وقائع قتل
غير مُعلن

القصة الكاملة والغامضة لغياب الصحفي السعودي جمال خاشقجي بعد دخوله قنصلية المملكة في اسطنبول

واشنطن/ إسطنبول

لم يسبق أن تلقيت تهديدات من هذا النوع

كانت الشمس تستعد للرحيل، وطائرة الخطوط التركية القادمة من واشنطن، تهبط في مطار أتاتورك في العاشر من سبتمبر/ أيلول و2018، في تمام الخامسة مساء.

على متنها كان جمال خاشقجي، الصحفي السعودي المرموق، يفكر في محطته المقبلة بثقة وأمل. هو الآن يستعد للزواج والإقامة الدائمة في اسطنبول، محطته الثانية في المنفى بعد الولايات المتحدة. كان مدعوا للحديث في حلقة نقاشية بأحد المراكز البحثية، لكنه قرر البقاء أقل من شهرين لإنهاء إجراءات الزواج من السيدة خديجة جنكيز.

أحد هذه الإجراءات كان الحصول على وثيقة من قنصلية السعودية، تفيد طلاقه من زوجته الأولى. عندما راجع سفارة السعودية بواشنطن للحصول على الوثيقة بحكم إقامته هناك، طلبوا منه مراجعة القنصلية باسطنبول، كما لو أن الموضوع مخطط له مسبقا. قرر الاستعانة بمحاميه، لكن القنصلية في اسطنبول اشترطت حضوره بشخصه.

قبلوا أوراقه، وطلبوا منه الحضور لاستلام الوثيقة يوم الجمعة 28 سبتمبر.

مبنى القنصلية السعودية في اسطنبول

في الحلقة النقاشية التي تحدث فيها، قدم ملاحظات بشأن التحولات التي يخضع لها الإسلام السياسي في اللحظة الراهنة، وعن حملة تقودها إدارة ترمب ضد الإسلاميين، وعن ضرورة فتح قنوات اتصال مع واشنطن لتوضيح الصورة.

وهو ينهي كلمته كانت الموسيقى تأتي من حفل زفاف بقاعة مجاورة بالفندق، فقال: هكذا تنتهي الجلسة، وألف مبروك للعروسين.

وضحك الحاضرون.

خارج القاعة تحدث لزملائه عن التغيير الكبير الذي تشهده المملكة، قال إن "بن سلمان يعيد تعريف الأعمدة الثلاث للحكم في السعودية، العلاقة مع علماء الوهابية، وتماسك أسرة آل سعود، وإنفاق الدولة على رعاياها. لكن يبقى البيت الملكي قائما على أعراف قوية، وأهمها احترام من يتولى السلطة".

عاد مرة أخرى إلى القنصلية يوم الجمعة 28 سبتمبر/ أيلول.

انتظر ساعة تقريبا، ثم أخبروه أن الوثيقة ليست جاهزة، وعليه الحضور بعد أيام.

صباح اليوم التالي كان في لندن للمشاركة في ندوة عن مستقبل السلام بعد 25 عاما من اتفاقية أوسلو.

من هناك اتصل بالقنصلية أولا ليتأكد من أن الوثيقة المطلوبة جاهزة.

طلبوا منه الحضور في الواحدة والنصف ظهر الثلاثاء لاستلامها، فغادر لندن إلى اسطنبول.

أقر خاشقجي لبعض أصدقائه وقتها أن لديه بعض الشكوك من التعامل مع القنصلية، لكن كان يقول: هذه بلدي أثق فيها ولا أظن أن يكرروا معي ما فعلوه مع أمراء ومعارضين اختطفتهم السعودية من الخارج، ولم يسبق أن تلقيت تهديدات من هذا النوع.

ظهر الثلاثاء 2 أكتوبر/ تشرين أول 2018، ترك جمال خاشقجي هاتفه المحمول مع خطيبته خديجة جنكيز، وتواعد معها أن يلتقيها بعد أن ينهي معاملته، في مكان قريب من مقر القنصلية. عند باب القنصلية قال خاشقجي لخطيبته إذا لاحظتِ حدوث شيء ما، اتصلي بمستشار رئيس حزب العدالة والتنمية ياسين أكتاي، وكذلك بالجمعية الإعلامية للعرب والأتراك وأخبريهم بذلك، حسبما روت السيدة خديجة.

وكانت المرة الأخيرة التي يظهر فيها جمال، قبل أن يتحول إلى خبر غامض يشد انتباه العالم بأسره.

اختفاء في القنصلية

انتهى الدوام الرسمي ولا يوجد أحد بالداخل

خديجة جنكيز "باحثة تركية مهتمة بالشأن العُماني"، كما تعرف نفسها على موقع تويتر. ولديها بحث بعنوان "التعايش المذهبي في عمان بعهد السلطان قابوس.

بعد مرور ثلاث ساعات لم يظهر جمال،  فذهبت خديجة إلى القنصلية.

أحد رجال الأمن التركي قال لها: لا يوجد أحد بالداخل، وربما خرج جمال دون أن تلاحظي.

اتصلت بالقنصلية هاتفيا، فخرج لها شاب سعودي وقال: لا يوجد أحد بالداخل، انتهى الدوام الرسمي ولا داعي للوقوف أمام المبنى.

تنفي خديجة أن مسؤولي القنصلية سمحوا لها بالبحث عن خطيبها بالمبنى.

اختفى جمال عن العيون، لكنه أصبح ملء السمع والبصر، عندما وصلت قصة اختطافه لوسائل الإعلام، وشبكات التواصل، عبر قارات العالم الست.

اختفى جمال، وتضخم الغموض وعلامات الاستفهام.

هل مازال داخل القنصلية أم خرج منها؟

هل تم نقله إلى السعودية؟

هل هناك التباس ما، ينقشع عن عودة الرجل وبراءة القنصلية من دمه؟

وسط غبار الاحتمالات ظهرت بوادر الحقيقة المؤلمة.

كتيبة الإعدام

فريق من "المتخصصين" أشرفوا على المهمة

بعد زيارة خاشقجي الأولى للقنصلية منتصف سبتمبر أيلول، بدأت السلطات السعودية الترتيب للعملية.

صبيحة يوم الثلاثاء، الثاني من أكتوبر تشرين أول 2018، وصل  15 سعودياً، بينهم مسؤولون، إلى إسطنبول على متن طائرتين. جاء الفريق من بلدين مختلفين، لكن الثابت أنهم جميعا سعوديون. خرج الجميع من مطار أتاتورك غرب المدينة إلى مقر القنصلية في منطقة بيبيك على البوسفور.

وصلوا هناك بالتزامن مع وجود خاشقجي بالمبنى.

مكثوا بعض الوقت، وخرجوا رأسا إلى المطار، ثم عادوا لاحقاً إلى البلدين الذين قدموا منهما.











































أعلنت مصادر الشرطة التركية أن مقتل خاشقجي تم بأيدي فريق متخصص بالقتل، أتى خصيصا إلى تركيا، وكان في استقبال الكاتب السعودي فور وصوله مقر القنصلية.

تم التحقيق مع خاشقجي تحت التعذيب حتى القتل.

وتم تصويره بفيديو أرسلوه إلى جهة غير معلومة بالسعودية، كما نقلت رويترز عن مسؤولين أمنيين في تركيا.

وأصبح عليهم أن يتخلصوا من الجثة.

وخطيبته خديجة تصر على أنه لم يُشاهد وهو يخرج من القنصلية، والسفارة بالكامل تحت رحمة العيون وكاميرات المراقبة.





























سيارة الباص الصغيرة السوداء

هكذا تخلصوا من جثة جمال خاشقجي




























رصدت الأجهزة الأمنية نشاطاً غير اعتيادي للأفراد، ومن ضمنهم أفراد غير مُعتمَدين، أتوا إلى السفارة بعد زيارة خاشقجي الأولى للقنصلية.

كتب الإعلام التركي عن سيارة باص صغيرة سوداء، مظللة بالكامل، لا يمكن مشاهدة ما بداخلها، وهي التي نقلت جثة الإعلامي السعودي بعد مقتله إلى جهة لا تزال حتى هذه اللحظة مجهولة.

وبحسب مصادر في الأمن التركي، فإن سائق تلك السيارة ليس موظفاً في السفارة السعودية، وهو مَن قام بحزم أغراض في صندوق السيارة وغادر السفارة.

السيارة كانت ضمن سيارات أخرى تقوم بالمهمة ذاتها.

وكان كل ذلك في نهاية يوم العمل الذي اختفى فيه جمال خاشقجي.

تغريدة من ويكيليكيس تنقل عن مسؤولين أتراك أن عملاء سعوديين قتلوا جمال.





























عاصفة الغضب

صباح اليوم الثالث تأكدت أنقرة من تفاصيل الجريمة

جمال قُتل داخل القنصلية بالفعل.معلومة تأكدت لدى الأمن التركي مساء الخميس، أي قبل تسريبها بيومين. ولم تكن أنقرة في الساعات الأولى على درجة عالية من الشعور بالقلق، ظنا أن احتجازه مؤقت.

قررت تركيا التواصل مع الأمير محمد بن سلمان، فأنكر الأمر برمته، وهنا بدأت الشكوك تتزايد في أن أمرا مريبا قد حدث، فتحركت الأجهزة جميعا للتحقيق، ومع صباح اليوم الثالث، الخميس، كانت الأجواء تقول إن الأسوأ قد وقع غالبا، وهو ما يعني مقتله.

المؤكد أن لدى تركيا أدلة تثبت ذلك، لكن الإعلان عنها يحتاج سياقا قانونيا وليس مجرد تصريحات سياسية.

أردوغان في حالة صدمة وغضب شديد. والأجواء في أنقرة شديدة الاحتقان وعلى كل المستويات، وهذه الواقعة سيكون لها تأثير كبير على العلاقات بين البلدين.

قررت أنقرة أن يمتنع السياسيون من الخوض في الأمر إلا بعد صدور تقرير المدعي العام التركي، خوفا من الاتهام بتسييس القضية، واستغلالها من الطرف الآخر. وكان ذلك السبب في إحجام أردوغان عن تناول الحدث نهار الأحد، لولا ضغط من بعض الصحفيين ومن شباب في الحزب ، فبدا كلامه غير حاسم.

ها أنا أرفع صوتي

مقتطفات من مقالات جمال خاشقجي في عام المنفى

السعودية لم تكن دائماً بهذه الدرجة من القمعية. والآن صارت لا تطاق

18 سبتمبر/أيلول 2017

بقلم: جمال خاشقجي

عندما أتحدث عن الخوف، والترهيب، والاعتقالات، والإذلال العلني للمثقفين وكبار رجال الدين، الذين يجرؤون على التعبير عما يجول بخاطرهم، ثم أخبرك بأنني من السعودية، فهل ستشعر بالاندهاش؟

مع صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة، تعهد بتبنّي إصلاحات اجتماعية واقتصادية. وتحدث عن جعل بلادنا أكثر انفتاحاً وتسامحاً، وتعهد بأنه سيُعالج الأشياء التي أعاقت تقدمنا، مثل فرض الحظر على قيادة النساء.

لكن كل ما أراه هو الموجة الأخيرة من الاعتقالات. في الأسبوع الماضي، أشارت تقارير إلى أن السلطات اعتقلت 30 شخصاً، قبيل اقتراب ولي العهد من العرش. بعض المعتقلين أصدقاء جيدون أعرفهم، وتمثل الجهود إهانةً علنيةً للمثقفين وكبار رجال الدين الذين يجرؤون على التعبير عن آراء مناقضة لآراء أولئك الذين يقودون البلاد...  

لقد كان أمراً مؤلماً بالنسبة لي قبل سنوات عديدة عندما اعتُقل عدةٌ من أصدقائي. لم أقل شيئاً. لم أرد أن أفقد وظيفتي أو حريتي. وقلقت بشأن عائلتي.

وقد اتخذت خياراً مختلفاً الآن. تركت وطني وعائلتي ووظيفتي، وها أنا أرفع صوتي. إذ إن القيام بغير ذلك سيكون خيانة لهؤلاء القابعين في السجون. فأنا يمكنني التحدث عندما لا يستطيع كثيرون. أريدكم أن تعرفوا أن السعودية لم تكن دائماً مثلما هي الآن. ونحن السعوديون نستحق ما هو أفضل من هذا.

ما يستبعد هؤلاء الذين يقدمون نصائح بنَّاءةً والذين يبدون معارضتهم (غالباً بشكل مازح).

ولي العهد السعودي يريد "سحق المتطرفين". لكنه يعاقب الأشخاص الخطأ

31 أكتوبر/تشرين الأول

بقلم: جمال خاشقجي2017

الأمير محمد مُحقٌ في ملاحقة المتطرفين. لكنه يلاحق الأشخاص الخطأ. فقد أُلقي القبض على عشرات من المثقفين السعوديين، ورجال الدين، والصحفيين، ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي في الشهرين الماضي؛ وأغلبهم في أسوأ الأحوال يوجه نقداً معتدلاً للحكومة. وخلافاً لذلك، يتبنى كثير من أعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية أفكاراً متطرفة.

فقد قال الشيخ صالح الفوزان- الذي يبجله الأمير محمد كثيراً- على التلفاز إن الشيعة ليسوا مسلمين.

وقدم الشيخ صالح اللحيدان، الذي يحظى بتقدير كبير أيضاً، فتوى شرعية تقول أن الحاكم المسلم غير ملزم باستشارة الآخرين. آراءهم الرجعية حول الديمقراطية، والتعددية، بل وقيادة النساء، يحميها مرسوم ملكي من أي حجة مضادة أو نقد.

كيف يمكن أن نكون أكثر اعتدالاً عندما يُسمح بمثل هذه الآراء المتطرفة؟ كيف يمكننا التقدم كأُمَّةٍ عندما يستبعد هؤلاء الذين يقدمون نصائح بنَّاءةً والذين يبدون معارضتهم (غالباً بشكل مازح).

ولي العهد السعودي يتصرف مثل بوتين

5 نوفمبر/تشرين الثاني 2017

بقلم: جمال خاشقجي

يعتبر الفساد في السعودية مختلفاً عن الفساد في معظم البلاد الأخرى، لأنه غير مقتصر على "الرشوة" مقابل الحصول على عقد، أو هدية ثمينة لأبناء عائلة أحد المسؤولين الحكوميين أو أبناء أحد الأمراء، أو استخدام طائرة خاصة تتحمل تكلفتها الحكومة كي تذهب عائلة ما في عطلة.

بدلاً من ذلك، يصبح كبار المسؤولين السعوديين والأمراء مليارديرات لأن العقود إما مبالغ فيها للغاية، أو أنها في أسوأ الأحوال مجرد سراب. في عام 2004، كتب الكاتب الأميركي لورانس رايت مقالاً في مجلة The New Yorker بعنوان "مملكة الصمت" ، حيث كان مشروع صرف صحي كبير في جدة في واقع الأمر سلسلة من أغطية البالوعات منتشرة في المدينة بدون وجود أنابيب صرف صحي حقيقية. يمكنني أن أقول، إنني باعتباري كنت رئيس تحرير صحيفة كبرى آنذاك، إننا جميعاً كنا نعلم ذلك، لكننا لم ننشر عنه على الإطلاق.

مع موت علي عبدالله صالح، تدفع السعودية ثمن خيانة الربيع العربي

5 ديسمبر/كانون الأول 2017

بقلم: جمال خاشقجي

يبدو خيار شن مزيدٍ من الحروب مغرياً لأولئك الأشخاص في الرياض الذين يُريدون إلحاق هزيمة ساحقة بالحوثيين وإخراجهم من اللعبة السياسية، لكنَّه سيكون مكلفاً للغاية، ليس فقط للمملكة، بل وللشعب اليمني الذي يعاني بالفعل أشد المعاناة.

إذ أنَّ هذا الصراع هو النتيجة المرعبة لمنع شعب اليمن من تحقيق رغبته في الحرية. والآن، صار الحوثيون قوةً كبيرة، ولا يحملون مبادئ الربيع العربي القائمة على مشاركة السلطة. يشاهد العالم اليمن، ولا يجب أن يوقف السعوديون الحرب فقط، بل ينبغي أن يكون هناك ضغط على الإيرانيين ليوقفوا دعمهم للحوثيين، ويجب أن يتقبل كلا الجانبين معادلةً يمنية من أجل تقاسم السلطة. ربما يشكل سقوط صالح المستبد فرصةً لتحقيق السلام في اليمن.

لماذا يجب أن يقلق ولي العهد السعودي من الاحتجاجات في إيران

3 يناير/كانون الثاني 2018

بقلم: جمال خاشقجي

لا يزال من المبكر جداً الحكم على ما ستسفر عنه الأحداث في إيران. فإذا نجح المتشددون في قمع الاحتجاجات، سيستمرون في سياستهم التوسعية، وهو ما يمكن أن يعني تصعيداً في المواجهة مع السعودية. وإذا سقط نظام الرئيس (حسن) روحاني، فإنَّ الهتافات التي سُمِعت في عدد من المدن الإيرانية -"لا غزة ولا لبنان، حياتي لإيران"- يمكن أن تصبح هي السياسة الخارجية للبلاد.

بتحميله مسؤولية مشكلات السعودية لأحداث عام 1979، ولي العهد السعودي يُروِّج لتاريخٍ مُحرَّف

3 أبريل/نيسان 2018

بقلم: جمال خاشقجي

في هذه اللحظة، لا يجرؤ الناس في السعودية على مجرد الحديث. إذ شهدت البلاد إدراج أولئك الذين يجرؤون على رفع صوتهم على القوائم السوداء، واعتقال المثقفين ورجال الدين الناقدين المعتدلين، والحملة المزعومة على الفساد التي استهدفت كلٍ من أبناء العائلة المالكة وقادة الأعمال الآخرين. وقلب الليبراليون، الذين كانت أعمالهم تخضع للرقابة أو الحظر قبل ذلك عن طريق الوهابيين المتشددين، الطاولة؛ فهم الآن يحظرون ما يرون أنَّه متشدد، مثل الرقابة المفروضة على عديد من الكتب في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي أُقيم الشهر الماضي مارس/آذار. قد يصفق المرء لمثل هذا التغيير. لكن ألا يجب أن نطمح أن يكون سوق الأفكار سوقاً مفتوحاً؟

أتفق مع محمد بن سلمان بأنَّ البلاد يجب أن تعود إلى ما قبل 1979، حين كانت الحكومة تُقيِّد التقاليد الوهابية المتشددة. يجب أن يكون للنساء حقوق متساوية مع الرجال. ويجب أن يكون لجميع المواطنين الحق في التعبير عن آرائهم بدون الخوف من الاعتقال. غير أنَّ إحلال طرق جديدة للقمع محل تكتيكات التعصب القديمة ليس هو الحل.

المصلحون في السعودية يواجهون الآن خياراً مريعاً

21 مايو/أيار 2018

بقلم: جمال خاشقجي

من المريع أن ترى رموز إصلاح يبلغون من العمر 60 و70عاماً يوصمون بأنَّهم "خونة" على الصفحات الأولى للصحف السعودية.

أُلقي القبض الأسبوع الماضي في السعودية على رجال ونساء ناصروا الحريات الاجتماعية ذاتها –بما في ذلك حق النساء في القيادة– التي يؤيدها الآن ولي العهد محمد بن سلمان. وصدمت حملة القمع هذه حتى أقوى المدافعين عن الحكومة.

إنَّ هذه الاعتقالات توضح المأزق الذي يواجه جميع السعوديين. فنحن مطالبون بالتخلي عن أي أمل في الحرية السياسة، وأن نلزم الصمت حيال الاعتقالات وحظر السفر الذي لا يطال المنتقدين فحسب، وإنما عائلاتهم أيضاً. ويُنتَظر منا أن نصفق بقوة للإصلاحات الاجتماعية، وأن نكيل الثناء على ولي العهد، بينما نتجنب أي إشارة إلى السعوديين الرواد الذين تجرؤوا على تناول هذه القضايا منذ عقود. ...

إنَّ الرسالة واضحة للجميع: أي نشاط من أي نوع ينبغي أن يكون في إطار الحكومة، ولن يُسمَح بأي صوت مستقل أو رأي معارض. ينبغي للجميع الالتزام بالخط الرسمي.

هل ثمة طريق آخر لنا؟ هل يتعين علينا الاختيار بين دور السينما وحقوقنا كمواطنين للتحدث بحرية، سواء دعماً لتصرفات حكومتنا أو انتقاداً لها؟ هل ينبغي أن يكون تعبيرنا مقصوراً على الإشارات المتحمسة لقرارات زعيمنا، ورؤيته للمستقبل، في مقابل الحق في الحياة والسفر بحرية لأنفسنا وزوجاتنا، وأزواجنا وأطفالنا أيضاً؟ قِيل لي إنَّ عليّ أن أقبل، ممتناً، بالإصلاحات الاجتماعية التي لطالما ناديتُ بها، بينما ألتزم الصمت في موضوعاتٍ أخرى، تتراوح بين المستنقع اليمني، والإصلاحات الاقتصادية المُنفَّذة على عجل، وحصار قطر، والنقاشات حول تحالفٍ مع إسرائيل لمواجهة إيران، وسجن عشرات من المفكرين ورجال الدين السعوديين العام الماضي.

هذا هو الخيار الذي أستيقظ عليه كل صباح منذ شهر يونيو/حزيران الماضي، عندما غادرتُ السعودية للمرة الأخيرة بعد أن أسكتتني الحكومة لستة أشهر.

ابن المدينة المنورة

أقدم لكِ أهم صحفي في السعودية يا جلالة الملكة





























ولد جمال خاشقجي بالمدينة المنورة عام 1958، وينتسب لأسرة ذات أصول من آسيا الصغرى. ودرس في ثانوية طيبة بالمدينة، وتابع الدراسة في جامعة ولاية إنديانا الأمريكية.

لدى خاشقجي شهادة إنسانية عن مدينة الصبا، "أنا من المدينة، رأيتها وهي تتلاشى وتتحول إلى مانهاتن مشوهة. رأيت بئر الخاتم، وجبل الرماة، رأيت سقيفة بني ساعدة، ومكتبة عارف حكمت والتكية المصرية. تجولت في أزقتها ومبانيها التي تعود لمئات السنين، كلها زالت. غريب ما نفعله؟".

وأصل كلمة خاشقجي -اسم عائلته التي ينسب إليها- تركي، والنطق محرف إلى العربية من التركية القديمة، وتعني صانع الملاعق بالتركية الحالية Kaşıkçı.

وفي بداية مسيرته الصحافية عمل في صحيفة سعودي غازيت الناطقة بالإنكليزية، ثم مراسلاً لعدد من الصحف العربية اليومية والأسبوعية، وفي 2003 تولى رئاسة تحرير صحيفة الوطن اليومية، والصحيفة الإصلاحية الرائدة في المملكة العربية السعودية، لمدة شهرين فقط.

اختاره الأمير تركي الفيصل مستشارا إعلاميا حين كان سفيرا في لندن ثم واشنطن، واستمر كذلك حتى 2007.

عين بعدها مستشاراً إعلامياً للسفير السعودي في لندن ثم واشنطن للأمير تركي الفيصل واستمر في منصبه لغاية 2007، ليعود بعدها لرئاسة تحرير جريدة الوطن السعودية، وحتى 2010.

صيف 2008 كان خاشقجي يعيش في البلاط الملكي، و"أهم صحفي سعودي" كما قدمه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز إلى ملكة بريطانيا، خلال زيارة إلى لندن.

اختاره الوليد بن طلال آل سعود لتأسيس قناة العرب 2015، وهو المشروع الذي لم ير النور. وكان يكتب مقالة أسبوعية في صحيفة الحياة، قبل أن تفصله الصحيفة قبل عام، بسبب مشاركته في مؤتمر للمعارضة السعودية.

ولم يعد قادرا على الكتابة. "أمضيت ستة أشهر من الصمت التام، لكن  قلبي صرخ معبرًا عما وصلت إليه بلدي". يضيف: "تلقيت اتصالا هاتفيا يأمرني بالصمت دون حكم قضائي، من شخص في الديوان الملكي، مسؤول مقرب من القيادة يأمرني بالصمت. هذا جعلني أشعر بالإهانة. وهذا ما يمكن أن يحدث لأي سعودي آخر".

وحين رأى حملات اعتقالات امتدت إلى رموز دينية واجتماعية وثقافية بعضهم أصدقاؤه، هاجر إلى الولايات المتحدة وأخذ يكتب مقالات بصحيفة واشنطن بوست ينتقد فيها الإجراءات القمعية، كما انتقد محاربة المملكة لجماعات الإسلام السياسي ومعارضتها للربيع العربي.





























سايمون هاندرسون/ مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن

سايمون هاندرسون/ مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن

دايفيد إغناتيوس/ كاتب في صحيفة واشنطن بوست

دايفيد إغناتيوس/ كاتب في صحيفة واشنطن بوست

ديان فينستين/ عضو في مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة

ديان فينستين/ عضو في مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة

آرون ديفيد ميلر/ محلل سياسي في الـ cnn

آرون ديفيد ميلر/ محلل سياسي في الـ cnn

ما حصل أمر مروع

القضية اليوم أكبر من ثنائية سعودية- تركية، وحتى إذا لم يتم تأكيد التورُّط السعودي بنسبة 100%، فسوف يجد محمد بن سلمان نفسه مضطراً للإجابة عن الكثير من الأسئلة من قادة العالم الآخرين.

من الواضح أن ولي العهد السعودي لم يأخذ بعين الاعتبار الآثار المحتملة لهذه الخطوة على واشنطن، حيث كان يعيش خاشقجي، فهو يريد استثمارات غربية ويحتاج إليها، أما المستثمرون فيرحّبون بحكومة قوية، لكنهم لا يحبون عدم القدرة على التنبؤ، وأي شيء قد يزعج حملة الأسهم.

قد يمتنع المستثمرون عن إنهاء الصفقات مع المملكة.

 

لن نغفر لمن حاولوا إسكاته

إذا تأكد موت صديقي جمال خاشقجي، فهذا غضب شديد، المسؤولون عن ذلك سيدفعون ثمناً باهظاً، نحن نحب صدق جمال، لن نغفر لمن حاولوا إسكاته!

 ضرورة المحاسبة فورا

إذا كان هذا صحيحاً، فهذا انتهاك صارخ لحقوق الإنسان ويجب التحقيق فيه، يجب محاسبة كل مسؤول متورط.

إذا كانت هذه التقارير صحيحة

نعم أنا غاضب، جمال هو صديق، رجل شجاع يمتاز بنزاهة عالية، إذا كانت هذه التقارير صحيحة! وآمل ألا تكون كذلك، وأنا أنتظر التأكيد المروع، أتمنى من لهؤلاء الذين يرون ولي العهد السعودي كأفضل شيء أن يروه على حقيقته.

 

العالم الذي يتغير بعد خاشقجي

وفي حال تم التأكد من ضلوع السعودية في مقتل خاشقجي، حينها سيغير الإعلام الغربي موقفه من المملكة تماماً كما فعلت بعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرئاسة.

حتى إذا لم يتم تأكيد التورُّط السعودي بنسبة 100%، فسوف يجد محمد بن سلمان نفسه مضطراً للإجابة عن الكثير من الأسئلة من قادة العالم الآخرين.

ولي العهد السعودي لم يأخذ بعين الاعتبار الآثار المحتملة لهذه الخطوة على واشنطن، حيث كان يعيش خاشقجي، فهو يريد استثمارات غربية ويحتاج إليها، أما المستثمرون فيرحّبون بحكومة قوية، لكنهم لا يحبون عدم القدرة على التنبؤ، وأي شيء قد يزعج حملة الأسهم، تماماً كما حصل مع ترامب والمستثمرين.

وقد يمتنع المستثمرون عن إنهاء الصفقات مع المملكة. هنا لا نتحدث عن مبلغ قليل بل عن  ما يقرب من 400 مليار دولار قيمة اتفاقيات بين أمريكا والسعودية وتخلق آلافاً من فرص العمل في كلا البلدين، وتشمل قطاعات  التجارة والاستثمار والطاقة والبينة التحتية والتكنولوجيا والدفاع. بين الرياض وواشنطن كان من المقرر أن تستمر على مدى العشر سنوات المقبلة.

ينعكس الأمر أيضا على ما قاله أيضا الرئيس الأمريكي، إنه لولا أمريكا لما بقي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في الحكم، وهنا نتحدث عن الدعم الأمريكي في المنظومة السعودية الدفاعية. فقد وقع الملك سلمان وترامب صفقة دفاعية تبلغ قيمتها 110 مليارات دولار، تشمل خمس محاور: أمن الحدود ومكافحة الإرهاب، والأمن البحري والساحلي، وتحديث القوات الجوية، والدفاع الجوي والصاروخي، وتحديث الأمن السيبراني وأمن الاتصالات.

صورة محمد بن سلمان الإصلاحي ستنهار، فقد كان واضحاً حرص ولي العهد السعودي الخروج للإعلام الغربي بمظهر الرجل المتحرر الذي خلص السعودية من قيودها، ولكن ما نجح في تحقيقه الأعوام الماضية لن يستمر في حال ثبوت ضلوع السعودية باختفاء ومقتل خاشقجي











وأحلامه التي تبقى..

أريد حربا حقيقية على الفساد، وليس حربا انتقائية لا تنجح إلا في تدمير ثقة المستثمرين وتخريب الاقتصاد.

أريد أن أوقف التطرف، ولكني لا أريد أن أستبدل المتعصبين الدينيين بفاشيين يمجدون فضائل «القائد العظيم» ويقمعون المعارضة دون رحمة.

أريد لبلدي أن يوقف التوسع الطائفي الإيراني في سوريا واليمن ولبنان، ولكن دون المخاطرة بحرب مفتوحة قد تدمر تلك البلدان.

أريد أن تكون المملكة العربية السعودية حازمة ومؤثرة في المنطقة، ولكن من دون البلطجة على الدول الصغيرة.

نحن بحاجة إلى تبني روح الربيع العربي بدلا من محاربته.

الساعة 14:45

يوم الأربعاء 17 أكتوبر/ تشرين أول 2018

تقلع طائرة إيرباص التابعة للخطوط التركية

من مطار أتاتورك في اتجاه واشنطن

بدون جمال

الذي حجز فيها مقعدا

لكنه أصبح لا يحتاج إليه