طوق فاغنر الإفريقي

خرائط تكشف توسع القوات الروسية من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي بحثا عن الثروات، وكيف تهدد شمال أفريقيا

خلال شهر يناير/كانون الثاني 2024 نقلت تقارير روسية وأوروبية عن مسؤولين أن موسكو بصدد إطلاق "الفيلق الأفريقي"، وهي مجموعة عسكرية ستحل محل مرتزقة "فاغنر" التي خفت نجمها بعد مقتل قائدها يفغيني بريغوجين، وكانت البداية من ليبيا، في انتظار أن تكمل انتشارها في دول أفريقية بمنطقة الساحل الصيف المقبل.

أياً كان اسمها، سواء "مرتزقة فاغنر" أو "الفيلق الأفريقي"، فإن مهمتها الرئيسية هي حماية مصالح روسيا في المنطقة، خاصة أنها تضم نفس العناصر التي شكلت القوة السابقة، والتي نجحت إلى حد كبير في تمكين موسكو من موطئ قدم داخل القارة السمراء.

غير أن الظروف كلها تغيرت، ويكفي أن نشير إلى أن التواجد العسكري الروسي في القارة السمراء أصبح يمتد من البحر الأحمر وعلى طول دول الساحل والصحراء الكبرى، وصولاً إلى حدود مالي مع موريتانيا.

ورصدت التقارير تمركز قوات فاغنر الروسية حول المناطق المعروفة بتواجد المعادن، مثل الذهب والنفط في السودان أفريقيا الوسطى ومالين واليورانيوم في النيجر.

وتشير التقارير الاستخباراتية الغربية إلى أن التواجد الروسي وصل إلى المحيط الأطلسي، بعد أن رصدت تواجد قوات فاغنر في بعض الدول المطلة على المحيط مثل غينيا وغينيا بيساو.

خلال شهر يناير/كانون الثاني 2024 نقلت تقارير روسية وأوروبية عن مسؤولين أن موسكو بصدد إطلاق "الفيلق الأفريقي"، وهي مجموعة عسكرية ستحل محل مرتزقة "فاغنر" التي خفت نجمها بعد مقتل قائدها يفغيني بريغوجين، وكانت البداية من ليبيا، في انتظار أن تكمل انتشارها في دول أفريقية بمنطقة الساحل الصيف المقبل.

أياً كان اسمها، سواء "مرتزقة فاغنر" أو "الفيلق الأفريقي"، فإن مهمتها الرئيسية هي حماية مصالح روسيا في المنطقة، خاصة أنها تضم نفس العناصر التي شكلت القوة السابقة، والتي نجحت إلى حد كبير في تمكين موسكو من موطئ قدم داخل القارة السمراء.

غير أن الظروف كلها تغيرت، ويكفي أن نشير إلى أن التواجد العسكري الروسي في القارة السمراء أصبح يمتد من البحر الأحمر وعلى طول دول الساحل والصحراء الكبرى، وصولاً إلى حدود مالي مع موريتانيا.

ورصدت التقارير تمركز قوات فاغنر الروسية حول المناطق المعروفة بتواجد المعادن، مثل الذهب والنفط في السودان أفريقيا الوسطى ومالين واليورانيوم في النيجر.

وتشير التقارير الاستخباراتية الغربية إلى أن التواجد الروسي وصل إلى المحيط الأطلسي، بعد أن رصدت تواجد قوات فاغنر في بعض الدول المطلة على المحيط مثل غينيا وغينيا بيساو.

انتشار فاغنر في السودان

بعد شهر من اندلاع الاشتباكات الدامية في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، تم خلال شهر مايو/أيار 2023، رصد مجموعة من المسلحين ذوي الملامح الغربية في أحد مواقع الإجلاء بمدينة بورتسودان السودانية الساحلية المطلة على البحر الأحمر.

هؤلاء المسلحون كانوا عناصر من قوات المرتزقة الروسية "فاغنر" التي لعبت أيضاً دوراً في الاشتباكات التي كانت دائرة وقتها حول العاصمة الخرطوم، وكانت القوات الروسية التابعة للكرملين تدعم قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، لكن هل وجود "فاغنر" في السودان بدأ مع اندلاع المواجهات بين الدعم السريع والجيش؟

في أواخر عام 2017، طار الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير إلى العاصمة الروسية موسكو، والتقى بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في منتجع بمدينة سوتشي الروسية المُطِلَّة على البحر الأسود. 

كان لهذا اللقاء غاية واضحة لم يتردد البشير في إعلانها، وهي إيجاد يد حامية من "الأعمال العدوانية للولايات المتحدة" ضد السودان، وفق ما ذكره موقع قناة "الجزيرة".

لم يتردد بوتين في الاستجابة لطلب البشير، الذي وعده بأن تصبح السودان "مفتاح أفريقيا" للكرملين، بعد أن عرض عليه امتيازات التعدين وبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر في بورتسودان، بوابة البلاد للتجارة الدولية.

في غضون أسابيع، وصل عناصر مجموعة فاغنر الروس الذين خدموا في أوكرانيا وسوريا إلى السودان، ومعهم الجيولوجيون الروس الذين جاؤوا للعمل في مجال التعدين عن طريق شركة "مروي جولد" المحلية التي تعود ملكيتها إلى شركة "إم إنْفِسْت" الروسية. 

وفي أبريل/نيسان 2018، أي بعد نحو خمسة أشهر من اتفاق البشير وبوتين، سافر "يفغيني بريغوجين"، مؤسس ومالك فاغنر، في زيارة إلى الخرطوم، وبعد رحيله تحدثت المصادر عن وجود نحو 100 رجل من فاغنر يُدرِّبون القوات العسكرية السودانية. 

وقد نما هذا التعاون حتى ارتفع عدد عناصر المجموعة إلى نحو 500 تمركزوا بشكل رئيسي في الجنوب الغربي بالقرب من "أم دافوق" القريبة من حدود السودان مع أفريقيا الوسطى.

مهمة "فاغنر" في السودان 

في البداية، كُلِّفَت عناصر فاغنر بحراسة مصالح رئيسهم بريغوجين في تعدين الذهب داخل بلد يُعَدُّ ثالث أكبر منتج للمعدن الأصفر اللامع في أفريقيا.

ولاقى نشاطهم هذا دعماً من الكرملين، حيث زوَّدت وحدة الطيران 223 التابعة للقوات الجوية الروسية شركة "إم إنفست" بطائرتين بين أبريل/نيسان 2018 وفبراير/شباط 2019. 

ووقَّعت شركة "مروي جولد" صفقة مدتها خمس سنوات مع شركة سودانية تدعى "أسوار"، والتي يبدو أنها كانت خاضعة لسيطرة المخابرات العسكرية السودانية، لتأمين موقعها في قطاع الذهب في البلاد، حسبما أفاد مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) في تقرير له في عام 2018.

وأضاف أنه في عام 2018، تنازل السودان عن ضريبة الذهب البالغة 30 بالمئة لـ"مروي". وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2020 عقوبات على كل من شركة M Invest وشركة Meroe Gold التابعة لها.

بينما قال وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين، في ذلك الوقت: "إن بريغوزين وشبكته يستغلون الموارد الطبيعية للسودان لتحقيق مكاسب شخصية"، حسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية "AFP".

مهام أخرى غير الذهب

إلى جانب الذهب، قدمت فاغنر أيضًا نفوذًا سياسيًا استراتيجيًا في السودان، حسب ما ذكرته الوكالة الفرنسية.

وكتبت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية في فبراير/شباط 2023، أن "حملات التضليل التي تستهدف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي السودانيين كانت جزءًا ثابتًا من قواعد اللعبة التي يمارسونها منذ عام 2017".

وفي أوائل عام 2022، قال أحد عناصر الأجهزة الأمنية السودانية للوكالة الفرنسية: "إن الخبراء الروس يقومون بتأمين الاتصالات وتحليل وسائل التواصل الاجتماعي للمؤسسات المرتبطة بالدولة".

ويُعتقد أيضًا أن فاغنر قامت بتدريب أعضاء في الأجهزة الأمنية، وكتب الخبير الروسي سيرغي شوكانكين في عام 2020: "إن وجود أفراد شبه عسكريين روس في السودان أمر لا شك فيه".

وأضافت مصادر سودانية محلية أن "المرتزقة يتواجدون في الخرطوم ويقومون بتدريب قوات العمليات الخاصة التابعة لجهاز المخابرات والأمن الوطني".

ماذا بعد اندلاع الاشتباكات؟

بعد اندلاع الاشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش، نفى وقتها الرئيس السابق لقوات فاغنر، يفغيني بريغوجين، الذي قُتل بعد تحطم طائرته، وجود أي عناصر من فاغنر في السودان.

حيث قال على تيليغرام: "منذ عامين، لم يكن هناك أي مقاتل من فاغنر... موجود في السودان. واليوم لا يوجد أحد".

ويتفق معظم المحللين على أنه من المرجح أن ينتظر ليرى نتيجة القتال قبل اختيار أي جانب.

وقالت كاترينا دوكسي، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره الولايات المتحدة، إنه على مدى السنوات القليلة الماضية منذ سقوط البشير، "واصلت فاغنر توسيع محفظة التعدين الخاصة بها في السودان".

كما أضافت لوكالة الأنباء الفرنسية أنها فعلت ذلك من خلال البقاء "انتهازية نسبياً في السودان بدلاً من الولاء لأي فصيل سياسي معين".

وعلى الرغم من أن الاتهامات توجه لروسيا بدعم حميدتي بشكل غير مباشر، فإن هدفها الأهم هو السيطرة على معادن وثروات السودان، وليفُز من يفُز بالحرب.

الباحثة في العلاقات الدولية والأوربية في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو لانا بدفان، قالت إن "روسيا تعمل على استكمال مشاريعها في السودان، سواء عبر القواعد العسكرية في البحر الأحمر، أو استكمال التدفقات الضخمة من مخازن الأسلحة والمعدات العسكرية إلى مركز نفوذها في تلك المنطقة، وخاصة في القارة الأفريقية".

وأضافت الباحثة في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن "روسيا تسعى للسيطرة على أو حماية ثروات السودان المعدنية وتحديداً اليورانيوم والذهب وموارد الطاقة والإمكانات الزراعية الهائلة عبر تواجدها في السودان".

قريبون من الذهب وأيضاً من مصر

يظهر مسح جغرافي لأهم مراكز تواجد المعادن النفيسة في السودان أنها توجد في أقصى شمال البلاد ومن الساحل الشرقي على البحر الأحمر إلى أقصى الغرب، حيث بات التواجد الروسي قريباً من الحدود مع مصر.

بعد سقوط نظام عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، بدأ الحديث عن التواجد الروسي في السودان، خاصة من قِبل الإعلام الغربي من بينها صحيفة "New York Times" الأمريكية التي نشرت تحقيقا عن أحد أهم مصانع الذهب في السودان التي تحرسها قوات "فاغنر" الروسية.

حيث كشفت في تحقيق صحفي نشرته عام 2022 عن أن مصنعاً يقع في منطقة العبيدية الغنية بالذهب على بُعد 320 كيلومتراً شمال الخرطوم يخضع لحراسة مشددة محاط بأبراج لامعة، يسميه السكان المحليون "الشركة الروسية"، ويعمل في نشاط التعدين، لكنه في الحقيقة واجهة للمنظمة شبه العسكرية، "فاغنر".

إذ يعالج المصنع أكوام الخام من سبائك الذهب، حيث حصلت "فاغنر" على امتيازات تعدين مربحة تنتج سيلاً متدفقاً من الذهب كما تظهر السجلات، ويعزز مخزون الكرملين من الذهب، البالغة قيمته 130 مليار دولار.

كما أشارت الصحيفة في تحقيقها إلى أنه في شرق السودان، تدعم "فاغنر" مساعي الكرملين لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر لاستضافة سفنها الحربية التي تعمل بالطاقة النووية.

وفي غرب السودان، وجدت المجموعة في هذه المنطقة مصدراً محتملاً لليورانيوم، ومنصة لمرتزقتها للانطلاق في عمليات عسكرية في البلدان المجاورة"، وهو ما أثار القلق في الجارة الشمالية للسودان، مصر.

انزعاج القاهرة من توسع "فاغنر"

بينما تعددت الأدلة على دعم قوات "فاغنر" الروسية لقوات الدعم السريع، تحافظ مصر على علاقات جيدة مع قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، ورغم عدم تدخلها بشكل مباشر وعلني في الصراع، إلا أن القاهرة عبرت عن دعمها لـ"الشرعية".

ولم تخفِ القاهرة مخاوفها من تمدد قوات "فاغنر" الروسية على حدودها الجنوبية مع السودان، وقالت شبكة "CNN" الأمريكية إن مصر ترتبط بعلاقة طويلة الأمد مع البرهان، وقد دعمته بشكل خاص في الصراع على السلطة.

ونقل موقع "العربي الجديد" عن مصادر دبلوماسية غربية ومصرية، لم يسمها، أن القاهرة أبدت، خلال اتصالات مع أطراف غربية، قلقها ورفضها إزاء "اتفاق جرى بين حميدتي وشركة فاغنر الروسية، بوساطة خارجية، يجرى بموجبه توسيع وزيادة نشاط المجموعات المسلحة التابعة للشركة لدعم قوات الدعم السريع".

وقال دبلوماسي غربي في القاهرة، إن القاهرة "عرضت على مسؤولين غربيين معلومات استخبارية بشأن وصول مجموعة من المقاتلين الروس التابعين لمجموعة فاغنر قادمة من أحد المعسكرات التابعة للمجموعة في سوريا".

مخاوف القاهرة من تمدد قوات فاغنر لم تقتصر على السودان، حيث وجهت تحذيرات للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر الذي يسيطر على شرق ليبيا وتربطه علاقات مع "فاغنر"، التي باتت قريبة أيضاً من الحدود الغربية لمصر.

تواجد "فاغنر" في ليبيا

خلال شهر يناير/كانون الثاني 2024، كشفت وسائل إعلام روسية عن تشكيل مجموعة عسكرية أُطلق عليها اسم "الفيلق الأفريقي"، وأوضحت أنها ستحل مكان مرتزقة "فاغنر" التي فقدت قائدها بريغوجين بعد تحطم طائرته، وإن اختلف الاسم، فإن المضمون والهدف واحد.

وتشير تقديرات إلى أن الفيلق الأفريقي الذي أُعلن عنه مطلع عام 2024 يضم في صفوفه بين 40 و45 ألف مقاتل وسينطلق من ليبيا.

وقد أعلنت القناة الرسمية له على التطبيق الروسي "تليغرام" بدء قبول مجندين جدد من ديسمبر/كانون الأول الماضي وفق شروط معقدة وطويلة وتدريبات شاقة. 

ومن المتوقع أن يكتمل إنشاء الهيكل العسكري للفيلق الأفريقي بحلول صيف 2024، وفق صحيفة "فيدوموستي" الروسية، لكن لماذا تم اختيار ليبيا لإعلان إطلاق "الفيلق الأفريقي"؟

قد يكون الأمر عادياً إذا أخذنا بعين الاعتبار التواجد الروسي المتزايد في ليبيا منذ 2018، ممثلاً في مرتزقة فاغنر التي قدمت دعماً عسكرياً علينا للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.

كما قالت مصادر دبلوماسية سودانية وإقليمية لشبكة CNN إن مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر تزود قوات الدعم السريع السودانية بالصواريخ لمساعدتها في قتالها ضد جيش البلاد، انطلاقاً من القواعد التي تحتلها في ليبيا.

لكن ماذا إن تحدثنا عن ليبيا التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا واحتياطيات من الذهب يقدر تصنيفها بين أفضل 50 دولة في العالم، وموقع جغرافي متميز يربط النيجر وتشاد والسودان بشمال أفريقيا وأوروبا.

"الفيلق الأفريقي" ينطلق من ليبيا

حسب ما ذكره موقع "الجزيرة" الناطق بالإنجليزية، فإن التقديرات تشير إلى انتشار 800 من عناصر فاغنر في ليبيا، بالإضافة إلى 4600 آخرين منتشرين في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. 

وتحتفظ القوات الروسية بثلاث قواعد جوية، واحدة في حوض النفط في سرت، وواحدة في الجفرة في الداخل، وواحدة في براك الشاطئ، والتي يقول المحللون إنها تسمح بنقل البضائع بين الحلفاء في السودان ومواقع أخرى في جنوب الصحراء الكبرى.

وذكرت مجلة "Newsweek" الأمريكية نهاية شهر أبريل/نيسان 2024، أن عدداً كبيراً من المقاتلين الروس الجدد وصلوا في نفس الشهر إلى جنوب ليبيا، لينضموا إلى 1800 مقاتل موجودين بالفعل في البلاد، وكان بعضهم متجهاً إلى النيجر، والباقي إلى المنشآت النفطية الليبية.

وبالإضافة إلى وجودها على الأرض، تجري محادثات لمنح السفن الحربية الروسية حقوق الرسو في ميناء طبرق مقابل أنظمة الدفاع الجوي وتدريب طياري ما يسمى "الجيش الوطني الليبي".

وقال إيفان كليشتش، خبير السياسة الخارجية الروسية في المركز الدولي للدفاع والأمن في تالين، إن "وسط وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​منطقة مهمة للغاية بالنسبة لأوروبا، وبالتالي لحلف شمال الأطلسي".

واستطرد قائلاً: "لدى روسيا بالفعل ميناء على البحر الأبيض المتوسط ​​في طرطوس في سوريا، ومن شأن ميناء في طبرق أن يعمق هذا الوجود ويحتمل أن يضعها في منافسة مع أوروبا، وخاصة البريطانيين، الذين يحتفظون بوجود بحري كبير في قبرص".

حسب مجلة "نيوزويك"، فإنه في طبرق، سيكتسب وكلاء روسيا نفوذاً على حركة المرور التي تعبر البحر الأبيض المتوسط "ويوسعون اقتصاد التهريب حول المهاجرين والمخدرات والوقود كمصدر للأموال ونقاط ضغط على أوروبا". 

كما ستكون روسيا حسب المجلة "في وضع أفضل لمراقبتنا عن كثب، وربما في المستقبل، لاستخدام بدائل لتعطيل الشحن، على طريقة الحوثيين في البحر الأحمر".

اقتراب "فاغنر" من الجزائر

إذا كان تواجد قوات "فاغنر" في ليبيا لا يُقلق كثيراً صناع القرار في الجزائر بحكم تمركز تلك المرتزقة في الشرق الليبي، فإن توسع قوات "فاغنر" أو "الفيلق الأفريقي" على الحدود الجنوبية للبلاد بدأ فعلاً يُقلق المسؤولين في البلد المغاربي.

إذ تشترك الجزائر مع كل من النيجر ومالي حدوداً على طول بنحو 2300 كيلومتر كلها عبارة عن صحراء قاحلة، لكنها مهمة سواء بالنسبة لروسيا أو للغرب، وقبلهما للجزائر التي ترى في أي تواجد لمقاتلين أجانب "تهديداً غير مباشر لها".

وسائل إعلام عربية قالت نقلاً عن مصادر قريبة من الحكومة الجزائرية إنها باتت منزعجة من التحالف الذي عقده الحاكم العسكري في باماكو العقيد عاصيمي غويتا، مع مرتزقة "فاغنر" الروسية".

وجاء ذلك بعد أن استولت القوات المالية، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023 على مدينة كيدال، في هجوم سريع شنّته بمساعدة فنية ولوجيستية من الميليشيا، وكيدال هي أهم معاقل المعارضة المسلحة التي تطالب بإقامة دولة في الشمال.

ورأت الجزائر في هذه التطورات "خرقاً لاتفاق السلام" الموقع بين طرفي الصراع، على أرضها في 2015.

في بداية شهر مايو/أيار 2024، كشف وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، عن فتح بلاده رسميّاً ملف تواجد قوات فاغنر خلف حدودها الجنوبية في منطقة الساحل الأفريقي مع روسيا. 

وأوضح المسؤول الجزائري، في لقاء مع ممثلي وسائل إعلام محليّة، أنه ناقش الأمر شخصيّاً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.

كما أعلن المسؤول الحكومي الجزائري عن إنشاء آلية مشتركة، تضم دبلوماسيين وأمنيين، برئاسة الأمين العام لوزارة الخارجية، لوناس مقرمان، عن الجانب الجزائري، وميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية، والمبعوث الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين، عن الطرف الروسي.

وأكد عطاف أنّ اللجنة الثنائية المكلفة بمتابعة تواجد قوات فاغنر في الإقليم ستجتمع مرة أخرى في المستقبل القريب.

من التشاد إلى مالي مروراً بالنيجر

يوم الأحد 5 مايو/أيار 2024، قالت مجلة "Jeune Afrique" الفرنسية، إنه بينما تجري الانتخابات الرئاسية في تشاد، تتردد إشاعة عن وصول مرتزقة روس من مجموعة فاغنر إلى نجامينا نهاية أبريل/نيسان.

هذه الشائعات مستمرة، بما في ذلك داخل طاقم حملة أحد المرشحين الرئيسيين في الانتخابات، وهو نجاح ماسرا، وأكد أحد مستشاريه لـ"Jeune Afrique" لقد وصل مئة وثلاثون مرتزقاً روسياً من فاغنر إلى تشاد لتأمين حملة محمد إدريس ديبي".

وبينما تنتظر قوات فاغنر التمركز بشكل أكبر في تشاد، نجحت في أن تجد لها موطئ قدم بسرعة في النيجر، خاصة بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم.

إنه "البلد الذي يضيء شوارع باريس بينما يعيش أغلب سكانه في الظلام"، هكذا توصف النيجر التي تعد من أفقر دول العالم، ولكن ثرواتها تتنافس عليها القوى العظمى.

فالنيجر هي أهم مصدر لخام اليورانيوم في أفريقيا، حيث تعتبر النيجر رابع أغنى دولة في العالم من حيث احتياطيات اليورانيوم. 

فيما كانت تحتفظ الشركة النووية الفرنسية AREVA بالحق في معالجة موارد اليورانيوم في النيجر لأكثر من 50 عاماً. لهذا السبب، تولي كل من فرنسا والولايات المتحدة أهمية كبيرة للنيجر، لكن يبدو أنهما فشلا في الإبقاء على ولائها للغرب.

فقد سعت قوات فاغنر إلى الاستفادة من المشاعر المعادية لفرنسا المتجذرة في مناهضة الاستعمار وانتقادات دور فرنسا التاريخي في دعم الأنظمة الديكتاتورية، وفق ما ذكره "Lowy Institut" البحثي.

وقد أدى الاستياء من النفوذ الاقتصادي الفرنسي في دول مثل النيجر ومالي إلى زيادة هذه المشاعر، والتي تفاقمت بسبب فشل التدخل الفرنسي في عملية برخان في مالي، مما خلق ظروفاً مواتية لمجموعة فاغنر لتوسيع نفوذها في المنطقة.

علاوة على ذلك، ساهمت جهود الولايات المتحدة شديدة التركيز في مكافحة الإرهاب في النيجر ومنطقة الساحل عن غير قصد في تفاقم هذه القضية، بدلاً من تخفيف المظالم الاجتماعية.

في مقال تحليلي نشره المعهد كتبته، منيرة مصطفى، فإن التمويل الذي تتلقاه فاغنر لهذه الأنشطة، والذي يتم الحصول عليه من خلال المدفوعات النقدية أو امتيازات التعدين من القادة المحاصرين وقادة الميليشيات، يساعد في التخفيف من تأثير العقوبات على موسكو ويدعم إدارة بوتين.

هنا ينتشر "الفيلق الأفريقي" في النيجر ومالي

في 12 أبريل/نيسان الماضي، تم نشر جنود "الفيلق الأفريقي" الروسي، الأمر الذي "سيشكل تحدياً لجهود الولايات المتحدة للبقاء في النيجر على المدى القريب، ويقوض موقف الغرب في مكافحة الإرهاب في غرب وشمال أفريقيا".

حسب تقارير غربية فإن هذا الوضع يخلق فرصاً طويلة المدى للكرملين لخلق التهديدات التقليدية وغير النظامية التي تضغط استراتيجياً على أوروبا، ومن المرجح أن تظل وحدة الفيلق الأفريقي في النيجر لأشهر. 

زيادة النفوذ الروسي والوجود العسكري في النيجر في السنوات المقبلة من شأنها أن تخلق العديد من الفرص المستقبلية للكرملين لتهديد أوروبا استراتيجياً بالابتزاز في مجال الطاقة، وتدفقات الهجرة، والتهديدات العسكرية التقليدية.

فيما قال مسؤول كبير بوزارة الدفاع الأمريكية إن أفراداً من "الجيش الروسي" دخلوا قاعدة جوية في النيجر تستضيف قوات أمريكية، في خطوة تأتي في أعقاب قرار المجلس العسكري في النيجر بطرد القوات الأمريكية.

وطلب الضباط العسكريون الذين يحكمون الدولة الواقعة في غرب أفريقيا من الولايات المتحدة سحب ما يقرب من 1000 عسكري من البلاد، التي كانت حتى الانقلاب العام الماضي شريكاً رئيسياً في حرب واشنطن ضد المتمردين الذين قتلوا آلاف الأشخاص وشردوا ملايين آخرين.

ومن بين أحدث عمليات الانتشار المثيرة للقلق التي قامت بها مجموعة فاغنر في أفريقيا، نجد دولة مالي التي كانت حتى وقت قريب مركزاً للنفوذ الفرنسي في دول الساحل الأفريقي. 

لكن منذ سيطرة المجلس العسكري على السلطة في أغسطس/آب 2020، بدأ يتجه أكثر نحو الروس.

ومع إمكانية الوصول إلى مناجم اليورانيوم والألماس والذهب باعتبارها مكاسب محتملة، كان الهدف من نشر مجموعة فاغنر التي تضم 1000 مقاول هو تدريب الجنود الماليين وحماية المسؤولين الحكوميين في البلاد.

تهديد فعلي لموريتانيا وقلق في المغرب

إذا كان التواجد الروسي في مالي يقلق الجارة الشمالية الجزائر التي تشترك مع مالي بحدود على طول 1359 كيلومتراً، فإن التهديد كان علياً على موريتانيا التي تعتبر آخر "حائط صد" أمام موسكو للوصول إلى المحيط الأطلسي، وإن كانت قد تمكنت من ذلك عبر دول أفريقية أخرى.

إذ إنه في شهر أبريل/نيسان 2024، ساد توتر على الحدود بين موريتانيا ومالي بسبب توغل عناصر من مرتزقة فاغنر الروسية إلى قريتين موريتانيتين وإطلاق النار خلال مطاردة أشخاص من مالي.

وأفادت وسائل إعلام موريتانية بسقوط جرحى في "اقتحام" نفذه الجيش المالي مصحوباً بقوات فاغنر الروسية قرية فصالة، الواقعة أقصى شرق البلاد.

وقال موقع "الأخبار" المحلي إن جريحين، لم تعرف هويتهما، أصيبا برصاص الجيش المالي وقوات فاغنر وصلا، أمس الأحد، إلى المركز الصحي في فصالة.

وأضاف نقلاً عن مصادر محلية "تعرض حي، يعرف بحي أهل اسليمان غير بعيد من مدينة فصالة الحدودية، لهجوم من الجيش المالي مصحوباً بقوات فاغنر، وذلك أثناء مطاردات تشكل امتدادات لمواجهات مسلحة عرفتها المناطق القريبة من الحدود في مالي خلال اليومين الماضيين".

وتمتد المخاوف من امتداد قوات فاغنر بدول الساحل الأفريقي إلى المغرب، وذكرت تقارير إعلامية مغربية في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن الرباط قلقة من تورط القوات الروسية في "تدريب أفراد جبهة البوليساريو ومشاركتهم ميدانياً في بعض العمليات المحتملة".

حيث دخلت وقتها العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وروسيا مرحلة "الأزمة الصامتة" وصلت حد مغادرة سفير موسكو للرباط دون إبداء الأسباب بعد أيام من قرار هذه الأخيرة وقف رحلاتها الجوية المباشرة صوب الأراضي الروسية.

وفي يوليو/تموز 2022، وعلى هامش مناورات "الأسد الأفريقي" التي يحتضنها المغرب منذ عام 2044، حذر المسؤول عن القيادة العسكرية الأمريكية لمنطقة أفريقيا من أن الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة مدعوة لمواجهة انتشار جماعات متطرفة عنيفة فضلاً عن مرتزقة روس في منطقة الساحل التي تشهد عدم استقرار متزايد.