاكل في علاقتها مع الولايات المتحدة، ومع تصعيد العقوبات الغربية، قد يكون من الصعب أيضاً على الشركات الإماراتية والمصالح المالية الحفاظ على العلاقات مع روسيا.

"علاقة الإمارات بالشريك الأمريكي على المحك، وعلى مفترق طرق، وتواجه صعوبات لم تواجهها منذ 50 سنة، وقد تتجه إلى مزيد من التباعد، بدلاً من التقارب". 

هكذا كتب أستاذ العلوم السياسية المقرب من صانعي القرار في أبوظبي عبد الخالق عبد الله في نهاية مارس/آذار 2022. 

ووربما تقع مهمة إصلاح سوء الفهم على عاتق إدارة بايدن التي تغامر بخسارة شريك إقليمي لا يزال حريصاً على تقوية علاقته بواشنطن.

أوكرانيا تضيف المزيد من التعقيد

كان ارتفاع أسعار المحروقات أحد التوابع المباشرة لزلزال أوكرانيا.

هنا عاد بايدن ليلتفت نحو "دفاتره القديمة"، وحلفاء الأمس في ملف النفط.

لكن إعادة بناء العلاقات لن تكون سهلة بعد مواقف بايدن "القاسية" تجاه السعودية وولي عهدها، خاصة تجاوز ولي العهد والتعامل مع والده فقط، ما اعتبرته الرياض إهانة شخصية، كما تقول بلومبيرغ، "إهانة لن تُغفر بين عشية وضحاها".

كما شعر قادة المملكة بالاستياء من الاهتمام الأمريكي بجارتهم الصغيرة قطر، وهم يدركون أن الولايات المتحدة تتوجه نحو الرياض فقط عندما تحتاج إلى خدمة.

هذه المرة، تنضم السعودية إلى إسرائيل والإمارات، وتنتظر من الولايات المتحدة معالجة المخاوف بشأن دعم إيران للجماعات المسلحة، قبل دعم جهود بايدن لعزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضخ المزيد من النفط في الأسواق. 

في مقابلته مع مجلة The Atlantic، سئل ولي العهد السعودي عما إذا كان بايدن يسيء فهمه، فأجاب: ببساطة، لا يهمني. الأمر متروك له للتفكير في مصالح أمريكا.

ومصالح أمريكا أصبحت تسير تحت شعار: نحن بحاجة إلى العمل مع جهات فاعلة سيئة، أي السعودية، ضد جهات فاعلة أسوأ، أي روسيا وإيران وربما الصين.

كان هذا نفس المنطق الذي دفع الولايات المتحدة إلى معاملة فلاديمير بوتين ذات يوم كشريك في الحرب على الإرهاب، رغم الخلافات الأصيلة بين الطرفين. 

هكذا نقل إدارة بايدن السعودية من خانة الحليف والصديق المفضل، إلى قائمة الخصوم "الأقل سوءً". 

لكن بعد اندلاع الحرب بأسابيع قليلة، نقلت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية عن مسؤولين قولهم، إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد رفضا طلبات الولايات المتحدة للتحدث إلى بايدن، حيث أصبح المسؤولون السعوديون والإماراتيون أكثر صراحة في الأسابيع الأخيرة في انتقادهم  للسياسة الأميركية في الخليج.

وردّت الإدارة الأمريكية بأن تقرير الصحيفة "لا يعكس الحقيقة"، لأن بايدن تحدث هاتفياً مع العاهل السعودي الملك سلمان، وقالت الإمارات إنه تعمل على ترتيب مكالمة هاتفية بين بن زايد وبايدن، ولم تعلق السعودية.

لكن السيناتور الجمهوري ماركو روبيو اعتبر تجاهل الرياض وأبوظبي لرغبة بايدن في الاتصال "رسالة سياسية واضحة".

الترجمة: آمل أن يعيد السعوديون والإماراتيون النظر.. لكن الرسالة هنا إلى بايدن واضحة للغاية.. إذا كنت ستطالبهم بممارسة "ضبط النفس" عندما يتعرضون للهجوم من قبل إيران، فسوف يمارسون أيضاً "ضبط النفس" عندما تهاجم روسيا دولة أوروبية

في التوقيت نفسه تقريباً، عُقِدَ لقاء على مستوى وزراء نفط "أوبك بلس"، تجاهلوا جميعهم الحرب على أوكرانيا، وأكّدوا تمسكهم بسياسة المنظمة حول الإنتاج، التي تم التوافق عليها مع موسكو، في موقف عزز التموضع الروسي في مواجهة الغرب.

فهل هناك بالنسبة لواشنطن ما هو أكثر قسوة من وقوف "حلفاء" في صف بوتين، العدو رقم واحد عالمياً؟

ولهذه الأسباب يفضلون الشراكات مع الصين

منذ بدأت الصين منذ عقدين توسيع بصمتها الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط، تصارع الإمارات والسعودية ودول خليجية أخرى للحفاظ على التوازن، لأن بكين الآن أكبر مشترٍ للنفط الخام من منطقة الخليج.

ولأن المؤسسة السياسية الأمريكية تتجه إلى الانفصال عن المنطقة، الأمر الذي وضح جلياً في الانسحاب الفوضوي من أفغانستان.

طيلة عقود، رأى قادة الخليج واشنطن ضامناً ﻷمنهم، بينما رأتهم الولايات المتحدة مصدراً مضموناً للطاقة العالمية. 

لكن تراجعت واردات الولايات المتحدة من المنطقة على نحو ملحوظ على مدار عشر سنوات، نتيجة فورة الغاز الصخري في أمريكا الشمالية. 

وعلى النقيض، ارتفع الطلب الآسيوي على النفط، وازدهرت العلاقات الاقتصادية بين الصين والخليج، لتصل اليوم إلى ما هو أكثر بكثير من مجرد خام النفط.

وهنا الآن جيل أصغر وأكثر طموحاً من قادة الخليج، يسعون إلى الحصول على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للمدن الذكية، والمسيرات المسلحة والرعاية الصحية والطاقة المتجددة.

ومع الوقت ازداد الاعتماد على الصين أكثر وأكثر لثلاثة أسباب واضحة، حسب المحلل السعودي علي شهابي:

  • الصينيون مستعدون لنقل التكنولوجيا، وليس لديهم كونغرس لمضايقتك. 
  • الصين هي أكبر أسواقنا. 
  • الصين لديها نفوذ على إيران خصم السعودية، وفرضياً هي حليف إيران الوحيد المهم، لهذا تتزايد أهميتها بالنسبة للسعودية.

والمثال الحاسم على اقتناع الرياض بالتفوق التقني المطلق للصين، هو قرارها باستخدام شبكات هواوي للجيل الخامس في نيوم، مشروع ولي العهد محمد بن سلمان الذي يتكلف 500 مليار دولار لبناء مدينة مستقبلية، رغم معارضة الأمريكيين الشديدة. 

لكن الصين تقدم شيئاً لا يمكن للولايات المتحدة ولا القوى الغربية تقديمه، وهو نموذج استبدادي ذو تنمية بقيادة الدولة.

نموذج يلاقي أصداء قبول لدى حكام الخليج الملكيين، كما تشرح السطور التالية.


هي لا تتدخل في الشؤون الداخلية للأصدقاء

دول الخليج والصين تتبادل التعهدات بعدم التدخل في المسائل الداخلية، وهي قاعدة ذهبية تتفادى أي خلاف محتمل.

وعندما كان الكثير من العالم الغربي يقرِّع محمد بن سلمان في اﻷشهر التالية على مقتل جمال خاشقجي في 2018 من قبل عملاء سعوديين، كانت بكين ترحب بولي العهد السعودي بكل حرارة.

وبالتالي لم يعلق الأمير محمد، نجل الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين، علانية على اضطهاد أقلية الإيغور المسلمة. بدلاً من ذلك  وجهت السعودية بالاشتراك مع 37 دولة منها كوريا الشمالية، رسالة إلى الأمم المتحدة تدعم فيها سياسة بكين تجاه الأقليات في إقليم شينجيانغ حيث يشكل المسلمون أكثر من نصف السكان.

القادة الخليجيون "ينظرون إلى الصين كقوة صاعدة تخلق الكثير من الفرص ولا تطلب الكثير، بينما تميل الدول الغربية إلى الربط بمسائل حقوق الإنسان أو الأيديولوجيا السياسية"، كما يشرح جوناثان فولتون، الخبير في العلاقات الصينية الشرق أوسطية بجامعة زايد في أبوظبي.

"الصين ستأخذ أكثر من حصة الولايات المتحدة في السعودية، ﻷن كل اضطراب يسببه الأمريكيون للمملكة يشجع أكثر على هذا"، هكذا ينتهي تقرير Financial Times، لأن مركز الثقل العالمي والثقل الاقتصادي يتحرك باستمرار جهة الشرق.

النفط السعودي باليوان الصيني

"السعودية تبحث جدياً تسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الدولة الآسيوية الكبيرة بعملة اليوان، وهي خطوة من شأنها أن تقلل من هيمنة الدولار الأمريكي على سوق الطاقة العالمية".

خبر نشرته صحيفة Wall Street Journal في منتصف مارس/آذار 2022، وفي حال تحقق يمكن اعتباره تحولاً تاريخياً في علاقات الرياض وواشنطن.

السعودية هي أكبر مصدر للنفط الخام، والصين هي ثاني أضخم اقتصاد في العالم، يستهلك الكثير من الطاقة في صناعاته. 

هذه الخطوة قد تغري منتجين آخرين لا يتوافقون مع أمريكا كثيراً بتسعير صادراتهم الصينية باليوان أيضاً، مثل روسيا وأنغولا والعراق. 

بكين تشتري أكثر من 25% من النفط الذي تصدّره الرياض.

وتتم نحو 80% من مبيعات النفط العالمية بالدولار.

ويبيع السعوديون النفط حصراً بالدولار منذ عام 1974، في صفقة عقدتها إدارة نيكسون مقابل ضمانات أمنية لصالح السعودية.

أمريكا لا تنسحب.. تعيد حساباتها فقط

هكذا تتساقط الأوراق الجديدة، وتتكشف الحقائق مثل المفاجآت في فيلم درامي مثير.

الولايات المتحدة لم تعُد اللاعب العالمي الوحيد في الشرق الأوسط.

الاستثمارات الاقتصادية والتكنولوجية الصينية في كل بلد هنا بدون استثناء.

والنفوذ العسكري الروسي تعاظم خلال العقد الماضي، خاصة في البلدان التي تعاني سياسياً واقتصادياً. 

يذهب كثيرون إلى أن المرحلة الأمريكية في المنطقة طُويت وانقضت، وأن الخلافات مع دول الخليج ليست مألوفة.

والحديث عنها علناً من جانب الطرفين يعني أن تحوّلاً كبيراً يطوي أوراق العصر الأمريكي هنا، ويفتتح عصراً آخر ما زالت ملامحه تتشكل ببطء.

لكن الطرفين، الخليج وأمريكا، راغبان في الحفاظ على أكثر من علاقة صداقة.

هذه المنطقة لم تشب بعد عن الطوق الأمريكي، كما يرى محللون أمريكيون. 

والحديث عن الانسحاب الأمريكي الشامل الكامل مجرد أسطورة.

لا تزال واشنطن تحتفظ بشبكة مترامية الأطراف من القواعد العسكرية في أنحاء مختلفة.

والصراعات الإقليمية مرشحة لخلق المزيد من الاضطرابات والعنف، ما يعزز الدعوات إلى استمرار الوجود الأمريكي. ومبيعات الأسلحة خير دليل على أن واشنطن لا تزال تعطي الأولوية لشراكاتها العسكرية في المنطقة. 

استمرار تركيز الحزبين الأمريكيين على إيران سيصب أيضاً في مصلحة وجود عسكري أمريكي كبير. 

الانسحاب يترك الحلفاء أكثر عرضة للهجمات الإيرانية بواسطة الدرون. 

والتدريبات الأمنية البحرية المشتركة، التي تنفذ بهدف احتواء إيران، تشمل الآن الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين.

ولم تؤد محاولات بايدن من أجل "تقويم"العلاقات مع دول عربية إلى وقف التعاون، لكن إدارته تسعى لخفض أنظمتها المضادة للصواريخ في المنطقة، لتركز مجدداً على التحدي الذي تمثله روسيا والصين. 


لا عودة "مجانية" إلى الوراء بلا تفاهمات جديدة

من الواضح أنه لن تكون هناك عودة إلى شراكة أمريكية خليجية في الماضي- ولكن يمكن أن يكون هناك تفاهم جديد بين الجانبين.

ويتعين على الحكومة الأمريكية معالجة المخاوف الأمنية الخليجية وتقديم حماية أكثر فاعلية ضد هجمات إيران ووكلائها، عربوناً لاستعادة بقية حكام الخليج.

الموقف الأمريكي واضح: الولايات المتحدة لن تتخلى عن الشرق الأوسط، لكنها تواجه مشكلة مختلفة ربما، لا تكمن في المغادرة، بل في البقاء هنا على نحو مناسب، أو غير مناسب. 

مثلاً، تستثمر الولايات المتحدة حالياً في المساعدة العسكرية لمصر سنوياً بقدر ما تستثمره في مساعدات التنمية الاقتصادية للمنطقة بأكملها، رغم عواصف الانتقادات لملف حقوق الإنسان في مصر. 

والموقف الخليجي واضح: لا عودة مجانية إلى الوراء، وتحالف "أوبك بلس" مع موسكو سيظل قائماً، حتى يقدّم الغرب عرضاً مقبولاً لدول الخليج يقوم على مبادئ ثلاثة:

  • العمل على وقف حرب اليمن.
  • إرساء توازن مع إيران.
  • قبول شرعية ولي العهد في السعودية وفي الإمارات أيضاً، والتعامل معهما كونهما حكاماً مستقبليين للبلديْن الأكبر اقتصاداً في المنطقة العربية.

وتدرك دول الخليج أيضاً أن روسيا ليست بديلاً عن أمريكا، ولا الصين وحدها قادرة على ملء كل الفراغات التي تشغلها أمريكا، لكن فرصة الحرب الأوكرانية منحت الأطراف الخليجية فرصة للمناورة. هذه المرة لا يدور الصراع في الشرق الأوسط، بل في أوروبا وعلى أرض بعيدة، ولذلك تجد الدول الخليجية نفسها قادرة على المناورة بهامش مقبول، ولو أنّه محدود بالزمان والقدرة.

ليس الطلاق من أمريكا هو ما تسعى إليه، بل "المناورة بهامش معقول" للحصول على تنازلات من واشنطن أهمها "المساعدة في مواجهة التهديد المتزايد للصواريخ والطائرات بدون طيار التي تملكها الجماعات المدعومة من إيران".

ولا يبدو أن الولايات المتحدة وأصدقاءها في المنطقة قد وصلوا إلى منعطفٍ لا تتقابل فيه مصالحهم بعده، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية. وبالطبع يمكن أن يُعيد المسؤولون في واشنطن وعواصم الشرق الأوسط تشكيل العلاقات القديمة بناءً على مجموعة أهدافٍ جديدة.

لا أحد يمكنه أن يتكهن بطبيعة الولاءات وشبكات التحالف التي سوف تشرع في ملء "فراغات" يغادرها الأمريكيون هنا. 

لكن المؤكد أن عصراً جديداً يتسم بالمصارحة والتفضيل العلني للمصالح الوطنية، حتى لو تعارض ذلك مع الأب الروحي، أو الحليف الأكبر، أو القوة العسكرية الأكبر على وجه الأرض، حتى إشعار آخر.