الصعود الأخير للحوثيين

القصة الكاملة لتنظيم «أنصار الله».. من مكاتب الدعوة الزيدية إلى القوة العسكرية الأكبر والرقم السياسي الأهم في اليمن

يقتربون مرة أخرى من عرش اليمن السعيد الذي غادروه قبل أكثر من نصف قرن، يحصدون الآن ثمار عقود من العمل الدعوي والاجتماعي والسياسي والعسكري. في السر حيناً، وفي وَضَح النهار أحياناً.

حركة «الشباب المؤمن» أصبحت حزب الحق، وتنظيم أنصار الله، والقوة صاحبة القول الفصل في صراع السياسة والبندقية والتعليم.. وكل شيء في اليمن.

زعيمهم عبدالملك الحوثي هو «أبو جبريل»، الصعَدي القادم من خلف الأقدار، ليقلب طاولة التاريخ اليمني رأساً على عقب، كما يقول أتباعه.

اقتحموا غرفة قيادة اليمن بالتدريج، منذ حروبهم  السِّت مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، حتى أصبحوا «الفاعل» الأول في مجريات ما يجري في اليمن، ومناوشات السلاح، وقاعات التفاوض الصعب، وفي أحاديث الصباح والمساء .

«طاولة التاريخ» التي قلبها الحوثيون جرفت معها الاستقرار الشكلي لما بعد عبدالله صالح، وأحلام التحالف السعودي الإماراتي في صنع «تركيبة» يمنية أليفة، تخدم مصالح الرياض وأبوظبي، وأوهام التعايش القَبَلي في البلد وعر التضاريس، صعب المراس .

مضت أربع سنوات، سقطت خلالها آلاف القنابل على اليمن، وأنفق التحالف ملايين الدولارات، ومازال الحوثيون يسيطرون على معظم شمال غربي اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء. في حين بقيت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاجزةً إلى حدٍّ كبير وهي لا تزال في المنفى، في السعودية

كل ما فعله الحوثيون في الظلال في العقود الخمسة الأخيرة يؤدي إلى هذه اللحظة الفارقة في تاريخ اليمن: إعادة رسم الحدود الطائفية والسياسية والقبلية، بقانون البقاء للأقوى، والأكثر ذكاء ومرونة.

هي لحظة الحقيقة اليمنية.

في هذا التقرير نستعرض تفاصيل الطريق الذي سار عليه الحوثيون منذ صعودهم تحت مظلة المظلومية من التهميش، إلى السيطرة على مفاتيح السياسة والثروة في اليمن، عبر صراعات داخلية وخارجية معقَّدة في حاضرها، وغامضة في مستقبلها.

الزيدية.. من أفكار المعتزلة إلى مظلة الثورة الإيرانية

تنتمي الحركة الحوثية للمذهب الشيعي الزيدي، الذي تأسَّس بعد مقتل الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الذي ثار في وجه الأُمويين في بدايات القرن الثاني الهجري ولَقِي مصرعه، ليصبح شهيد الزيديين بامتياز بعد الإمام الحسين.

وظهر الزيديون في نجد وشمال إفريقيا وحول بحر قزوين، لكن فرعهم الوحيد المتبقي موجود حالياً في شمال اليمن، ويُطلِق عليه البعض اسم «الهادوية»، نسبة للإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، الذي عُقدت له الإمامة باليمن، وهو يختلف فكرياً عن باقي الفرق الزيدية المنقرضة .

الزيدية في اليمن

الزيدية في اليمن

يُشكِّل أتباع المذهب الزيدي قرابة ثلث سكان اليمن، خاصة محافظات صعدة وصنعاء وعمران وذمار والجوف وحجة وريمة والمحويت. وتوجد أقلية زيدية صغيرة من مواطني السعودية في منطقة نجد ونجران وعسير وجازان وتهامة في جنوبي السعودية.

ظهر المذهب الزيدي معتمداً على فقه الاعتزال، مع ميلٍ في الفروع للمذهب الحنفي، مع تبني فكرة الخروج على الحاكم الظالم، أبرز قاعدة قام عليها المذهب.

أهم سمات المذهب الزيدي

يُجيز المذهب الزيدي وجود أكثر من إمام في وقت واحد في قُطرين مختلفين.

الإمامة عند الزيديين تقوم على البيعة، وليس الوراثة، ويتم اختيار الإمام من قبل أهل الحل والعقد.

لا يؤمنون بالعصمة، إلا للنبي (صلى الله عليه وسلم)، رافضين بذلك مبدأ الغيبة وتوارث الإمامة.

علماء المذهب الزيدي أصدروا فتوى تقضي بإسقاط شرط النسب الهاشمي للإمامة.

يقول الزيديون إنه لا مواقف عدائية لهم تجاه الخلفاء الراشدين.

لا يعارضون الصلاة خلف إمام من السُّنة.

لا يُقرّون زواج المتعة.

لا يمارسون التقية.

لا يقدِّسون القبور والأضرحة، ولا يحجون لها.

المهدي في مفهوم العقيدة الزيدية ليس منتظراً، وليس شخصية مقدسة.

يتفقون مع أهل السنة والجماعة في العبادات والفرائض مع اختلافات قليلة: كقولهم «حي على خير العمل» في الأذان.

صلاة العيد تصح فرادى وجماعة، وفروض الوضوء لديهم عشرة.

الأذان من تلفزيون اليمن مع عبارة حي على خير العمل

الأذان من تلفزيون اليمن مع عبارة حي على خير العمل

تأسست الدولة الزيدية في شمال اليمن، أواخر القرن الثالث الهجري، على يد الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي، الذي استقرَّ في صعدة قبل 11 قرناً، وأخذ من أهلها البيعة، واستمرّ حكم اليمن بيد سلالته حتى قيام الثورة اليمنية 1962، وهي أطول فترة حكم لآل البيت في التاريخ.

يختلف الحوثيون عن المذهب الزيدي في بعض التفصيلات، كما ازدادت في الآونة الأخيرة الاحتفالات المحسوبة على جماعة الحوثي، والتي لم تكن مألوفة عند الزيدية في اليمن مثل: إحياء ذكرى استشهاد الحسين، وإقامة المجالس الحسينية، وإحياء ذكرى وفاة بعض الأئمة، مثل جعفر الصادق ومحمد الباقر وعلي زين العابدين.

يتبنى الحوثيون خطاباً معادياً للسعودية ولا يُخفون رغبتهم في إسقاط حكم آل سعود و«تحرير» الجزيرة من «احتلالهم»، ويعتبرون أنهم أحق بحكم جزيرة العرب.

ويذهب العالم الأزهري الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه «الإمام زيد، حياته وعصره» الصادر عام 1959، إلى أن «الزيدية هم أقرب المذاهب الشيعية إلى فقه السنة، وفقه الإمام زيد، أو بعبارة أدقّ المذهب الزيدي المعمول به بين كثيرين من أهل اليمن، مذهب صقلته التجربة، وأرهفه العمل به، ونماه الاجتهاد ليتواءم العمل مع الأحداث ».

الإمام الأخير.. عندما حكم الزيديون لمدة نصف قرن

كان يحيى محمد حميد الدين محمد المتوكل (1869-1948) هو مؤسس المملكة المتوكلية اليمنية .

أجبر الإمام يحيى الأتراك على الاعتراف به إماماً مستقلاً على شمال اليمن في العام 1911 وبخروج العثمانيين عام 1918، أراد الإمام توسيع نفوذه ليشمل كامل اليمن ويعيد إحياء ملك أسلافه القاسميين، الذين حكموا اليمن من بداية القرن 17 حتى عام 1872. وفي عام 1934 لقي الهزيمة في معركته مع عبدالعزيز آل سعود، ولم يتمكن من مد نفوذه إلى عسير ونجران، وكشفت هذه الهزيمة فساد حكمه وضعف جيشه وضيق أفق سياسته.

شنّ الإمام يحيى أيضاً حروباً ضد قبائل حاشد وبكيل، لقمع تمرداتها والتنكيل بها، ابتداءً من 1922.

حكم الإمام في فترة كانت المنطقة العربية تعيش فيها ثورات فكرية سياسية واجتماعية، وحركات استقلال، وصراع الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتي. لكنه رفض تقديم أية تنازلات دستورية أو ديمقراطية، حتى لقي مصرعه في فبراير/شباط 1948.

من كتاب «التاريخ العسكري لليمن" للمؤرخ سلطان ناجي 

من كتاب «التاريخ العسكري لليمن" للمؤرخ سلطان ناجي 

وكتبت ابنته تقية في ذكرياتها «يتيمة الأحزان» أن والدها «كان يتفقد مزرعته في جنوب صنعاء، بصحبة رئيس وزرائه عبدالله العمري وأربعة من أحفاده وعسكري واحد مرافق وسائق السيارة، وفي منطقة حزيز اعترض المدبرون السيارة بكومة من الأحجار فتوقفت، وانهمر الرصاص عليها. وأصيب الإمام بأكثر من 100 عيار ناري، فاستقر منها في جسده حوالي 50 طلقة».

تولى الحكم نجله أحمد بن يحيى حميد الدين، وظل يحكم اليمن بنفسه حتى وفاته في 19 سبتمبر/أيلول 1962.

كان عهده فترة عصيبة، وأعواماً حاشدة بعمليات التمرد ومحاولات الانقلاب والاغتيال، ودخل الإمام أحمد عامه الأخير في الحكم وهو يكاد يفقد قبضته على كل شيء باليمن .

يقول المؤرخ المعروف سلطان ناجي في كتابه «التاريخ العسكري لليمن» إن النظام دخل في مصادمات مسلحة مع القبائل والطلبة، وانتشرت المظاهرات والمسيرات الطلابية في صنعاء وغيرها، تحمل صور الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، وتمزق صور الإمام وتدوسها.
يضيف: كانت ثورة سبتمبر/أيلول 1962 أمراً محتماً.

فيديو نادر: محمد البدر بن أحمد حميد الدين إمام اليمن في رحلة الحج

فيديو نادر: محمد البدر بن أحمد حميد الدين إمام اليمن في رحلة الحج

في صباح يوم 26 سبتمبر/أيلول قامت الثورة، وأُعلن النظام الجمهوري. وظل ابنه محمد البدر حميد الدين يحاول استعادة العرش لمدة 8 سنوات من السعودية، سافر بعدها إلى لندن، حيث لقي ربه هناك نهاية التسعينيات.

فور إعلان الجمهورية اليمنية اعترفت مصر بها، وقررت دعمها ضد أنصار الملكية المتوكلية، وعلى رأسهم المملكة السعودية. وبدأت مصر في إرسال بعض سرايا من رجال الصاعقة والمظلات للمعاونة في حماية الثورة في أول أيامها، ثم تطور الموقف بسرعة غير متوقعة. فتورطت مصر في إنشاء جسر جوي وبحري ضخم، عبر آلاف الكيلومترات لنقل الرجال والعتاد والأسلحة والمهمات والتعيينات والذهب إلى أرض اليمن، التي ابتلعت خيرة وحدات القوات المسلحة وأهلكت أفرادها ومعداتها وأسلحتها وطائراتها واستنفدت أنفاسها.

بحلول عام 1967، كانت القوات المصرية تتمركز في مثلث الحديدة وتعز وصنعاء، بينما تقصف القوات الجوية مواقع في جنوبي السعودية وشمالي اليمن. لكن مع زلزال هزيمة يونيو/حزيران استدعى عبدالناصر 15 ألف جندي لتعويض خسائر الحرب مع إسرائيل، ثم أعلن أمام القمة العربية بالخرطوم استعداده لسحب قواته من اليمن.

الرئيس جمال عبد الناصر وشكري القوتلي ويتوسطهما الأمام محمد بدر في دمشق

الرئيس جمال عبد الناصر وشكري القوتلي ويتوسطهما الأمام محمد بدر في دمشق

كان الإمام اليمني الأخير محمد البدر حاضراً في ذلك المشهد، بل عرض التصالح مع مصر وإرسال جنوده لقتال إسرائيل على جبهة قناة السويس!

فيلم «ثورة اليمن» من إنتاج المؤسسة العامة للسينما عام 1966، وهو «من الأفلام الدعائية لثورة يوليو/تموز، وأكبر إنتاج عرفته الشاشة العربية في ذلك الوقت»، كما يصنفه موقع السينما.

فيلم «ثورة اليمن» من إنتاج المؤسسة العامة للسينما عام 1966، وهو «من الأفلام الدعائية لثورة يوليو/تموز، وأكبر إنتاج عرفته الشاشة العربية في ذلك الوقت»، كما يصنفه موقع السينما.

الصعود الحوثي.. «الشباب المؤمن» يزحف صوب السلطة بالدبابات

لم يكن الحوثيون قبل الثمانينات موجودين كقوة سياسية أو فكرية في اليمن، ولكن مع وصول الخمينية نجح بدر الدين الحوثي في بناء علاقاته مع طهران.

وساعد بعدها بسنوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الحوثيين على تأسيس حركة الشباب المؤمن لإيجاد توازن مقابل قوى دينية أخرى.

كانت حركة «الشباب المؤمن» هي أول تنظيماتهم العلنية، مدفوعة بواقع التهميش الذي تعاني منه مناطق الزيديين، واتخذت الحركة في بادئ الأمر طابعاً فكرياً عبر التركيز على البحث والتدريس ضمن إطار المذهب الزيدي.

كان شبابها يرددون هتافات «الموت لأمريكا، الموت لاسرائيل» خلال صلاة الجمعة في المساجد. وكانت السلطات تعتقلهم ثم تطلق سراحهم بعد فترة قصيرة، فيعودون إلى نشاطهم السابق.
سمع العالم عنهم في بداية التسعينيات.

وارتبط الصعود الحوثي الجديد بالزعيم الأول للحركة حسين بدر الدين الحوثي، ابن رجل دين زيدي بارز، الذي شكل في بداية مسيرته السياسية حزب «الحق» وفاز بمقعدين في برلمان 1993.

وبعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، وغزو العراق اتبع حسين الحوثي نهجاً فكرياً جديداً جمع بين «إحياء العقيدة» و«معاداة الإمبريالية» متأثراً بأفكار الثورة الإسلامية في إيران. وشرعت الحركة في تقديم خدمات اجتماعية وتعليمية، بالتزامن مع موقف سياسي يعارض حكم الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح.

تعدَّدت صور النوافذ الخدمية من المساعدات المادية إلى المستشفيات.. إلخ، ما ثبّت حاضنته الشعبية في صعدة وجوارها. على الصعيد العسكري، تعتبر كهوف جبال «مران» في صعدة خزّانهم الاستراتيجي من السلاح والمخابئ وغرف العمليات.

هناك سبب آخر لبروز الظاهرة الحوثية في اليمن، هو انتشار الجماعات السلفية والوهابية وتزايُد نفوذها في اليمن ووصولها حتى إلى معاقل الحوثيين، ما شكّل تهديداً للنسيج الاجتماعي والديني الراسخ في المنطقة. «حتى ثمانينيات القرن الماضي كانت جبال صعدة زيدية خالصة وتسيطر عليها طبقة من «السادة» تبلغ نسبتها 5% من السكان، لكن في تسعينيات القرن الماضي برزت ظاهرة «السلفية» في معقل الحوثيين وتسببت في شرخ واضح في المجتمع المحلي، وكان ذلك بدعم وتمويل من المسؤولين اليمنيين، بمن فيهم الرئيس علي عبدالله صالح، ورجال أعمال يمنيون وسعوديون»، كما تنقل BBC عن الباحثة البريطانية في الشأن اليمني شيلا وير.

مطاردة السلفيين في صعدة

تمكّن الحوثيون بعد 6 جولات من الصراع مع الحكومة في الفترة بين 2004 و2009 من السيطرة على معظم أنحاء محافظة صعدة. وانتهت الاحتجاجات ضد صالح بتسوية سياسية توسّط فيها مجلس التعاون الخليجي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، أسفرت عن تنحية هذا الأخير من السلطة وتعيين نائب الرئيس آنذاك، عبد ربه منصور هادي، رئيساً انتقالياً.

في ذلك الوقت، كان الحوثيون قد أصبحوا كياناً هجيناً يقوم بنشاطات سياسية ودعوية، في الوقت نفسه كان يطوّر قدراته العسكرية على نحو كبير. وفي الفترة بين 2012 و2014، اغتنم الحوثيون فرصة ضعف القوات الحكومية واستولوا على محافظات إضافية قرب صعدة، بما في ذلك الجوف وعمران وحجة.

وفيما كان الجناح السياسي من الحركة الحوثية منخرطاً في الحوار الوطني، كان مقاتليها يستهدفون قبائل وتجمعات للسلفيين في مركز دماج الديني، تحت شعار مكافحة التطرف.

آلاف السلفيين يغادرون دماج تحت  الضغط الحوثي في عام 2014

آلاف السلفيين يغادرون دماج تحت  الضغط الحوثي في عام 2014

لم يتوقف الحوثيون عند حد استئصال السلفيين في صعدة، بل تحركوا لمهاجمة قبائل حاشد الموالية لحزب الإصلاح المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين بين محافظتي صعدة وعمران، ووظّفوا مجدداً شعار مكافحة التطرف حتى يقبلهم المجتمع الدولي.

رفض الحوثيون في نهاية المطاف بعض خلاصات مؤتمر الحوار الوطني في 2014، خاصة تلك التي تنص على تشكيل نظام فدرالي من ست مناطق في اليمن، يكون فيها نفوذ الحوثيين محدوداً بإقليم أزال، الذي يضم المحافظات الداخلية المغلقة، ما يعني عزل الحوثيين عن المحافظات الأغنى في البلاد؛ حيث الموانئ أو المخزون النفطي .

وهذا ما حفّز الحركة على بدء المرحلة الثانية من تقدّمها.

المرحلة الثانية: ذروة النجاح العسكري والسياسي  

سعى الحوثيون إلى استغلال السخط واسع النطاق ضد الحكومة، وأصبحوا «حركة ثورية تنافح ضد الفساد، والحكومة العاجزة».
اتهموا رئيس الوزراء حينها محمد سالم باسندوة بإبرام تحالف مع حزب الإصلاح واستخدموا تحالفهم الناشئ مع علي صالح لتعبئة القبائل التي كانت معزولة غداة اتفاقية 2011.
جاء هذا في وقت كان فيه الحوار الوطني غارقاً في الانقسامات المتنامية بين الأحزاب اليمنية، ليس فقط بين علي صالح وتحالف الأحزاب الذي عارضه تحت اسم أحزاب اللقاء المشترك، بل أيضاً بين أحزاب المعارضة نفسها. ثم جاء ضعف هادي المتفاقم ليزيد الأمور سوءاً.

لم يتردد الحوثيون ساعتها في إبرام تحالف براغماتي مع عدو الأمس، علي عبدالله صالح. كانوا في حاجة إلى مخالبه المنتشرة عبر اليمن.
ولم يتردد في مد يده إليهم، فقد كان يحلم بالعودة إلى سُدّة الحكم.
وعندما نجحوا في الاستيلاء على العاصمة، شكلوا «لجنة ثورية عليا» لتحل محل الحكومة الشرعية.

طوال الوقت تمتع الحوثيون بمهارة اللعب على كل الهويات الفعّالة.

استفادوا إلى أقصى حد من العداء الذي برز بين بعض دول الخليج وبين جماعة الإخوان المسلمين عام 2013، ما أدى إلى المزيد من تقويض حزب الإصلاح.

استفادوا من رغبة هادي في إضعاف حزب الإصلاح والقبائل القوية الأخرى في الشمال خلال المعارك في عمران وصنعاء، وفتحوا معه قنوات اتصال سرية، لضمان عدم تصدي القوات المسلحة التابعة له للحوثيين.

رغم ذلك حاولوا وضع هادي قيد الإقامة الجبرية في منزله، خوفاً من أن يعمد إلى موازنة قوتهم المتصاعدة بالتحالف مع علي صالح.

في تموز/يوليو 2016، شكّلوا المجلس السياسي الأعلى، بالاشتراك مع حزب صالح، لإدارة المناطق التي يسيطر عليها الطرفان.

ثم تدهورت علاقات الحوثيين مع علي صالح بسبب تخوّفهم من انقلابه عليهم، وإحياء تحالفه مع السعوديين.

وبالفعل، في ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلن علي صالح انسحابه من التحالف مع الحوثيين وإبداء استعداده للحوار مع التحالف بقيادة السعودية، وبعد يومين عمد الحوثيون إلى قتله فيما كان يهمّ بمغادرة صنعاء .

ومنذ ذلك الحين، سيطر الحوثيون بمفردهم على شمال اليمن، وأصبحوا القوة الأبرز في ذلك الشطر من البلاد.

محادثات السلام اليمنية بالسويد

محادثات السلام اليمنية بالسويد

ثم جاءت ذروة الصعود الحوثي في ديسمبر/كانون الأول 2018، حين شاركوا في محادثات السلام التي توسّطت فيها الأمم المتحدة في السويد. واختار الحوثيون نصف الأعضاء المفاوضين، وبذلك حصلوا على درجة من الاعتراف الدولي بهم كقوة أمر واقع في شمال اليمن.

وهكذا، وخلال عقد ونصف العقد من الزمن، كانت الحركة الحوثية تتحوّل من تيار ديني محلي إلى قوة ثورية مُهيمنة في الشمال، ولها روابط سياسية مع أطراف في كل أنحاء البلاد. 

يستطيع الحوثيين القول إن قدرتهم على احتضان هويات متباينة في سياقات منفصلة، هي التي ضمنت لهم الظفر. فهذه الحركة وظفت لصالحها بلين وسلاسة معظم التقلبات والتحولات في السياسات اليمنية المعقّدة والملتوية.

الصراع الرئيسي هنا يكمُن بين الزيديين والوهابيين

في العقود الأخيرة، عملت محافظة صعدة على إعادة إحياء معاهدها ومؤسساتها الدينية الزيدية .

بدءاً من عام 1990، برزت شخصيتان زيديتان من هذه المنطقة، بدر الدين الحوثي وابنه حسين زعيما حزب «الحق»، بصفتهما الداعييْن الرئيسييْن لعقيدة الحركة الدينية السياسية التي أصبح أتباعها معروفين بالحوثيين.

وفي عام 1992 أسس حسين الحوثي تنظيم «الشباب المؤمن» الذي أصبح «حركة أنصار الله» لمحاربة الحكومة.

وعلى الرغم من أن الرجلين لقيا حتفيهما، فإن الحركة الحوثية لا تزال تحمل بصماتهما الأيديولوجية. ففي منشوراتهما وخطاباتهما والحلقات الدراسية التي عقداها، أظهر بدر وحسين الحوثي تعاطفاً واضحاً تجاه الشيعة الاثني عشر وأجندة الإمام الخميني الثورية المناهضة للولايات المتحدة.

وقد كان حسين يعتقد أن الصراع الرئيسي في اليمن يكمن بين الزيديين والوهابيين، كما ذكر في تصريحات موجهة إلى الحكومة بعد أن بدأت الولايات المتحدة بتقديم المساعدة إلى صنعاء لمكافحة الإرهاب، قائلاً: «هؤلاء هم الإرهابيون الذين لم تسمحوا لنا بمحاربتهم، أنتم تقفون وراءهم، وفي الوقت نفسه تسمحون للأمريكيين بالمجيء لليمن بحجة محاربتهم».

أيضاً هو معجب جداً بالأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله.  ففي خطاب غير مؤرخ له سأل الجمهور: «هل رأى أي منكم حسن نصر الله من على شاشة التلفزيون يهز إسرائيل بكلماته القوية؟».
كما أشاد علناً بالخميني لموقفه المواجه للولايات المتحدة وإسرائيل.
على نطاق أوسع انتقد مراراً وتكراراً اليمنيين العرب بشكل عام أيضاً لعدم اختيارهم الخميني كمثال للقيادة السياسية.

عبد المجيد الحوثي

عبد المجيد الحوثي

وقال عبدالمجيد الحوثي إن «الثورة في اليمن مستوحاة من الثورة الإسلامية في إيران، ولكن الجذور الفكرية والتاريخية للثورة في اليمن تنبع من الواقع بأن اليمنيين هم زيديون ولهم خبرة سياسية أكبر».

عبدالملك.. «أبو جبريل» اليمني الخارق للعادة

اختار لنفسه كنية «أبو جبريل» كاسم حركي داخل صفوف جماعته.

يصفه أتباعه بأنه «السيد الثلاثيني عبدالملك الحوثي، الخارق للعادة. قائد المسيرة القرآنية. زعيم حركة أنصار الله. الصعدي القادم من خلف الأقدار ليقلب طاولة التاريخ اليمني رأساً على عقب. الأشهر حالياً في المنطقة الإقليمية، والأقوى حضوراً وتأثيراً على الساحة المحلية، الرقم الصعب في معادلة الحاضر والمستقبل اليمني».

هكذا كتب الصحفي اليمني عابد المهذري، رئيس تحرير صحيفة الديار المقربة من الحوثيين، والذي يصل في إعجابه بالزعيم اليمني إلى حدود المبالغة والتقديس، شأن أنصاره من أبناء الحركة.

كان والد عبدالملك يطلق عليه اسم «طارقة»، أي علامة، ويصفه المهذري بأنه «في الحياة العامة أقرب ما يكون للفقراء وطبقة المجتمع المتوسطة.. منضبط في حياته يصحو وينام باكراً، يقرأ كثيراً ويطالع الصحف ويتصفح الإنترنت.. يمارس رياضة السباحة والمشي، ويحرص على الالتقاء بأصدقائه القدامى ورفاق الطفولة».

عبدالملك الحوثي مولود 1978، في قرية تسمى «الجمعة»، وانتقل بعدها إلى عزلة مران بمديرية حيدان، وتلقى تعليمه في حلقات الدروس الدينية التي كان والده يدرسها في مساجد صعدة، منذ كان عمره 18 سنة، ويقول الكاتب الصحفي عابد المهذري إن عبدالملك رافق والده إلى طهران عندما قررت السلطات نفيه لأسباب ذات أبعاد سياسية ومذهبية.

استلم «السيد» عبدالملك، الذي لم يحصل على أي دراسة نظامية متقدمة، زمام الأمور في الحركة الحوثية حينما كان في الرابعة والعشرين من عمره بعد مقتل أخيه في 2004.

وشيئاً فشيئاً ظهرت شخصية الشاب عبدالملك الواثق من نفسه الذي يلقي خطابات طويلة ومرتجلة تبدأ دائماً بالقضية الفلسطينية وإسرائيل، والذي يلوح بسبابته اليمنى بينما يزين خنصره خاتم من الفضة والعقيق، كما ورد في تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.

مقطع من خطبة زعيم الحوثيين في المولد النبوي قبل 10 سنوات

مقطع من خطبة زعيم الحوثيين في المولد النبوي قبل 10 سنوات

ويظهر الحوثي دائماً بالكوفية اليمنية على كتفيه والجنبية، أو الخنجر التقليدي.

ومثل حسن نصرالله، يمزج الحوثي الشاب لغة حازمة مع ابتسامات وانتقادات للفساد المستشري في بلاده، كما يَعِد بخطوات تصعيدية على أن يكشف عن تفاصيلها لاحقاً، متقناً فن التشويق السياسي، وجاذباً انتباه الإعلام بموجب جدول زمني يحدده بنفسه.

وبالرغم من ميله إلى الخطابات الطويلة والتواصل الإعلامي مع جمهوره، لا يظهر الحوثي أبداً تقريباً في تجمعات عامة، ويتحصن في معقله في صعدة شمال غرب اليمن، وتبث كلماته من مكان مغلق.

إنهم يغيرون اليمن وثقافته ومدارسه.. والقبائل أيضاً

يحاول الحوثيون إجراء تغيير جذري في مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية والعسكرية، ووضع شعارهم على الزي العسكري والأمني، وكذلك في المرافق والمؤسسات الحكومية. 

فرضوا شعارهم «الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام»، على أغلب مدارس اليمن الواقعة تحت سيطرتهم، وأجبروا الطلاب والطالبات على ترديد «الصرخة» في المدارس بدلاً من النشيد الوطني.

شعار الحوثي يملأ جدار فصل مدرسي

شعار الحوثي يملأ جدار فصل مدرسي

تغيير المنهج التعليمي في المدارس من أهم ملامح تغيير هوية اليمن الثقافية والتربوية على أيدي الحوثيين، بعد أن تحولت المناهج إلى تعبئة أيديولوجية طائفية تخدم مصالحهم. 

وأكدت مصادر في وزارة العدل التابعة للحوثيين، وكذلك في هيئة الأوقاف اليمنية، والشؤون القانونية، أن الحوثيين غيروا وثائق عدد كبير من الأوقاف ومؤسسات الدولة، وحولوها إلى أسماء شخصيات قيادية بارزة منهم، فضلاً عن تغيير وإتلاف عدد من الأحكام القضائية، والوثائق التي تشير إلى ملكية بعض العقارات لوزارة الأوقاف وتحويلها إلى أشخاص وعائلات.

وربما يكون التغيير الذي يجريه الحوثيون على البنية القبلية هو الأكثر حساسية في هذا البلد، فقد فرضوا وجوهاً قبلية جديدة، ورفعوا من شأن قبائل على حساب أخرى، وتمكنوا من تفكيك أكبر قبائل اليمن، مثل حاشد وبكيل، وأعادوا تغيير البنية القيادية فيها. 

كما سعوا إلى تغيير مراكز القوى داخلها، فضلاً عن تغيير في مراكز الاقتصاد، إذ تم تخصيص جزء كبير من الأموال التي استولوا عليها من الدولة، أو عبر نهب ممتلكات خصومهم، وبيع الأسلحة في السوق السوداء، وما يحصلون عليه بحجة المجهود الحربي، لبناء مراكز اقتصادية جديدة، ومحاربة المراكز الاقتصادية السابقة.

الحوثيون يظهرون في كوابيس السعودية

منذ حرب 1934 مع قوات الإمام يحيى حميد الدين، واليمن يجسّد كابوساً سعودياً، بتعبير دراسة لمؤسسة بروكنجز، وكان أسوأ الكوابيس في الستينيات والسبعينيات، عندما وجد آل سعود دولة شيوعية عند حدودهم الجنوبية متحالفة مع الاتحاد السوفييتي.

وطوال عقدين، دعم السعوديون كلّ مخطّط ضدّ الجنوبيين مهما كان هذا المخطط جنونياً. لكنهم ترددوا عام 1989 في إرسال أسامة بن لادن، العائد من أفغانستان، في حملة جهاد لتحرير الجنوب من الشيوعيين، بناءً على اقتراحه.

وفي العام 1990، اندمج الجنوب مع جاره الأكبر حجماً في الشمال تحت قيادة علي عبدالله صالح، الذي مال نحو العراق في الأزمة الكويتية 1990، فطرد السعوديون مليون عامل يمني لمعاقبته.

وبعد تحرير الكويت، قرر السعوديون خلع صالح، من خلال تمرّد يقوده الانفصاليون الجنوبيون، من بينهم الشيوعيون السابقون. وموّلت الرياض سرّاً التمرّد واشترت أسلحة للمتمرّدين من السوق السوداء من أوروبا الشرقية.
وفشل المخطط فشلاً ذريعاً. 

تكررت المواجهة بين المملكة وأحفاد الدولة المتوكلية عندما ساعد الجيش السعودي علي عبدالله صالح في قتال الحوثيين في 2009، وهزموهم في جبل الدخان وشمال صعدة. 

وعندما وصل الربيع العربي إلى شواطئ اليمن في العام 2011، انضمّ الانفصاليون إلى حملة إسقاط صالح. وانضمت الرياض إلى الحملة بمرشحها للرئاسة هادي منصور.
كان هادي كارثة، كما يذهب تقرير بروكنجز.

طرد الحوثيون حكومته من صنعاء في مطلع العام 2015، ما أطلق شرارة التدخّل السعودي والحرب التي ولّدت الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم. 

وفقد سيطرته على عدن، وولّد الانفصاليون حرباً أهلية ضمن الحرب الأهلية مع دعم المملكة العربية السعودية الخاسرين باستمرار.

وقد وجد الانفصاليون راعياً جديداً، هو الإمارات العربية المتحدة التي تبنت قوّتهم على مدى السنوات الثلاث الماضية. 

لذا وزّع التحالف الذي يحارب الحوثيين الشيعيين الزيديين ولاءاته بين عدوّين لدودين. 

ويشكّل الفشل في التنسيق وإدارة التحالف، على حد تعبير التقرير، دليلاً على عدم الكفاءة الشديد الذي يشوب الحملة العسكرية بقيادة السعودية.

الحوثيون والحروب الأربع في بلاد اليمن السعيد

  • هناك حرب بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والفصائل التي تدعمها ضد الحوثيين. الهدف من هذه المعركة الخاصة، هو شل قوات الحوثيين وإجبارهم على التراجع إلى معاقلهم التقليدية حيث يمكن احتواؤها.
  • هناك معركة بين الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية في المنفى والانفصاليين الجنوبيين الذين تدعمهم الإمارات.
  • هناك حرب ثالثة بين الجماعات السلفية المتشددة مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ضد قوات الأمن التي تدعمها الإمارات وبعض الميليشيات الانفصالية الجنوبية.
  • ثم حرب رابعة لم يتم الإبلاغ عنها، هي معركة بسط النفوذ ومناطق السيطرة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. كلا البلدين تدعمان الفصائل والقوى بالوكالة التي تعارض بعضها البعض.

خريطة لسيطرة طرفا الصراع الأساسيان في اليمن

خريطة لسيطرة طرفا الصراع الأساسيان في اليمن

هذه الصراعات الأربعة متشابكة وتعزز بعضها البعض، ويغذيها وجود قوى خارجية والأموال والأسلحة التي توفرها تلك القوى.

مع وصول الخمينية نجح بدر الدين الحوثي في بناء علاقاته مع طهران، عمل بدر الدين الحوثي على استقطاب مناصرين من أبناء القبائل في صعدة، وأرسل عددا منهم للتعليم الديني في "قم" الإيرانية

حركة "أنصار الله" صريحة بشأن علاقاتها السياسية مع إيران، وقادتها يعتبرون أنفسهم جزءا من المدار الإيراني، خاصة في عناصره المعادية لأميركا وإسرائيل. ولكن ذلك لا يؤدي بالضرورة إلى تلقي الأوامر من إيران، ولا يعني أن النجاح الحوثي ناتج عن التدخل الإيراني

إيران تقدم مساعدات عسكرية محدودة للحوثيين، تقتصر على الأموال والمساعدة التقنية وبعض مكونات الصواريخ الخاصة والدقيقة للغاية، ومكونات الطائرات بدون طيار

وتعتقد الأمم المتحدة أنهم "يتزودون بصواريخ بالستية وطائرات بلا طيار لديها خصائص مماثلة للأسلحة المصنعة في إيران، وأن صواريخ بالستية قصيرة المدى، وكذلك أسلحة أخرى، قد تم إرسالها من إيران إلى اليمن بعد فرض الحظر على الأسلحة في العام 2015"، وفق ما أكد تقرير للأمم المتحدة اطلعت عليه وكالة فرانس برس

وتنفي إيران قطعا تسليح الحوثيين في اليمن، غير أن الولايات المتحدة والسعودية تتهمان طهران بتقديم دعم عسكري لهؤلاء

ونظراً لتحالفهم مع الحرس الجمهوري، وهو أفضل القوات المدربة والمجهزة في الجيش اليمني، فإن الحوثيين ما زالوا مجهزين بأسلحة من جميع الأنواع، كما أنهم يغنمون كميات كبيرة من العتاد بشكل روتيني، وما لا يمكنهم الحصول عليه يقومون بشرائه من سوق الأسلحة المزدهر في اليمن.

جميع الأطراف في النزاعات الأربعة في اليمن تكسب الكثير من الأموال. فهذه الحرب تسمح للنخب قبل غيرها بالربح لتأمين قوتها

معظم القادة الذين يمثلون الفصائل والجماعات المسلحة في اليمن لديهم مصلحة في استمرار النزاعات، وهذا يعني أيضاً أن معظم قادة الجماعات المسلحة ليس لديهم اهتمام كبير بالمشاركة في أي شيء عدا القتال المحدود، لأنه يُمِّكنهم من الاحتفاظ بالرجال والأسلحة والمال، وهي الأشياء التي تضمن لهم القوة وبسط النفوذ

المستقبل: ما التسوية التي تُرضي الحوثيين؟

هنا أبرز السيناريوهات المتوقعة للحرب اليمنية الطويلة، الغامضة، والمعقدة

تهدئة سعودية تعيد الوضع العسكري إلى ما هو عليه

تؤدي مثل هذه التهدئة إلى بقاء السلطة في عدن والجنوب مزدوجة، ما يعني تجدد حالة الحرب بين كل فترة وأخرى

لكنه يبقى احتمالاً صعب التحقيق بعد صراع الحكومة الشرعية وقوات المجلس الانتقالي، وإصرار الإمارات على السيطرة الكاملة

توافق إماراتي سعودي للعمل مع المجلس الانتقالي 

قد يتفق الحليفان على اتخاذ المجلس الانتقالي كشريك رئيسي في الجنوب والتخلي عن شرعية الرئيس هادي هناك تمهيداً لتحقيق الانفصال

يمثل هذا السيناريو خطراً على حكومة آخر رئيس شرعي أعطى التحالف مشروعية التدخل العسكري. لكن تحقيق الانفصال سيعني أيضاً رفع الغطاء القانوني عن تدخل السعودية والإمارات، واعتبار التحالف في اليمن قوة احتلال

تسوية سياسية لإرضاء الحوثيين

وقد تؤدي الضغوط الدولية الأخيرة لوضع حد للنزاع إلى فرض تسوية سياسية تمكّن الحوثيين من تقمّص هُوية أخرى، هي حكومة شرعية محلية في شمال اليمن

وبوسع الحوثيين استخدام صعودهم السياسي والميداني لتصفية حساباتهم مع فصائل داخلية، ما قد يسفر عن موجة جديدة من الصراع وفقدان الأمن في مناطق أخرى من البلاد، لأن هذه الفصائل قد لا تحظى حينذاك بالحماية السعودية 

لكنْ ثمة شيء واحد واضح على الأقل، وهو أن الحوثيين لازالوا قوة نافذة يُعتد بها في الشمال. ولذا، سيكون امتثالهم ضرورياً للتوصل إلى أي حل نهائي في اليمن

اليمن الذي كان سعيداً

اليمن منقسم أكثر مما كان عليه منذ عقود، وتحول إلى فصائل متناحرة تدعمها كل من الإمارات والسعودية بأشكال عدة، في حين تدعم إيران الحوثيين.

إن تورط القوى الخارجية والتدفق الهائل للأموال والأسلحة، ومعظمها من دولة الإمارات ومن السعودية، جعل ما بدأ في صورة حرب أهلية يبدو الآن أكثر تعقيداً وعنفاً.

وفي الوقت نفسه أقحمت كل من السعودية والإمارات نفسيهما في دولة لها تاريخها المعروف بتجفيف خزائن الإمبراطوريات.

والخصم في هذا المرة هو الحوثيون، الذين استفادوا من مغامرة السعودية والإمارات ليصبحوا الرقم الأصعب، والقوة الأكثر رسوخاً في ميدان الحرب، وساحات السياسة، وتعقيدات الطائفية والقبلية.

ولن تخف النزعات في اليمن على المدى الطويل، إلا بعد أن تتوقف القوى الخارجية -وهي السعودية والإمارات- عن دعم المتحاربين على الأرض. 

بفضل صعود الحوثيين على هذا النحو، وفشل غزوة التحالف على اليمن، أصبحت البلاد تواجه الآن مجموعة من النزاعات المعقدة التي من شأنها ضمان استمرار الحرب لسنوات أطول، إن لم يكن لعقود.

عقود قادمة قد تحمل عدم الاستقرار لهذا البلد الذي كان سعيداً.