فتنة كورونا
بضربة واحدة: الوباء يقطع الطريق على النمو الاقتصادي ويكتب بداية النهاية للعولمة ويضع حكومات الشرق الأوسط في قفص الاتهام
تتغير خريطة العالم كل صباح.
بين لحظة وأخرى يقفز فيروس كورونا من مدينة لأخرى، ويعبر البحار والمحيطات ليغزو قارةً جديدة، أو يفسد أحداثاً اقتصادية ورياضية وفنية.
يتحرك الفيروس، فتكتسي منطقة جديدة بلون الخطر: الأحمر.
تغلق السلطات مباني ظهر فيها "العفريت"، ومدناً بكاملها بعد إصابة أو أكثر، فتظهر دائرة حمراء جديدة تبتلع كل يوم مناطق عديدة.
دولة بأكملها، هي إيطاليا، تعيش داخل الدائرة الحمراء: عزل صحي كامل للشعب دون استثناء.
الفيروس الجديد الذي يتجول في قارات العالم لم يعد خبراً في أقسام الصحة والطب على المواقع الإخبارية.
كورونا في عناوين الاقتصاد والسياسة والفن والرياضة والنجوم.
هي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، التي يواجه فيها الاقتصاد العالمي احتمالاً حقيقياً بانقطاع كثير من الصلات والعلاقات التجارية.
إغلاق مصانع، وإلغاء رحلات طيران، ومُدنٌ كاملة في آسيا وأوروبا توشك على الإغلاق الكامل تقريباً.
لا يقتصر تهديد الفيروس على الموت فحسب، ولكن الخوف من الموت يتسبب في خروج العالم عن السيطرة.
هو وباء؛ لأنه انتشر في أكثر من نصف دول العالم في أسابيع قليلة.
كل يوم تتسع رقعة المنطقة الحمراء"، حيث يعيش الناس سجناء البيوت، أو رهائن الخوف.
الفيروس الطائر يغيّر حياتنا، لكنه لن يؤثر على الجميع بالتساوي، على الرغم من أن مستقبل البشر مترابط.
بالنسبة لمن تتوافر لديهم الإمكانيات، فإن الفيروس يعني في المقام الأول اضطراباً في السوق، وتهديداً للاقتصاد، وبالتالي تصبح ثروتهم مهددة.
بالنسبة لأولئك الذين لا يملكون شيئاً، فإن الأزمة تتعلق بوجودهم على قيد الحياة، وعلى نحو عاجل ودقيق.
ذروة الخطر مع المزيد من انتشار فيروس "كوفيد 19" ستكون توقف الخدمات الصحية الوطنية في بعض البلدان، كما توقع الصحفي البريطاني شون لينترن في صحيفة Independent.
وربما يبدأ القطاع الصحي في ترشيد العلاج، وهذا دليل جديد على طريقة تغيير حياتنا اليومية لمدة أسابيع أو حتى أشهر، بسبب هذا الفيروس الذي لم نعرف عنه شيئاً من قبل.
بعيداً عن التطورات الطبية والعلمية لمطاردة كورونا، يستعرض هذا التقرير ما تغيره هجمات الفيروس في شكل الحياة على هذا الكوكب، وبالذات في المنطقة العربية.
كورونا يصيب اقتصادات العالم بالشلل الجزئي
في مشهد نادر الحدوث، خلا صحن الطواف بالحرم المكي من المعتمرين، الخميس 5 مارس/آذار 2020، بعد أن منعت السعودية المعتمرين من المواطنين والمقيمين من دخول الحرم المكي، بسبب كورونا.
وتقرر إلغاء صلاة الجمعة في كثير من البلاد الإسلامية.
السعودية علّقت الدروس العلمية وحلقات تحفيظ القرآن في كافة المساجد، وعُلّقت الدراسة بكافة المستويات التعليمية.
توقف ملايين الطلاب عن الدراسة، وتقطّعت خطوط السفر الجوي والبحري.
معظم العواصم تتوقف عن استقبال رعايا الدول التي ظهر بها الوباء.
المشاهد في منطقتنا العربية هي تفصيلة من صورة كبيرة للذعر الذي يثيره الفيروس في العالم.
صحة الإنسان ليست الضحية الوحيدة لهذا القاتل.
تفاصيل الحياة اليومية في العالم تغيرت، لكننا في السطور التالية نرصد أهم قطاعات الحياة التي تأثرت بظهور الفيروس الجديد.
تعطلت سلسلة التوريد العالمية، ما سيؤدي إلى إبطاء إنتاج السلع المحلية التي تعتمد على مكونات يتم استيرادها من الخارج. شركة فيات كرايسلر للسيارات، على سبيل المثال، أوقفت الإنتاج في مصنع في صربيا بسبب نقص الأجزاء المصنوعة في الصين.
ثم.. توقعات غير محددة بانتشار البطالة في جميع أنحاء العالم.
الخسارة الاقتصادية الكبيرة الناجمة عن تعليق الأنشطة الاقتصادية الصينية قد تتسبب في توقّف الصين مؤقتاً عن منح المساعدات الخارجية من خلال إطار مبادرة "الحزام والطريق" في الربع أو النصف الأول من عام 2020.
الصين تمثل اليوم نحو 50% من الطلب العالمي على الفولاذ، ما يعني أن تتضرر دول مصدرة مثل: روسيا وكوريا الجنوبية وتركيا، في حال تراجع الأسعار.
تجارة السلع الفخمة تأثرت بقلة الطلب، حيث يمثل ما ينفقه المستهلكون الصينيون بين 33 و35% من قيمة مشتريات السلع الفاخرة على المستوى العالمي، وتختلف الأرقام باختلاف الدراسات.
تعليق نحو ربع رحلات نقل البضائع عن طريق البحر، وفقدان الآلاف من عمال الشحن والتفريغ لوظائفهم حول العالم.
انخفاض الاستهلاك الصيني من النفط نحو 30%، وانخفاض في الطلب على وقود الطائرات، ما يعني المزيد من الفوضى في أسواق النفط.
أغلقت أسهم أوروبا عند أدنى مستوياتها في ثمانية أشهر في التاسع من مارس/آذار، لتهوي داخل نطاق المراهنة على انخفاض الأسعار بعد انهيار في أسعار النفط عَمّق المخاوف من ركود عالمي في ظل تفشي فيروس كورونا.
انخفضت الأسواق لأن الأحداث في الخارج تعني أن ظروف العمل السيئة تقترب. وقال خبراء إن "صدمة النفط تؤدي لتفاقم أثر فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي".
توقعات بانخفاض حاد في عدد السياح هذا العام، وخسائر تتراوح بين 30 و50 مليار دولار في إيرادات السياحة الدولية المتوقعة.
شركات الطيران الكبرى تعاني، وإحداها أشهرت إفلاسها. منذ كانون الثاني/يناير علقت شركات الطيران رحلاتها تباعاً، وتوقع اتحاد النقل الجوي الدولي IATA خسائر قد تصل إلى 113 مليار دولار لشركات الطيران في حالة استمرار فيروس Covid-19 في الانتشار.
شركات الأغذية والمطاعم الصينية في جميع أنحاء العالم تدفع ثمن الاعتقاد الخاطئ بأن الفيروس يكمن في أي شيء صيني!
تضررت المطاعم والفنادق وصالات السينما.
تم إلغاء الحفلات الموسيقية والجولات الفنية، حتى أن الأحداث الثقافية الكبرى مثل مهرجان كان السينمائي، معرضة للإلغاء.
إغلاق أكبر مقاصد الترفيه والملاهي في العالم، كما حدث في شنغهاي ديزني لاند.
فُرض الحجر الصحي على مدن ومناطق بأكملها، وعزل الملايين في منازلهم ببعض الدول مثل إيطاليا كلها (أكثر من 60 مليون شخص) ومناطق في إسرائيل (80 ألفاً).
حظر التجمعات لعدد معين، ممنوع أكثر من 1000 شخص في فرنسا وسويسرا مثلاً.
خوفاً من إجراءات عزل جديدة، بدأت موجات من حمّى التسوق في بعض بلدان أوروبا، وقالت القناة الألمانية الأولى إن ظواهر التسوق غير العقلاني ترجع إلى التأثر بسلوك الآخرين بدلاً من الثقة بالحقائق، واعتقادهم بأن الآخرين لديهم معرفة متقدمة حيال الخطر مقارنةً بهم. وذكرت أن وسائل الإعلام تقوي "سلوك القطيع" هذا، ما يهدد بحدوث ذعر غير ضروري.
الخوف الذي سبّبه فيروس كورونا القادم من الصين لسكان العالم بات يهدد بجدية مستقبل كرة القدم، ليس فقط في آسيا، وإنما في أوروبا أيضاً، بعدما تسبب في تأجيل مباريات محلية ودولية في مختلف القارات، ويخشى أن يؤثر على مواعيد مباريات تصفيات مونديال قطر 2022 أيضاً.
ولا تزال دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو لعام 2020 على بُعد أشهر، لكن اللجنة الأولمبية الدولية تستعد لاحتمال إقامة أولمبياد خالية من المشجعين.
جانب كبير من الأحداث الرياضية تتم بدون جماهير، وتستعد اللجنة الأولمبية المشرفة على دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو لعام 2020 لإقامتها في ملاعب خالية من المشجعين.
"ينبغي لنا توخي الحذر مما أدَّى إليه انتشار الأوبئة على مر التاريخ من اضطهاد للضعفاء والمهمشين".
تحذير من هانا ماركوس، مؤرخة العلوم بجامعة هارفارد الأمريكية، في صحيفة New York Times، لأن "أحد أبرز التداعيات الاجتماعية الموثّقة للطاعون في أوروبا في أواخر العصور الوسطى كان العنف، الذي غالباً ما كان موجهاً ضد اليهود، الذين اتُّهموا بالتسبب في الطاعون من خلال تسميم الآبار".
وهذا ما يحدث.
تم تسجيل ورصد زيادة ملحوظة في الاعتداءات والتنمر الذي يتعرض له آسيويون، وقالت نقابة المعلمين إنها تلقت العديد من البلاغات من أعضاء لها يشيرون إلى سوء المعاملة والتحامل والكراهية والتي زادت بشكل كبير منذ تفشي المرض في بريطانيا.
وتعرَّض طالب سنغافوري للهجوم باللكمات والركل أثناء السير في شارع أوكسفورد وسط لندن في 24 فبراير/شباط الماضي. وقال له مهاجموه الأربعة: "نحن لا نريد فيروسك التاجي في بلدنا".
كورونا يحطم أسطورة العولمة: هل هي "بداية النهاية"؟
بدأت العولمة بانهيار جدار برلين.
قبلها كان مصنع السيارات الفرنسي، على سبيل المثال، يعتمد على مصانع فرنسية أخرى في توفير الصناعات التكميلية.
لكن سقوط جدار برلين في أواخر ثمانينات القرن الماضي كان البداية لتوحيد النظام الاقتصادي العالمي، وبزوغ الصين التي قدمت أقل تكلفة إنتاج ممكنة.
اندفعت الشركات الصناعية الكبرى لتصنيع أغلب القطع اللازمة هناك، وأصبحت سلسلة الإنتاج ممتدة على مستوى قارات العالم.
والنتيجة؟
أولاً انخفضت أسعار المنتجات الاستهلاكية بدءاً من السيارة والكمبيوتر حتى الملابس الجاهزة.
وارتفعت نسبة البطالة في البلدان المتقدمة.
وأصبح الاقتصاد الصيني، قبل ربع ساعة من ظهور فيروس كورونا، يشكل 17% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم.
والتبادلات التجارية مع الصين تشكل 35% من حجم التجارة العالمية.
وأصبحت صناعة الأدوية العالمية تعتمد على الصين في 80% من إنتاجها.
ثم ظهر كورونا.
أغلقت مصانع في الصين أبوابها.
وبدأت مصانع في أوروبا والولايات المتحدة تتوقف عن العمل.
وبدا "الشلل" الاقتصادي العالمي على مرمى البصر.
فيلم رعب حقيقي يعيشه العالم جراء تداعيات فيروس كورونا، وسيترتب عليه تغييرات جذرية قد تكون هائلة، وأبرزها بداية نهاية العولمة، بضرب التجارة العالمية وركيزتها الصين، وإحداث تغييرات مجتمعية كبيرة بتعزيز القفزة العملاقة نحو العالم الرقمي، ثم التساؤل: لماذا تركت الحكومات البحث الطبي في يد الشركات العالمية التي تأخرت في إيجاد دواء للوباء؟
تقوم العولمة على مبدأ الحريات الثلاث:
1- حرية التجارة
2- حرية عبور رؤوس الأموال والاستثمارات لكل أنواع الحدود
3- وبالطبع حرية تنقل الأفراد بين الدول
والحريات الثلاث باتت "مكبّلة" بإجراءات مواجهة الفيروس الآتي من الصين.
الصين هي "مصنع العالم" الذي يمده بكل احتياجاته، من مبرد الأظافر إلى مسيّرات "الدرون".
انتشر فيروس كورونا في جزء من الصين، فتوقف الكثير من المصانع.
وبدأ العالم يشعر بنقص شديد في الكثير من البضائع بكل أنواعها.
التجارة العالمية سوف تتأثر لأن الاستهلاك يتراجع بقوة.
«الفيروس التاجيّ» يضرب صحة الاقتصادات بالسرعة التي يصيب بها الناس، إن لم يكن بسرعة أكبر.
أدّى تفشّي المرض عالمياً إلى حدوث اضطرابات في أسواق الأسهم، وتعطيل سلاسل الواردات حول العالم. واتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خطوات صارمة لاحتواء الأضرار، مُعلناً أنه سيخفض أسعار الفائدة بنصف نقطةٍ مئوية.
الأسهم شهدت أسوأ أسبوعٍ لها منذ الأزمة المالية عام 2008. وحتى الآن، يبدو تفشّي فيروس كورونا أشبه بالإعصار أكثر من الأزمة المالية، رغم أن الأمور قد تتغيّر سريعاً.
الإجابة عن سؤال العنوان هي: نعم.
في ظل تراجع البورصات العالمية الأساسية في كل من آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وتدنّي أسعار النفط، يمكن التحدّث عن خطر ركود كبير ناجم عن ضرر لحق بأساسات الاقتصاد في عدد كبير من مراكز القوى الرئيسية في العالم.
هذا الفيروس مُعدٍ اقتصادياً كما هو مُعدٍ صحياً. إنه بمثابة ضربة ثلاثية لقطاع الصناعات التحويلية في معظم الاقتصادات الكبرى. المشكلة الاقتصادية جسيمة لأنها تضرب أكبر الاقتصادات، ولا شك في أن حجم الصدمة الاقتصادية أكبر مما رأيناه في ظل أي أزمة نجمت عن وباء شهده العالم، كما قال ريتشارد بالدوين، أستاذ الاقتصاد الدولي بمعهد الدراسات العليا في جنيف، لمجلة "فورين بوليسي".
في مجلس العزاء بوالدة جورج وسّوف،
— نيشان (@Neshan) February 29, 2020
هذا ما كتبه في استقبال المُعَزّين.
رحم الله أمّ أبو وديع.❤️ pic.twitter.com/ExS2s457Pw
الاقتصاد العالمي في حالة من الفوضى.
الاقتصاد الصيني يبدو مبعثراً، وسعر النفط يتغير بسرعة، والخوف من نقل المرض يضاعف الخوف من إطلاق تركيا اللاجئين السوريين على الحدود.
نتحدث هنا عن أحداث مفاجئة ذات تأثيرات كبيرة؛ أحداث لا يمكن التنبؤ بها تدمر التوقعات الاقتصادية والجيوسياسية، على غرار نظرية "البجعة السوداء"، التي تعني أحداثاً تاريخية غير متوقعة، مثل بجعة سوداء تخرج من وسط البجع الأبيض فجأة.
الوقت الذي تقرر فيه "السوداء" مغادرة البحيرة، والأسباب التي جعلتها تختار هذا الوقت بالذات، تذهلنا وتدفعنا للبحث عن التفسيرات والحلول.
في السابق كانت التهدئة تأتي من رجال الدين، والآن تأتي من القادة، ونحن الآن نحمّل القائد المسؤولية، ليس عن التسبب في الفيروس، بل عن عدم العمل بسرعة كافية لحمايتنا، كما كتب جورج فريدمان.
الفيروس عالمي، ويقتل الناس، وقد تسبب في الفوضى داخل الصين وبعض البلدان الأخرى، وبالتالي يجب أن نكون خائفين.
ليس المخيف هو المجهول.
وإنما العجز عن الفهم.
عجز الأشخاص الأذكياء المنوطين بحماية المواطنين من كل الأشياء الطبيعية والخطيرة عن القيام بذلك.
توقعاتنا هي ما يخيفنا.
لا يبدو فيروس كورونا خطيراً على جنس الإنسان بشكل خاص. لكننا أصبحنا نتوقع أن نكون محميين، وعندما لا نكون كذلك، فإن خيالنا يصور لنا أننا نواجه نهاية العالم.
نجاحات العلم وادعاءات السياسيين دفعتنا إلى الاعتقاد بأن الإنسان لا يقهر، لذا فإن وصول الفيروس يُعد انتهاكاً للعقد الاجتماعي بين الدولة والعلم وبيننا.
هناك حدود لقوة الإنسان وهذا ما يخيفنا فوق أي شيء.