من يحمل السلاح في لبنان؟

الحقائق والأوهام في قوة حزب الله وأعداد مقاتليه وأسواق السلاح والميليشيات غير الشرعية في لبنان

في سبتمبر/أيلول 2020، تابع العالم خطاباً لرئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

كانت الكلمة المسجلة التي أرسلها نتنياهو تحمل اتهاماً خطيراً لحزب الله اللبناني.

تحدَّث نتنياهو عن مستودع أسلحة سري تابع لمنظمة "حزب الله" بالقرب من مطار بيروت الدولي.

كانت الكلمة بعد أسابيع قليلة على انفجار مرفأ بيروت، في أغسطس/آب 2020. استغل نتنياهو الحادث وأشار إلى موقع الانفجار على خريطة معروضة بجانب المنصة.

قال: وقع الانفجار هنا، هذا هو مرفأ بيروت. 

وتابع: الآن انظروا، ها هو المكان الذي يمكن أن يحدث فيه الانفجار القادم. 

هذا هو حي جناح في بيروت. 

إنه بجوار المطار الدولي مباشرة. 

وهنا يحتفظ حزب الله بمستودع أسلحة سري.

انشغل العالم قليلاً بتصريحات وأدلّة نتنياهو، وظهرت العناوين الحمراء على الشاشات: عاجل، الكشف عن مخزن أسلحة لحزب الله.

بعد ساعة ونصف الساعة فقط على بدء الكلمة أطلّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطاب تلفزيوني معد مسبقاً، للإعلان عن تنظيم جولة لوسائل الإعلام في الليلة نفسها "لإثبات أكاذيب نتنياهو". 

وبعد 3 ساعات من الاتهام الإسرائيلي، كان عشرات الصحفيين من وسائل إعلامية محلية وعربية يدخلون إلى حي جناح بدعوة من الحزب.

زاروا أحد المصانع مع مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب محمد عفيف، الذي قال لضيوفه مبتسماً: كل الاتهامات التي يسوقها العدو كاذبة، وهذه المنشأة ليست ملكاً لحزب الله.

وتابع عفيف مشيراً إلى أنّه "لو كان للحزب مخازن للصواريخ لما دعا لجولة للإعلاميين".

هذه الأحداث تُلخّص علاقة حزب الله بالعالم.

يقولون ما يشاؤون عن مقاتلي الحزب وتسليحه.

ويردّ الحزب بهدوء: غير صحيح.

وعندما قرر أمينه العام حسن نصرالله أن يكشف لخصومه في الوطن عدد مقاتليه، قال أولاً: اكتب عندك: مئة ألف مقاتل، (يكرّرها) مئة ألف مقاتل!

كان السيد يحكي فقط "عن الرجال، وعن اللبنانيين، المدربين، المنظمين، المهيكلين، المسلحين، أصحاب التجربة، ولو أشير لهم أن يحملوا على الجبال لأزالوها.. ولما بنحكي عن الكل، بيصير نحكي عن أكتر من مئة ألف مقاتل".

هل تغيرت عقيدة الحزب في الحفاظ على أسراره؟

ما الذي يخفيه حزب الله، وما الذي يصلح للإعلان بشأن ترسانته من الأسلحة، وقدرات مقاتليه، وإمكاناته القتالية؟

في هذا التقرير محاولة للإجابة..

من المقاومة إلى السياسة

الحزب الذي بدأ ميليشيا ضد إسرائيل أصبح رقماً سياسياً في لبنان والمنطقة

حزب "سياسي إسلامي شيعي مسلح" في لبنان، يمتلك عشرات الآلاف من المقاتلين، ومخازن سرية للأسلحة والصواريخ.

ربما كان هذا هو التعريف الدقيق لمنظمة وُلدت تحت نيران الغزو الإسرائيلي 1982، وتمددت تدريجياً لتصبح كياناً أقرب لدولة داخل الدولة.

وجيشاً أكبر من الجيش.

وخلافاً لكل الأحزاب السياسية المألوفة يمتلك الحزب أجهزة أمنية وتنظيماً سياسياً قوياً، إضافة إلى شبكة للخدمات الاجتماعية.

يعتبره أنصاره الحصن الأخير للمقاومة ضد إسرائيل.

ويسميه خصومه "دولة داخل دولة تعمل لصالح إيران". 

تأسس الحزب المدعوم من إيران في خضمّ فوضى الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت خمسة عشر عاماً، مدفوعاً بمعارضته لإسرائيل ومقاومته للنفوذ الغربي في الشرق الأوسط.

غزت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان في عام 1978، ومرة أخرى في عام 1982.

وحملت مجموعة من الشيعة السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وقدّمت إيران وفيلق الحرس الثوري الإسلامي الأموالَ والتدريب للميليشيا الوليدة، التي اتخذت لها اسم "حزب الله". 

اكتسبت سمعة النزعة القتالية المتطرفة، بسبب اشتباكاتها المتكررة مع الميليشيات الشيعية المتنافسة، مثل حركة أمل.

والهجمات على أهداف أجنبية مثل التفجير الانتحاري عام 1983 في ثكنات القوات الأمريكية والفرنسية في بيروت.

هجمات تكررت حتى صنفته الولايات المتحدة ودول أخرى على أنه مجموعة إرهابية. 

وواجهت الجماعة اتهامات بالتخطيط وتنفيذ أعمال إرهابية ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في الخارج، وعمليات في إفريقيا والأمريكتين وآسيا.

وعلى الرغم من أن حزب الله يتخذ من لبنان مقراً له، فإن بيانه يوضح أن عملياته، خاصة تلك التي تستهدف الولايات المتحدة، لا تقتصر على الحدود الداخلية: "التهديد الأمريكي ليس محلياً أو مقتصراً على منطقة معينة، وبالتالي فإن مواجهة مثل هذا التهديد يجب أن تكون دولية أيضاً". 

في الأعوام الأخيرة، أوقعت التحالفات طويلة الأمد، مع إيران وسوريا، الجماعةَ في شَرك الحرب الأهلية ضد نظام الأسد.

تحوّل حزب الله، بدعمه لنظام بشار الأسد، إلى قوة عسكرية متزايدة الفاعلية. وتُقدّر الخارجية الأمريكية قواته بعشرات الآلاف من الأعضاء والأنصار الموزعين في جميع أنحاء العالم. 

يسيطر حزب الله على كثير من المناطق ذات الأغلبية الشيعية في لبنان، ومن ضمنها مناطق من بيروت وجنوب لبنان ومنطقة وادي البقاع الشرقي. 

أصبح حزب الله رصيداً حيوياً لإيران، جسر الانقسامات الشيعية العربية الفارسية.

واعتبرت الأمم المتحدة أعضاء من حزب الله متورطين في اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء الأسبق عام 2005، بينما يحمّل حزب الله إسرائيل مسؤولية الهجوم.


دوره في المشهد السياسي اللبناني

دخل الحزب لعبة السياسة علناً، وشارك للمرة الأولى في الحكومة اللبنانية منذ عام 1992، عندما انتُخب ثمانية من أعضائه لمجلس النواب، وشغل الحزب مناصب وزارية منذ عام 2005. 

وأعلن الحزب اندماجه في السياسة القائمة في عام 2009 ببيان أقل إسلامية من المألوف، يدعو إلى "ديمقراطية حقيقية".

يدير حزب الله شبكة واسعة من الخدمات الاجتماعية التي تشمل البنية التحتية ومرافق الرعاية الصحية والمدارس وبرامج الشباب. واستفاد الحزب كثيراً من هذه الشبكات لحشد الدعم من اللبنانيين الشيعة وغير الشيعة، على حد سواء. 

وفي تقرير لمركز أبحاث Pew Research Center صدر عام 2014، جاء أن 31% من المسيحيين و9% من المسلمين السنة، لديهم آراء إيجابية تجاه الجماعة.

وبموجب اتفاق الطائف لعام 1989، يحتفظ حزب الله بذراعه العسكرية رغم تفكيك كافة الميليشيات.


السياسة أخذت حزب الله إلى سوريا

تحالف حزب الله مع سوريا، التي احتل جيشها معظم لبنان إبان الحرب الأهلية اللبنانية، حتى طردته ثورة الأرز عام 2005.

ودافع حزب الله من دون جدوى عن بقاء القوات السورية في لبنان، وظل منذ ذلك الحين حليفاً قوياً لنظام الأسد.

ثم أكد حزب الله علناً مشاركته في الحرب الأهلية السورية عام 2013. ويقول خبراء إن الحكومة السورية تسهّل نقل الأسلحة من إيران إلى هذه الميليشيا، مقابل دعم طهران وحزب الله.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 7 آلاف مقاتل من حزب الله قاتلوا في التحالف الموالي للأسد، ساهموا بقوة في بقاء النظام عبر عدة انتصارات، أهمها معركة القصير عام 2013، التي أمّنت طريقاً لقوات النظام بين المدن الرئيسية دمشق وحمص. 

عام 2019، سحب حزب الله العديد من مقاتليه من سوريا، مفسراً القرار بالنجاح العسكري لنظام الأسد في إنهاء الأزمة.

تجربة حزب الله في القتال في سوريا ساعدته في أن يصبح قوة عسكرية أكثر قوة، وأثار تورطه استفزاز إسرائيل، التي قصفت أهدافاً في سورية، يُعتقد أنها تزوّد حزب الله بالأسلحة.

ما خفيَ قد يكون أخطر

هذا ما يعرفه العالم عن صواريخ وأسلحة حزب الله وجيشه الاحتياطي وعقيدته القتالية

في كلمة متلفزة عام 2018، قال حسن نصر الله إن الحزب حصل على صواريخ دقيقة ومتطورة، على الرغم من محاولات إسرائيل منعه من ذلك.

إلا أنه لم يقدم أي دليل على امتلاكه لهذه الصواريخ.

وواصل لغته التهديدية تجاه إسرائيل قائلاً: لقد انتهى الأمر، وتم الأمر، وأنجز الأمر، وباتت المقاومة تملك من الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة، ومن الإمكانيات التسليحية ما يسمح إذا فرضت إسرائيل على لبنان حرباً، ستواجه إسرائيل مصيراً وواقعاً لم تتوقعه في يوم من الأيام".

قبل هذا الخطاب بعام واحد، قدر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في 2017 أن لدى الميليشيا نحو عشرة آلاف مقاتل عامل.

ونحو عشرين ألفاً احتياطياً.

ترسانة من الأسلحة الصغيرة والدبابات والطائرات المسيرة ومختلف الصواريخ بعيدة المدى. 

وقال محللون من المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي إن الحزب يمتلك "ترسانة مدفعية أكبر مما تمتلك معظم الدول".

ووصفه تقرير عام 2018 من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بأنه "الجهة الفاعلة غير الحكومية الأكثر تسليحاً في العالم".


أكبر من جيش بلده وبلاد أخرى بالمنطقة

حزب الله اللبناني هو الشريك الأكبر للحرس الثوري وعناصر فيلق القدس، إذ سعت طهران لتحسين القدرات العسكرية لحزب الله من خلال إمداده بمنظومة دقيقة من أنظمة التسليح، والصواريخ، والقذائف والطائرات بدون طيار.

الصواريخ هي "درة" التاج في مخازن أسلحة حزب الله.

هي الورقة التي تؤرق خصومه، وأولهم إسرائيل.

التقارير التي تعتبر الحزب "أقوى جهة غير حكومية في العالم"، تستند إلى كمية الصواريخ ونوعيتها، وتصفه بأنه يمتلك أسلحة "جيش متوسط الحجم".

هو الجماعة المسلحة التي تفوق في قدراتها دولاً أخرى في الشرق الأوسط.

ويتميز بمستوى قتالي متطور، حيث من المرجح أن يتلقى مقاتلوه تدريباً عسكرياً على يد حرس الثورة الإسلامية الإيراني في جنوب لبنان وفي مخيمات بإيران.

وتشير الأساليب التي يستخدمها أعضاء حرس الثورة الإسلامية إلى أنهم يستخدمون أساليب وكتيّبات تدريب إسرائيلية وأمريكية.

أساليب تركز الاستنزاف والتنقل وجمع المعلومات الاستخبارية والمناورات الليلية.

وبعد حديث نصر الله الأخير عن امتلاك الحزب قوة من 100 ألف مقاتل مدرّبين، اعتبر مراسل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة The Times ريتشارد سبنسر، أنه في حال صدق نصر الله فإنه "يمتلك قوة تفوق تلك التي يتمتع بها الجيش اللبناني من حيث العدد، بل وجيوش العديد من الدول الكبرى، بما فيها بريطانيا".

ونقل سبنسر عن خبراء تقديرهم بأن عدد العناصر المسلحة في الحزب ربما يبلغ ذلك الرقم بالفعل، لا سيما في حال شمل التقدير الآلاف من أنصاره المدربين كقوات احتياط.

إسرائيل تخشى نجاح "المشروع الصاروخي" 

تثير إسرائيل أحياناً المخاوف من حزب الله وتسليحه، عبر المبالغة في قوته.

وتقلل منها أحياناً إلى درجة الحديث عن "عضلات وهمية" لا يملك منها حزب الله سوى القدرة على إخافة الخصوم.

"الخوف هو أقوى سلاح لحزب الله".

هكذا كتب المحلل الإسرائيلي ديفيد داوود، الذي يرى أن الحزب يصدر تهديدات تفوق إمكانياته العسكرية الحقيقية، بهدف الردع.

كما أن الدعاية من لبنان تهدف إلى الزيادة في قلق السكان الإسرائيليين ضد الحرب. 

وبهذا تكون الميليشيا الشيعية ناجحة، لأن وسائل الإعلام الإسرائيلية تغطي تهديدات حزب الله بشكل واسع.

لكن "الجيش الإسرائيلي لديه اعتقاد بأن حزب الله لديه عشرات الصواريخ الدقيقة التي تهدد إسرائيل، وفي العام الماضي أحرز تقدماً في هذه القضية، صحيح أن استمرار العمليات الهجومية الإسرائيلية في سوريا، أو العمليات السرية التي يتم تنفيذها في مناطق أخرى من الشرق الأوسط تعيق مواصلة الحزب لتكثيف قدراته العسكرية، لكنها لن توقف استمراره بهذا الاتجاه".

الخبير العسكري الإسرائيلي تال ليف- رام في مقال نشرته صحيفة "معاريف"

وأكد أنه "في نهاية المطاف، وفي واقع التطور التكنولوجي اليوم، سيكون لدى حزب الله أسلحة محددة تشكل تهديداً عسكرياً استراتيجياً كبيراً لأمن إسرائيل".

ومع تقدم الحزب في هذا المشروع الصاروخي، ستزداد معضلة صناع القرار الإسرائيلي، خاصة بالعمل والهجوم على الأراضي اللبنانية أيضاً، على افتراض أن غارات إسرائيلية ضد المواقع التي يخزن فيها حزب الله، أو يطور صواريخ دقيقة، ستؤدي إلى الحرب.


سرايا المقاومة اللبنانية.. القوات الاحتياطية للحزب

ولدت فكرة تشكيل "السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي" لدى حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله أثناء تقديم شبان مسيحيين تعازيهم بنجله في سبتمبر/أيلول 1997، حيث أعربوا عن استعدادهم لأن يكونوا في صفوف الحزب.

بعد أسابيع أعلن نصر الله عن تشكيل "السرايا"، حيث يكون "لكل لبناني، مهما كانت هويته السياسية أو الطائفية، القدرة على المشاركة في شرف دعم المقاومة وصناعة فجر التحرير".

بقي التشكيل منفصلاً عن جهاز الحزب، الذي يطبق "ضوابط شرعية ودينية" لعضويته، أما عنصر "السرايا"، فله الحرية المطلقة، من الناحيتين الاجتماعية والدينية.

وسجّل 14 مارس/آذار 1998 إطلاق السرايا اللبنانية العسكري أولى العمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي وعملائه في الجنوب، ونفذت السرايا 282 عملية حتى تحرير الجنوب عام 2000.

ومع إنجاز تحرير الجنوب اللبناني، ظنّ كثيرون أن الحزب قام بحل "السرايا اللبنانية"، لكن مجريات "حرب/تموز عام 2006" أظهرت "أن كثيرين ممن شاركوا فيها كانوا بمثابة جيش احتياطي سرعان ما نزل إلى أرض المعركة".

وفي يونيو/حزيران 2013 خرجت هذه السرايا إلى العلن من جديد بعد اشتباكات وقعت في صيدا جنوبي لبنان بين عدد من عناصرها وأنصار الشيخ أحمد الأسير، خلفت قتلى وجرحى.


التمويل يأتي علناً من الحلفاء في إيران

في 2016 أكد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أن تمويل حزب الله يأتي بالكامل من إيران ولا يمر عبر المصارف التي التزمت في لبنان بنص قانون أمريكي يفرض عقوبات على البنوك التي تتعامل مع هذا الفريق.

وخلال خطاب لمناسبة الذكرى الأربعين لمقتل قائده العسكري مصطفى بدر الدين في سوريا، قال نصرالله: "نحن ليس لدينا مشاريع تجارية وليس لدينا مؤسسات استثمارية تعمل من خلال البنوك"، مضيفاً "نحن وعلى المكشوف وعلى رأس السطح نقول: موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران. المقرر لنا يصل إلينا وليس عن طريق المصارف".

تستمر إيران في دعم حزب الله بالأسلحة، وبأكثر من 700 مليون دولار سنوياً، وفقاً لتقديرات الخارجية الأمريكية لعام 2019. كما يتلقى حزب الله أيضاً مئات الملايين من الدولارات من شركات أعمال قانونية ومؤسسات دولية ومن الشتات اللبناني.

وتكرر الولايات المتحدة من وقت لآخر اتهامات للحزب بالاتجار في المخدرات للحصول على تمويل لعملياته العسكرية. وكتبت صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية في 2016 أن حزب الله "يقوم بتمويل العمليات الإرهابية في أوروبا وشراء الأسلحة لدعم حربه في سوريا من خلال تجارته بأطنان من المخدرات عبر أمريكا اللاتينية، وأنه يحرك أطناناً من الكوكايين من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا عبر شبكة معقدة لغسيل الأموال لم نشهد مثيلاً لها".


وطهران أقرب للحزب من بعض الشيعة الإيرانيين

حزب الله يفخر بأنه يتبع الولي الفقيه.

المسألة لديه إلزام ديني وشرعي، فعلي خامنئي المرشد الأعلى للحزب هو القائد الديني والسياسي للحزب.

ومن المعروف أن المسلمين الشيعة يستلزم أن يكون لديهم مرجع ديني، وقد توسعت نظرية ولاية الفقيه في دور هذا المرجع.

المفارقة أنه ليس كل الإيرانيين أنفسهم يعتبرون خامنئي مرجعهم الديني، أي أن هناك إيرانيين لا يضعون خامنئي في نفس المرتبة التي يضعها فيها حزب الله.

وعلى غرار الحزب، تأسست ميليشيات شيعية بدعم إيراني في العراق وسوريا، لكن يظل حزب الله الأكثر ولاءً وانضباطاً وتدريباً، ولكن ليس الأكبر من ناحية العدد، ولكنه نموذج يراد تكراره في العديد من الدول العربية، وقد وصفه أحد الباحثين المعنيين بهذا الملف لـ"عربي بوست" بأنه درة التاج الإيراني، وأنه الوحدة الأكفأ في الحرس الثوري الإيراني.

ويلفت تقرير لصحيفة The Guardian أن "الحزب بدأ يحصد ثمار المال والدم الذي قدمه في سوريا، فهو وإيران في صعود، وكلاهما يقومان بتشكيل سوريا ما بعد الحرب، وفي لبنان يسيطر على ثلاث وزارات. 

غير أن صناديق لجمع التبرعات ظهرت نهاية أبريل/نيسان 2019 في أنحاء بيروت والضواحي الجنوبية وحتى على أعمدة الإنارة في بعض مناطق لبنان، بعدما طلب زعيم حزب الله، حسن نصر الله، التبرع لصالح الحزب بسبب الأزمة المالية التي يعانيها.


العقيدة القتالية للحزب

في 8 أيار/مايو 2008، أشهر أمين عام حزب الله شعار "السلاح لحماية السلاح".

شعار يتنكر في صورة الدفاع عن حق حمل السلاح، لكن مراقبين في لبنان وخارجه يرون في ذلك خدعة.

الحقوقي والكاتب سياسي اللبناني ساجي سنّو كتب في عربي بوست أن الرجل عندما قالها كان يمهد لاجتياح بيروت والجبل في اليوم نفسه.

والانقضاض على المحكمة الدولية.

وحماية المتهمين باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

في رأي ستو كان نصر الله يعلن بذلك بداية توسع سيطرة "دويلة السلاح غير الشرعي" على الدولة اللبنانية. 

منذ ذلك التاريخ توالت الشعارات الأخرى التي رفعها الحزب لتبرير ما سماه ستو "الانفلات" العسكري كذراع ضاربة لإيران، ليس فقط في لبنان، بل في الإقليم.


وآخرون.. يحملون السلاح أيضاً

القوات اللبنانية.. يحملون السلاح أيضاً

بالتوازي مع القوة العسكرية الكبيرة لحزب الله، فإن قوة طائفية أخرى تحمل السلاح في لبنان ويبلغ عددها وفق تسريبات نشرت منذ مدة 15 ألف مقاتل، وهي القوة العسكرية المتوقعة التابعة "لحزب القوات اللبنانية" أحد أكبر الأحزاب اليمينية المسيحية في البلاد، وتأسست على يد رئيس الجمهورية الراحل بشير الجميل أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، لمواجهة الأحزاب اليسارية المتحالفة مع منظمة التحرير الفلسطينية.

والحزب الذي جرى حله بداية العام 1994 عقب اعتقال زعيمه سمير جعجع على خلفية قضية "تفجير كنيسة سيدة النجاة" التي جرى تلفيقها من قِبَل المخابرات السورية التي حكمت لبنان على مدى 25 عاماً وأدت إلى اعتقال جعجع لمدة 11 سنة وجرى إطلاق سراحه في العام 2005 عقب اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في عفو عام أصدر خلال حكومة نجيب ميقاتي في العام نفسه.

وكانت القوات اللبنانية خلال مرحلة الحرب الأهلية تتمتع بحضور عسكري كبير، وتمتلك أسلحة متطورة قدمت من دول عديدة أوروبية بالإضافة للتدريب والتسليح الذي وفره الجيش الإسرائيلي والذي تحالف مع القوات خلال فترة الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، وبهذه الأسلحة خاضت القوات اللبنانية معارك ضد الفصائل الفلسطينية ثم حرب الإلغاء ضد الجيش اللبناني الذي كان يقوده حينها رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون، كما خاض الحزب حرب التحرير في وجه القوات السورية التي حاولت اجتياح المناطق المسيحية شرق بيروت.

وعقب اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية جرى الطلب من الميليشيات تسليم سلاحها والعتاد الثقيل للجيش السوري، لكن صفقة سياسية أدت إلى ترحيل الدبابات والصواريخ الثقيلة والمعدات الدقيقة التابعة لحزب القوات اللبنانية نحو صربيا التي كانت تخوض حربها ضد كوسوفو.

عقب انسحاب الجيش السوري من لبنان العام 2005 أعاد حزب القوات تنظيم نفسه وبات مشاركاً بشكل شرعي في الحكومات والبرلمان، وبات أحد أبرز الأحزاب المسيحية النشطة في المشهد اللبناني، كما أعاد ترتيب حضوره العسكري عبر تنظيم صفوفه وإطلاق برامج التدريب الأمني والعسكري.

وعن الرقم الحقيقي لعسكر القوات اللبنانية، نقل أن اجتماعاً جرى بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط منذ سنة، خلال مأدبة عشاء في منزل النائب نعمة طعمة، وعلى طاولة طعمة، عرض جعجع على جنبلاط فكرة استقالة نواب حزبيهما من البرلمان، وهو ما رفضه جنبلاط. 

بعد ذلك، قال جعجع إنه سيمضي في المواجهة ضد حزب الله حتى النهاية، مضيفاً: "لديَّ 15 ألف مقاتل، ونحن قادرون على مواجهة الحزب الذي بات يعاني من ضعف كبير، نتيجة الأوضاع في لبنان وفي الإقليم".

وعندما حذّر جنبلاط جعجع من خطورة ما يقوله، ردّ جعجع بالقول: نحن اليوم أقوى مما كنا عليه أيام بشير الجميل، وحزب الله أضعف مما كان عليه أيام أبو عمار (ياسر عرفات). 

وقدّم جعجع قراءته السياسية، وفيها أنه مدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى. أما حزب الله، برأي جعجع، فيعاني ويقدّم التنازلات لأنه أضعف ممّا كان عليه يوماً.

لم يوافق جنبلاط جعجع على قراءته، وخرج من اللقاء مذهولاً من تقديرات القائد الذي لم يفُز بمعركة يوماً. وأخبر رئيس الاشتراكي بعض أصدقائه بما سمعه، معتبراً أنه ربما يكون مؤشراً خطيراً على أمر يُحضَّر للبنان، وسيفاقم أوضاعه سوءاً.

 ومنذ أسابيع شهدت منطقة الطيونة على خط التماس بين منطقة عين الرمانة المسيحية والشياح الشيعية اشتباكات مسلحة قيل إنها بين عناصر من حزب الله والقوات اللبنانية وسقط خلالها 6 قتلى لحزب الله وحركة أمل، الأمر الذي اعتبر أنه "بروفة تجريبية" لحجم قوة حزب القوات اللبنانية في الشارع اللبناني.

تعتبر مصادر أمنية أن القوات تمتلك عتاداً مهماً لقتال الشوارع كالبنادق الأمريكية الحديثة والمدافع والقاذفات والصواريخ المتوسطة والمعدات اللوجستية بالإضافة لإمكانيات الصمود لأشهر طويلة في مناطق وجود القوات وتمركزها الشعبي والسياسي.

 

الحزب السوري القومي الاجتماعي

يعتبر الحزب السوري القومي الاجتماعي أحد أبرز الأحزاب المسلحة في لبنان لكونه يتلقى دعماً مباشراً من النظام السوري منذ السبعينيات من القرن الماضي، والحزب الذي ينتمي فكرياً لأنطون سعادة المؤمن بالهلال الخصيب العربي وسوريا الكبرى، تدور تساؤلات عديدة حول أيديولوجية الحزب ورؤيته، حيث يقول منتقدوه إنه حزب يُبطن الفاشية والنازية في أيديولوجيته كالحديث عن أن السوريين "أمة تامّة" و"سوريا للسوريين" وهو ما يشابه أحزاب اليمين المتطرف كذلك بفكره وأسلوبه وحتى علمه الشبيه نوعاً ما بالعلم النازي والحامل لما يُشبه الصليب المعقوف النازي.

اصطدم الحزب مع مجموعة من حزب الكتائب في منطقة الجمّيزة في بيروت أسفرت عن حرق مطبعته "الجيل الجديد" وأصدرت السلطات أمراً باعتقال أنطون سعادة، مما اضطره للجوء إلى سوريا. 

كما يتهم الحزب باغتيال الرئيس اللبناني السابق بشير الجميل، بالإضافة إلى أنه خاض معارك مسلحة في مناطق المتن والبترون والكورة مع حزب الكتائب، كما شارك الحزب في العام 1985 باجتياح مدينة طرابلس شمالي لبنان، التي كانت حينها تحت حكم حركة التوحيد الإسلامي، حيث جرى اجتياح المدينة مع الجبهة القومية، التي تضم أحزاب البعث السوري والشيوعي والعربي الديمقراطي في لبنان، وأسفر هذا الاجتياح عن تدمير المدينة وسقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى.

كما شارك الحزب في العام 2008 باجتياح بيروت، أو ما يُسمى "أحداث السابع من أيار" مع حزب الله وحركة أمل، وقام الحزب بإحراق مبنى تلفزيون المستقبل في بيروت، ورفع علمه على المبنى بعد حرقه.

يشارك الحزب منذ العام 2011 بالأحداث السورية إلى جانب النظام السوري، حيث جرى استجلاب مئات الشبان اللبنانيين المنتمين له للقتال في مناطق سورية مختلفة، تحت لواء المجموعات العسكرية اللبنانية التي كان يقودها حزب الله للدفاع عن نظام بشار الأسد، حيث قضى عشرات المنتمين للحزب في هذه الحرب، ورُفعت صورهم في قرى وشوارع المدن اللبنانية.

يمتلك الحزب معسكرات تدريب في مناطق الكورة وبعلبك، ويقال إن لديه معسكر تدريب في إحدى قرى عكار المجاورة للحدود السورية اللبنانية، حيث يُجري تدريبات لعناصره، وهو يمتلك أسلحة متوسطة وبنادق روسية الصنع، تركها النظام السوري لحلفائه قُبيل انسحابه من لبنان، بالإضافة لقاذفات من نوع "هاون" وصواريخ كاتيوشا وقذائف "الآر بي جي"، وهو يستعرض هذا السلاح بعرض مسلح سنوي يُقيمه في شارع الحمرا في بيروت، يُثير استفزاز القوى المناهضة له. تؤكد المصادر الأمنية أن عدد المسلحين التابعين للحزب يبلغ 5000 مسلح، ينتشرون في مناطق مختلفة في لبنان.

 

الجماعة الإسلامية

تُعتبر الجماعة الإسلامية أحد الفصائل السياسية اللبنانية التي تعترف بوجود فصيل مسلح لها في لبنان، وتطلق عليه اسم "قوات الفجر"، وهو الذي تأسّس العام 1982 لمواجهة الاجتياح الإسرائيلي، كما شاركت في صدّ القوات السورية والأحزاب اليسارية لاجتياح مدينة طرابلس العام 1985، عبر تشكيل فصيل مسلح أطلقت عليه اسم "المجاهدون"، والجماعة التي تنتمي فكرياً للإخوان المسلمين شاركت بصدّ العدوان الإسرائيلي عن مدينة صيدا، ما أدى لانسحاب إسرائيلي من المدينة في العام 1985، الذي كان متحالفاً مع القوات اللبنانية الموجودة في قرى صيدا، ومع قوات لحد، الرديف اللبناني للقوات الإسرائيلية.

والجماعة وجناحها العسكري بقيت على تنسيق مع حزب الله في القرى السنية المحاذية للحدود مع إسرائيل، حيث شهدت عمليات مشتركة في قرى العرقوب الجنوبية وإقليم التفاح، وجرى التنسيق في العدوان الإسرائيلي على لبنان العام 1996، حيث شاركت الجماعة مع الحزب بصدّ العدوان الإسرائيلي عن لبنان، كما أكدت مشاركتها في الدفاع عن لبنان في الحرب الإسرائيلية على لبنان العام 2006.

تمتلك الجماعة حضوراً عسكرياً وأمنياً في مناطق مختلفة، حيث أطلقت بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان "دورات محو أمية عسكرية" لعناصرها وكوادرها، تحضيراً لأي حرب محتملة مع إسرائيل، كما شاركت في الدفاع عن بيروت في العام 2008، في وجه حزب الله وحلفائه، في أحداث السابع من مايو/أيار، وجرى احتكاك مباشر مع الحزب في بعض المناطق، الأمر الذي استدعى اتصالات أدت لانسحاب الحزب من مناطق مختلفة في بيروت.

تحتفل الجماعة سنوياً بذكرى عناصرها الذين قضوا مع إسرائيل باحتفال تتخلله عروض عسكرية في مدينة صيدا، حيث تعلن الجماعة جاهزيتها لأي دفاع عن لبنان إذا اقتضى الأمر، كما ساهمت الجماعة عبر جناحها العسكري بدعم بعض الفصائل السورية المعارضة، وتأمين مستلزمات عسكرية له، الأمر الذي أدى لقطيعة سياسية بين الحزب والجماعة.

يُقدر عدد المنضوين في جناحها العسكري وفق تقديرات أمنية بحوالي 2500 مقاتل، موزعين بين الجنوب والشمال وبيروت، وتمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة وصواريخ كاتيوشا، ضبطت القوى الأمنية بعضها في العام 2009 في إحدى القرى الجنوبية، كما أطلق القيادي في الجماعة حسين عطوي صواريخ باتجاه إسرائيل، إبان حرب غزة العام 2014، وأُوقف خلالها لعدة أشهر قبيل إطلاق سراحه.


وأين الجيش اللبناني؟

الجيش اللبناني لديه أقل بقليل من 85 ألف جندي، لكنه يعاني من شح في التمويل على وقع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

أدت الأزمة الاقتصادية إلى إضعاف القدرات العملياتية للجيش اللبناني على نحو غير مسبوق، وتقويض ظروف عمل ومعيشة العسكريين وأفراد عائلاتهم.

وتقدّر تقارير الجيش أن انهيار الليرة في فترة 2019-2021 أدى إلى خفض الميزانية المخصصة للمشتريات العسكرية الأساسية بقيمة 94.5%؛ وتراجع حجم الإنفاق على العمليات والصيانة بنسبة 88.6%.

كما انخفضت بشدة رواتب العسكريين ومخصّصاتهم.

ومن العام 2019، وللمرة الأولى منذ 2007، فاقت أعداد الذين غادروا الجيش اللبناني أعداد من التحقوا بصفوفه.

والخطير هو أن الجيش يفقد راهناً ضبّاطاً أكفّاء ورتباء يشكّلون خزيناً هاماً له، فقد عمل أكثر من عشر سنوات على تعزيز قدراتهم. 

وإذا استمرّ هذا المنحى من دون اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على القدرات والمواهب المهمة، فسيشهد الجيش اللبناني بعد أن أصبح أحد أقدر جيوش المنطقة، تراجعاً تدريجياً.

وانهيار الجيش على هذا النحو يعني زعزعة استقرار البلاد على نطاق لم يشهده لبنان منذ السنوات الخمس السابقة للحرب الأهلية بين 1975 و1990 حين عملت الطبقة السياسية على إضعاف الجيش ونسف قدراته.

كلاشنكوف للبيع

السلاح غير الشرعي يسيطر على لبنان وتستفيد منه العشائر والميليشيات السياسية والمواطن العادي

في أكتوبر/تشرين الأول 2020 شهدت منطقة الهرمل في قلب سهل البقاع توترات بين عشيرتي آل شمص وآل جعفر، والتي تأخذ طابعاً عشائرياً ثأرياً.

اللافت كان مشاهد مصورة تظهر المنطقة التي تخضع لسيطرة "حزب الله" و"حركة أمل" بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، تحت تأثير عملية ثأرية. 

وتابع المواطنون استعراض العائلتين للقوة العسكرية، بعدما ظهرت كميات الأسلحة الموجودة، بمختلف أنواعها من قذائف وصواريخ، عبر فيديوهات وتسجيلات صوتية، يكشف فيها المتحدثون عن كامل هوياتهم، في إشارة واضحة إلى عدم اكتراثهم بالدولة.

كانت الواقعة التي تتكرر كثيراً في مناطق أخرى الثمار المباشرة لترك الأسلحة الفردية في أيدي من يريد.

بعد انتهاء الحرب الأهلية، جمعت الحكومة اللبنانية الأسلحة الثقيلة والمتوسطة فقط، تاركة المجال مفتوحاً للكم الهائل من الأسلحة الخفيفة المتبقية، كالمسدسات والبنادق الأوتوماتيكية من طراز AK-47، والتي انتهى بها الأمر في خزانات معظم المنازل اللبنانية.

المعلومة يؤكدها فادي أبي علام، رئيس حركة السلام الدائم في لبنان، وهي منظمة غير حكومية تسعى للتوعية بقضية السيطرة على انتشار الأسلحة الخفيفة في لبنان.

وكشفت اشتباكات حزب الله مع حزب القوات اللبنانية مؤخراً عن أن السلاح لم يغادر ثكنات الميليشيات.

وأن الميليشيات لم تغادر الجسد اللبناني أبداً.

عدا حزب "القوات اللبنانية" حتى العام 2005، احتفظت معظم الميليشيات التي كانت قائمة في زمن الحرب بجزء كبير من إمكاناتها القتالية، وعززت شبكات المحسوبية التابعة لها من خلال الانتفاع وسحب الأموال من عملية إعادة الإعمار التي اعتراها الفساد.

وفي خضم انهيار الاقتصاد اللبناني وتخبُّط المؤسسات الحكومية من أجل البقاء، لا تزال معظم الأحزاب الطائفية تحتفظ بميليشيات، وخدمات صحية، وشبكات للرعاية الاجتماعية والمساعدات الإنسانية.


سوق السلاح الشخصي

في مارس/آذار 2021 جمدت وزارة الدفاع اللبنانية تراخيص حمل الأسلحة، وسط مخاوف من تصاعد العنف.

ولم يذكر القرار السبب، لكنه استثنى البعثات الدبلوماسية والسياسيين ورؤساء الطوائف الدينية ومرافقيهم.

يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات بلبنان منذ الثلاثاء، عقب تسجيل العملة اللبنانية انهياراً تاريخياً مقابل الدولار، إذ تخطى سعر صرف الدولار الواحد 10 آلاف ليرة في السوق الموازية، بينما سعره الرسمي هو 1510 ليرات.

وكانت صحف لبنانية قد حذرت الأحد، من "مخاطر حقيقية" قد تشهدها الأيام المقبلة جراء استمرار تدهور الأوضاع على مختلف الصعد، بينما كتبت صحيفة "الديار" أن "لبنان يسير بخطى ثابتة نحو جهنم".

تعتبر سوق السلاح السوداء خير مؤشر على الوضع الأمني في لبنان ومدى ثقة المواطنين به وشعورهم بالأمان، حيث يشهد إقبالاً هو الأكبر منذ الحرب الأهلية بحسب ما يؤكد "طالب"، وهو أحد تجار الأسلحة الذي يعمل بين محافظتي بيروت والبقاع.

آخر مرة كان سوق الأسلحة بهذا النشاط كانت في زمن خطر داعش على لبنان والأحداث الأمنية التي شهدها البلد حينها، لكن الإقبال اليوم أكبر بكثير، إلى حد بات فيه الناس يوصون مسبقاً على الأسلحة التي يريدونها بحسب الدور والحجز"، كما نقل موقع الحرة عن أحد اللبنانيين.

الطلب الأكبر على المسدسات والبنادق الصغيرة.

وأسعار المسدسات فتبدأ من 500 دولار وتصل إلى عشرة آلاف.

الطلب أقل على الكلاشنكوف الذي يتراوح سعره من 400 دولار إلى 1600 حسب دولة التصنيع، أغلاها الروسي وأرخصها الصيني والإيراني.

الميليشيات تتدرب سرا وتقاتل في الشوارع علنا

في عام 2006 نشرت المواقع الإخبارية صورا يظهر فيها نديم بشير جميل في معسكر لتدريب القوات اللبنانية، في وقت تشهد فيه طاولة الحوار الوطني تأزما كبيرا جراء الاختلاف على نزع سلاح "المقاومة" وفق القرار 1559.

لكن القوات تنفي وجود ميليشيات مسلحة. ويحدث هذا رغم النفي المتكرر لما أشيع في أوقات سابقة عن تشكيل القوى اللبنانية السياسية لمليشيات عسكرية.

ورددت التقارير أنباء عن تكوين سعد الدين الحريري مليشيات سنية مسلحة في مواجهة سلاح حزب الله. وأضافت أنه تم إرسال 300 شاب إلى أميركا ليكونوا نواة الأطر التي ستتولى قيادة هذه المليشيا المتوقع أن يصل عددها إلى مائة ألف مقاتل.

وقالت إن مثل ذلك أشيع أيضا عن حركة "أمل" إذ قيل إنها تعمل لاستعادة جسمها العسكري.

وبعد أحداث الطيونة في بيروت في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021، استنكر رئيس القوات سمير جعجع ما جرى، وأكد أن السبب الرئيسي لتلك الأحداث العنيفة هو السلاح المتفلِّت الذي يهدِّد المواطنين في كل زمان ومكان.

لا توجد تقارير أو معلومات موثقة عن سلاح الميليشيات، عدا ما يقوله حزب الله عن قدراته. ويبدو أن الميليشيات تحذو حذو العشائر في امتلاك السلاح الفردي من الأسواق السرية، واستعماله عند الضرورة على الطريقة اللبنانية.

تخفي الميليشيات أسلحتها ومراكز تدريبها، لكن جعلت من لبنان نموذجا لكيفية سيطرة قادة الميليشيات السابقين على الدولة.

أصبحت غالبية القادة العسكريين الطائفيين ركائز نظام ما بعد الحرب الأهلية، أي منذ 1990. 

حدث هذا في وقت كانت الدول المركزية لا تزال هي القاعدة في المنطقة. لكن هذا لم يعد صحيحًا ، حيث تعاني البلدان في جميع أنحاء العالم العربي من ضعف الدولة.

استفاد قادة الميليشيات من الشبكات الاقتصادية التي تشكلت خلال الحرب، وأصبحوا وزراء، مما أتاح لهم الوصول إلى الأموال الضخمة الناتجة عن العقود العامة لإعادة الإعمار. 

كما تحالفوا مع فئة من رجال الأعمال والمصرفيين الذين يموّلون لهم الحملات الانتخابية ، مقابل دعم سياسي أو مقعد برلماني.

هكذا أصبح أكثر قوة.. وأكثر ضعفاً

في 2019 كتبت مجلة "فورين أفيرز" أن قدرات "حزب الله" العسكرية تفوق ما يعرفه العالم عنه.

ونقلت عن مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي وقتها أن قدرات "حزب الله" في تزايد مستمر.

شبكة حزب الله الدولية آخذة في التوسع، لكن الجماعة ليست تواقة إلى فتح حرب صريحة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.

يفضّل حزب الله الاعتماد على العمليات السرية والأنشطة الإرهابية، خاصة إذا كانت إسرائيل أو الولايات المتحدة ستعلن الحرب مع إيران. 

قد يرى حزب الله تهديداً أكثر إلحاحاً في فنائه الخلفي؛ حيث أصبح مع شركاء التحالف السياسي الحاكم هدفاً لتنديد المواطن اللبناني الغاضب من الفشل السياسي والاقتصادي.

معدلات البطالة والفقر والديون استمرت في الارتفاع في ظل الحكومة الجديدة، واستمرت معها التظاهرات.

لكن الخبراء يتوقعون ألا يرضخ حزب الله لمطالب المحتجين بتشكيل حكومة مستقلة سياسياً، خوفاً من أن تؤدي مثل هذه النتيجة إلى إضعاف قوة الحزب وإجباره على نزع سلاحه. 

حزب الله أصبح أكثر قوة بسبب تجربته في سوريا، لكنه بات في نواحٍ أخرى أضعف.

وقوفه إلى جانب الأسد "الجزّار" ضدّ المعارضة السنّية جعله يبدو أكثر وكأنّه جهة طائفية تتحكّم بها إيران وسوريا وليس كقوّة مقاومة إسلامية. وبالنسبة إلى العالم العربي السنّي، أصبح حزب الله رمزاً للشرّ.

وعلى الرغم من أنّ قدرات حزب الله التقليدية باتت أقوى أكثر من أيّ وقت مضى، قد يكون استخدامها ضدّ إسرائيل "كارثياً"، في مواجهة تعدّ في بعض جوانبها غير متكافئة.

سيسعى حزب الله بدلاً من ذلك إلى استخدام صواريخه.

وسوف يركّز قوّاته للدفاع عن هذه الترسانة ضدّ هجمات إسرائيل الجويّة والبرّية، فقد حفر أكثر من ألف نفق ومستودع ليخبّئ أسلحته ومقاتليه. 

وفي حال غزت إسرائيل لبنان من جديد لتوقف الاعتداءات الصاروخية، سيحاول حزب الله الاستفادة من أودية لبنان الشديدة الانحدار، كما فعل في العام 2006، ليجبر القوّات الإسرائيلية على سلوك مناطق ضيّقة تكون فيها عرضة للهجوم. 

غير أنّ إسرائيل تعلّمت من هزيمتها في العام 2006 ومن المستبعد أن تكرّر أخطاء الحرب الأخيرة.

الطرفان جاهزان للحرب هذه المرّة – فإذا اندلعت، من المرجّح أن تكون مؤلمة لكلّ المعنيّين بها.

من المرجّح إذن أن تكون النتيجة أن تحافظ إسرائيل وحزب الله على سلام عنيف. 


بعد إعلان نصر الله عن عدد مقاتليه بأيام، نشرت صحيفة The Times تقريراً يعتبر رقم 100 ألف مقاتل يشمل على الأرجح جنود الاحتياط، والآخرين الذين ليست لديهم خبرة في القتال ولم يتلقوا دورات تنشيطية.

إذا كان الرقم صحيحاً، تضيف الصحيفة، فإن ذلك يعني أن جنوده أكثر من جنود الجيش اللبناني، وأكثر من جنود الجيش البريطاني.

تبقى مدى قدرة حزب الله على هزيمة الجيش اللبناني الرسمي هي واحدة من أكبر الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها في الشرق الأوسط.

لا أحد يعرف الإجابة على وجه الدقة.

ولا أحد يرغب في اختبار هذا الاحتمال المدمر.