لا يبدو ما جرى مجرد "تطبيع".

غضب الفلسطينيون من الإعلان المفاجئ، وغضب المتعاطفون مع حقوقهم في أنحاء العالم.

ووصفت فصائل، الاتفاقَ بأنه طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني وخطوة تعكس مستوى التفكك والتفريط الذي وصل إليه النظام الرسمي العربي.

لكن البعض اعتبر أن ما جرى ليس صفقة.

بل إشعار بتصفية القضية الفلسطينية.

إنه اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل برعاية أمريكية، وصفته واشنطن بأنه يحمل بشائر خير وسلام للمنطقة برمتها، لكن كثيرين رأوا فيه خيانة لفلسطين.

وبالنسبة لكثيرين لم يكن الإعلان مفاجئاً. 

تعمل إسرائيل ودول الخليج على دعم العلاقات الثنائية منذ سنوات.

الإمارات والبحرين على وجه الخصوص، والمملكة العربية السعودية أيضاً.

رغم التركيز على تبادل المعلومات الاستخباراتية، فقد وسعت دول الخليج تعاونها مع إسرائيل في عدد من المجالات الأخرى، والمشاركة في التدريبات العسكرية المشتركة، والمبادرات الدبلوماسية، والبحث والتطوير، والاستثمار. 

لكن التطبيع العلني يختلف عن القنوات السرية.

والإعلان عن الصفقة كان ثلاثياً: أبوظبي وتل أبيب وواشنطن.

الثلاثة اكتشفوا أن المصالح المشتركة تجمعهم أكثر من العداوة الشكلية، وعلى رأس المصالح المشتركة مواجهة إيران. وكانت الكراهية المشتركة تجاه إيران، ومن بعدها تركيا، حافزاً مهماً لهذا التحالف الناشئ، كما سيشرح هذا التقرير. 

شجعت إدارة ترامب ذلك، وحرصت على احتواء إيران بقدر ما هي حريصة على دعم موقف إسرائيل الإقليمي وتأمين نوع من الإرث الإقليمي.

الاتفاق أطلقت إسرائيل عليه اسم "أبراهام"، بالعبرية: הסכם אברהם، وأعلنه ترامب على منصته المفضلة: تويتر.

جاءت الخطوة تتويجاً لترتيبات جيوسياسية كانت تجري في السر دون توقف، لإعادة رسم خريطة تحالفات الشرق الأوسط. من الخليج إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، وجدت إسرائيل والإمارات نفسيهما معاً:

حيث تعملان على احتواء النفوذ المتنامي لإيران. 

وحيث تعيشان القلق من نفوذ تركيا المتزايد. 

وحيث تتوقعان من الصفقة انتصارات سياسية كبيرة للبلدين، ومعهما الولايات المتحدة.

هذه الصفقة مصمَّمة بالأساس لتقود مرحلة جديدة في العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج، لكنها لن تكون المفتاح لفتح السلام العربي الإسرائيلي الأوسع. 

ومرة أخرى يشعر الفلسطينيون بأنهم يدفعون ثمن الطموحات الجيوسياسية لدول أخرى.

وراء صفقة التطبيع هناك كثير من الدوافع لأطرافها الثلاثة، وقليل من الآثار الإيجابية المتوقعة على الملف الفلسطيني، لكن خريطة الشرق الأوسط سوف تتغير كثيراً بدخول الإمارات العلني إلى "النادي الأمريكي الإسرائيلي"، كما تشرح سطور هذا التقرير.

الدوافع السياسية

إنقاذ ترامب ونتنياهو ونفوذ للإمارات 

لا علاقة لها بـ"تعزيز السلام في منطقة الشرق الأوسط"، لكن يمكن تلخيصها تحت 3 عناوين كبيرة:

طموحات دونالد ترامب الشخصية.

حماية دولة إسرائيل والتوسع في بناء المستعمرات.

والعداء المبالَغ فيه تجاه إيران.

مثل أي صفقة جيدة، فإنها توفر مكاسب لجميع الأطراف.

يواجه الرجال الثلاثة الذين أبرموا الصفقة مشاكل في الداخل.

كل رجل منهم بحاجة إلى انقلاب دبلوماسي، وهو شيء يمكن أن تسميه وسائل الإعلام الخاصة بهم حدثاً تاريخياً. كل منهم يعرف ماذا سيحدث له إذا فقد السلطة. 

بالنسبة لنتنياهو وترامب قد يعني ذلك السجن. 

أما بالنسبة لمحمد بن زايد، فسيعني ذلك النفيّ أو الموتَ. 

لذلك فعلاقته الحميمية مع إسرائيل هي بمثابة تأمين لحياته. وكذلك تتشابك مصائرهم الشخصية إلى حد غير عادي.

ينطبق هذا بشكل خاص على دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، وكلاهما يواجه مشاهد سياسية داخلية صعبة. 

الاتفاق يمنح كلا الرجلين إنجازاً بالغ الأهمية في السياسة الخارجية في وقت مناسب سياسياً. كما يسمح لهما بالابتعاد عن خطة ترامب للسلام مقابل الازدهار لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني- التي أقرتها الإمارات العربية المتحدة- والتي أصبح الزعيمان فاترين تجاهها، على الرغم من الالتزام بها علناً.

الدوافع غير المعلنة

إعلان حرب ثلاثية على إيران وتركيا

"التهديد الإيراني المتصاعد بالمنطقة ساهم في الاتفاق التاريخي بين إسرائيل والإمارات"، في رأي الكاتب الإسرائيلي يارون فريدمان بصحيفة يديعوت أحرونوت. "يجب شكر إيران على هذا الإنجاز، لأن تهديدها هو العامل الرئيسي للاتفاق التاريخي، عدو عدوي صديقي".

يزعم الكاتب أن "بن زايد يشترك مع إسرائيل في مواجهة عدوين رئيسيين: إيران والإخوان المسلمين، وفرعها في غزة ممثلاً بحركة حماس، ويبذل جهوداً لتسخير قدرات إسرائيل لمساعدة المحور المعتدل في المنطقة ممثلاً بالأردن ومصر والسعودية والبحرين في مواجهة المحور التركي القطري".

"على المستوى السياسي والاقتصادي، يبدو أن الاتفاق مع إسرائيل مُلحٌّ بالنسبة للإمارات، وليس نتيجة ضغط أمريكي وحده، رغم أنه يصب في مصلحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المهتم بتقديم إنجاز سياسي قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، لكن الاتفاق ما كان ليتحقق لولا مبادرة الإمارات، لأن السبب الرئيسي لتوقيته الحالي هو الزيادة الكبيرة في عتبة التهديد الذي يشكله أعداؤها في الشرق الأوسط".

"على المستوى الاستراتيجي اشتد القلق الإماراتي بشكل أساسي منذ هجوم إيران على منشآت أرامكو بالسعودية في 2019، وأثار مفاجأة السعودية والإمارات، ولم يلقَ حينها رداً أمريكياً مناسباً، وفي العام نفسه، اشتدت تهديدات الحوثيين المدعومين من إيران، وهددوا بإرسال صواريخ وطائرات من دون طيار لتدمير أبوظبي ودبي، واضطرت الإمارات إلى تقليص مكانتها في التحالف السعودي بعد هذا التهديد".

"الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يتم في الوقت نفسه الذي يتعرض فيه المحور الإيراني لضربات متلاحقة؛ اقتصادية من خلال العقوبات الأمريكية على إيران وحزب الله؛ واستراتيجية من خلال اغتيال قاسم سليماني، وتفجيرات في منشآت إيرانية، وتفجيرات إسرائيلية في سوريا؛ وإعلامية من خلال انتقادات شديدة في الشارع العربي، ومظاهرات ضد إيران في العراق، وضد حزب الله في لبنان".


كيف ستردُّ إيران على اتفاق السلام الإسرائيلي الإماراتي؟

يبدو أن الإمارات تحاول بحذرٍ تطويق إيران.

أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أقر في محادثةٍ عبر الهاتف، بأن ما يربط بلاده بإيران "علاقاتٌ مُعقَّدةٌ للغاية. إنها جارٌ لنا، لكننا في الوقت نفسه لدينا اختلافاتٌ حول السياسة الإقليمية لإيران"، رغم نفيه القاطع أن يكون التطبيع يأتي بهدف "إنشاء تكتلٍ ما ضد إيران".

سارعت إيران بالتحذير من أن الإمارات وشركاءها سيكونون مسؤولين عن "أيِّ تدخُّلٍ إسرائيلي في منطقة الخليج". وأضافت وزارة الخارجية الإيرانية أن هذه الخطوة ستزيد من قوة إيران وحلفائها، بما يشمل جماعة حزب الله اللبنانية. 

وصف الحرس الثوري الإیراني اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل بأنه "خطأ استراتيجي وحماقة تاريخية"، كما انتقد الرئيس الإيراني الاتفاق.


وربما تكون تركيا هي المقصودة بإعلان الحرب

يتساءل حسين إبيش، وهو كبير باحثين بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن: "لماذا يحدث هذا الآن ؟"، ويردُّ بأن "تركيا أفضل كلمة تلخص الإجابة عن هذا السؤال".

"كانت تركيا وقطر والإمارات في وقت من الأوقات جزءاً من الكتلة نفسها الموالية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ثم ساءت علاقاتها أثناء الربيع العربي، عندما ساندت تركيا وقطر انتفاضات الحركات الشعبوية مثل الإخوان المسلمين، بينما ساندت الإمارات نظم الحكم القائمة".

ويتساءل إبيش: "لماذا الإمارات العربية المتحدة وليس أي دولة خليجية أخرى؟ لأن إسرائيل والإمارات تتشاركان بشكل فريد في الشعور نفسه بالتهديد. فهما متفقتان بالنسبة لإيران، ومتفقتان أيضاً بالنسبة لتركيا، والإخوان المسلمين، وقطر.

في رأيه يأتي الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي في وقت تعزز فيه تركيا من نفوذها الإقليمي على عدة جبهات مختلفة، وضمن ذلك تدخُّلها ضد خليفة حفتر الذي تدعمه الإمارات في ليبيا، وهجماتها واسعة النطاق ضد المسلحين الأكراد في سوريا والعراق، ودعم أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا، وتصدِّيها للسفن اليونانية في المياه المتنازع عليها. 

ربما ليس مصادفة أن يعلن المسؤولون الإسرائيليون رسمياً دعمهم لليونان في نزاع شرق البحر المتوسط، بعد أيام من إعلان صفقة التطبيع الإسرائيلي الإماراتي.

نتائج التطبيع على الشرق الأوسط

 مزيد من الصراع والاستبداد

تفتح الباب لدول إسلامية أخرى لتبدأ التطبيع

قد تفتح الصفقة الآن الباب أمام ممالك الخليج الأخرى لتحذو حذوها. من غير المرجح أن يتحول التعاون المحدود القائم بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية إلى تطبيع في أي وقت قريب، ففي نهاية المطاف، كرَّس الملك سلمان عقوداً من حياته للقضية الفلسطينية، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان متورط حالياً في التعامل مع السياسة الداخلية الحساسة. وهو يستعد لخلافة والده. ومع ذلك، قد تشجع المملكة العربية السعودية البحرين على تبني التطبيع: لطالما نظرت الرياض إلى شريكها الأصغر في المنامة على أنه وسيلة للتفاعل بشكل غير رسمي مع القدس، وقد تفعل ذلك بحريةٍ أكبر في إطار التطبيع.

وقال مسؤول كبير في إدارة ترامب، إن البحرين وسلطنة عُمان على الأرجح ستعملان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد ذلك، إلى جانب المغرب أيضاً على الورق. ويذهب مايك سينغ، مستشار شؤون الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد جورج دبليو بوش، إن دولاً أخرى خارج المنطقة، مثل إندونيسيا وماليزيا، قد تفكر أيضاً في بدء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. كما وصف مسؤولون إسرائيليون السودان بأنه طرف محتمل.

ومع ذلك لا يزال معظم الخبراء متشككين في أن تحذو السعودية حذو الإمارات.

مكانة السعودية القيادية في العالم الإسلامي تجعل من غير المرجح أن تتبع المملكة خطى الإمارات. فالمملكة تستضيف أقدس موقعين إسلاميين في العالم، وتصور نفسها على أنها الدولة القائدة والمدافعة عن الإسلام السني. وقال الملك سلمان، الذي يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين، لمنظمة التعاون الإسلامي، العام الماضي، إن القضية الفلسطينية تظل قضية جوهرية، وإن المملكة "ترفض أي إجراءات تمس الموقف التاريخي والقانوني للقدس الشرقية".

"السعودية موجودة في قلب الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، ولعل صمت قادتها يدل على تأييدهم له"، في رأي الكاتب الإسرائيلي يارون فريدمان بصحيفة يديعوت أحرونوت.


تعمق مشكلات المنطقة وتزيد الاستقطاب الإقليمي

ومع ذلك، لا يزال من غير المرجح أن تأتي هذه الاتفاقات الثنائية بعهد من السلام الإقليمي. قد تؤدي العلاقات الوثيقة بين الإمارات وإسرائيل إلى تعميق خطوط الصدع العميقة في المنطقة بدلاً من سدها. يمكن أن تؤدي الإجراءات الأكثر قوة من قبل الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل (والولايات المتحدة) ضد إيران وحلفائها الإقليميين، أو ضد تركيا في شرق البحر المتوسط، إلى مزيد من زعزعة الاستقرار وتشجيع الاعتقاد الخاطئ بأن النزاعات العديدة في المنطقة يمكن حلها من خلال الخسارة. السياسات عندما تشير جميع الأدلة إلى عكس ذلك. لذلك يجب على شركاء وحلفاء القدس وأبو ظبي، في الولايات المتحدة، وأيضاً في أوروبا، العمل بجد لضمان عدم ترجمة هذه الصفقة إلى منافسة جيوسياسية متزايدة. بدلاً من ذلك، ينبغي عليهم الاستفادة من النشاط الدبلوماسي الحالي لإحياء العديد من المبادرات الدبلوماسية المتوقفة وجهود خفض التصعيد في الشرق الأوسط.


الصفقة تثير القلق من تزايد الاستبداد بالشرق الأوسط

البيان الأمريكي-الإسرائيلي-الإماراتي الثلاثي الذي تلاه ترامب، والذي استند بوضوح إلى مسودة إسرائيلية أولى، يتحدث عن إطلاق الدول الثلاث "أجندة استراتيجية للشرق الأوسط لتوسيع التعاون الدبلوماسي والتجاري والأمني"، لأن ثلاثة "يتشاركون نظرة مماثلة فيما يتعلق بالتهديدات والفرص في المنطقة".

يجب أن يتسبب هذا في قلق معظم الناس في المنطقة، نظراً للسياسات العسكرية والاستبدادية التي انتهجها في السنوات الأخيرة نتنياهو ومحمد بن زايد في السنوات الأخيرة: تجاه سوريا ولبنان وإيران. 

تجاه قطر والعراق واليمن وليبيا ودول أخرى.

إلى جانب الولايات المتحدة، ربما كانت السياسات المشتركة لهذه البلدان الثلاثة هي المحرك الرئيسي للتوتر والحرب والموت والدمار في جميع أنحاء الشرق الأوسط - مع سعي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، صانع الأذى الإقليمي الصاعد، للدخول إلى "النادي".


الصفقة تثبت أن الربيع العربي وفلسطين "يد واحدة"

أحد التأثيرات الفورية لهذا الإعلان في العالم العربي يتمثل في الاعتراف بأن مطالب الربيع العربي من أجل الديمقراطية في العالم العربي ومطالب الفلسطينيين بالسيادة شيء واحد.

فالربيع العربي والفلسطينيون لديهم أعداء مشتركون: طغاة عرب أصبح قمعهم للديمقراطية أكثر قسوة من أي وقت مضى وأكثر مما كان في العصور الوسطى. 

ولديهم قضية مشتركة: المقاومة الشعبية لحكم القلة الذين يمارسون كل السلطة، العسكرية والاقتصادية على حد سواء.

وها هي ثمار الصفقة المرتقبة تتحدث عن استثمارات إماراتية ضخمة في إسرائيل، بدلاً من ضخها في الأردن أو مصر التي هي في أمس الحاجة إلى السيولة النقدية.


تزيد من الاستقطاب داخل المجتمعات العربية

يخشى معظم القادة العرب السماح لشعوبهم بالتعبير عن أنفسهم بحرية، وبدلاً من ذلك يسعون للحصول على الحماية من خلال الجمعيات القائمة على الأمن والمراقبة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، من بين آخرين.

لقد عانت الدول العربية قرناً من التطور العشوائي، وفي الآونة الأخيرة، تزايد الفقر والحرب والاستبداد، ويرجع ذلك في الغالب إلى أن قادتها يركزون في المقام الأول على ضمان الاحتفاظ بالمناصب والأمن والثروة، حتى لو كان ذلك مقابل حرمان شعوبهم من الحقوق الاقتصادية والمدنية.

لا عجب أننا في عقد من الاحتجاجات الجماهيرية المستمرة لإزالة الحكام في جميع أنحاء المنطقة العربية. السودان والجزائر ولبنان والعراق هي أحدث الأمثلة.

وبدلاً من تعزيز الازدهار والعلاقات بين الشعوب، كما هو موعود، من المرجح أن تحفز هذه الاتفاقية استقطاباً أكبر داخل الدول العربية وفيما بينها، مع تزايد النزعة العسكرية، وربما يحتاج الأمر إلى مزيد من التدخلات الأمريكية "الرائعة" أكثر من أي وقت مضى.

نتائج التطبيع على القضية الفلسطينية

ورقة دحلان

بعدما أصبحت الدولة العربية الثالثة التي توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل بعد مصر والأردن، قدمت الإمارات العربية المتحدة تنازلاً كبيراً، وكسرت واحداً من أكبر المحرمات السياسية والاجتماعية في العالم العربي. 

تعهدت الدول العربية بشكل جماعي بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل فقط مقابل اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني كامل. 

من خلال قلب النظام بوضع السلام الإقليمي قبل السلام الفلسطيني، تزيل الإمارات العربية المتحدة الحافز الرئيسي الذي يجبر إسرائيل على إنهاء احتلالها. 

لا يدهشنا الآن أن التخلي عن الدولة الفلسطينية مقابل التطبيع الإقليمي لطالما كان أحد طموحات نتنياهو الرئيسية ويظهر الآن باعتباره الفائز الرئيسي في إعلان ترامب. 

هذه هي أولى النتائج الأولية للصفقة على الحقوق الفلسطينية، وهناك نتائج أخرى إليكم أبرزها:


الصفقة تشجع إسرائيل على المزيد من ضم الأراضي والاستيطان

ربما يكون التطبيع الكامل مع الإمارات قد ثنى إسرائيل بالفعل عن الإعلان الرسمي للسيادة على أراضي الضفة الغربية في الوقت الحالي - أو على الأقل زود نتنياهو بغطاء مناسب لعدم القيام بذلك على الفور. لكن لم يكن على إسرائيل أن تقدم أي تنازل. إذا كان هناك أي شيء، فقد تمت مكافأة سلوكها المتطرف. وسيستمر ضمها الفعلي للأراضي الفلسطينية واستيطانها دون عوائق، مما يرسخ نظام السيطرة الذي يفضل اليهود الإسرائيليين على جيرانهم الفلسطينيين ويبدو بشكل متزايد وكأنه نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في الماضي. وقد سبق لنتنياهو أن أعلن أن هذا الاتفاق يعلق فقط الضم وأنه سيستمر، وهي حصيلة تهدد بفضح الموقف الإماراتي.


الصفقة قد تُنعش آمال دحلان في العودة رئيساً للسلطة

ربما يكون جزء من صفقة التطبيع الجديدة ترقية القياديّ الفلسطيني المنفي محمد دحلان و/أو من ينوب عنه كرئيس فلسطين المقبل.

ظهرت تقارير صحفية عن هذه الخطة قبل 4 سنوات، وكما يقول الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، ارتبطت عودة دحلان إلى الوطن على وجه التحديد بـ"اتفاقية سلام مع إسرائيل بدعم من الدول العربية".

لم يقل دحلان نفسه، الموجود في المنفى في أبو ظبي، شيئاً عن الاتفاقية. لكن فصيله داخل فتح، الذي يطلق على نفسه اسم "تيار الإصلاح الديمقراطي"، أصدر بياناً قال فيه إنه "تابع باهتمام كبير البيان الأمريكي الإماراتي الإسرائيلي المشترك، الذي أعلن عن بدء مسار لتطبيع العلاقات، يتضمن تجميداً لقرار إسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة".

وأطلق عليه أنصاره في عطلة نهاية الأسبوع التالي للإعلان عن الصفقة لقب "الزعيم".

والنتيجة كانت حرق صورته في رام الله أمس مع صور محمد بن زايد.

في الماضي، استغل دحلان بذكاء الانقسامات بين حماس وفتح. 

لفترة وجيزة كان هناك حديث عن التقارب بين دحلان وحماس، في علاقة متجددة مع يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة. كان السنوار ودحلان زميلين سابقين في المدرسة، والتقى الاثنان في محادثات سرية في القاهرة.

كل أعماله السابقة، بما في ذلك دفع تكاليف حفلات الزفاف الجماعية في غزة وزراعة مؤيدين وميليشيات في مخيم بلاطة، تلاشت الآن. 

لقد تخطى دحلان الخطوط الحمراء من خلال دعم هذه الصفقة، على الرغم من أن هذه الحقيقة لم تُستوعب بعد.


نظام إقليمي جديد بتحالف إسرائيل المحتلة مع الحكام الطغاة

هذه الصفقة لا تتعلق بالسلام. 

لقد التقى القادة العرب بالقادة الإسرائيليين بانتظام. التقى العاهل الأردني الملك عبدالله الأول بقادة الصهاينة قبل عام 1948، وواصل حفيده الملك حسين هذا التقليد. وأحصى الكاتب الإسرائيلي آفي شلايم 42 لقاء للملك حسين مع نظرائه الإسرائيليين وذلك في كتابه الذي يسرد السيرة الذاتية للملك حسين. واستخدم الملك الحسن المغربي الموساد للتخلص من خصومه.

لم يغير أي من هذا الاتصال المنتظم بين الأعداء المعلنين رفض الجماهير العربية لإسرائيل.

إن اعتراف الإمارات العربية المتحدة بإسرائيل ليس له علاقة بالبحث عن نهاية للصراع. إنه يتعلق بإقامة نظام إقليمي جديد بين الديكتاتوريين والمحتلين -الطغاة العرب والمحتلين الإسرائيليين. 

مع انسحاب أمريكا باعتبارها القوة الإقليمية المهيمنة، هناك حاجة إلى قوى جديدة.

هذه القوى هي إسرائيل والإمارات إذا قفزنا خطوة للأمام.

كان بإمكان القادة الإسرائيليين في السابق التظاهر بأنهم مجرد متفرجين على اضطراب الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي، إلا أن هذا الاتفاق الآن يربط الدولة اليهودية بالحفاظ على الاستبداد والقمع من حولها. 

لا يمكن للإسرائيليين التظاهر بأنهم ضحايا "جيرة قاسية". 

لقد أصبحوا ركيزتها الأساسية. 


الصفقة لن تدفع الفلسطينيين للاستسلام

يتصور مهندسو تلك الصفقة أن التجارة والاتصالات غير المعاقة والسفر والاعتراف بين إسرائيل وأغنى جيرانها الخليجيين ستصبح "حقائق على الأرض" جديدة، ثابتة مثل الطرق التي تلتف حول القرى الفلسطينية والمستوطنات نفسها.

لكن الفلسطينيين لن يرفعوا راية الاستسلام اليوم، أكثر مما كانوا سيفعلون في العقود السبعة الماضية. إنهم لن يتخلوا عن حقوقهم السياسية ويأخذوا المال. لكن ليس ثمة شيء أسوأ من ذلك مطلوب لكي تنجح هذه الخطة.

إذا كان هذا الانهيار الأخلاقي سيحدث في أي مكان، لكان حدث في الجيب الذي جوعته إسرائيل منذ 14 عاماً -غزة. لكن ليس هناك أي مؤشر على تراجع المقاومة الشعبية لإسرائيل. 

ولن يحدث هذا في الضفة الغربية الأكثر حرية نسبياً، حيث وصفت السلطة الفلسطينية القرار بأنه "خيانة" للشعب الفلسطيني والقدس والمسجد الأقصى.

إن موجة الغضب والاستياء التي تجتاح عروق الفلسطينيين تنعكس في عموم السكان العرب. وتأتي كل محاولة صادقة لمراقبة الرأي العام حول هذه المسألة بإجابات يفضل ترامب ونتنياهو ومحمد بن زايد ألا يسمعوها.

لقد ارتفعت نسبة العرب المعارضين للاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل، ولم تنخفض، في العقد الماضي. وقد حدد مؤشر استطلاع الرأي العام العربي هذا الاتجاه كمياً. في عام 2011، عارض 84% الاعتراف الدبلوماسي. وبحلول عام 2018، ارتفع هذا الرقم إلى 87%.


توحّد النخبة السياسية الفلسطينية من جديد

ستجبر هذه الصفقة فتح وحماس، الخصمين اللدودين منذ الحرب الأهلية في غزة في عام 2007، على الانضمام إلى أحضان بعضهما البعض، في رأي الصحفي البريطاني ديفيد هيرست. هذا ما يحدث بالفعل على مستوى الشباب، ولكن درجة الغضب والخيانة التي يشعر بها كبار المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية تحدث أيضاً على مستوى القيادة.

إذا كان نتنياهو وبن زايد على اتصال هاتفي مع بعضهما البعض، فكذلك الآن الرئيس محمود عباس، وإسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحركة حماس. 

ورحبت حماس برد الفعل القوي للسلطة الفلسطينية على الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي. وقال مصدر في حماس إنه يرى في موقف السلطة الفلسطينية "فرصة للعمل السياسي والميداني المشترك في الضفة الغربية وقطاع غزة".

إذا كان هذا الشعور الجديد بالهدف المشترك بين الفصيلين الفلسطينيين المتنافسين الرئيسيين مستداماً -وكان عباس في الماضي غير مستعد لقبول أي شركاء في حكم فلسطين- فهذه هي بداية نهاية اعتقالات نشطاء حماس في الضفة الغربية من قبل الأمن الوقائي الفلسطيني.

وكان جبريل الرجو ب ذات يوم يرأس جهاز الأمن الوقائي، وهو يشغل الآن منصب الأمين العام لحركة فتح. لكن الرجوب يعقد اليوم مؤتمرات صحفية مع الرجل الثاني في قيادة حماس صالح العاروري -في إشارة أخرى إلى أن التقارب بين الطرفين يكتسب زخماً، كما يضيف الصحفي البريطاني.

وقال الرجوب الذي كان يتحدث خلال لقاء صحفي مشترك عبر الهاتف مع العاروري: "سنقود معركتنا معاً تحت علم فلسطين لتحقيق دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على حدود 1967 وحل قضية اللاجئين على أساس القرارات الدولية".