الفاشية الهندية تطارد المسلمين

تصعيد حكومة ناريندرا مودي ضد مسلمي ولاية آسام خطوة جديدة في مشروع الحزب الحاكم لتغيير التركيبة السكانية في بعض المناطق  

في 23 فبراير/شباط 2020 شهدت مدينة نيودلهي مذبحة لم يتحدث عنها العالم كثيراً.

يومها جابت حشود القوميين الهندوس شوارع المدينة، وأضرموا النيران في المساجد.

أحرقوا منازل المسلمين ومتاجرهم وشركاتهم ونهبوها.

ثم قتلوا أو أحرقوا بعض المسلمين أحياء.

وسقط 37 شخصاً جميعهم تقريباً من المسلمين  قتلى، وتعرض كثيرون آخرون للضرب حتى شارفوا على الهلاك.

جموع الهندوس جردوا طفلاً لم يتجاوز عمره العامين من ملابسه ليتأكدوا مما إذا كان مختوناً أم لا، وتظاهرت بعض المسلمات بأنهن هندوسيات.

خلال الأحداث تركت الشرطة الهندية المسلمين دون حماية تُذكر.

ورئيس الوزراء مودي لم ينبس ببنت شفة لعدة أيام قبل أن يطلق نداءً "غامضاً" دعا فيه إلى الحفاظ على "السلام والتآخي". 

وفي نهاية صيف 2021 كادت هذه الأحداث تتكرر في ولاية آسام، بالعنف نفسه، ولأسباب أخرى.

وفي الجريمتين كان نشطاء حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي في طليعة الهجوم على المسلمين، كالعادة منذ تولي الحزب مقاليد الحكم في 2014.


للمسلمين في الهند حكاية عابرة للقرون، وحافلة بلحظات المجد والأزمات، لكن الأوضاع تقترب من الانفجار، بعد القرارات المتتالية لرئيس وزراء الهند المتشدد، ناريندرا مودي، صاحب التاريخ غير الناصع تجاه المسلمين.

عن تاريخ المسلمين في الهند منذ فتحها، إلى تضييق الخناق على مسلميها الآن وأسباب ذلك، وعن أكبر قضيتين في ملف الاضطهاد، في ولايتي كشمير وآسام، يدور هذا التقرير.

سلطنة الهند الإسلامية

الممالك الإسلامية تحكم معظم أراضي شبه القارة الهندية لثمانية قرون حتى بداية العصر الاستعماري

يعتبر الإسلام ثاني أكبر ديانة في الهند بعد الهندوسية، إذ تضم الهند نحو 200 مليون مسلم، مما يجعلها أكبر دولة تضم سكاناً مسلمين إذا استثنينا الدول ذات الأغلبية المسلمة.

رغم ذلك، يتعرض مسلمو الهند للاضطهاد وغالباً ما يكونون ضحايا لأعمال العنف الطائفية.

لكن الأمر لم يكن كذلك دائماً فقد استطاع المسلمون قبل الاحتلال البريطاني للهند تأسيس مملكة قوية دام حكمها قرابة 8 قرون وامتدت في أوجها لتشمل معظم أراضي شبه القارة الهندية، وحكمها رجال جمعوا ما بين الحزم والحكمة واستطاعوا التعامل بذكاء مع التنوع الديني والطائفي والعرقي في بلد شديد التنوع مثل الهند.

دعونا نتفق أولاً على أن حدود الهند اليوم مختلفة عما كانت عليه مع بداية انتشار الإسلام، وأن المسلمين قد استطاعوا بشكل تدريجي بسط سيطرتهم على مساحات شاسعة من شبه القارة الهندية التي تتألف من (الهند وباكستان وبنغلاديش وبوتان ونيبال).

ووفقاً لكتاب "تاريخ الهند" للمؤرخين إليوت وداوسون، فقد رست أول سفينة تحمل عرباً مسلمين على السواحل الهندية عام 630 (أي بعد 20 عاماً من بداية الدعوة المحمدية)، ومن حينها بدأ الإسلام ينتشر ببطء في الهند.

وقد كانت البداية من بلاد السند، أو باكستان اليوم، عندما قام الملك راجا داهر بالاعتداء على بعض التجار المسلمين وسبي نسائهم في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.

جاء الرد قوياً ومباشراً، وسيرت جيوش المسلمين شرقاً بقيادة محمد بن القاسم الثقفي عام 672 الذي تمكن من فتح السند بينما لا يزال في السابعة عشرة من عمره.


محمود الغزنوي.. حجر الأساس لانتشار الإسلام في الهند

الدولة الغزنوية كانت سباقة إلى نشر الإسلام في الهند بقيادة محمود الغزنوي الذي قاد 17 حملة هناك حتى حاز لقب "الإسكندر الثاني".

تأسست الدولة الغزنوية في مدينة غزنة في أفغانستان الحالية عام 961، وحظيت باستقلال ذاتي وتبعيّة اسمية للخليفة العباسي في بغداد.

أعظم سلاطين هذه الدولة محمود الغزنوي ضمّ في عهده معظم مناطق باكستان وأجزاء من أفغانستان وإيران، والأهم من ذلك أنه بدأ أولى معارك فتح الهند عام 1000 بهدف نشر الإسلام في المنطقة.

تلا تلك المعركة 16 حملة انتشر على إثرها الإسلام في الشمال الهندي، وكانت حجر الأساس لترسيخ حكم إسلامي في المنطقة امتد 8 قرون بعد ذلك.

لم تصمد الدولة الغزنوية كثيراً بعد وفاة السلطان محمود الغزنوي عام 1030، وسرعان ما انهارت على أيدي الغوريين المسلمين الذين تابعوا بدورهم التوسع في الهند.


السلطان الأكثر شهرة جلال الدين أكبر

توالت الممالك الإسلامية في الهند وآخرها كان ظهير الدين بابر، وهو من نسل جنكيز خان، المغولي الذي دمّر أحفاده عاصمة الخلافة العباسية بغداد وأجزاء كبيرة من العالم الإسلامي، وقد استطاع بابر أن يرفع راية الإسلام في معظم الأراضي الهندية بالإضافة إلى أفغانستان وأطرافها.

ولا تكمن عظمة بابر في كونه قائداً عسكرياً فذاً فحسب، بل كذلك بكونه رجلاً حكيماً استطاع استيعاب التنوع الثقافي والديني في الهند التي تحتوي على عدد هائل من الديانات والأعراق واللغات، وكانت وصية بابر لابنه عدم الانسياق وراء الخلافات الطائفية والعرقية في الهند، ليحافظ على وحدة الدولة.

ثم امتد حكم جلال الدين أكبر حفيد بابر على مدار خمسة عقود من 1556 وحتى 1605، مد سلطانه خلالها على أغلب أنحاء شبه القارة الهندية فاتسعت رقعة دولته بشكل هائل لتشمل منطقة غوجارات، والبنغال، وإقليم كشمير، والسند (باكستان)، وقندهار (في أفغانستان) وتحرّكت قواته جنوباً نحو سلسلة جبال فنديا نحو هضبة الدكن، لتضاف إلى الإمبراطورية المغولية كل من خانديش وبيرار وقطعة من أحمد نجار، وفق ما ذكر موقع الموسوعة البريطانية Britannica.

لكن عظمة المغول المسلمين لم تستمر في الهند إلى الأبد، فلطالما كانت المنطقة مطمعاً للأوروبيين الذين بذلوا جهدهم للسيطرة عليها.


الاستعمار يزرع الفُرقة وينهب الثروات

مع بداية القرن الثامن عشر عاش في الهند حوالي 180 مليون شخص شكلوا قرابة خُمس سكان العالم وقتها، لكن كانت التفرقة تسود هذه القوة البشرية الهائلة.

تحدث هؤلاء نحو 200 لغة تتفرّع إلى 500 لهجة، وسادت الهند انقسامات أدت إلى ضعف الإمبراطورية المغولية وقادت إلى دمار البلد السياسي في نهاية الأمر، وبحلول القرن التاسع عشر، كان البريطانيون قد سيطروا على شبه القارة الهندية بالكامل وعلى ميانمار وعلى أفغانستان لفترة وجيزة.

عمل البريطانيون على تعزيز التفرقة بين الهنود سواء من الناحية الطبقية أو الدينية، وكانوا يعاملون الهنود على أنهم بالكاد من البشر.

نهب ثروات البلاد بشكل وقح، وتجنيد الهنود لقتل بعضهم بعضاً ومعاملتهم بازدراء شديد، لم تكن هذه فقط أسباب الثورة الهندية التي اندلعت عام 1857.

في 1947، وأمام ضغط حركة الاستقلال السلمية للمهاتما غاندي والحركة الإسلامية، تنازلت بريطانيا عن مستعمراتها في الهند البريطانية. وخلف البريطانيون وراءهم دولتين: 

  • الاتحاد الهندي العلماني.
  • وجمهورية باكستان الإسلامية.

وفي هذا الاتحاد العلماني الذي أصبح اسمه "الهند"، بدأ اضطهاد المسلمين بالتدريج.

حرائق السنوات الأخيرة

وتيرة العنف ضد المسلمين تتصاعد منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي إلى الحكم في 2014

في صيف 2019، انتشر على نطاق واسع في منصات التواصل الاجتماعي شريط يظهر شاباً مسلماً مرعوباً.

يداه موثوقتان ومربوطتان بعمود خشبي، وهو يتعرض للضرب المبرح من جانب أفراد عصابة قتل هندوسية في ولاية جاركاند شرقي البلاد.

كان الشاب المسلم تبريز أنصاري، 24 عاماً، يلتمس من أفراد العصابة الرأفة به، بينما غطت وجهه الدموع والدماء.

أجبره المعتدون على ترديد الهتاف القائل: "جاي شري رام"، الذي يعني بالهندوسية "المجد للإله رام".

في العديد من المناطق في الهند، درج الهندوس على النطق باسم إلههم المحبوب رام كتحية. ولكن في السنوات الأخيرة، حوّلت عصابات من القتلة اسم رام إلى صرخة تدعو للقتل، حسبما تقول مراسلة بي بي سي في العاصمة الهندية دلهي.

نفذ أنصاري ما أجبر عليه، وعندما انتهى المعتدون منه، سلموه للشرطة.

حبسته الشرطة، ومنعت أسرته من زيارته في سجنه. ومات تبريز أنصاري بعد أربعة أيام متأثراً بالجروح التي أصيب بها في الاعتداء.

وبعد أيام من وفاة تبريز أنصاري، قال مودي أمام البرلمان إنه "شعر بالألم" جراء الحادثة، وإنه "ينبغي معاقبة الفاعلين بشدة".

ولكن العديد من الهنود يشككون باستعداد الحكومة للاقتصاص من المسؤولين عن هذه الاعتداءات.

قتل العشرات وأصيب المئات بجروح في اعتداءات وهجمات نفذها الدهماء منذ عام 2014، ولكن لم يمثل أمام القضاء إلا حفنة من المتهمين.

أنصاري ليس المسلم الهندي الوحيد الذي يتعرض للاعتداء على هذه الشاكلة. فقد كان شهر حزيران/يونيو 2021 شهراً دموياً بشكل استثنائي بالنسبة للمسلمين الهنود الذين استُهدفوا في العديد من الاعتداءات المماثلة.


المسلمون أصبحوا "مهاجرين غير شرعيين"  

تعد الهندوسية ديانة الأغلبية في الهند ويعتقد أن عمرها أكثر من 4 آلاف عام، أما الإسلام فيمثل ثاني أكبر ديانة.

ولم تتوقف المناوشات الطائفية على مر القرون، لكن الهند بدأت تشهد انقسامات اجتماعية ودينية عميقة منذ تولي حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي بقيادة ناريندرا مودي، السلطة لأول مرة في عام 2014.

وتصاعدت الأصوات الداعية لبناء معبد هندوسي في أيوديا بشكل كبير بعد هذا التاريخ، وجاء معظمها من نواب ووزراء وقادة من حزب بهاراتيا جاناتا.

وقد أدت القيود المفروضة على بيع وذبح الأبقار، المقدسة لدى أغلبية الهندوس، إلى وقوع عمليات قتل مروعة لعدد من الأشخاص، معظمهم من المسلمين الذين كانوا ينقلون الماشية.

وأسهمت مبالغة القوميين الهندوس في التعبير عن مظاهر هيمنتهم في مناطق أخرى بالعديد من التوترات الدينية.

وهددت الحكومة على لسان وزير الداخلية المتشدد، أميت شاه، بترحيل المهاجرين غير الشرعيين من البلاد عبر برنامج حكومي استخدم مؤخراً في ولاية آسام الشمالية الشرقية. 

والجميع يعرف أنه كان يقصد مسلمين.

مودي: المتطرف الهندوسي و"المسيح المخلص"

في مارس/آذار 2005 اضطر رئيس حكومة ولاية غوجارات الهندية لإلغاء زيارة له إلى بريطانيا بعد إعلان جماعات إسلامية وأخرى داعمة لحقوق الإنسان نيتها القيام بحملة ضد الزيارة.

إنه بعينه رئيس وزراء الهند الحالي ناريندرا مودي الذي يحكم البلاد منذ 2014، ومستمر على الأقل إلى 2024.

لماذا خططوا لحملة ضده وقتها؟

في عام 2013 قال مودي إن المسلمين الذين سقطوا ضحايا أعمال عنف واشتباكات مع الهندوس "مثل الكلاب الصغيرة التي تدهسها سيارة".

هذا المتطرف غير ناجح سياسياً.

تولى مودي زعامة حزب بهاراتيا جاناتا في عام 2013، وقاد حملة الانتخابات عام 2014 بنجاح وأصبح رئيساً للوزراء.

ومنذ توليه المسؤولية ارتفع معدل البطالة إلى مستوى قياسي، وانخفضت مداخيل المزارعين وانخفض الإنتاج الصناعي. لكن الناخبين جددوا الثقة به في 2019، بل إن نسبة لا بأس بها من فقراء الهند يرون فيه المسيح المخلص.

مودي ابن صاحب كشك لبيع الشاي لم تكن له روابط قوية مع عائلته أو الأصدقاء في مقاطعة فادناغار حيث نشأ، وانضم في وقت مبكر من حياته إلى "فيلق المتطوعين الوطنيين" القومي اليميني، المنظمة الأم لحزب بهاراتيا جاناتا.

تم تأسيس الفيلق في 1925 للدفاع عن القومية الهندوسية، وقد اغتيل المهاتما غاندي عام 1948 على يد عضو سابق في الفيلق.

حاز مودي خلال توليه منصب رئيس وزراء ولاية غوجارات على تقدير رجال الأعمال باعتباره داعماً للعمل التجاري حتى انتقاله إلى دلهي في عام 2014.

وهو متهم على الأقل بعدم بذل ما يكفي من جهود لوقف أعمال العنف الديني في عام 2002 عندما قتل أكثر من 1000 شخص، معظمهم من المسلمين.

لكنه متهم بما هو أبعد من ذلك: بتأجيج الكراهية ضد المسلمين.

ضرب المسلمين في الشوارع والتحرش بنوابهم في البرلمان

كان شهر حزيران/يونيو 2021 شهراً دموياً بشكل استثنائي بالنسبة للمسلمين الهنود الذين استُهدفوا في العديد من الاعتداءات المماثلة.

ففي منطقة باربيتا بولاية آسام الشمالية الشرقية، هوجمت مجموعة من الشبّان المسلمين، وأجبروا على ترديد هتافات هندوسية دينية.

في مدينة مومباي، عاصمة الهند التجارية، اعتدت عصابة من الهندوس على سائق سيارة أجرة مسلم بالضرب.

وفي مدينة كالكاتا شرقي الهند، تعرض حفيظ محمد شاهروخ هالدار البالغ من العمر 26 عاماً، والذي يعمل مدرساً في مدرسة دينية، لهجوم لفظي وجسدي بينما كان يستقل القطار. 

وقال حفيظ للصحفيين إن المعتدين سخروا من لباسه ولحيته، وحاولوا إجباره على ترديد الهتاف الهندوسي الديني. وعندما رفض مطالبهم، ألقوا به من القطار أثناء مسيره. أصيب حفيظ بجروح ولكنه تمكن من النجاة ورواية قصته.

هذه الهتافات والمضايقات لم تعد حكراً على الدهماء في الشوارع - ففي تطور مثير للقلق، انتشرت عدواها إلى البرلمان الهندي.

فعندما التأم مجلس النواب الجديد للمرة الأولى يوم 17 من حزيران/يونيو 2021 تعرض النواب المسلمون والمعارضون للسباب من جانب نواب حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف، الذي يتزعمه مودي، عندما كانوا يؤدون القسم.

في السطور التالية نستعرض نموذجين لاضطهاد المسلمين في الهند: الأول عن أوضاعهم في ولاية كشمير، والثاني عن قضية مسجد بابري الشهيرة.


كشمير تعيش كابوساً من العُزلة والمطاردات والقتل 

في صيف 2019 ألغت الحكومة الهندية الحكم الذاتي الدستوري في ولاية جامو وكشمير، بموجب مرسوم رئاسي يدخل "حيز التنفيذ فوراً".

القرار سبقته إجراءات أمنية مشددة تضمنت وضع زعماء بالولاية قيد الإقامة الجبرية وتعليق خدمات الهاتف والإنترنت، وسارعت باكستان بالتنديد بالقرار.

يقعُ إقليمُ كشمير الذي عُرفَ باسمِ جامّو Jammu وكشمير في القسمِ الشماليِّ من شبهِ القارةِ الهندية، ويحتلُّ موقعاً استراتيجياً مهماً بحدود مع الصينِ والبنجابِ الهنديةِ ومنطقةِ التبت وباكستان.

تقترب مساحته من ربعِ مليونِ كيلومترٍ مربع، ويبلغُ عددُ سكانهِ ما يقاربُ 13 مليونَ نسمة، نحوُ 90% منهم مسلمون.

منذ عام 2010 أصبحت الهند تحكم ما يقارب 43% من المنطقة؛ إذ تسيطر على جامو، ووادي كشمير، ولاداخ Ladakh، ونهر سياتشين الجليديّ. 

وتحكم باكستان حوالي 37% من جامو وكشمير أو ما يُعرَف بـ"آزاد كشمير" أي كشمير الحُرّة، وجلجت بالتستان. 

عرفت كشمير الإسلام لأول مرة في القرن الأول الهجري، لكنه لم ينتشر إلا في القرن 14 الميلادي، وفي نهاية القرن 15 الميلادي كان أغلبية سكان كشمير قد اعتنقوا الإسلام.

وبعد القرار الأخير، احتجزت الهند أساتذة جامعيين ورجال أعمال ونشطاء وصحفيين من بين أكثر من 500 شخص في المنطقة، ونقلت بعضهم إلى أماكن مختلفة من الهند.

واعتبر المفوض السابق للحكومة الهندية محمد مختار أنصاري أن "القرار المتعجل من الهند محاولة لتغيير التركيبة السكانية لإقليم كشمير، لتلبية رغبات الجماعات اليمينية الهندوسية، التي تطالب علناً بتغيير في تركيبة السكان للحصول على مزايا انتخابية".

ووفقاً للباحثين فإنّ القوات الهنديّة قامت بالعديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان والأعمال الإرهابية ضد المدنيين الكشميريين بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء، والاغتصاب، والتعذيب، وحالات الاختفاء القسريّ. 

"يعيشون الآن في سجن كبير تحت نير الأحكام العرفية، وهناك تقييد على الذهاب لصلاة الجمعة في المساجد القريبة فقط، حتى ماكينات الصراف الآلي لا تعمل"، هكذا وصف رئيس تحرير صحيفة ميللي جازيت الهندية ظفر الإسلام خان في حديثه مع "موقع الحرة" الوضع في كشمير الهندية في صيف 2019.


أتباع الإله راما "المتسامح" يهدمون مسجد بابري

في مدينة أيوديا في أتر برديش الهندية، يقع واحد من أكبر المساجد في ولاية أوتار براديش. 

وفقاً لنقوش المسجد، فقد بني في عام 1528 بناء على أوامر الإمبراطور المغولي ظهير الدين بابر، مؤسس سلطنة المغول الهنديَّة.

ومسجد بابري هو عنوان لأحد الصراعات الدامية بين الهندوس والمسلمين.

تم هدمه على أيدي حشود من المتشددين الهندوس في عام 1992، ما أثار أعمال شغب أسفرت عن مقتل ما يقرب من ألفي شخص. 

ويعتقد الكثير من الهندوس أن مسجد بابري شُيّد على أنقاض معبد هندوسي في هضبة راماكو المقدسة لديهم، هدمه "الغزاة المسلمون" في القرن السادس عشر.

بينما يقول المسلمون إن الموقع هو مسجد بُني في زمن الإمبراطور المغولي المسلم الذي حكم الهند، ظهير الدين محمد بابر.

إلا أن الهندوس يزعمون أن بابر هدم معبدهم وبنى مسجده فوقه.

بدأ النزاع الجديد في عام 1949 عندما تسلل بعض الهندوس وقاموا بوضع تمثال "الإله راما"، الذي يوصف بالتسامح، في المسجد وبدأوا في أداء طقوس عبادتهم له.

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 1992 احتل الآلاف من الهندوس المتشددين الموقع وقاموا بهدم مبنى المسجد.

ومنذ ذلك الحين، تصاعدت الدعوات لبناء معبد على الفور في موقع المسجد السابق.

وانتهى النزاع القضائي في 2019 حين قضت المحكمة العليا في الهند بحسم ملكية الموقع لمصلحة الهندوس الذين يريدون بناء معبد فيه، على أن يتم منح المسلمين قطعة أرض أخرى في مكان آخر لبناء مسجد عليها.

مودي وحزبه الفاشي

مليونان من المسلمين مهددون بالتهجير من ولاية آسام، والحكومة تشعل الفتنة بعد اتهام المسلمين بنقل فيروس كورونا

منذ أن فاز الحزب القومي الهندوسي (بهارتيا جاناتا) في انتخابات عام 2014 ثارت مخاوف مسلمي الهند من أن حكومة هذا الحزب ستجرُّ عليهم الويلات، بسبب تاريخه المتطرف ووقوفه ضد قضايا المسلمين في البلاد.

وفي نهاية 2019 قامت الحكومة بتعديل قانون الجنسية الهندي، للسماح باستقبال المهاجرين من ثلاث دول مجاورة، هي: باكستان وبنغلاديش وأفغانستان، بشرط أن يكونوا هندوساً أو بوذيين أو مسيحيين أو من السيخ، ويستثنى من ذلك المسلمون.

استشعر مسلمو الهند الخطر الداهم من وراء هذا القانون، وتبين أن هدفه هو تحويل ملايين منهم إلى "البدون" في بلدهم، فعند إجراء أي إحصاء في المستقبل، سيطلب وفقاً للقانون من كل شخص موجود على أرض الهند أن يثبت أن والديه كانا في البلاد قبل عام 1971 في ولاية آسام، وقبل عام 1987 في باقي ولايات الهند.

بموجب القانون أصبح المسلمون "دخلاء"، سيحرمون من المدارس والمستشفيات الحكومية المجانية، والالتحاق بالوظائف الحكومية أو الحصول على القروض من البنوك، أو الحصول على أوراق رسمية مثل جوازات السفر ورخصة القيادة وبطاقات الأغذية المدعومة والمعاشات.

إذن طبقاً للقانون يظل هؤلاء على هامش الحياة لسنوات طويلة إلى أن تتغير الحكومة ويوجد لهم حلّ.

وخرج الهنود إلى شوارع المدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد للاحتجاج على قانون المواطنة الجديد الذي أثار جدلاً كبيراً. وأدت الاحتجاجات في عشرات الجامعات إلى شن حملة قمع عنيفة أسفرت عن اعتقال الآلاف.

أكثر الولايات تأثراً بالقانون هي آسام.

يمثل المسلمون نحو 30% من سكان ولاية أسام، وهي ثاني الولايات الهندية من حيث عدد المسلمين بعد جامو وكشمير، بنحو 9 ملايين نسمة.

ويرى أغلب المحللين أن ذلك هو السبب الرئيسي وراء ما يتعرض له المسلمون في آسام حالياً.

بمعنى أكثر دقة، هناك خطة لتكثيف عمليات اضطهاد المسلمين وتهجيرهم خارج الولاية مقابل تسكين هندوس مكانهم.

فيديو أقل من دقيقة:  مقاطع عن تهجير واضطهاد المسلمين في ولاية أسام

وبعد صدور القانون قررت أسام الهندية أن مليونين من المسلمين لا يستوفون شروط الجنسية الهندية، رغم وجودهم فيها، أباً عن جد. 

وتردد أن الولاية تريد ترحيلهم إلى بنجلاديش المجاورة، بالرغم من عدم وجود علاقة لهم بها.

وشنت سلطات ولاية آسام حملة لتهجير 800 أسرة من الفلاحين المسلمين الذين يسكنون أرضاً رملية بمنطقة دَرانْغ بالولاية منذ سبعينيات القرن الماضي، بحجة أنها أراض تابعة للدولة.

وتظلّم هؤلاء المسلمون أمام المحكمة العليا وأبدوا استعدادهم للانتقال إلى مكان آخر خلال أيام، ولكن السلطات فاجأتهم، في الصباح الباكر يوم 25 سبتمبر/أيلول 2021 بقوة تتكون من مئات الجنود مع 14 جرافة دمرت بيوتهم ومسجدين ومدرسة دينية.

وحين احتج الأهالي أطلق الجنود النيران عليهم، فقتلوا رجلاً وطفلاً وجرحوا 20 شخصاً، وتقيم هذه العائلات الآن في العراء على ضفاف نهر في موسم الأمطار، وكانت هذه الحادثة أحدث الحلقات في سلسلة شهدت تهجير 6 قرى في المنطقة بالأسلوب نفسه.


فيروس الكراهية قبل فيروس كورونا

وبعد ظهور جائحة كورونا المستجد، فاجأت الحكومة الهندية العالم باتهام المسلمين بالمسؤولية عن نشره!

اتهم مسؤولو وزارة الصحة الهندية مراراً وتكراراً جماعات مسلمة بنشر فيروس كورونا، واعتبروا جماعة "التبليغ" الإسلامية مسؤولة عن ثلث حالات الإصابة بالفيروس في الهند بعد عقدها مؤتمراً للخطباء في مارس 2020.

وتحدث بعض المسؤولين الحكوميين عن "قنابل بشرية" و"كورونا جهاد"، وبدأت موجة من الهجمات المعادية للمسلمين في الهند.

تم الاعتداء على مجموعة من الشباب الذين كانوا ينقلون الطعام للفقراء بمضارب الكريكيت، كما سجلت اعتداءات على مصلين في المساجد، فيما تم طرد بعضهم خارج المنازل، بحسب تحقيق نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وقتها رفض خالد رشيد، رئيس المركز الإسلامي في الهند، تصريحات الحكومة، قائلاً: "لم يكن على الحكومة أن تلعب لعبة اللوم، إذا عرضت قضية صحية بناءً على ديانة شخص ما فإنها تخلق انقساماً كبيراً في المجتمع"، وقال: "قد يموت الفيروس التاجي، لكن من الصعب القضاء على فيروس التنافر الجماعي عندما تنتهي الأزمة".

وينقل تقرير بموقع بي بي سي عن البروفيسور تنوير إعجاز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة دلهي، أن الاعتداءات على الطبقة العاملة المسلمة مثل الخياطين وبائعي الفاكهة والكهربائيين والسباكين وبائعي الكعك هي أيضاً محاولة للسيطرة على الاقتصاد والوظائف من خلال القومية الدينية.

شهادة محجبة من نيودلهي: متى يسحلني الناس في الشوارع؟

أتذكر كيف كنت أستيقظ على صوت أغاني تعبّد هندوسية عندما كنت طفلة.

كنا الأسرة المسلمة الوحيدة في حي معظم سكانه من المنتمين للهندوسيّة في ولاية أوديشا الشرقية (التي كانت تسمّى أوريسا).

لطالما احتفلنا معاً؛ كانوا يرسمون بالحناء على أيادينا في العيد، وكنت وأخوتي نزور منازلهم للاحتفال بانتصار الخير على الشر خلال مهرجان نفراتري (Navratri) ذي الليالي التسع.

هناك قوى تعمل على تقسيمنا ولست متأكدة ما إذا كان بإمكاني خوض مثل تلك التجارب مرة أخرى.

أصبح ينظر لنا على مرور الأيام كأننا آكلو لحوم، ومغتصبون يفسدون المجتمع، وإرهابيون يدافعون عن باكستان، والأقلية التي ستسيطر على البلاد.

لكن في الواقع، نحن في طريقنا لأن نصبح مواطنين من الدرجة الثانية وعلينا أن نتعلم العيش في خوف.

كان عمري 16 عاماً عندما ارتديت الحجاب. 

كنت قد انتقلت إلى ولاية أوتار براديش الشمالية لمواصلة تحصيلي العالي في جامعة عليكرة الإسلامية، وصادفت العديد من الشابات اللاتي كن يرتدين الحجاب.

اليوم، وأنا في عمر الثانية والعشرين، أشعر أنني مضطرة للوقوف ومجابهة المعلومات الخاطئة التي تنتشر بوقاحة ضد ديني وضد دستور بلدي. أود التعبير عن انتقادي للسياسات التمييزية وللاقتصاد المتعثر.

ألاحظ أحياناً أشخاصاً يحدقون بي بسبب حجابي وأنا أسير في الشوارع. قد يكون هذا خوفاً غير منطقي، لكن جو الخوف من المسلمين ينتشر بالتأكيد في جميع أنحاء البلاد ويحدث أمام وسائل الإعلام والحكومة.

يتبنى الحزب الحاكم بشكل فج أيديولوجية قومية هندوسية، وتستند بعض القوانين على التمييز الديني، ويتم تمكين بعض المجموعات لتنفذ جرائم كراهية ضد المسلمين.

هذه ليست الهند الشاملة لجميع الأطياف التي نشأت فيها. إننا نستحق ما هو أفضل من هذا- نحن- الـ200 مليون مسلم في الهند الجديدة.

أجبرنا على مغادرة النزل وأرسلت في عطلة إجبارية. تعطل تعليمي كما أنني لا أستطيع السفر لرؤية عائلتي التي تعيش في مدينة أخرى تغلي فيها الاحتجاجات.

لذلك ألازم المنزل حالياً، وأنا أتذكر كلمات أمي: "كوني صبورة وقاومي بكل ما أوتيت من قوة".

كحال كثير من مسلمي الهند، أتساءل الآن عما يخبئه لنا المستقبل.

هل سأحرم من فرص عمل بسبب ديني؟ هل سأطرد من منزلي؟ هل سيسحلني جموع الناس في الشوارع؟ هل سينتهي كل هذا الخوف؟

ريكات هاشمي
طالبة هندية مسلمة تحدثت إلى موقع بي بي سي العربي نهاية 2019

إذن.. هذا الإرهاب يأتيكم برعاية الحكومة الهندية

بينما كان المسلمون يُقتلون في الهند، بدا العالم متثاقلاً في إدانة أعمال العنف، في حين يتشابه ما يفعله الهنود بالمسلمين، بما فعله النازيون باليهود.

هكذا بدأ مقال باتريك كوكبيرن Patrick Cockburn كاتب الأعمدة الشهير، والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط.

عقد كوكبيرن في صحيفة Independent البريطانية مقارنة بين مذبحة نيودلهي في فبراير/شباط 2020 وأعمال العنف التي حدثت بحق اليهود في 9 و10 نوفمبر/تشرين الثاني 1938 في كل من ألمانيا والنمسا المحتلة ومناطق في تشيكوسلوفاكيا المحتلة من قبل القوات الألمانية، حين قُتل عشرات اليهود فيما عُرف بليلة البلور أو ليلة الزجاج المكسور.

ومع أن تواطؤ الحكومة الهندية لم يكن مباشراً، على عكس ما وقع في ألمانيا قبل 82 سنة، فإن نشطاء حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي كانوا في طليعة الهجوم على المسلمين.

وأكد الكاتب أن القومية الهندوسية ومحاولة تهميش أو طرد 200 مليون مسلم هندي من البلاد تحتلان موقعاً متقدماً في صلب أجندة الحزب الحاكم وزعيمه مودي.

العنف الذي يواجهه المسلمون في الهند ينبع من الكراهية التي تشتعل بتوجيه من الحكومة الهندية.

ما يحدث ليس مواجهات بين الهندوس والمسلمين، بل هو عنف على وجه التحديد ضد المسلمين من قبل جماعات اليمين المتطرف القريبة من الحكومة. 

ما يحدث هو "مذبحة" برعاية الحزب الحاكم.

الحزب القومي الحاكم منذ عام 2014 يعمل على "هندوسية" المجتمع. يتم الآن "شيطنة" المسلمين وإزالة رواد العلمانية مثل نهرو.

يتم الآن التمهيد لإخراج المسلمين من بعض المناطق بقوة الاضطهاد.

أو إخضاعهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

ربما كان انتصار طالبان على أمريكا وحلفائها يشكل ضربة قوية للعمق الاستراتيجي الهندي ولنفوذها الكبير الذي بنته خلال عشرين عاماً من العلاقات مع الحكومات الأفغانية المتعاقبة، مما أفقدها صوابها وجعلها تسرع في سياساتها العنصرية تجاه مسلمي الهند.

وربما كان استهداف المسلمين عنصراً أصيلاً في خطة مودي من قبل سقوط كابول، وهي الخطة التي جعلت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية تكتب تقريراً بعنوان "الهند بزعامة مودي على خطى النازية".

وفي التقرير تشبيه ما يتعرض له المسلمون في آسام على أيدي الهندوس بما قامت به حكومة ألمانيا النازية تجاه اليهود في أوروبا.


لا عقاب للمجرم الطائفي.. ولا حساب لحكومة الهند

"العنف هنا ضد المسلمين شائع ومنتشر، ومقبول تماماً".

هذا ما نقله موقع بي بي سي العربي عن الصحفي المستقل الذي يوثق الهجمات على المسلمين الهنود على مدى السنوات الثلاث الماضية علي شان جعفري.

ويضيف قائلاً إنه يصادف "ثلاثة إلى أربعة مقاطع فيديو من هذا القبيل كل يوم" ولكنه قادر على التحقق من واحد أو اثنين منها فقط وبعدها ينشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.

يضيف تقرير الموقع أن العنف الطائفي ليس ظاهرة حديثة، لكنه ينمو بالتوافق مع استراتيجيات من يمتلكون السلطة، وقدرتهم على الحشد السياسي.

انعدام الثقة كان موجوداً دائماً بين القوميات والأديان في الهند، لكن الانقسامات ازدادت حدتها الآن بسبب القومية الدينية والقومية العرقية.

أصبحت مثل هذه الهجمات شائعة جداً في الهند اليوم وفقط بسبب الإفلات من العقاب الذي يتمتع به هؤلاء البلطجية.

اليوم أصبحت الكراهية طاغية. وبات الاعتداء على المسلمين أمراً مستحباً، كما يكافأ دعاة الكراهية على أفعالهم، كما ورد في تقرير الموقع.

لا الحكومة الهندية تحاسب المجرمين الطائفيين.

ولا العالم يحاسب حكومة الهند المتطرفة، التي ساهمت في تأجيج حريق كان موجوداً منذ عشرات السنين، لكنه أصبح على يديها أكثر التهاباً وتدميراً للجميع.