إعلان من 3 دقائق و20 ثانية أثار حملة من الغضب في جموع المصريين.

ظهر في الإعلان عدد من سكان مدينة "مدينتي"، يتحدثون عن مدينتهم كأنها من وحي الخيال العلمي.

شبكات المواصلات هنا أفضل من ألمانيا.

كلنا هنا "شبه بعض".

في 5 دقائق أروح البنك، أروح الفود كور، ألاقي المركز الطبي.

محمد صلاح الجديد سيخرج من هنا، من ليفربول "مدينتي".

الـ golf course هنا عالمي.

إنها بوابة السعادة.

وردد مشاهدو الإعلان العبارة التي أثارت الجميع: شبه بعض؟

ومن يشبه باقي المصريين؟

اعتبر قطاع كبير من المشاهدين أن الإعلان حمل عبارات "كيدية" لسكان الأحياء الشعبية والفقراء، في بلد يعيش 32.5% من سكانه تحت خط الفقر، وفق الإحصاء الرسمي. 

المعترضون على الإعلان وصفوه بالمستفز والعنصري، وقالوا إن المصري البسيط بات يشعر بنوع من الاغتراب أمام إعلانات تروج لمدن الأحلام، وتصور العالم خارج أسوار "الكمباوند" على أنه غير صحي وغير آمن.

أصبح "كل" المصريين خارج أسوار المجمعات السكنية المغلقة يستحقون الشفقة، بمن فيهم سكان الأحياء الراقية سابقاً، مثل الزمالك والمعادي ومصر الجديدة.

كما وصف المنتقدون هذا الإعلان بالتنمر على باقي مدن مصر والطبقة المتوسطة، وجعل البسطاء يشعرون بفقرهم، والترويج لحياة المنتجعات، في وقت يزداد فيه الفقر مع تصاعد أزمة كورونا وتداعياتها.

ليس كل مجمّع سكني مغلق هو كمباوند فاخر.

وليس كل كمباوند يشبه إخوته.

خطوط قاسية من الأسوار والبوابات الأمنية تقسم المصريين إلى شرائح، وطبقات بعضها فوق بعض. 

في هذا التقرير نستعرض الأزمة التي أثارها الإعلان، وقصة ظهور "مستعمرات" الكمباوند في مصر، والفرق بين سكانها وباقي المصريين المستورين، وكيف انتهت "حرب الإعلان" عن الكمباوند بحملة للدفاع عن شركاته وسكانه.

اعتاد جمهور رمضان في مصر أن ينتظروا إعلان رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى كل عام، فله "سوابق" في صنع الأزمات، والجميع يتذكر أغنية أصالة التي حظيت بجدل كبير. 

هذا العام كانت الجرعة تستعصي على أن تمر مرور الكرام.

فور بدء بث الإعلان بدأ النقاش الساخن.

انهمرت التغريدات والتدوينات للانتقام من سكان "جنة مدينتي"، وانطلق هاشتاغ #فخور_بمدينتي، ودخل عليه سكان المدينة ليدافعوا عن صورتهم، وحياتهم.

الهاشتاغ امتلأ بنزعات التميز المكاني والطبقي، ورد المغردون من كل أنحاء مصر، ديروط، سوهاج، الإسكندرية، المحلة، الزقازيق.. وغيرها، ليتغنّوا بمواطنهم، وهم يرددون نفس عبارات الإعلان. 

الإعلان الساخر للرد على إعلان مدينتي 

وتغريدات أخرى تفتخر بمدن منسية وأحياء عشوائية وقرى لا يعرف اسمها سوى سكانها.

إعلان ساخر من عزبة النخل

وعلي نفس الهاشتاغ غرّد أبناء مدينتي مرددين عبارات الفخر والاعتزاز: "أنا بجد مبسوطة بمدينتي، وفخر لي إن هذ المدينة في مصر، ومن يريد أن يعاركني يتفضل".

فيديو جديد 4 دقائق ونصف: سكان مدينتى ورأيهم فى الإعلان

والتقط الإعلام المعركة، ليدخلها من جانب واحد: الدفاع عن صاحب "مدينتي"، وتبييض ساحة سكانها، والهجوم على الإخوان، لأنهم السبب. وخصصت قناة الدولة الأولى وزميلتها الفضائية فقرة كاملة للدفاع عنه بعد نشرة الأخبار الرئيسية في التاسعة مساءً، لتؤكد لمشاهديها "أن هناك فرقاً بين الجد والهزل على فيسبوك، وأن الرجل صاحب شركة محترمة فاتحة بيوت ناس.. إلخ إلخ".

وفي تقرير بعنوان من 42 كلمة، رد أحد المواقع على الإعلان: يضم مختلف الشرائح والطبقات داخل مجتمع مخطط ومنظم بعيد عن العشوائية..

الأسئلة الخبيثة فى إعلان مدينتي: لماذا يتكرر الهجوم على المشروع كل عام؟ وما المستفز فى إعلان ينقل الواقع بالمدينة بشهادة سكانها؟ ولماذا يصر أعضاء حزب "لا" على تشويه أفضل مشروع عقاري في مصر؟

وزعم كاتب التقرير أنه "يراهن على وعي القراء للحكم على الهجوم، وتبين من يقف خلفه".

ودافع صحفيون عن فكرة الكمباوند، وقالوا إن وصف كل من ينتمي لمجتمع مغلق بأنه «مش حاسس بالغلابة» إلى آخر الصعبانيات الاجتماعية لا يخرج عن إطار كونه أحاديث بغبغائية وسفسطة اجتماعية وخلخلة فكرية. فإما أنه يتاجر بمشاعر الطبقات الأقل حظًا، أو أنه لم تتح له فرصة العيش فى مجتمع مغلق، أو هو رافض الاعتراف بأن الله سبحانه وتعالى خلق الناس طبقات ودرجات.

ومن يملك القدرة على التحليل سيعرف أن ما جرى في مصر من انقلاب سلوكي وأخلاقي جعل البعض يقترض ويستدين لينجو بنفسه وأولاده في مجتمع مغلق بعيداً عن سلوكيات لا ينكرها إلا غائب عن البلاد أو غائب عن الوعي.

فيديو قديم 3 دقائق ونصف: سكان مدينتي يصرخون من سوء التشطيب

https://www.vetogate.com/3973053/فيتو-تكشف-كواليس-إعلان-مدينتي-المثير-للجدل-تكلفته-لا-تتجاوز-300-ألف-جنيه-تم-تصويره-بـدرونز-وهذا-سبب-الأزمة

https://www.vetogate.com/3973053/فيتو-تكشف-كواليس-إعلان-مدينتي-المثير-للجدل-تكلفته-لا-تتجاوز-300-ألف-جنيه-تم-تصويره-بـدرونز-وهذا-سبب-الأزمة

https://www.vetogate.com/3973053/فيتو-تكشف-كواليس-إعلان-مدينتي-المثير-للجدل-تكلفته-لا-تتجاوز-300-ألف-جنيه-تم-تصويره-بـدرونز-وهذا-سبب-الأزمة

https://www.vetogate.com/3973053/فيتو-تكشف-كواليس-إعلان-مدينتي-المثير-للجدل-تكلفته-لا-تتجاوز-300-ألف-جنيه-تم-تصويره-بـدرونز-وهذا-سبب-الأزمة

الكمباوند مجموعة سكنية تتميز بشرطين أساسيين:

أسوار.

وبوابات تعزل المنطقة عن الخارج.

ثم يتحول الكمباوند إلى "مدينة مغلقة" بتوافر شروط أخرى:

منشآت تجارية.

مناطق ألعاب وترفيه.

حمامات سباحة ونوافير.

حدائق خضراء.

وربما مفاجآت أخرى مثل البيوت الذكية أو استخدام الطاقة الشمسية.

طيب ندخل مدينتي عادي ولا نقلع الجزمة الاول على البوابة 🤔

تم النشر بواسطة ‏‎Sherif Khairy‎‏ في السبت، ٢ مايو ٢٠٢٠

ظهر الكمباوند في المحروسة ليلبي سعي الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة للهروب من الفوضى التي تعم المناطق التقليدية، وكانت البداية في الثمانينيات.

المعماري المصري حسين شاهين هو صاحب فكرة أول مدينة مغلقة في العجمي الشهيرة وقتها بالإسكندرية، سمّاها «ذا كمباوند»، وقرر ومعه أصدقاؤه شراء الأرض وبناء منازل مناسبة لاحتياجاتهم، وذلك قبل توصيل المرافق الأساسية للمنطقة.

شاهين لم يكن يقصد الفصل السكاني، بل تقديم شكل تعاوني للسكن مع مجموعة من أصدقائه، خاصة أن العجمي في ذلك الوقت لم تصل إليها المرافق الأساسية للحياة، مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء، وكان يطلق على العجمي آنذاك "أغلى عشوائية في العالم". 

ومع منتصف التسعينيات توسعت الظاهرة.

لم تعد الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، بل طبقة راقية تتحصن من نظرات الفقراء.

تزايدات إعلانات الوحدات السكنية بالكمباوندات في السنوات الأخيرة بالتناسب مع تزايد نسبة الفقراء.

الكمباوند بالشكل المتعارف عليه الآن بدأ في عهد المخلوع حسني مبارك في الساحل الشمالي، وكان تابعاً للقطاع الحكومي. 

وفي عام 1997، أنشئ أول كمباوند للقطاع الخاص في مدينة الرحاب، ثم بدأت الطفرة.

أرخص شقة في كومباند يجدها المصريون الآن في مشروعات الحكومة، وتزيد قليلاً على مليون جنيه.

سعر المتر المربع لا يقل أبداً في هذه المشروعات عن 11 ألف جنيه.

أما مشروعات القطاع الخاص فتحلق بملايين الجنيهات، وأحياناً ملايين الدولارات.

هذا عن سعر الشقة.

أما رسوم الخدمات الشهرية في الكمباوند المتوسط فهي بالآلاف، وربما أضعاف ذلك في الكمباوندات الأعلى سعراً. 

لماذا يدفع الأثرياء كل هذه الأموال؟ 

فيديو دقيقة: إعلان ماونتن فيو رمضان 2014، الحياة أصبحت صعبة 

هناك كل ما يحلم به إنسان يعيش في مصر

ليسوا  كلهم أثرياء.

يحكي الشاب محمد حسن لـ"عربي بوست" تجربة انتقاله من حي جسر السويس الشعبي شرق القاهرة، إلى كمباوند المستقبل L'Avenir، على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي. يلخص الخطوة "الكبيرة" بأنها كانت بحثاً عن أحلام تبثها إعلانات التلفزيون ويوتيوب.

أمان وخصوصية.

مدينة محاطة بالأسوار وأكثر تخطيطاً من الداخل.

ليل ساحر. 

إضاءة خافتة في الشوارع التي لا تعرف المصابيح العمومية. 

حدائق داكنة وبحيرات صناعية تسبح في عتمة الليل الصافي. 

وبيوت تفوح بعبير الزهور والأشجار الاستوائية والصنوبر.  

انتظرت أسرة حسن سنوات طوالاً لادخار ثمن شراء وحدة سكنية في كمباوند المستقبل، بهدف الانتقال إلى مستوى حياة أفضل. لا يتحدث عن سعرها وعن كيفية تدبيره، لكن الكمباوند الجديد لا توجد به شقة بأقل من مليون جنيه، حسب مواقع السمسرة المتخصصة، أما الفيلات فتبدأ أسعارها من 4 ملايين جنيه.

بمجرد عبوره البوابات يلحظ حسن الفصل بين المناطق السكنية والأماكن المخصصة لركن السيارات، وفي طريقه إلى شقته في منتصف الكمباوند، يلقي طالب العلاج الطبيعي بجامعة القاهرة بنظراته على مساحات خضراء على الجانبين. 

يلاحظ ابتعاد النادي والمركز التجاري عن المنطقة السكنية، نظام يبدو غريباً على الشاب، الذي قضى 20 عاماً بين أزقة الحي الشعبي. سكنه الحالي يصعب الوصول إليه دون استخدام التوكتوك، الوسيلة الأكثر شيوعاً في أحياء القاهرة الفقيرة.

يتوقع حسن ثورة شاملة في حياته وحياة أسرته بمجرد الانتقال للكمباوند، والأسباب كثيرة، بعضها واقعي، وبعضها يأتي من خيالات المصريين وتصوراتهم لهذه الكلمة التي عرفوها في التسعينيات، وما زالت مصدراً لإثارة الخيال والفضول، والأعمال الفنية أيضاً، أشهرها فيلم "نوارة" 2016.

نوّارة كانت تعبر الأسوار العالية صباحاً ومساءً، فهي تعمل لدى أسرة غنية، ثم تعود مساءً إلى مناطق لا تجد مياه الشرب النظيفة، حيث يعيش الأهل والجيرة والعِشرة.

في الفيلم الذي تدور أحداثه بعد ثورة يناير مباشرة، يعيش سياسيون من نظام مبارك في كمباوند راق جداً، وفي أحد المشاهد تشتكي طفلة صغيرة من حال الكمباوند الذي أصبح مليئاً "بالخدامين والبوابين"، وتصفه بأنه "مقرف".

الإعلان الترويجي لفيلم "نوارة"  2015

وهناك حتى أسوار داخل الأسوار
بوابات داخل البوابات

في عام 2017 توصل د. إسلام نظمي إلى أن "التجمعات السكنية المغلقة Gated communities هي النمط الإسكاني المفضل لدى الطبقة فوق المتوسطة والمرتفعة من السكان داخل المدن العمرانية الجديدة".

إنها رسالة الدكتوراه التي رصد فيها ظاهرة تحول بعض مناطق تقسيم أراضي الفيلات السكنية إلى تجمعات عمرانية، ويتم السيطرة والتعدي على النطاق العام داخل مناطق إسكان الفيلات بطريقتين:

سيطرة الملاك على الشوارع المحيطة ثم بناء سور حول مجموعة الفيلات، وعمل بوابات وتعيين شركات للأمن والحراسة على البوابات.

أو عمل بوابات وحواجز على مداخل الشوارع الرئيسية دون بناء أسوار، وتعيين أفراد أمن وحراسة عليها، ويمكن دعم البوابات بكاميرات للمراقبة.

باختصار شديد . سكن الكومباوندات بديل للدولة. ضعف البنية التحتية منذ نصف وتهالك المرافق والطرق وخراب المحليات دفع...

تم النشر بواسطة ‏‎Mohammed Fathy Younis‎‏ في السبت، ٩ مايو ٢٠٢٠

"الحياة ستكون مختلفة في كمباوند المستقبل، فالأسوار الضخمة بالنسبة لي عزلة كبيرة، وأمان أكثر، ما يعني أنني سأضحّي بسمات الحي الشعبي، حي فيه أولاد بلد، يختلط فيه الغني بالفقير. هناك وُلدت وتربيت وتعايشت وتكونت صداقاتي خلال فترة تعليمي".

هكذا يحكي حسن الذي اعتاد منذ صغره الاختلاط بالجيران وتبادل المودات معهم دون أسوار عازلة تحول دون مقابلتهم. 

يتملكه الآن هاجس أنها ستكون الخطوة الأولى في العزلة عن عالمه القديم، يتخيل صعوبة دخول زواره من بوابات كمباوند المستقبل، والتي ستحد أيضاً من انتقالاته التي ستقتصر على التجول بالنادي العام، بعكس الحرية التي وفرتها طبيعة الحياة في السلام. 

لكن بالنسبة له كل شيء يهون مقابل الأمان المطلق خلف الأسوار، والهدوء بعيداً عن "دوشة" شوارع القاهرة التي لا تطاق.

قبل 3 عقود كانت الأحياء الجديدة بالقاهرة، مثل مدينة نصر والمهندسين، محط أحلام الأثرياء وأبناء الشريحة العليا من الطبقة الوسطى للحياة الأفضل، في ظل اكتفاء أحياء أرستقراطية العريقة كالزمالك والمعادي ومصر الجديدة، بسكانها القدامى.  

كان الحالمون بالأحياء الجديدة يهربون من عشوائية الشوارع، وضجيج الورش، وخناقات الصغار والكبار، ومذياع المقهى العالي. لكن عائلة المخرج الشاب إسلام أمين غادرت حي مدينة نصر في بداية الألفية، بعد 4 سنوات فقط من الرحيل إليه.

فيديو دقيقة واحدة: مدينة نصر تتحول إلى منطقة عشوائية 

"المكان لم يكن مناسباً من حيث حرية المسكن والخصوصية وكثرة المشاجرات مع الجيران وارتفاع الإيجارات في الوقت نفسه. وسرعان ما حوّلت المباني الشاهقة المحيطة بالمراكز التجارية والفنادق مدينة نصر إلى مدينة خانقة"، بحسب تعبير إسلام أمين.

غيرت عائلة أمين البوصلة من جديد ناحية مدينة الرحاب، التي تعد أول مدينة سكنية متكاملة ينشئها القطاع الخاص في مصر. 

ما يتوقعونه وراء الأسوار العالية الجديدة

شريحة كبيرة من أبناء الطبقة المتوسطة يراودها الآن حلم الانتقال إلى المدن الجديدة على أطراف صحراء القاهرة، بمميزاتها التي تفرض عليها أنماطاً جديدة لم تألفها من قبل، أولها تقبل الأسوار كعلامة تجارية على الانتماء لهذه الطبقة.

فمنذ انتشار ثقافة الكمباوندات في نهاية التسعينيات، قدمت الفكرة نفسها على أنها مجتمعات سكنية مغلقة على شريحة اجتماعية بعينها، إلا أن الأسوار الشاهقة التي تحيطها من الخارج ويشيدها البعض حول منزله بالداخل أحياناً، ترسخ انطباعات مختلفة، مفعمة بالغموض والعزلة والخوف، وأحياناً التفرد. 

المهاجرون الأوائل من صخب المدن إلى جنة الكمباوند لم يكونوا من أعالي الطبقة الوسطى مثل حسن، بل كانوا أثرياء يبحثون عن مقاصد هادئة لعطلات طويلة، ونبت أول كمباوند على أرض مصر في الشمال، غرب الإسكندرية، ماراقيا ومارابيلا وغيرهما كانت مجمعات سكنية للإجازة على ساحل المتوسط، أنشأتها الحكومة وفتحت شواطئها لغير أصحابها بتذاكر يومية، وأصبحت حديث الجميع. 

لم تكن العزلة كاملة وراء أسوار الجيل الأول من الكمباوند في مصر، ولم تكن بغرض السكن الدائم، وكان كمباوند مارينا خاتمة الموجة، وأكثرها شهرة وتاريخاً.

الأسوار هي الأمان المطلق والحرية المطلقة

الصحفي بجريدة أخبار الأدب الحكومية ياسر عبدالحافظ، الذي يسكن في أحد كمباوندات القاهرة الجديدة، يشعر بأن الأسوار هي رمز الخصوصية وليس العزلة. يبتعد منزل عبدالحافظ بضعة أمتار عن البوابة المسورة يقطعها يومياً في السير بمحاذاة الحشائش الصغيرة، يقول: "يكفي أن تصحو على مشاهد الخضرة وصوت العصافير، من دون هواء المدينة المسموم، الذي نتذكره فور مغادرة التجمع. وراء الأسوار حياة أكثر جمالاً، هذا هو كل ما هنالك".

لكن تسويق الأجيال الأولى من الكمباوند كان يبيع شيئاً آخر غير الهواء والخضرة. 

كان النموذج الأكثر شهرة في كمباوندات القاهرة هو قطامية هايتس، استمد اسمه وسماته المميزة من مثيلاته في السوق الأمريكية الرائدة في اختراع مدن الصفوة، وتلاه على النهج نفسه الكثير من المشروعات: بيفرلي هيلز، ألما هيلز، وميدوز بارك، ورويال سيتي، وغيرها. 

صفحة سكان قطامية هايتس على فيسبوك

مفهوم السور حول قطامية هايتس، الكمباوند الأول الذي تحول لأسطورة، فهمه الأثرياء على أنه الحد الفاصل بين ما يريدون وبين ما يجبرهم عليه المجتمع، الفواصل الأساسية بين الحياة داخل الكمباوند، وخارجه. 

الأسوار هي الأمان المطلق.

والحرية المطلقة.

ما يعنيه السور العالي الذي يفصل بين عالمين 

القاهرة الجديدة، التي استضافت أول أشكال الكمباوند قبل 20 عاماً، هي الوطن لعشرات المجمعات السكنية من هذا النوع الآن، تتميز عن الحي الفاخر بأسوار تجعلها أكثر تميزاً. 

يلاحظ عبدالحافظ أن "نظرة القاهرة القديمة المفتوحة إلى المجمعات المغلقة من خلال الأسوار تم تسويقها تجارياً دون أية ضرورة اجتماعية أو أمنية، لكنها فكرة تعجب العملاء". 

أيضاً سور الطبقة المتوسطة في المدن الجديدة مثل الرحاب ملتبس، فلا هو آمن ولا هو عازل.

إعلان أحمد عز وماجد الكدواني عن ماونتين فيو

هناك من يعيش داخل هذه المجتمعات ويتشبث بالسور كرمزية انتماء للطبقات الأعلى. "سكان منطقة قريبة مني كانت بلا سور، لجأوا إلى إقامة سور من الأشجار بعد تباهي جيرانهم بالسور حول بيوتهم". بالنسبة للصحفي الأربعيني ياسر عبدالحافظ، السور جزء من الشكل العام فرضته الجهة المسؤولة، يستطيع العيش بدونه، لكن في حالة توافره فهو يسهم في تنامي الإحساس بإجراءات الحماية بفضل كاميرات المراقبة والحراسة.

أما بالنسبة للمخرج الشاب إسلام أمين، فالأسوار تمثل حاجزاً ثقافياً أكثر منه أمنياً. "تعطيني انطباعاً بأن الحياة خلفها منضبطة، حتى وإن اتسعت الفجوة داخلها بين سكانها من أبناء الطبقة المتوسطة والآخرين من أصحاب الدخول المرتفعة"، وهي ظاهرة جاءت نتيجة عدم تطبيق بعض القواعد الصارمة من قبل إدارة الكمباوند.

السور حاجز ثقافي يحمل في معناه
الفاصل الطبقي بين عالمين

في نهاية 2019 نشرت صحيفة المال تقريراً يحذر من "نزوح الفئات الأقل دخلاً إلى شواطئ الساحل الشمالي لقضاء عطلاتهم الأسبوعية أو مصايفهم سواء في وحدات الإيجار أو التمليك كان أحد الأسباب في تفضيل فئات الـ «إيه كلاس» السفر إلى دول أخرى لقضاء عطلاتهم، فضلاً عن اكتشافهم لأماكن جذابة جديدة".

وطالبت مصادر التقرير "بوضع قواعد صارمة، سواء في متابعة الرواد، وتزويد الاحتياطيات على البوابات، لمنع عمليات الدخول غير المشروعة طالما أنهم ليسوا من ملاك أو مستأجري الكمباوند".

أي ليسوا من هذه الطبقة المتميزة.

هكذا تبدو الأسوار فاصلة بين عاملين، بين العاديين والمميزين. 

بين الثراء الفاحش والفقر الأكثر فحشاً. 

بين الرفاهية والحياة على هامش الحياة، من دون الحد الأدنى للخدمات الأساسية. 

"المجتمعات المسورة فكرة أساسها اقتصادي استثماري، من خلال السور يبيعون الأمن والهدوء باعتبارهما من السلع العامة المنهارة في مصر الآن"، هنا يتحدث عبدالرحمن حجازي الباحث بمبادرة عشرة طوبة المتخصصة في مجال العمران، لـ"عربي بوست"

على الجانب الخارجي للأسوار العالية يتعذب سكان الأحياء العشوائية والمفتوحة على ما يتخيلونه الحياة في الكمباوند. 

كنت بزور طبيب شهير في القطامية هايتس. الطبيب راجع من أمريكا في إجازة. عايش هناك من 1979. بيكلمنى عن الحنين اللى قاتله،...

تم النشر بواسطة ‏‎Mohamed Mansour‎‏ في الخميس، ١ يونيو ٢٠١٧

وهذا ما تخفيه الأسوار في كمباوند الطبقة المتوسطة

بين كمباوند الصفوة الأكثر ثراءً، وعشوائيات الشوارع المفتوحة، هناك كمباوند الطبقة المتوسطة. يأخذ من الكمباوند اسمه وأسواره، لكنه يفتقر إلى أعز ما تملك النسخة الأصلية لسكن الصفوة: الرفاهية والهدوء والخصوصية، والكثير من التفاصيل. 

الدولة تتحمل عبء بناء أحياء محاطة بالأسوار تحت اسم كمباوند، مخصص أحياناً للطبقة الوسطى وضحايا الإخلاء الإداري والقسري. حي الأسمرات المحاط بالأسوار والبوابات بمنطقة المقطم مثال غير ناجح على كمباوند تديره البيروقراطية، وتفرض فيه الدولة صورة لما يجب أن تكون عليه مساكن "تحيا مصر" وسلوك قاطنيها.  

يشكو السكان من الضوضاء والمشاجرات وتبادل السباب، من تحطيم الأسوار المحيطة بالحديقة وملعب الكرة، رغم الدعاية الرسمية بأن الحي من أكبر الإنجازات المعمارية مؤخراً.

كمباوند الأسمرات في فيلم ترويجي من وزارة الدفاع المصرية

أما القطاع الخاص فقدم نموذج المدينة/ الكمباوند منذ التسعينات، وأشهرها تجربتا الرحاب ومدينتي إلى الشرق من القاهرة. المدينتان في المنطقة الوسطى بين الأحياء المفتوحة والكمباوند المغلق على سكانه بصرامة. 

وتتميز المدينتان بتخطيط عمراني حديث، يفصل بين المناطق السكنية والأسواق، ويخصص مساحات واسعة للحدائق العامة المفتوحة، ويحيط بالحي العملاق سور مربع، تتخله 24 بوابة إلكترونية لفحص السكان وزوارهم، بعضها لا يعمل أصلاً. وعلى كل البوابات يكفي أن يساوم الزائر عمال الأمن ليسمحوا له بالدخول.

 عندما هرب المخرج الشاب إسلام أمين من مدينة نصر في عام 2003 اختار مدينة الرحاب. وينعم منذ اللحظة الأولى بذلك الإحساس بالأمان على حياته. "هنا أسوار خارجية وبوابات، فضلاً عن تسلل أشعة الشمس إلى شرفة منزلي مع كل صباح". يضيف أن "الرحاب والقاهرة الجديدة عمرانياً هما امتداد لمدينة نصر، تفصلهما 15 دقيقة عنها، فهي مدينة سكنية ليس مجمع فيلات، وأكثر أماناً عن من مناطق أخرى".

اعتاد أمين ارتداء ملابسه الرياضية لممارسة رياضة الجري بمحاذاة سور المدينة. هنا لا يشعر بالخطر أثناء فترة ممارسة الرياضة كل مساء، ففي رحلته لا تخطئ عيناه أكشاك الأمن التي يفصلها عن الأخرى 200 متر، هي مصدر أمانه.

ملامح الانضباط تظهر في الضوابط التي تحكم دخول الغرباء من العمال وغيرهم إلى داخل المدينة، غير أن الأمن يتدخل أحياناً لضبط سلوكيات خارجة عن سياق المكان، كما يقول أمين.

انا من سكان الرحاب و حابب اقولكم دة مش إعلان ولا حاجة دي النظرة الحقيقية لبعض سكان الرحاب و مدينتي بجد. 😃 هما طبقة فوق...

تم النشر بواسطة ‏‎Ahmed El Fadaly‎‏ في السبت، ٢ مايو ٢٠٢٠

وما يكتشفون أنه وراء الأسوار: الحصانة وأكثر

الإضاءة الخافتة في الشوارع على الحدائق والبحيرات الصناعية حلم ينتهي بانقضاء الليل. إنه الهدوء الذي ينعم به السكان الأثرياء فقط، أما من يقومون على خدمتهم فيظهرون في الصباح، مع بعض الضجيج. تحط موجات العمال والخدم والطهاة والسائقين على بوابات الكمباوند صباحاً. يفتح السوق التجاري البعيد عن المنطقة السكنية أبوابه. تبدأ الحركة في المدارس الدولية القريبة من محيط الكمباوند، ويتأهب أصحاب المطاعم القريبة ليوم غزير الطلبات والحركة.

"الأسوار وجاهة اجتماعية زائفة.. لا أحبها ولا أكرهها" يختم ياسر عبدالحافظ تجربته في الكمباوند. لكنه يعرف أن الأسوار أصبحت علامة مميزة على معظم المشروعات السكنية الجديدة، علامة يكتسحون بها الأسواق تحت أكثر من شعار.

كل يوم ترتفع أعداد الداخلين إلى أسوار الكمباوند على أطراف القاهرة العتيقة، والأسباب كثيرة. 

يعرف ياسر عبدالحافظ أن الأسوار ربما تكون شعار الحصانة لحماية الأثرياء من صخب الطبقات الأدنى، ولحماية أصحاب القدرة من تطفل الفقراء والعاجزين، وأحياناً لحماية أصحاب النفوذ من مطاردات العدالة والقانون.

جنّة رجال السياسة من زمن مبارك إلى العاصمة الإدارية

بدأ نزوح النخبة السياسية خارج القاهرة التقليدية منذ نهاية التسعينيات. 

كان الدافع هو البحث عن الرفاهية، والخوف من الحياة في أماكن تفرض عليهم الاحتكاك المباشر مع الناس. 

لذا، انسحبوا خلف أسوار منازلهم العالية، ولم يكن ذلك سوى البداية. 

وفي مارس/آذار 2015، تم الإعلان عن إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر، تصل استثمارات المرحلة الأولى بها إلى حوالي 45 مليار دولار، في تصميم حديث الطراز على غرار مشاريع مدينة دبي.

تركز حملات الدعاية لشركات الإنشاء الخاصة في العاصمة الإدارية على استقطاب الفئات التي تسعى إلى حياة مترفة آمنة، داخل مدينة مراقبة بأحدث الوسائل منذ الخروج من البيت إلى العودة له.

الحي الحكومي في العاصمة الادراية الجديدة

يبدو أن هذه المدينة الجديدة تشهد تدابير أمنية خاصة لم تعهدها أي مدينة مصرية سابقاً، حيث تحوي «مركز السيطرة الأمني»، التابع لوزارة الداخلية، يقوم بأعمال السيطرة والتحكم والتأمين والحماية للأرواح والممتلكات بالعاصمة الجديدة، كما يقع الحي الحكومي بالكامل داخل أسوار منيعة، في سابقة هي الأولى في تاريخ مصر الحديث.

ويرجّح الباحث المعتقل إسماعيل الاسكندراني أن "الصفوف القيادية العليا فقط من الساسة ومتخذي القرار هي التي ستنتقل إلى «كمباوند» الحكم الجديد، مع ضرورة دستورية بنقل بعض المحاكم العليا، وهامش من العمالة المعاونة ومقدمي الخدمات". 

يضيف: الموقع في مأمن من زحف الجماهير السلمي، والأسوار المحتمَلة ستكون مرتكزات للتحصين ضد العدوان المسلح. والشوارع الفسيحة هي الساحة المثالية لآلة البطش، فلن نسمع عن اعتصام أمام مقر رئاسة الوزراء، ولا احتجاج أمام بوابات الوزارات. والخيال لا يحتاج كثيراً من الإبداع لاستشراف وسائل المراقبة التي ستغطي كل شبر فيها.

"والله فيه نفوس غير سوية، وناس قاعدة زهقانة في البيت، وقاعدة بتتسلى على خلق الله، ربنا يهديهم".

هكذا في النهاية ظهر صاحب "الأزمة" بنفسه مع برنامج "الحكاية"، لينتقد المنتقدين، ويسخر من الساخرين.

"احنا بنحاول نبذل طبعاً مجهود جبار وخصوصاً آخر 3 شهور، نحافظ على بيوت الناس مفتوحة وعلى أجور الناس لا ينقصهم مليم، وفي ظل هذه الظروف الصعبة الفنادق مقفولة، وخدمات كثيرة متأثرة، لكننا محافظين على العمالة".

يضيف بتواضع: "مشروعات طلعت مصطفى يقطنها أكثر من 700 ألف نسمة، ولم تكن الناس لتوافق أن تسكن الصحراء لولا أنهم رأوا أن الحياة والخدمات هنا أفضل وإمكانياتنا أفضل".

يفتح له المذيع باباً للتفاخر بأياديه البيضاء على الساخرين والمنتقدين، فيقول: "الناس متخيلة إن هشام مصطفى مجرد رجل أعمال بلا مساهمات اجتماعية"..

ويرد الرجل بالتواضع المنتظر: "أنا لا أحب أن أتكلم عن أعمالي، في آخر 3 سنوات نشارك في الإسكان الاجتماعي، ومعهد القلب، والمستشفيات.. مبالغ كبيرة لا أحب أن أتحدث عن مساهماتي، لكن الالتزام الاجتماعي واجب على كل فرد يعيش هنا، هذا دورنا ولا نريد شكراً من أحد".

يضيف الخلاصة من الأزمة: "المجتمع لازم ينتبه إن الدول تقوم على شركات كبيرة، لها دور وطني واقتصادي مهم في التوظيف ودفع الضرائب وزيادة الناتج الوطني. دول كانوا موجودين في الرحاب ومدينتي طلعوا قالوا: والله دا اللي احنا حاسين بيه. أنا مش قادر أفهم ايه اللي مزعل الأطراف الأخرى؟

إنت زعلان إن فيه ناس سعيدة؟

أنا شخصياً مش فاهم فيه إيه؟".

ويضيف المذيع الخلاصة الأكثر أهمية: "الدولة لازم تطبطب على رجال الأعمال لأن أي رجل أعمال ممكن يقفل أعماله ويعيش بفلوسه طول الفترة الجاية وهو مش قلقان، لكن لو حس بعدم تقدير هو مش خسران حاجة".

 هشام طلعت مصطفى يرد على منتقدي الإعلان

مكنلهاش لزمة النمرة بتاعت عمرو أديب وهشام طلعت مصطفى..ناس دمها خفيف عملت طلعة على إعلان والحوار خلص..وبالعكس بحسابات...

تم النشر بواسطة ‏شيماء جلال‏ في السبت، ٩ مايو ٢٠٢٠

من حكايات النفوس السوية التخصيص: تم تخصيص ٥ آلاف فدان فى أغسطس ٢٠٠٥، ثم تبعها تخصيص ٣ آلاف فدان إضافية فى ديسمبر ٢٠٠٨...

تم النشر بواسطة ‏‎Khaled Ali‎‏ في السبت، ٩ مايو ٢٠٢٠

نهاية 2010 كتب الاقتصاديّ الكبير الراحل محمد محمود الإمام في صحيفة الشروق عن "الظاهرة التى بدأت على الساحل الشمالي، ثم أخذت تزحف شيئاً فشيئاً على المدن الداخلية".

ظاهرة يطلق عليها المصريون اسم "الكمباوند".

يكتب: "عندما فتح الانفتاح باب الثراء لغير المنتجين، وعجزت عقولهم القاصرة عن تصور مجالات للاستثمار المنتج يوظفون فيها ثروات اغتصبوها من أموال الشعب الكادح، جمدوها فيما يسمى شاليهات للاستجمام.

وادعوا أنها تفتح باباً واسعاً للسياحة.

ورفعوا حولها الأسوار حتى لا يطل أي متطفل على ما يرتكب في أغلبها من موبقات. 

وكان معنى هذا حجب جانب من الشواطئ عن الحق العام في المتعة والاستجمام.

ومع توجه الدولة في ظل سيادة الحزب الوطني إلى إصلاح أراض بدعوى تخصيصها لصغار مستثمري الإسكان الذين ضاقت بهم الأحياء القديمة المكتظة، إذا بها تنتقل بقدرة قادر إلى فئة تراكمت لديها ثروات لا يعلم إلا الله مصدرها.

فئة تريد الاستمتاع بالنمط الخليجي في الاستهلاك طيلة السنة وليس فقط في أوقات التصييف فقط.

فئة يخشى أبناؤها أن يرى مقتنياتهم مَن لم يسعده الحظ بالدخول في زمرتهم، فلم يكتفوا بالاقتداء بإسرائيل في إقامة جدران فصل عنصري، بل جندوا لحراستها فرق ممن رماهم ضيق فرص العمل المنتج إلى توظيف عضلاتهم في صد السوقة عن ممتلكات الأسياد".