صراع على
هوية السودان
..

قيادي إسلامي: سنسقط أي سلطة تتجاهلنا.. قيادي يساري: الإسلاميون يدعمون الثورة المضادة

يبدو أن الصراع بين الإسلاميين واليساريين يهدد الحراك السوداني في الوقت الذي لم يتم الاتفاق حتى على خارطة طريق لتسليم المجلس العسكري السلطة إلى المجلس الانتقالي المقترح.

وتبادل الطرفان الاتهامات، إذ يقول الإسلاميون إن اليساريين يحاولون الهيمنة على الحراك ويريدون استبعاد الشريعة وإقصاء الإسلاميين من الحياة السياسية، بينما يقول اليساريون إن دعوات الإسلاميين لحماية الشريعة ما هي إلا إحدى وسائل الثورة المضادة.

"عربي بوست" حاور اثنين من قادة التيارين للتعرف على مواقفهما تجاه القضايا الخلافية الأساسية، وهما الأمين العام لتيار نصرة الشريعة ودولة القانون الدكتور محمد علي الجزولي، وعبدالله علي إبراهيم أستاذ التاريخ في جامعة ميسوري بالولايات المتحدة والقيادي السابق في الحزب الشيوعي السوداني.

الموقف من الشريعة الإسلامية

محمد علي الجزولي الأمين العام لتيار نصرة الشريعة:

يحاولون استبعاد الشريعة وتحويلها ثورة ضد الإسلاميين

نحن لم نعلن تيار نصرة الشريعة والقانون إلا بعدما شعرنا بأن هناك ما يهدد الشريعة في السودان، وتحديداً عقب تصريحات مسؤول العلاقات الخارجية بإعلان الحرية والتغير السيد الرشيد سعيد التي أراد أن يغيّر فيها الثورة السودانية ويجعلها ثورة ضد الإسلام السياسي.

ونحن لدينا ضمانات من المجلس العسكري بعدم المساس بالشريعة.

عبدالله علي إبراهيم القيادي السابق في الحزب الشيوعي السوداني:

الشريعة نظام عادل ولكن المهم كيفية تطبيقها، والحل لدى الترابي

كان من المفترض أن يكون هناك منذ بداية الثورة عملية لبناء المشروع الذي سيتم تقديمه للناس عند نجاح الثورة بعيداً عن شعارات المدنية وفصل الدين عن الدولة التي بلا شك سيحاول الجانب الآخر في الثورة المضادة اللعب بها.

أكدت من قبل أن الشريعة نظام عادل، وأي مسلم على يقين تام بأن الشريعة عادلة، لكن المسألة كيف يتم إنزالها في سياسيات الدولة.

وأضاف: "أذكر هنا أن الشيخ حسن الترابي (أبرز قيادات الحركة الإسلامية السودانية) جاء بمشروع يحل هذا الإشكال لكنه لم يتمكّن من نشره والذي كان يتمثل في أن تكون الشريعة المصدر الأساسي للتشريع إلى جانب مصادر أخرى مثل الأعراف والعادات والتقاليد.

وما يحدث في ثورة ديسمبر (الحراك الحالي) أن الفكر كان معبئاً بالاحتجاج أكثر من السياسيات لذلك فإن الحديث عن الدين والشريعة هو حديث قديم جداً، فإذا أخذنا القانون الروماني على سبيل المثال والذي يعتبر أب القوانين في كل البلدان الأوروبية نجد أن به كثيراً من العقوبات القاسية، لكن معظم الدول أخذت منه ما يتواءم معها وتركت الآخر.

أين كان الإسلاميون أثناء الثورة؟

محمد علي الجزولي الأمين العام لتيار نصرة الشريعة:

كنا في المعتقلات

كنا في المعتقلات أنا شخصياً خرجت من المعتقل يوم 11 أبريل/نيسان، أي بعد سقوط النظام، ورئيس تيار نصرة الشريعة والقانون الحالي البروفيسور مصطفى إدريس فُصل من الجامعة لأنه طالب البشير بالتنحي، ورغم ذلك قاد من داخل الجامعة مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم.

لدينا تواجد كبير جداً في ساحة الاعتصام تحت لافتات مختلفة، لكن عندما نسيّر موكباً أو مسيرة باسم تيار نصرة الشريعة ودولة القانون فإننا نختار مكاناً آخر منعاً لأي احتكاك مع الآخرين بغرض الحفاظ على سلامة الجميع.

تيار نصرة الشريعة ودولة القانون يتكون من شباب وكيانات وشخصيات ساهمت في إنجاز ثورة 19 ديسمبر/كانون الأول شهد لهم الجميع بالوقوف ضد النظام السابق، بل أدخل كثير منهم السجون والمعتقلات.

عبدالله علي إبراهيم القيادي السابق في الحزب الشيوعي السوداني:

كانوا نايمين في العسل

أعتقد أن هؤلاء لم يكونوا يتوقعون ما حدث بل كانوا نايمين في العسل -كما يقال- فهم يمثلون الثورة المضادة، حيث يتجمعون بكل تياراتهم تحت شعارات الإسلام، وهذا أمر ليس بجديد كما حدث من قبل في ثورتي أكتوبر/تشرين الأول 1964 وأبريل/نيسان 1985 عندما خرج علينا التيار الإسلامي يتباكى على ضياع الشريعة وغيرها من الشعارات الإسلامية.

الدفاع عن الشريعة وعلاقتها بالثورة المضادة وإعادة إنتاج النظام السابق

محمد علي الجزولي الأمين العام لتيار نصرة الشريعة:

نحن نتبنى أهداف الثورة كاملة

هذه مزايدة غير موضوعية وتتعارض مع الميثاق التأسيسي للتيار وأهدافه التي تنص على التبني الكامل لأهداف الثورة.

أنا كنت معتقلاً لمدة 94 يوماً في سجون النظام السابق عندما كنت رئيساً لتيار نصرة الشريعة ودولة القانون.

الشعب السوداني ثار من قبل ضد الرئيس الأسبق عبود وقد كان علمانياً لكن لم يقل أحد إن هذه الثورة هي ضد العلمانية، وكما هي الثورة الجزائرية الآن التي قامت ضد بوتفليقة الذي كان علمانياً كذلك ولم يتحدث أحد عن أنها ضد العلمانية، إذاً الإسلاميون كانوا عقلاء دوماً في عدم أدلجة الثورات.

وفي الواقع أن العقل اليساري السوداني عقل نشاز، فجميع ثورات الربيع العربي كانت ثورات وطنية وليست ثورات ذات طابع أيديولوجي، وتاريخنا السوداني لم تكن به ثورات أيديولوجية بل جميعها ثورات وطنية خالصة، ويمكن القول إن اليسار السوداني يغرّد خارج سرب ثورات الربيع العربي والثورات السودانية على مر التاريخ.

عبدالله علي إبراهيم القيادي السابق في الحزب الشيوعي السوداني:

هذه طريقتهم في الثورات السابقة

الإسلاميون كانوا في السلطة لثلاثين عاماً وهذه طريقتهم دوماً عند حدوث الثورات كما في ثورة أبريل/نيسان 1985.

هذه سمات الثورة المضادة بكل تفاصيلها لكن الواقع يقول إن التيار الإسلامي في الوقت الحالي فقد واحداً من أهم أسلحته وهو الشريعة نفسها التي يتحدث عنها.

الإقصاء أم التفاهم بين الإسلاميين واليساريين

محمد علي الجزولي الأمين العام لتيار نصرة الشريعة:

لا يجب منع أي سوداني من حقوقه  

رؤيتنا للنظام السابق ليست مماثلة لرؤية إعلان الحرية والتغيير، فنحن نرى ذلك النظام أو الأحزاب التي تحالفت معه أو حتى المؤتمر الوطني نفسه أو الحركة الإسلامية التي كانت تمثل القاعدة الأساسية له جميعهم كسودانيين لهم الحق دستورياً وسياسياً في التمتع بما يتمتع بها غيرهم من السودانيين، فلهم حق التظاهر أو تسيير المواكب.

نحن نقول إن كل مَن ارتكب جرماً جنائياً، سواء كان من المؤتمر الوطني أو أحد شركائه، يجب أن يُقدَّم إلى محاكم علنية وعادلة، مع إعطائه الحق كاملاً في الدفاع عن نفسه بتوكيل محامٍ عنه، إذاً هناك فرق بين أن نحاسب المنتسبين إلى النظام السابق وبين أن نسحب جنسية جميع الذين شاركوا في النظام السابق، فهذه أيضاً صورة من صور تطرف اليسار الشاذ في العالم والذي يتبناه اليسار السوداني.

لذلك نحن نقول إنه لا يجب أن يُسحب منهم حق المشاركة السياسية، وحتى إعلان الحرية والتغيير عندما قدمت وثيقة الإعلان الدستوري للمجلس العسكري طالبت بالإبقاء على وثيقة الحقوق الأساسية في دستور 2005 والتي تكفل لكل سوداني أن يمارس حقوقه السياسية.

عبدالله علي إبراهيم القيادي السابق بالحزب الشيوعي:

الإسلاميون واليساريون تبادلوا الأفكار خلال صراعهم الطويل

نظرية الترابي كان من شأنها تجسير الهُوة بين الطرفين، وعندما تحدثت عن هذا الأمر اتهموني بأنني أريد إعادة إنتاج أفكار الترابي من جديد، لكن الواقع يقول إن صراعنا كيسار مع الإسلاميين أجبرهم على الأخذ والعكس فأخذنا منهم بعض الأشياء، وأبلغ دليل على ذلك هو مسألة حرية المرأة التي قال فيها الترابي لأنصاره يجب ألا ندع الحزب الشيوعي يحررها بل يجب أن نحررها نحن.

الموقف من المجلس العسكري والمرحلة الانتقالية

محمد علي الجزولي الأمين العام لتيار نصرة الشريعة:

قيادة المجلس الانتقالي يجب أن تكون للعسكريين

إذا ما تواضعت قوى إعلان الحرية والتغيير واعترفت بأن لديها شركاء في الوطن فيمكن أن ننتقل إلى مرحلة انتقالية بشكل سريع جداً تؤمّن البلاد من حالة انسداد الأفق الموجودة الآن.

لأن محاولة قوى اليسار داخل هذه القوى للسيطرة على الملعب، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الاحتقان والفراغ الدستوري مستقبلاً، لذلك على المجلس العسكري أن يتخذ الخطوات اللازمة بأن يكون على مسافة واحدة من الجميع، الأمر الذي من شأنه أن يقود إلى انتخابات حرة ونزيهة لاحقاً.

وتتمثل رؤيتنا في أن تكون الفترة الانتقالية بقيادة مجلس عسكري مع تمثيل مدني، خاصة أن الأوضاع على الساحة السياسية السودانية هشة، ما يحتم أن تشارك جميع القوى الفاعلة في الفترة الانتقالية.

وبالنسبة لرئاسة المجلس وطريقة اتخاذ القرارات لا أعتقد أنها مشكلة كبيرة، فإذا كان هناك إعلان دستوري لا يجعل أي حزب ينفرد بالقرار بطريقة ما يسمى "الثلث المعطل" بحيث تكون جميع القرارات بالأغلبية المطلقة، فلا أرى سبباً للرفض، كما يجب ألا ننسى أنه ما زالت هناك حركات مسلحة لم يتم التفاوض معها بعد وغيرها من القوى التي تمتلك الحق بأن تجد التمثيل المناسب.

عبدالله علي إبراهيم القيادي السابق في الحزب الشيوعي السوداني:

الحراك هزم الدولة العميقة حتى الآن، لكن يجب عدم التلويح بفك الأجهزة الأمنية

الحراك يجب أن يؤمِّن نفسه بشكل أكبر، فمن الواضح أن السلمية التي اعتمد عليها هزمت كل محاولات الدولة العميقة أذيال النظام السابق الذين سيحاولون بكل تأكيد خلق المشاكل هنا وهناك، كما يجب في ذات الوقت تطمين الآخرين بالسياسات البرامج والبُعد عن تصريحات على شاكلة حل جهاز الأمن، فليس من المعقول أن تطالب رجال الجيش -وهم من صلب الأمن- بحل هذا الجهاز المهم، ولا أدري من أين جاءت هذه الدعوة وقد كانت مطالب الثورة منذ البداية هي إعادة هيكلته وليس حله.

وعلى الطرف الآخر من الواضح أن أعضاء المجلس العسكري غير متفقين حتى الآن، لذلك الأمر يحتاج إلى صبر شديد وبعض التنازل من قوى المعارضة للمحافظة على الحراك الذي أزاح ثلاثة ضباط من المجلس من قبل، ما يعني أنه يمتلك القوة من أي وقت مضى، لكن لا تزال التجربة غير واضحة للكثيرين بعد سنوات طوال تحت ظل نظام إسلامي استنفد نفسه، يجب أن نؤكد أننا سنأخذ منه الإسلام الحقيقي، هذه عناصر قوة مهمة جداً للثورة.

سيطرة اليسار على إدارة الفترة الانتقالية، وطولها يساعدها على ترتيب أوراقها

محمد علي الجزولي الأمين العام لتيار نصرة الشريعة:

قوى إعلان الحرية تريد السيطرة على المجلس الانتقالي وسنسقط أي نظام أحادي التمثيل

لسنا في مواجهة مع إعلان الحرية التغيير وهم شركاء في الثورة، لكن نريدهم أن يتواضعوا، فهم  يريدون أن يمثلوا الشق المدني في مجلس السيادة، ونحن نرى أن الشق المدني يجب أن يكون من شخصيات قومية، يريدون أن يشكّلوا وحدهم مجلس الوزراء، ونرى ضرورة أن يكون مجلس الوزراء من شخصيات قومية لا تنتمي إلينا ولا إليهم، كما أنهم يرغبون في الاستحواذ على 67% من مقاعد المجلس التشريعي والتدخل كذلك في اختيار نسبة الـ33% المتبقية، بينما نرى أن يكون المجلس التشريعي بأكمله من مكونات القوى المجتمعية الحية ومشاركة الجميع في وضع قانون الانتخابات والفترة المقبلة.

في رأينا أن هناك فرقاً بين الانحياز لصوت الشارع والانقلاب العسكري، وإذا كان الفريق أول عبدالفتاح برهان يقول إنه انحاز إلى الشعب إذاً فعليه أن يقف على بُعد مسافة واحدة من جميع الأطراف ولا ينحز لأي قوى سياسية على حساب قوى سياسية أخرى، وإذا قام بتسليم السلطة لجهة واحدة بعينها حينها سنعلن أن هذا انقلاب عسكري وسنعمل على إسقاطه كما أسقطنا البشير من قبل، سنعمل على إسقاط مثل هذا النظام بكل الوسائل السلمية من احتجاجات ومسيرات وعصيان مدنيّ وإضراب شامل، وكل الوسائل التي يكفلها لنا الدستور.

عبدالله علي إبراهيم القيادي السابق في الحزب الشيوعي السوداني:

تفكيك الدولة العميقة يحتاج إلى وقت وليس مجرد ملاحقة أحزاب الإخوان

في انتفاضة 1985 كانت مطالب التجمع النقابي ألا تقل الفترة الانتقالية عن 5 سنوات، لكن بعد نقاشات طويلة تدحرجت إلى عام واحد؛ لأن المجلس العسكري كان قوياً في تلك الفترة.

في رأيي أن بناء الدولة الجديدة وتفكيك الدولة العميقة يحتاج إلى فترة طويلة جداً، وبما أن الطرفين قد اتفقا على ثلاث سنوات الآن فلا بأس في ذلك، لكن الأهم ليس المدة بل الطاقة التي نريد أن نبني بها الدولة، وليس مجرد ملاحقة أحزاب الإخوان المسلمين، فالدولة القائمة الآن أي شخص يتولى أمرها سيتحول إلى بشير جديد.

الموقف من التدخلات الخارجية (مصر والسعودية والإمارات)

محمد علي الجزولي الأمين العام لتيار نصرة الشريعة:

هذه ثورة سودانية خالصة وعُرس سوداني خاص، لا نريد أي تدخل من أي قوى خارجية سواء كانت الإمارات أو غيرها من الدول.

عبدالله علي إبراهيم القيادي السابق في الحزب الشيوعي السوداني:

التدخل الخارجي أمر طبيعي وكان من الأجدر بقوى الحرية والتغيير إرسال رسائل تطمين للعالم، خاصة دول الجوار في المنطقة وعلى رأسها مصر التي ظلت على الدوام أول قِبلة يتجه إليها أي تغيير يحدث في السودان.

فالسياسية الخارجية من أهم المسائل التي يجب أن تحسم مبكراً، هناك الكثير من القضايا التي يرغب العالم في معرفة رأي القيادة الجديدة فيها، مثل قضايا الهجرة وغيرها، وهذه الدول تخشى على مصالحها، لكننا يمكن أن نقدم تجربة ديمقراطية تبهر العالم كما قدمنا ثورة سلمية حتى الآن.

النهاية