ينتهي عام 2020، ومعه ينطوي عقد استثنائي للمصريين في منافي العمل والبحث عن الرزق وفرص الحياة.

إنه العام الذي بدأ بضربة مزدوجة للاقتصاد المصري: تراجع أسعار النفط، وأزمة كورونا.

لأن موجات العائدين تأتي من عدة أقطار في وقت واحد.

ولأن هذا يحدث في أكبر أسواق العمالة في الخليج.

ثم يزداد الأمر صعوبة بسبب إغلاق كورونا.

وبسبب قدرات مصر المحدودة على زيادة الاستثمارات وتوفير فرص عمل بسبب أزمة التمويل.

الذين يسافرون بحلم "أكل العيش" والادخار للمستقبل، قد يجدون أنفسهم في طريق العودة إجبارياً لأن الظروف تغيرت.

تغيرت مواصفات سوق العمل التي جذبت ملايين المصريين إلى أسواق الخليج والأردن وليبيا في السنوات السابقة.

انخفضت الرواتب، وزادت رسوم الإقامة وتصاريح العمل، وأضيفت ضرائب ومصروفات جديدة.

نائب رئيس شعبة إلحاق العمالة بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، توقع عودة مليون ونصف المليون عامل مصري من الخارج عند فتح الخطوط الجوية. معظمهم يعودون بناء على رغبتهم في العودة إلى الوطن وليس بسبب الاستغناء عنهم.

الذين يسافرون بحلم "أكل العيش" قد يعودون بأسباب أخرى تماماً، لا علاقة لها بالاقتصاد أو سوق العمل. إنها الأزمات السياسية التي تلقي بظلالها الداكنة على "علاقة العمل"، ويدفع العمال ثمن ما يقرره السياسيون في خصومة أو مساومة.

ينتهي عقد 2010/ 2020 وهناك نحو 5 ملايين عامل مصري بأسواق العمل الخليجية يواجهون المجهول.

وزارة القوى العاملة تنفي تراجع الطلب على العمالة المصرية بالخارج، لكن الأرقام ترصد انخفاض أعداد المغتربين من 10.274 مليون شخص في 2017، إلى أكثر قليلاً من 9 ملايين هذا العام.

نحو 6.2 مليون مصري، أي ما يساوي 68% من المصريين بالخارج يعيشون بالدول العربية، نصفهم تقريباً في السعودية، ثم الأردن بنسبة 18%، وفق الإحصاءات الرسمية.

هذا التقرير يرصد ما جرى للعمالة المصرية في الخريج، بين عامي 2010 و 2020، خاصة في أكبر 3 دول عربية مستقبلة للمغتربين المصريين، وهي السعودية وليبيا والأردن.

يرصد التقرير أيضا أثر الخلافات السياسية والأزمات الاقتصادية على التغريبة المصرية في العقد الأول من الألفية.

قوائم المهاجرين تظهر أن ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 كان لها أثر واضح على تراجع أعداد المصريين في الخارج.

كانت أعداد المصريين قد وصلت ذروتها عام 2010 بأكثر من 9 ملايين نسمة، ما يعادل 10.3% من إجمالي عدد السكان في ذلك العام البالغ 88 مليون نسمة.

نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة برأس النظام، أعطى الأمل للكثير من المصريين المهاجرين بالخارج للعودة، فانخفض عددهم نهاية 2011 إلى 7 ملايين و300 ألف مهاجر.

العائدون كانوا يحلمون بتحسن الأجواء العامة بمصر على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

لكن بعد 2013 ارتفعت أعداد المهاجرين مرة أخرى، بل وبأعداد أكثر مما كانت عليه من قبل.

الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يكشف عبر تقريره "الهجرة في مصر 2018" أن المغتربين كانوا بنهاية 2013 حوالي 6 ملايين مواطن.

ارتفع العدد إلى 10.2 ملايين مواطن بنهاية عام 2017.

نسبة الشباب بين 25-29 عاماً تصل بينهم إلى نسبة 23% تقريباً من إجمالي المهاجرين.

في حين تمثل الفئة العمرية بين 30-34 عاماً نسبة 18% من إجمالي المهاجرين.

تشير البيانات إلى استحواذ السعودية على النصيب الأكبر من العمالة المصرية في الخليج بنحو 2.5 إلى 3 ملايين عامل.

يليها الأردن بنحو 1.15 مليون مصري.

ثم الإمارات بنحو 765 ألف إلى مليون مصري.

أما ليبيا، وهي أحد المقاصد الكبرى للعمال المصريين، فلا توجد بيانات رسمية عنها في تقارير الإحصاء، بسبب السفر دون الحاجة إلى تأشيرة، وانتشار ظاهرة السفر غير الشرعي.

وعلى مستوى الدول الأوروبية، احتلت إيطاليا المركز الأول، بنحو بنسبة 76% من جملة تصاريح العمل لمصريين في الدول الأوروبية.

"شهدت الفترة من عام 2014 حتى يونيو 2018 تغييرات جذرية في أوضاع الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، عكست اهتمام الدولة والقيادة السياسية بالمصريين بالخارج، والإعلاء من شأن مساهماتهم في جهود التنمية بالدولة، وإقرار حقوقهم السياسية والاجتماعية، والعمل على تعظيم انتمائهم للوطن، وبناء قاعدة من المصريين بالخارج تدعم رؤية الدولة وتدافع عن مواقفها وقضاياها وتعمل على تحسين صورة الدولة بالخارج وتقر دور فعال للدبلوماسية الشعبية".

هكذا تتحدث الصفحة الرسمية لوزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج.

الصفحة مليئة بالتصورات والخطط لربط المهاجرين بالوطن، ورعايتهم، ومد جسور التواصل معهم، لكن دونما تحديد لخطوات أو جداول زمنية "تفصيلية" لتحقيق ذلك.

تتكرر عبارات مثل: 

تطوير النظام المؤسسي لكي يحقق الأهداف المخططة للتنمية المستدامة.

متابعة بناء القدرات والعمل على تحديثها.

تطوير قانون تنظيم الجاليات.

متابعة النظام الوطني المؤسسي لحوكمة منظومة الهجرة.

تطوير الآليات ومتابعة النظام المتكامل.

ابتكار أليات فعالة ومستدامة لمتابعة وتقييم أوضاع المصريين بالخارج

وضع الحلول الملائمة لمعالجة أهم الموضوعات والمشاكل التي تخص المصريين في الخارج وتحسين أوضاعهم بالدول المختلفة.

إلخ.

أما صفحة المعلومات عن أعداد وأوضاع المصريين بالخارج بموقع الوزارة فهي مغلقة.

كثيراً ما يدفع الفرد ثمن قرارات سياسية لا يعرف عنها شيئاً.

وكثيراً ما دخل المصريون المغتربون في متاهات "الأزمات" والخلافات بين القاهرة وبلدان المقصد.

بعد الربيع العربي ترددت أنباء عن منع المصريين الأقل من 40 عاما من دخول الإمارات، وتعرض مصريون لمعاملة سيئة في الكويت، كما منعت قطر منح المصريين تأشيرات بسبب أزمتها الراهنة مع القاهرة، رغم أنها استقبلت عددا كبيرا من المصريين عقب أحداث 2013.

هنا بعض الأمثلة من أكثر 3 بلدان عربية تستقبل العمالة المصرية في السنوات العشر الأخيرة، وهي السعودية والأردن وليبيا.


السعودية: أزمة "الخادمات" والرسوم والخلافات السياسية

في بداية العقد الثاني من الألفية، كانت العمالة المصرية رقماً مهماً في سوق العمل بالمملكة، تحتل المرتبة الرابعة من حيث العدد، والمرتبة الثانية من حيث نسبة التأشيرات في 2008.

في 16 يناير/كانون الثاني 2010، وفي مقر وزارة العمل السعودية بالرياض، وقفت وزيرة القوى العاملة في مصر عائشة عبد الهادي أمام الصحفيين، لتعلن أن مصر لن تسمح بعمل الخادمات المصريات في الخارج.

وبعد أسابيع من ثورة يناير، حظرت وزارة القوى العاملة والهجرة سفر الكوافيرة، الخادمة، السكرتيرة، والمربية، باعتبارها مهناً يحظر تصديرها للخارج.

أثار القرار "الغريب" جدلاً واسعاً، ومطالبات بوضع ضوابط قانونية تضمن حقوق تلك العاملات بدلاً من حظر سفرهن.

في 2013 كان الإعلام المصري يشهد ذروة الهجوم على جماعة الإخوان المسلمين، التي أصبحت تحكم من منتصف العام السابق.

واستغلت الصحف موضوع المصريات في الخليج، لتشن حملات واسعة على الحكومة. ونقلت الوطن عن "الجالية المصرية بالسعودية" اتهامات لحكومة هشام قنديل، بالسماح بعودة المصريات للعمل في منازل الخليج و16 مهنة أخرى كانت محظورة بقرار عائشة عبدالهادي. وكان التقرير كله منقولاً عن شخص واحد وصفته الصحيفة بأنه "ناشط وعضو الجالية".

فرضت السعودية عام 2016 رسوماً على عائلات الوافدين دخلت حيّز التنفيذ في الأوّل من تموز/يوليو 2017. وتبدأ الرسوم بـ100 ريال شهرياً لكل شخص، ثم تتصاعد بوتيرة سنوية بعد ذلك.

وكان المغتربون المصريون من أكبر المتضررين، وأعربوا عن مخاوفهم تجاه القرار الذي أدى لمغادرة مئات الآلاف من الأجانب في العام الأول لتطبيق الرسوم.

وقال مصريون في السعودية إن عائلات بأكملها غادرت المملكة عقب الانتهاء من امتحانات الفصل الدراسي الثاني، فور صدور القرار، باستثناء العاملين فقط. "الشخص اللي عنده 6 أولاد هيدفع 600 ريال في الشهر، وهو ما يمثل 7200 ريال في السنة وهو ما يمثل مبلغاً كبيراً يعادل نحو 35 ألف جنيه سنوياً، كما يقول عادل حنفي، نائب رئيس اتحاد المصريين العاملين في السعودية.

ويقدّر نائب رئيس اتحاد المصريين العاملين في السعودية أعداد المصريين الذي غادروا بسبب رسوم الوافدين بنحو 200 ألف شخص.

الإجراءات السعودية كانت أكبر من قدرة كثير من المصريين المغتربين على التحمل.


ليبيا: المصريون "رهائن" في فوضى الحرب الأهلية

عندما اندلعت انتفاضة ميدان التحرير في يناير/كانون الثاني 2011، كان عدد العمال المصريين في ليبيا يصل إلى مليون و300 ألف عامل مصري، وفي تقدير آخر يقترب من المليونين.

بعد قيام الثورة الليبية عاد منهم نحو 450 ألفاً.

لكن إحصائيات مصر الرسمية تتجنب ذكر رقم مؤكد في 2020، بسبب سفر عشرات الآلاف بلا تأشيرة أو تسجيل.

في بداية 2012 أعادت ليبيا فرض التأشيرة على المصريين، ورغم ذلك قدّرت المنظمة الدولية للهجرة في نهاية 2013 عدد المصريين في ليبيا ما بين 700 ألف و1.5 مليون.

دخل المصريون في ليبيا دوامة التطورات السياسية والعسكرية بكثافة في عام 2013، وهاجم مجهولون القنصل المصري في طرابلس، ثم بدأ مسلسل اختطاف وقتل المصريين.

وكانت أكبر صدمة "ليبية" للمصريين في 2015، حين أصدر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” صوراً لاختطاف 21 مصرياً قبطياً، ثم فيديو يحمل لقطات وحشية لذبحهم. وردت مصر بغارات جوية قالت إنها استهدفت مراكز إيواء لمسلحي داعش في المدينة الشرقية درنة.

العمالة المصرية في ليبيا، التي فضلت البقاء عن العودة للأراضي المصرية، ما زالت تمارس أعمالها، لكنه أكد أنها تتعرض إلى مضايقات مستمرة، بعضها ناجم عن التدخل السياسي والعسكري لمصر في الأزمة الليبية. 

وقال عائدون من ليبيا إن المصريين يتعرضون لمضايقات شديدة، خاصة بعد مشاركة الجيش المصري في القتال بجانب قوات خليفة حفتر، وهو ما أشار إلى أنه أدى إلى زيادة حدة العنف تجاههم، الأمر الذي دفع معظم المصريين للإقامة بالمناطق الشرقية التي يسيطر عليها حفتر.


الأردن: المصريون الأكثر تهديداً بالرحيل

تعيش في الأردن رابع أكبر جالية مصرية في العالم. 

بدأ المصريون بالعمل في المدن الأردنية وأريافها حتى أصبحوا الجالية الأكبر هناك، حتى حلول الأزمة السورية، حيث بلغت نسبتهم 68.9% من إجمالي العمالة الوافدة عام 2011، يعيشون في العاصمة عمّان وفي العقبة ومدن قريبة أخرى. ويمثلون نحو 97% من حاملي تصاريح العمل في قطاعي الزراعة والإنشاءات.

وتقدر وزارة العمل الأردنية نسبة المصريين بنحو 68% من إجمالي العمالة الوافدة للمملكة.

بينما قدرت السلطات المصرية عدد المصريين في الأردن بنحو 1.15 مليون شخص لتكون الأردن الثانية عالمياً في استقبال المغتربين المصريين بعد السعودية.

وفي عام 2014 كان العمال المصريون بالأردن الأكثر تأثراً بقرار المملكة منح مهلة للعمالة غير القانونية لتوفيق أوضاعها، وحصر عمل الوافدين في مجالات محددة كالمطاعم والزراعة والإنشاءات، لإتاحة المجال أمام الأردنيين للحصول على فرص عمل مناسبة.

وقالت وزارة العمل إن أكثر المهددين بالتسريح من المملكة هم العمالة المصرية؛ لارتفاع عددهم بشكل كبير مقارنة بأعداد العمال الوافدين من دول أخرى.

ويتحدث المصريون بالمملكة الهاشمية عن انتهاكات بحقهم، أبرزها التوقيع على سندات مالية من قبل بعض أصحاب العمل لإجبارهم على العمل، وتأخير الأجور أو عدم دفعها، خصوصاً في القطاع الزراعي لحين انتظار الموسم.

لم تتدخل السلطات المصرية لوقف هذه الانتهاكات، لكنها دعت رعاياها في الأردن إلى "عدم التعامل مع السماسرة والوسطاء، والتعامل فقط مع الجهات الرسمية، سواء وزارة العمل الأردنية، أو السفارة المصرية، خاصة أن الجانبين قد اتفقا على أهمية وجود قنوات تنسيق مباشر؛ لتسوية المشكلات التي قد تواجه العمالة".

حتى عام 2016 كان الطلب على العمالة المصرية جيداً، والتراجع بدأ منذ عام 2017، وعام 2018 كان أسوأ الأعوام بالنسبة لنا حيث وصل التراجع إلى 80%، وفي عام 2019 حدث تحسن طفيف وانخفض التراجع إلى 70%، كما يقول حمدي إمام، رئيس شعبة إلحاق العمالة المصرية بالخارج بالغرفة التجارية بالقاهرة.

هنا أبرز الأسباب لتراجع مكانة العمالة المصرية في العقد الأخير.


الدولة لا تدعم أبناءها خارج الحدود

يتراجع الاعتماد على العمالة المصرية بسبب غياب رعاية الدولة أحياناً، كما يقول الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية.

وزارة القوى العاملة لم تعقد بروتوكولات تعاون مع الدول الأخرى لتصدير العمالة لهم، كما أن السعودية مثلاً لم توطن أبناءها في المهن الحرفية كالسائقين والسباكين مثلاً.

يضيف: نحن نتراجع منذ نحو 10 سنوات أي قبل حرب اليمن والأزمة الاقتصادية، لماذا لم تؤثر تلك الأزمات على استقدام الباكستانيين والهنود والكوريين وأثرت فقط على المصريين؟


لا توجد قاعدة بيانات

وأبرز وجوه الضعف التي كشفتها الأزمة عدم وجود قاعدة بيانات تفصيلية عن الجاليات المصرية بالخارج وتخصصاتهم ومهاراتهم.

وأيضاً ارتفاع تكلفة التحويلات المالية إلى مصر وغياب قناة "وطنية رسمية" تخفف أعباء رسوم التحويل عن المغتربين.


تراجع "القوة الناعمة" وأخطاء السياسة الخارجية

واجه النفوذ الإقليمي المصري تحدي القدرة على تفعيل القوة الناعمة، المرتبطة بالإمكانات الثقافية أو ترقية القدرات الأمنية والعسكرية، وبالتالي تبدو أهمية تناول سياسة مصر الخارجية من خلال القدرة على توظيف القدرات الذاتية والاضطلاع بدور يتناسب معها.

انتهت سنوات حكم الرئيس مبارك بهيمنة الطابع الانكماشي على السياسة الخارجية، وهذا ما ينطبق على كثير من دوائر العلاقات السياسية. 

وبعد ثورة يناير 2011 واجهت الدولة تحدي إعادة بناء الدور السياسي الإقليمي والاستقرار على ملامح الأمن القومي. بالإضافة إلى القدرة التنافسية مع الأطراف الإقليمية الأخرى.

كانت مواقف مصر تجاه العراق خطأً استراتيجياً، دفعت العمالة المصرية هناك ثمنه بالعودة الإجبارية. 

موقف مبارك من عودة النعوش المصرية من العراق


أزمة كورونا أطاحت باستقرار سوق العمل

أزمة تفشي فيروس كورونا في سوق إلحاق العمالة بالخارج هي «أعنف أزمة تواجه السوق» منذ ما يقرب من 50 عاماً.

قبل أزمة كورونا، كانت مصر توفر فرص عمالة إلى دول الخليج بمعدل من 600 ألف إلى 650 ألف فرصة سنوياً، نصف مليون منها إلى المملكة العربية السعودية وحدها، "ونقصد بالعامل كل الوظائف فالطبيب والمهندس والمدرس وغيرهم نعتبرهم عمالاً"، كما يقول حمدي إمام، رئيس شعبة إلحاق العمالة المصرية بالخارج في غرفة القاهرة التجارية.

تداعيات كورونا ستجبر مليون عامل مصري في الخليج على العودة النهائية، بنسبة 20% من حجم العمالة المصرية الكلية في دول الخليج.



أزمة اقتصادية في دول الخليج

مثل كل دول العالم، تعاني دول الخليج من تباطؤ شديد في النمو الاقتصادي بفعل تداعيات كورونا وانخفاض أسعار النفط، ما أدى إلى تعطل أو توقف عدد كبير من المشروعات ولو بشكل مؤقت، والتفكير في إنهاء تعاقداتها مع نسب كبيرة من العمالة الواردة إليها من كل دول العالم وليس من مصر وحدها.

وفي ضوء الركود الاقتصادي في دول الخليج قد يتم تسريح العمالة الأجنبية الأعلى أجراً، وبالتحديد العمالة الأمريكية والأوروبية، تليها المصرية، ما يدفع العمالة المُتبقية إلى القيام بالمزيد من العمل، سواء أكانت من المواطنين أو العمالة الأجنبية الأقل أجراً، مثل الهنود والباكستانيين والبنغاليين.


ظهور منافس للمصريين من العمالة 

انتهت قبل سنوات سيطرة العامل المصري على أسواق العمل في الخليج.

مثلاً، كان المعمار حِكراً على المصريين، وظهرت تكنولوجيا جديدة وعمالة مختلفة من جنوب شرق آسيا.

على العكس من ذلك ظهرت العمالة الآسيوية لتنافس المصريين، فهم في نظر البعض أقل أجراً وأكثر جدية.

كما أن العمالة المصرية لم تطوّر نفسها عكس العمالة الأجنبية التي تطور نفسها باستمرار.

العامل المصري لا زال يستخدم الوسائل التقليدية في البناء، لكن العمالة الأجنبية من آسيا والهند وباكستان طورت نفسها كثيراً.

أيضاً تعرضت سلوكيات المصريين بالخارج للانتقاد، والقطاع الخاص يبحث عن عامل يعمل له كل شيء وبأموال أقل كالعمالة الهندية والباكستانية التي ملأت السعودية.

غالبية الشركات السعودية أصبحت تُفضل العامل من دول جنوب شرق آسيا لانخفاض أجره مقارنة بالمصري الذي يتراوح بين 1500 و2500 ريال شهرياً (بين 400 و667 دولاراً).


غياب دور الدولة في رعاية مواطني المهجر

"بالسؤال المجرد للعمالة المصرية في الخارج في أي دولة، ستأتيك الإجابة عن غياب كامل لما يسمى دور الدولة".

هذا ما يراه المتخصص طارق مرسي، عضو لجنة القوى العاملة بمجلس الشورى المصري السابق. يشرح ذلك بأنه "لا يوجد دور سابق لوزارة القوى العاملة التي من المفترض أن تقوم بتدريب العمالة وتأهيلها للأسواق المختلفة، ولا دور لاحقاً في إبرام برتوكولات تحفظ كرامة المصري بالخارج كدور لاحق يتوجب عليها فعله".

على الجانب الآخر، لا يدري أحد ما دور وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج؟ 

لا أحد من العمالة المصرية يشعر بهم، ولا مجيب حال تعرّض أي من المصريين إلى مشكلة، والسفارات المصرية وأقسام الشؤون العمالية فيها مجرد وظائف وشخوص لا دور لها ولا نفع فيها"، على حد وصف طارق مرسي.

خريطة الطلب على الوظائف ستتغير كثيراً

يتوقع خبراء التوظيف انتعاش الطلب على الوظائف بأسواق العمل الخارجية بحلول 2021، مع فقدان 10 إلى 20% من الوظائف للعمالة المصرية في الخارج بنهاية 2020.

الطلب على المهن الطبية والهندسية وتكنولوجيا المعلومات والتسويق الإلكترونى سيكون الأكثر طلباً خلال العام المقبل، حيث ستتغير قليلاً خريطة الطلب على الوظائف بعد أزمة كورونا، وسيتأثر الطلب على مهن التجزئة والسياحة والتعليم بسبب الجائحة.

ويتوقع عاملون بشركات إلحاق العمالة بالخارج أن يعود الطلب على العمالة المصرية في عدة قطاعات خلال 2021.


البحث عن أسواق "غير عربية" للعامل المصري

من دروس الأزمة الحالية أن فتح أسواق جديدة للعمالة المصرية في الخارج بات أمراً ضرورياً.

وطالب مسؤولون بأن يتم استهداف أسواق أوروبا ونيوزيلندا وأستراليا، بديلاً عن الأسواق الكلاسيكية فى دول الخليج.

لكن ذلك يتطلب من وزارة القوى العاملة والجهات المعنية في الدولة بسرعة إقرار برامج تأهيل وتدريب للعمالة المصرية حتى تكون مؤهلة للعمل في الأسواق الجديدة. "نحن مطالبون بتأهيل العمالة للعمل في اليابان وكوريا الجنوبية، فضلاً عن فتح أسواق جديدة في إفريقيا وشرق إفريقيا".


العمل على تطوير التعليم الفني وتأهيل العامل

مع بدايات الألفية الجديدة حدث تحول في منظور الهجرة إلى الخليج ودوافعها لدى المصريين، حيث صارت الأغلبية العظمى من العمالة المهاجرة من غير المهرة وذوي المهارات المتوسطة.

رفع كفاءة العمالة يستدعي خططاً عاجلة للنهوض بالتعليم الفنى في مصر. "للأسف خريج التعليم الفني لا يعرف الفرق بين الشاكوش والمفك، ونحن لا نستطيع انتظار سنوات للنهوض بالتعليم الفني، نحتاج إلى تدريب الخريجين بالفعل ومنحهم دورات تدريبية عاجلة وكورسات في اللغة، واعتبار ذلك روشتة عاجلة لتدريب نحو ربع مليون خريج من التعليم الفني، حتى يكونوا متاحين لسوق العمل ومدربين لإمكانية إلحاقهم بالخارج في أقرب فرصة".

هكذا جاء اقتراح حمدي إمام، رئيس شعبة إلحاق العمالة المصرية بالخارج في غرفة القاهرة التجارية.