فتنة كورونا

بضربة واحدة: الوباء يقطع الطريق على النمو الاقتصادي ويكتب بداية النهاية للعولمة ويضع حكومات الشرق الأوسط في قفص الاتهام

تتغير خريطة العالم كل صباح.

بين لحظة وأخرى يقفز فيروس كورونا من مدينة لأخرى، ويعبر البحار والمحيطات ليغزو قارةً جديدة، أو يفسد أحداثاً اقتصادية ورياضية وفنية.

يتحرك الفيروس، فتكتسي منطقة جديدة بلون الخطر: الأحمر.

تغلق السلطات مباني ظهر فيها "العفريت"، ومدناً بكاملها بعد إصابة أو أكثر، فتظهر دائرة حمراء جديدة تبتلع كل يوم مناطق عديدة.

دولة بأكملها، هي إيطاليا، تعيش داخل الدائرة الحمراء: عزل صحي كامل للشعب دون استثناء.

الفيروس الجديد الذي يتجول في قارات العالم لم يعد خبراً في أقسام الصحة والطب على المواقع الإخبارية.

كورونا في عناوين الاقتصاد والسياسة والفن والرياضة والنجوم.

هي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، التي يواجه فيها الاقتصاد العالمي احتمالاً حقيقياً بانقطاع كثير من الصلات والعلاقات التجارية.

إغلاق مصانع، وإلغاء رحلات طيران، ومُدنٌ كاملة في آسيا وأوروبا توشك على الإغلاق الكامل تقريباً. 

لا يقتصر تهديد الفيروس على الموت فحسب، ولكن الخوف من الموت يتسبب في خروج العالم عن السيطرة.

هو وباء؛ لأنه انتشر في أكثر من نصف دول العالم في أسابيع قليلة.

كل يوم تتسع رقعة المنطقة الحمراء"، حيث يعيش الناس سجناء البيوت، أو رهائن الخوف.

الفيروس الطائر يغيّر حياتنا، لكنه لن يؤثر على الجميع بالتساوي، على الرغم من أن مستقبل البشر مترابط. 

بالنسبة لمن تتوافر لديهم الإمكانيات، فإن الفيروس يعني في المقام الأول اضطراباً في السوق، وتهديداً للاقتصاد، وبالتالي تصبح ثروتهم مهددة. 

بالنسبة لأولئك الذين لا يملكون شيئاً، فإن الأزمة تتعلق بوجودهم على قيد الحياة، وعلى نحو عاجل ودقيق.

ذروة الخطر مع المزيد من انتشار فيروس "كوفيد 19" ستكون توقف الخدمات الصحية الوطنية في بعض البلدان، كما توقع الصحفي البريطاني شون لينترن في صحيفة Independent.

وربما يبدأ القطاع الصحي في ترشيد العلاج، وهذا دليل جديد على طريقة تغيير حياتنا اليومية لمدة أسابيع أو حتى أشهر، بسبب هذا الفيروس الذي لم نعرف عنه شيئاً من قبل.

بعيداً عن التطورات الطبية والعلمية لمطاردة كورونا، يستعرض هذا التقرير ما تغيره هجمات الفيروس في شكل الحياة على هذا الكوكب، وبالذات في المنطقة العربية.

كورونا يصيب اقتصادات العالم بالشلل الجزئي

في مشهد نادر الحدوث، خلا صحن الطواف بالحرم المكي من المعتمرين، الخميس 5 مارس/آذار 2020، بعد أن منعت السعودية المعتمرين من المواطنين والمقيمين من دخول الحرم المكي، بسبب كورونا.

وتقرر إلغاء صلاة الجمعة في كثير من البلاد الإسلامية. 

السعودية علّقت الدروس العلمية وحلقات تحفيظ القرآن في كافة المساجد، وعُلّقت الدراسة بكافة المستويات التعليمية.

توقف ملايين الطلاب عن الدراسة، وتقطّعت خطوط السفر الجوي والبحري.

معظم العواصم تتوقف عن استقبال رعايا الدول التي ظهر بها الوباء.

المشاهد في منطقتنا العربية هي تفصيلة من صورة كبيرة للذعر الذي يثيره الفيروس في العالم.

صحة الإنسان ليست الضحية الوحيدة لهذا القاتل.

تفاصيل الحياة اليومية في العالم تغيرت، لكننا في السطور التالية نرصد أهم قطاعات الحياة التي تأثرت بظهور الفيروس الجديد.

تعطلت سلسلة التوريد العالمية، ما سيؤدي إلى إبطاء إنتاج السلع المحلية التي تعتمد على مكونات يتم استيرادها من الخارج. شركة فيات كرايسلر للسيارات، على سبيل المثال، أوقفت الإنتاج في مصنع في صربيا بسبب نقص الأجزاء المصنوعة في الصين.

ثم.. توقعات غير محددة بانتشار البطالة في جميع أنحاء العالم.

الخسارة الاقتصادية الكبيرة الناجمة عن تعليق الأنشطة الاقتصادية الصينية قد تتسبب في توقّف الصين مؤقتاً عن منح المساعدات الخارجية من خلال إطار مبادرة "الحزام والطريق" في الربع أو النصف الأول من عام 2020.

الصين تمثل اليوم نحو 50% من الطلب العالمي على الفولاذ، ما يعني أن تتضرر دول مصدرة مثل: روسيا وكوريا الجنوبية وتركيا، في حال تراجع الأسعار.

تجارة السلع الفخمة تأثرت بقلة الطلب، حيث يمثل ما ينفقه المستهلكون الصينيون بين 33 و35% من قيمة مشتريات السلع الفاخرة على المستوى العالمي، وتختلف الأرقام باختلاف الدراسات.

تعليق نحو ربع رحلات نقل البضائع عن طريق البحر، وفقدان الآلاف من عمال الشحن والتفريغ لوظائفهم حول العالم.

انخفاض الاستهلاك الصيني من النفط نحو 30%، وانخفاض في الطلب على وقود الطائرات، ما يعني المزيد من الفوضى في أسواق النفط.

أغلقت أسهم أوروبا عند أدنى مستوياتها في ثمانية أشهر في التاسع من مارس/آذار، لتهوي داخل نطاق المراهنة على انخفاض الأسعار بعد انهيار في أسعار النفط عَمّق المخاوف من ركود عالمي في ظل تفشي فيروس كورونا.

انخفضت الأسواق لأن الأحداث في الخارج تعني أن ظروف العمل السيئة تقترب. وقال خبراء إن "صدمة النفط تؤدي لتفاقم أثر فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي".  

توقعات بانخفاض حاد في عدد السياح هذا العام، وخسائر تتراوح بين 30 و50 مليار دولار في إيرادات السياحة الدولية المتوقعة.

شركات الطيران الكبرى تعاني، وإحداها أشهرت إفلاسها. منذ كانون الثاني/يناير علقت شركات الطيران رحلاتها تباعاً، وتوقع اتحاد النقل الجوي الدولي IATA خسائر قد تصل إلى 113 مليار دولار لشركات الطيران في حالة استمرار فيروس Covid-19 في الانتشار. 

شركات الأغذية والمطاعم الصينية في جميع أنحاء العالم تدفع ثمن الاعتقاد الخاطئ بأن الفيروس يكمن في أي شيء صيني!

تضررت المطاعم والفنادق وصالات السينما.

تم إلغاء الحفلات الموسيقية والجولات الفنية، حتى أن الأحداث الثقافية الكبرى مثل مهرجان كان السينمائي، معرضة للإلغاء.

إغلاق أكبر مقاصد الترفيه والملاهي في العالم، كما حدث في شنغهاي ديزني لاند.

فُرض الحجر الصحي على مدن ومناطق بأكملها، وعزل الملايين في منازلهم ببعض الدول مثل إيطاليا كلها (أكثر من 60 مليون شخص) ومناطق في إسرائيل (80 ألفاً).

حظر التجمعات لعدد معين، ممنوع أكثر من 1000 شخص في فرنسا وسويسرا مثلاً.

خوفاً من إجراءات عزل جديدة، بدأت موجات من حمّى التسوق في بعض بلدان أوروبا، وقالت القناة الألمانية الأولى إن ظواهر التسوق غير العقلاني ترجع إلى التأثر بسلوك الآخرين بدلاً من الثقة بالحقائق، واعتقادهم بأن الآخرين لديهم معرفة متقدمة حيال الخطر مقارنةً بهم. وذكرت أن وسائل الإعلام تقوي "سلوك القطيع" هذا، ما يهدد بحدوث ذعر غير ضروري.

رونالدو يصافح الهواء ساخراً، قبل مباراة يوفنتوس وإنتر ميلان التي تمت بدون جمهور

الخوف الذي سبّبه فيروس كورونا القادم من الصين لسكان العالم بات يهدد بجدية مستقبل كرة القدم، ليس فقط في آسيا، وإنما في أوروبا أيضاً، بعدما تسبب في تأجيل مباريات محلية ودولية في مختلف القارات، ويخشى أن يؤثر على مواعيد مباريات تصفيات مونديال قطر 2022 أيضاً.

ولا تزال دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو لعام 2020 على بُعد أشهر، لكن اللجنة الأولمبية الدولية تستعد لاحتمال إقامة أولمبياد خالية من المشجعين.

جانب كبير من الأحداث الرياضية تتم بدون جماهير، وتستعد اللجنة الأولمبية المشرفة على دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو لعام 2020 لإقامتها في ملاعب خالية من المشجعين.

مظاهرة: الفيروس عدونا وليس الصين

مظاهرة: الفيروس عدونا وليس الصين

"ينبغي لنا توخي الحذر مما أدَّى إليه انتشار الأوبئة على مر التاريخ من اضطهاد للضعفاء والمهمشين".

تحذير من هانا ماركوس، مؤرخة العلوم بجامعة هارفارد الأمريكية، في صحيفة New York Times، لأن "أحد أبرز التداعيات الاجتماعية الموثّقة للطاعون في أوروبا في أواخر العصور الوسطى كان العنف، الذي غالباً ما كان موجهاً ضد اليهود، الذين اتُّهموا بالتسبب في الطاعون من خلال تسميم الآبار".

وهذا ما يحدث.

تم تسجيل ورصد زيادة ملحوظة في الاعتداءات والتنمر الذي يتعرض له آسيويون، وقالت نقابة المعلمين إنها تلقت العديد من البلاغات من أعضاء لها يشيرون إلى سوء المعاملة والتحامل والكراهية والتي زادت بشكل كبير منذ تفشي المرض في بريطانيا.

وتعرَّض طالب سنغافوري للهجوم باللكمات والركل أثناء السير في شارع أوكسفورد وسط لندن في 24 فبراير/شباط الماضي. وقال له مهاجموه الأربعة: "نحن لا نريد فيروسك التاجي في بلدنا".

فيديو: نائب الرئيس الأمريكي يبتكر طريقة جديدة للمصافحة

كورونا يحطم أسطورة العولمة: هل هي "بداية النهاية"؟

بدأت العولمة بانهيار جدار برلين.

قبلها كان مصنع السيارات الفرنسي، على سبيل المثال، يعتمد على مصانع فرنسية أخرى في توفير الصناعات التكميلية. 

لكن سقوط جدار برلين في أواخر ثمانينات القرن الماضي كان البداية لتوحيد النظام الاقتصادي العالمي، وبزوغ الصين التي قدمت أقل تكلفة إنتاج ممكنة.

اندفعت الشركات الصناعية الكبرى لتصنيع أغلب القطع اللازمة هناك، وأصبحت سلسلة الإنتاج ممتدة على مستوى قارات العالم.

والنتيجة؟

أولاً انخفضت أسعار المنتجات الاستهلاكية بدءاً من السيارة والكمبيوتر حتى الملابس الجاهزة.

وارتفعت نسبة البطالة في البلدان المتقدمة.

وأصبح الاقتصاد الصيني، قبل ربع ساعة من ظهور فيروس كورونا، يشكل 17% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم.

والتبادلات التجارية مع الصين تشكل 35% من حجم التجارة العالمية.

وأصبحت صناعة الأدوية العالمية تعتمد على الصين في 80% من إنتاجها.

ثم ظهر كورونا.

أغلقت مصانع في الصين أبوابها.

وبدأت مصانع في أوروبا والولايات المتحدة تتوقف عن العمل.

وبدا "الشلل" الاقتصادي العالمي على مرمى البصر.

فيلم رعب حقيقي يعيشه العالم جراء تداعيات فيروس كورونا، وسيترتب عليه تغييرات جذرية قد تكون هائلة، وأبرزها بداية نهاية العولمة، بضرب التجارة العالمية وركيزتها الصين، وإحداث تغييرات مجتمعية كبيرة بتعزيز القفزة العملاقة نحو العالم الرقمي، ثم التساؤل: لماذا تركت الحكومات البحث الطبي في يد الشركات العالمية التي تأخرت في إيجاد دواء للوباء؟

تقوم العولمة على مبدأ الحريات الثلاث:

1- حرية التجارة

2- حرية عبور رؤوس الأموال والاستثمارات لكل أنواع الحدود

3- وبالطبع حرية تنقل الأفراد بين الدول

والحريات الثلاث باتت "مكبّلة" بإجراءات مواجهة الفيروس الآتي من الصين.

الصين هي "مصنع العالم" الذي يمده بكل احتياجاته، من مبرد الأظافر إلى مسيّرات "الدرون". 

انتشر فيروس كورونا في جزء من الصين، فتوقف الكثير من المصانع.

وبدأ العالم يشعر بنقص شديد في الكثير من البضائع بكل أنواعها.

التجارة العالمية سوف تتأثر لأن الاستهلاك يتراجع بقوة. 

«الفيروس التاجيّ» يضرب صحة الاقتصادات بالسرعة التي يصيب بها الناس، إن لم يكن بسرعة أكبر. 

أدّى تفشّي المرض عالمياً إلى حدوث اضطرابات في أسواق الأسهم، وتعطيل سلاسل الواردات حول العالم. واتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خطوات صارمة لاحتواء الأضرار، مُعلناً أنه سيخفض أسعار الفائدة بنصف نقطةٍ مئوية.

الأسهم شهدت أسوأ أسبوعٍ لها منذ الأزمة المالية عام 2008. وحتى الآن، يبدو تفشّي فيروس كورونا أشبه بالإعصار أكثر من الأزمة المالية، رغم أن الأمور قد تتغيّر سريعاً.

الإجابة عن سؤال العنوان هي: نعم.

في ظل تراجع البورصات العالمية الأساسية في كل من آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وتدنّي أسعار النفط، يمكن التحدّث عن خطر ركود كبير ناجم عن ضرر لحق بأساسات الاقتصاد في عدد كبير من مراكز القوى الرئيسية في العالم.

هذا الفيروس مُعدٍ اقتصادياً كما هو مُعدٍ صحياً. إنه بمثابة ضربة ثلاثية لقطاع الصناعات التحويلية في معظم الاقتصادات الكبرى. المشكلة الاقتصادية جسيمة لأنها تضرب أكبر الاقتصادات، ولا شك في أن حجم الصدمة الاقتصادية أكبر مما رأيناه في ظل أي أزمة نجمت عن وباء شهده العالم، كما قال ريتشارد بالدوين، أستاذ الاقتصاد الدولي بمعهد الدراسات العليا في جنيف، لمجلة "فورين بوليسي".

الاقتصاد العالمي في حالة من الفوضى.

الاقتصاد الصيني يبدو مبعثراً، وسعر النفط يتغير بسرعة، والخوف من نقل المرض يضاعف الخوف من إطلاق تركيا اللاجئين السوريين على الحدود.

نتحدث هنا عن أحداث مفاجئة ذات تأثيرات كبيرة؛ أحداث لا يمكن التنبؤ بها تدمر التوقعات الاقتصادية والجيوسياسية، على غرار نظرية "البجعة السوداء"، التي تعني أحداثاً تاريخية غير متوقعة، مثل بجعة سوداء تخرج من وسط البجع الأبيض فجأة.

الوقت الذي تقرر فيه "السوداء" مغادرة البحيرة، والأسباب التي جعلتها تختار هذا الوقت بالذات، تذهلنا وتدفعنا للبحث عن التفسيرات والحلول.

في السابق كانت التهدئة تأتي من رجال الدين، والآن تأتي من القادة، ونحن الآن نحمّل القائد المسؤولية، ليس عن التسبب في الفيروس، بل عن عدم العمل بسرعة كافية لحمايتنا، كما كتب جورج فريدمان.

الفيروس عالمي، ويقتل الناس، وقد تسبب في الفوضى داخل الصين وبعض البلدان الأخرى، وبالتالي يجب أن نكون خائفين.

ليس المخيف هو المجهول.

وإنما العجز عن الفهم.

عجز الأشخاص الأذكياء المنوطين بحماية المواطنين من كل الأشياء الطبيعية والخطيرة عن القيام بذلك.

توقعاتنا هي ما يخيفنا. 

لا يبدو فيروس كورونا خطيراً على جنس الإنسان بشكل خاص. لكننا أصبحنا نتوقع أن نكون محميين، وعندما لا نكون كذلك، فإن خيالنا يصور لنا أننا نواجه نهاية العالم.

نجاحات العلم وادعاءات السياسيين دفعتنا إلى الاعتقاد بأن الإنسان لا يقهر، لذا فإن وصول الفيروس يُعد انتهاكاً للعقد الاجتماعي بين الدولة والعلم وبيننا.

هناك حدود لقوة الإنسان وهذا ما يخيفنا فوق أي شيء.

مريض كورونا في مستشفى صيني

مريض كورونا في مستشفى صيني

الشرق الأوسط وصدمة كورونا: الحكومات في قفص الاتهام 

كانت الأوبئة دائماً في محور التنبؤات الخاصة بالشرق الأوسط. 

المنطقة هي حرفياً مركز الملاحة الجوية العالمية والطاقة والشحن العالمي، فيما يزداد الشرق الأوسط ضعفاً بسبب الحروب والفساد والخدمات الصحية المتردية، والأنظمة الحاكمة المخادعة التي قد تحاول التستّر على درجة انتشار الأوبئة العالمية في المستقبل كما تحاول الحكومة الإيرانية فعله اليوم.

وتعتبر مخيمات النازحين، مثل مخيم الزعتري للاجئين في الأردن حيث يعيش 80 ألف شخص، أكثر الأماكن عرضةً لهذا الخطر. 

كما يشكل اللاجئون والمهاجرون الآخرون الذين يتدفقون سرّاً إلى أوروبا عوامل خطر إضافية في انتشار الأوبئة عن طريق الشرق الأوسط.

ما الذي فعله كورونا بمنطقتنا؟

سبقت عام 2020 توقعات مشجعة بشأن الاستثمار فى الشرق الأوسط مرشحة بعض البلدان التى تتيح فرصاً جيدة كان من بينها مصر والمغرب والإمارات باعتبارها الأكثر استحواذاً على الاستثمارات المستقبلية.

سوف تعيد كثير من الشركات العالمية النظر في مشروعات مستقبلية لها بالمنطقة، فضلاً عن تراجع كبير في حجم التجارة القائمة مع الصين، ما يؤثر على عمليات تشغيل كثير من خطوط الإنتاج الجديدة التي تعتمد على المعدات والتكنولوجيا الصينية في القطاع الصناعي.

الأماكن المقدسة في الشرق الأوسط تبدو الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس القاتل، عبر الحجاج وزوار الأماكن المقدسة، وإمكانية وصوله إلى مخيمات اللاجئين، الذين يعتبرون المجموعة الأضعف والأكثر عرضة للإصابة بالفيروس القاتل، وهو ما يعني أن المنطقة "ستصبح عرضة لكارثة صحية شاملة غير مسبوقة".

 تطهيرأماكن العبادة في إيران

 تطهيرأماكن العبادة في إيران

مخاوف من سرعة انتشار المرض من مدينة قم الإيرانية، التي يعتقد أنها بؤرة للفيروس في إيران ومصدر لانتشاره في أنحاء الدولة وانتقاله إلى جيرانها المباشرين. فالإصابات القليلة التي ظهرت في البحرين والعراق ولبنان انتقلت مع الزوار الشيعة من هذه الدول الذين ذهبوا إلى "قم" مؤخراً، وهو ما اضطر السلطات هناك إلى إغلاق مرقد الإمام عليّ.

سوف تستمر السلع في التدفق طالما كانت هناك حاجة إلى النفط. يمكن تشغيل قطاع النفط والغاز بعدد أقل تحت حماية جيدة، ولا يشكل تصدير الطاقة أي خطر للإصابة بالعدوى تقريباً.

وفي المقابل، سوف تتغير حركة الناس بالكامل، مع تأثيرات اجتماعية واقتصادية عميقة على بعض أجزاء المنطقة. 

الإمام السديس يشارك في تطهير الكعبة بعد إخلاء الحرم

الإمام السديس يشارك في تطهير الكعبة بعد إخلاء الحرم

هل يمكن أن نتخيل تقلّص حركة الحجاج الوافدين إلى مكة المكرمة؟

أو خروج الاختصاصيين المغتربين من دبي؟

أو نهاية ظاهرة استيراد العمال الآسيويين إلى الخليج؟

إن إحدى الحسنات التي قد يجنيها سكان الشرق الأوسط من سيناريو الانكماش هي حصر اقتصادهم بالساحة المحلية، بعد المرور بفترة تكيّف صعبة. 

التطور الكبير في تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد والصناعات التكميلية وتقنية النانو، سوف يخفف من الحاجة إلى شحن البضائع المختلفة من مسافات بعيدة.

العراق معرض لتهديد كبير بسبب ضعف النظام الصحي فيه، وانتشار الفيروس هناك من شأنه أن يؤدي إلى وفاة الآلاف، في ظل غياب طرق فعالة لتعقبه ومكافحته، خصوصاً في حال انتشاره في مخيمات اللاجئين.

عام 2020 سيشهد تراجعاً في إصدارات السندات بالعملة الصعبة من منطقة الخليج مقارنة بالعام الماضي. أصدرت دول الخليج في 2019 سندات دولية برقم قياسي بلغ 87.6 مليار دولار، وهو ما يفوق 71.8 مليار دولار في 2018 والمستوى القياسي السابق البالغ 84 مليار دولار.

تأثير انتشار فيروس كورونا في الصين على النمو الاقتصادي العالمي قد يترجم إلى زيادة في تكاليف التمويل لمصدّري الديون في الشرق الأوسط، وهو ما يحتمل أن يكبح الاقتراض الجديد.

الانكماش الناتج عن الأوبئة يسرّع وتيرة هذا المنحى. وبذلك ستجد الدول التي تخطتها الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، ومن بينها معظم دول الشرق الأوسط، حافزاً جديداً يدفعها بعيداً عن الاعتماد على الواردات ونحو خلق فرص العمل. فيروس كورونا قد يخفض الطلب الصيني على نفط الشرق الأوسط ويقلص التدفقات السياحية إلى المنطقة.

يمتد تأثير هبوط أسعار النفط إلى العجز في الموازنات العامة، ومتطلبات التمويل والتصنيفات الائتمانية.

في الشرق الأوسط هناك مؤشرات حقيقية باحتمالية تحول كورونا إلى وباء مع ضعف البنى التحتية والمؤسسات الصحية، كما كشف تقرير دولي لمؤشر أمن الصحة العالمي GHS، الذي يرى أن دول المنطقة تقبع ضمن الدول الأقل استعداداً لمواجهة انتشار كورونا ومنع انتشاره.

قد تضطر الدول، بما فيها دول الخليج الملكية، إلى إعادة النظر في قوانين الجنسية لتشجيع الهجرة الهادفة، كما يتوقع مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن.

وقد يحدث ارتفاعٌ مفاجئ في وتيرة القومية والوطنية والحمائية التي بدأت بالفعل في الظهور رداً على التأثيرات الاقتصادية للعولمة، المتهمة بعدم العدالة، وبالقضاء على التنوع الاجتماعي والثقافي لشعوب العالم الأقل حظاً في الثروة والهيمنة.

الشركات الصينية العاملة فى مصر ستشهد تباطؤاً في مشروعاتها مع تراجع حركة السفر من وإلى الصين، وفي ظل القيود المفروضة على السفر تخوفاً من انتشار الفيروس، حسب مؤسسة "إنتربرايز" للمعلومات الاقتصادية، التي تذكّر بأن هناك العديد من الموردين من الشركات الصينية والإيطالية المتعاملة مع شركات المقاولات والإنشاءات المصرية في مشروعاتها بمصر.

اعتاد العرب أن يواجهوا الأزمات بالسخرية والنكات، وهذا ما فعلوه في مواجهة عاصفة كورونا.

لكنهم كشّروا أيضاً عن أنيابهم، وهم يشعرون بالغضب من عجز حكوماتهم عن اجتياز الامتحان بنجاح، من عدم الشفافية، ومن انهيار المنظومات الصحية في معظم بلادهم.

نهاية فبراير/شباط 2020 ظهر الرئيس اللبناني ميشال عون على الشاشات ليبشّر مواطنيه بوضع "حجر الأساس للصعود من الهاوية".

قال عون إن لبنان سيبدأ التنقيب عن النفط والغاز في البحر، في الوقت الذي يكابد البلد أزمة مالية غير مسبوقة.

وكان إلياس خوري، الكاتب والروائي اللبناني، ينتظر من الرئيس حديثاً مختلفاً.

"كنا نتوقع أن يتحدث الرئيس عن الأزمة المالية والاقتصادية، أو عن تشريع زراعة الحشيش أو عن مصيبة كورونا، والطائرات الآتية من قم وطهران التي أدخلت هذا الفيروس الرهيب إلى لبنان.

كورونا الآتي من الصين وإيران كسر مُناخ الكوميديا المفتعلة، فهذا الفيروس القاتل لا يمكن صدّه بالشعارات أو بتأتأة وزير الصحة، أو بإجراءات عشوائية لا تمتلك أي إحساس بالمسؤولية أمام هذا الخطر الداهم.

فالذي تغاضى وتواطأ على تحويل شعب كامل إلى شحاذين أمام المصارف، والذي لا همّ له سوى حماية حيتان رأس المال البنكي، لا يستطيع أن يضع خطة ناجعة لمواجهة خطر كورونا الزاحف عبر الحدود.

نحن أمام كارثتين كبريين: الانهيار الاقتصادي وكورونا. 

لكن الثلاثي الحاكم لا يعلم أن الفاشية والقمع والاستبداد لا تستطيع أن تحكم مجتمعاً على حافة الإفلاس، ويواجه الوباء عارياً من أي حماية!

نحشش فننسى الكورونا والفقر ونموت من دون ألم!

هذا هو اقتراحهم، لكن الانتفاضة الشعبية تمتلك اقتراحاً آخر، فهناك علاج واحد لنظام سياسي واقتصادي تحوّل إلى جثة، هو إعلان موته ودفنه".

قال المستشار نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، إن الدولة تواجه ظروفاً استثنائية فيما يخص مكافحة فيروس كورونا، وهناك مجموعة من الأشخاص هدفهم الأساسي نشر الشائعات بين المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، وحذر "هذه الفئة التي تثير الذعر بالشارع المصري" من المحاسبة في إطار القانون لمعاقبة مَن يقوم بترويج شائعات. "وفقاً للمادة 188 من قانون العقوبات، ستصل العقوبة للحبس لمدة سنة والغرامة المالية، وجرائم الإنترنت وُضعت لها عقوبات مغلظة، وتصل لـ 5 سنوات ونصف مليون جنيه غرامة".

المخاوف تجتاح الشرق الأوسط الآن من حدوث المزيد تحت ضربات كورونا.

المنطقة في حالة تغير مستمر، مع توافد مستمر للمعتمرين والتجار والعمال الذين قد يحملون الفيروس.

بسبب الحروب والاحتلال والاضطرابات تم تدمير النظم الصحية في العديد من البلدان، مثل: سوريا والعراق وأفغانستان واليمن وفلسطين المحتلة، والأولوية هي إعادة بناء ما تهدّم.

من الناحية الاقتصادية، يضرب الفيروس سوق نفط يعاني من اليأس بالفعل، فلأول مرة منذ أكثر من عام، انخفض سعر النفط ، وسط مخاوف من أن الطلب على الطاقة سيتعرض لضربة ذات تأثير طويل الأجل جراء تفشي المرض.

وذكرت منظمة الصحة العالمية أن 80% من المصابين بالفيروس يبلغون عن أعراض خفيفة شبيهة بالإنفلونزا، وأن 2% فقط من الحالات كانت قاتلة، وهو معدل وفيات أقل بكثير من الأوبئة السابقة مثل «سارس»، ومع ذلك، أشارت منظمة الصحة العالمية أيضاً إلى أن الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا وأوروبا «على المحك».

تاريخ الشرق الأوسط مليء بالانقسامات الناجمة عن القومية والدين والسياسة، وربما حان الوقت مع هجوم كورونا لكي تتخذ بلدان المنطقة نهجاً موحّداً تجاه هذا الفيروس، لمنعه من الانتشار أكثر من ذلك.

أخيراً.. ما يتعلمه العالم من محنة كورونا كثير 

لا يُمثّل هذا الحجم من الخلل والاضطراب شيئاً جديداً.

"تؤثر الأمراض الوبائية بشدة في جميع جوانب الحياة البشرية، إذ تؤثر في الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وتحدّد نتائج الحروب، وفي بعض الأحيان تكون سبباً في اندلاع شرارة الحروب"، كما يقول فرانك سنودن، الأستاذ في تاريخ الطب بجامعة "Yale" الأمريكية، في مقابلة مع مجلة The New Yorker.

فإلى أين يأخذنا كورونا؟

وما دروس هذه الأزمة غير المسبوقة في الاقتصاد، وفي كل مجالات الحياة؟

يرى البعض أن العولمة المعاصرة تحققت بفضل الطب الحديث. وقد تفشى وباءان منذ عام 1945، لكنهما لم يقوّضا النظام العالمي. ولذا لن يضع فيروس كورونا ذاته نهاية للموجة الأخيرة من العولمة، بل ربما يدفع تفشي المرض لإعادة التفكير في كيفية تكاتف دول العالم والعمل معاً لمكافحته.

الوباء القاتل أظهر أن العولمة أسقطت حدود الوقاية الصحية بين الدول في المقام الأول، وأن التداعيات الاقتصادية الكارثية للفيروس تثبت مدى عمق الترابط الاقتصادي العالمي.

 مطار سان فرانسيسكو الأمريكي خاليا من المسافرين في 5 مارس/ أذار 

 مطار سان فرانسيسكو الأمريكي خاليا من المسافرين في 5 مارس/ أذار 

لكن التغيير الحقيقى الأشد أثراً قادم على المدى الأطول، وهو التغيير في طبيعة التجارة والإنتاج العالميين التي تشكلت على مدى العقدين الماضيين. كثيرون من السياسيين والباحثين الاقتصاديين حول العالم حذروا من مخاطر الاندفاع بلا حدود وراء توجيه الإنتاج الصناعي العالمي حيثما كانت المدخلات أرخص والعائد أجزى.

إن الدرس لن يمر على صُناع السياسات الاقتصادية في العالم مرور الكرام، بل سيشجع على تنويع مواقع الإنتاج الصناعي والحد من التركز الشديد ولو على حساب جانب من العائد.

والقيود على السفر والاستيراد والتصدير، ستعلّم الكثيرين فضيلة تطوير الصناعات المحلية.

وترى مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا أن التأثيرات الاقتصادية الناجمة عن وباء فيروس كورونا في الصين ستكون قصيرة الأجل في أفضل الأحوال، لكنها تتزامن مع هشاشة الاقتصاد العالمي حالياً.

وكتبت في مدونة أنه بسبب العديد من المخاطر الأخرى، بما فيها الحرب التجارية الأمريكية الصينية المتوقفة مؤقتاً دون أن تنتهي بعد، فإن العالم ليس في وضع جيد للتعامل مع تأثير طويل الأمد للفيروس.

وتابعت: "في الواقع، فإن حالة الغموض أصبحت أمراً معتاداً".

وأضافت أن فيروس كورونا "هو أكبر مصدر للغموض بالنسبة لنا، وهو عامل تذكير كبير بأن الانتعاش الهشّ تهدده أحداث غير متوقعة".

كان انتعاشاً هشّاً إذاً ما عشناه في سنوات التعافي من أزمة 2008، وانكشف الاقتصاد العالمي تحت ضربات فيروس تافه.

غامض.

قادر على التنكر والعودة بأشكال أخرى.

قادر على رسم المزيد من الدوائر الحمراء على خريطة الكوكب المسكين.

حتى في أحسن السيناريوهات -كما أضافت مسؤولة صندوق النقد- فإن معدل النمو العالمي المتوقع لا يزال متواضعاً في معظم أنحاء العالم.

حتى بدون كورونا!